البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَآءَ بِسَخَطٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (162)

{ أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير } هذا لاستفهام معناه النفي ، أي ليس من اتبع رضا الله فامتثل أوامره واجتنب مناهيه كمن عصاه فباء بسخطه ، وهذا من الاستعارة البديعية .

جعل ما شرعه الله كالدليل الذي يتبعه من يهتدي به ، وجعل العاصي كالشخص الذي أمر بأن يتبع شيئاً عن اتباعه ورجع مصحوباً بما يخالف الاتباع .

وفي الآية من حيث المعنى حذف والتقدير : أفمن اتبع ما يؤول به إلى رضا الله عنه ، فباء برضاه كمن لم يتبع ذلك فباء بسخطه .

وقال سعيد بن جبير والضحاك والجمهور : أفمن اتبع رضوان الله فلم يغل كمن باء بسخط من الله حين غل .

وقال الزجاج : أفمن اتبع رضوان الله باتباع الرسول يوم أحد ، كمن باء بسخط من الله بتخلفه وهم جماعة من المنافقين .

وقال الزّجاج أيضاً : رضوان الله الجهاد ، والسخط الفرار .

وقيل : رضا الله طاعته ، وسخطه عقابه .

وقيل : سخطه معصيته قاله ابن إسحاق .

ويعسر ما يزعم الزمخشري من تقدير معطوف بين همزة الاستفهام وبين حرف العطف في مثل هذا التركيب ، وتقديره متكلف جداً فيه ، رجح إذ ذاك مذهب الجمهور : من أن الفاء محلها قبل الهمزة ، لكْن قدّمت الهمزة لأنْ الاستفهام له صدر الكلام .

وتقدّم اختلاف القراء في رضوان في أوائل هذه السورة ، والظاهر استئناف .

{ ومأواه جهنم } : أخبر أنَّ مَن باء بسخط من الله فمكانه الذي يأوي إليه هو جهنم ، وأفهم هذا أن مقابله وهو من اتبع رضوان الله مأواه الجنة .

ويحتمل أن تكون في صلة مَن فوصلها بقوله : باء .

وبهذه الجملة كان المعنى : كمن باء بسخط الله ، وآل إلى النار .

وبئس المصير : أي جهنم .

/خ163