اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (162)

لما قال - في الآية الأولى - : { ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } أتبعه بتفصيل هذه الجملة ، فقال : { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ } والكلام [ في ]{[6164]} مثله قد تقدم من أن الفاء النية بها التقديم على الهمزة ، وأن مذهب الزمخشريِّ تقدير فعل بينهما .

قال أبو حيّان : وتقديره - في هذا التركيب - متكلِّف جدًّا .

والذي يظهر من التقديرات : أجعل لكم تمييزاً بين الضالِّ والمهتدي ، فمن اتبع رضوان الله واهتدَى ليس كمَنْ باء بسخَطِه ؛ وغل ؛ لأن الاستفهام - هنا - للنفي .

و " مَنْ " - هنا - موصولة بمعنى الذي في محل بالابتداء ، والجار والمجرور الخبر ، قال أبو البقاء : " ولا يجوز أن يكون شَرْطاً ؛ لأن " كَمَنْ " لا يصلح أن يكون جواباً " . يعني : لأنه كان يجب اقترانه بالفاء ؛ لأن المعنى يأباه . و " بِسَخَطٍ " يجوز أن يتعلق بنفس الفعل ، أي : رجع بسخطه ، ويجوز أن يكون حالاً ، فيتعلق بمحذوف ، أي رجع مصاحباً لسخطه ، أو ملتبساً به ، و { مِّنَ اللَّهِ } صفته .

والسَّخَط : الغضبُ الشديدُ ، ويقال : سَخَط - بفتحتين - وهو مصدر قياسي ، ويقال : سُخْط - بضم السين ، وسكون الخاء - وهو غير مقيس . ويقال : هو سُخْطةُ الملك - بالتاء - أي في كرهه منه له .

وقرأ عاصم{[6165]} - في إحدى الروايتين عنه - رُضْوان - بضم الراء - والباقون بكسرها ، وهما مصدران ، فالضم كالكُفْران ، والكسر كالحِسْبان .

فصل

{ أَفَمَنِ اتَّبَعَ } الهمزة فيه للإنكارِ ، والفاء ، للعطف على محذوف ، والتقدير : أفمن اتقى فاتبع رضوان الله وقوله : " بَاءَ " أي : رجع ، وقد تقدم .

واختلف المفسّرون ، فقال الكلبيُّ والضحَّاك : { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ } في ترك الغلول { كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ اللَّهِ } في فِعْل الغُلول ؟ .

وقيل : { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ } بالإيمان به والعمل بطاعة { كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ اللَّهِ } بالكفر به والاشتغال بمعصيته ؟ وقيل : { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ } وهم المهاجرون { كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ اللَّهِ } وهم المنافقون ؟ .

وقال الزَّجَّاجُ : لما حمل المشركون على المسلمين دَعَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى أن يَحْملوا على المشركين ، ففعله بعضهم ، وتركه آخرونَ ، فقوله : { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ } وهم الذين امتثلوا أمره { كَمَن بَآءَ بِسَخْطٍ مِّنَ اللَّهِ } وهم الذين لم يقبلوا قَوْلَه ؟

قال القاضي : كُلُّ وَاحِدٍ من هذه الوجوهِ صحيحٌ ، ولكن لا يجوز قصر اللفظ عليه ؛ لأن اللفظ عام ؛ فيجب أن يتناول الكُلُّ ، وإن كانت الآيةُ نزلت في واقعة معينة لكن عمومَ اللفظِ لا يُبْطَلُ بِخُصوصِ السبب .

وقوله : { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ } في هذه الجملة احتمالان :

أحدهما : أن تكون مستأنفة ، أخبر أن مَنْ بَاءَ بِسَخَطه أوَى إلى جهنمَ ، وتفهم منه مقابله ، وهو أن من اتّبع الرضوانَ كان مأواه الجنة ، وإنما سكت عن هذا ، ونص على ذلك ليكون أبلغ في الزَّجْر ، ولا بد من حذف في هذه الجُمَلِ ، تقديره : أفمن أتبع ما يؤول به إلى رضا الله فباء برضاه كمن اتبع ما يؤول به إلى سخطه ؟

الثاني : أنها داخلة في حَيِّز الموصول ، فتكون معطوفة على " بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ الله " فيكون قد وصل الموصول بجملتين : اسمية وفعلية ، وعلى الاحتمالين ، لا محلَّ لها من الإعراب .

قوله : { وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } المخصوص بالذم محذوف ، أي وبئس المصيرُ جهنمُ .

واشتملت الآية على الطباق في قوله : { يَنصُرْكُمُ } و { يَخْذُلْكُمْ } وقوله : { رِضْوَانَ اللَّهِ } و " بسخطه " والتجنيس المماثل في قوله : { يَغُلَّ } و { بِمَا غَلَّ } .


[6164]:في أ: على.
[6165]:انظر: السبعة 201، 202، والحجة 3/21، 22، والعنوان 78، وإعراب القراءات 1/108، وحجة القراءات 157، وشرح شعلة 309، وشرح الطيبة 4/148 ـ 149، وإتحاف 1/472، 493.