اشتملت هذه السورة في بدايتها علي التنويه بشأن القرآن ، وانتقلت بعده إلي ذكر تهديد الكافرين بقدرة الله علي إنزال العذاب بهم ، وتسلية النبي صلي الله عليه وسلم عن تكذيب قومه بما لقيه فريق من رسل الله من تكذيب أممه ، فحدثت عن لقاء موسى وهارون لفرعون ، وتكذيبه لهما ، ثم ذكر سبحانه قصة إبراهيم أبي الأنبياء ، ونبأ نوح مع قومه ، وشأن هود مع عاد ، وصالح مع ثمود ، ثم شرحت السورة دعوة لوط ، وقصة شعيب مع أصحاب الأيكة .
ويرى المتأمل في قصص هؤلاء النبيين أن أصول دعوتهم واحدة ، وأسلوب الكافرين في رد رسالتهم واحد . ثم ختمت السورة بالتنويه بشأن القرآن ، كما افتتحت به ، وأنهت الحديث بإبطال أن يكون الرسول من الشعراء وأن يكون القرآن شعرا .
1- هذه الحروف لبيان أن القرآن المعجز للبشر ركبت كلماته منها ومن أخواتها ، وهي في طوقهم ، فمن ارتاب في أنه من عند الله فليأت بمثله ، ولن يستطيع .
سورة الشعراء مكية وآياتها سبع وعشرون ومائتان إلا أربع آيات من آخر السورة من قوله : " والشعراء يتبعهم الغاوون " . وروينا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ أعطيت طه والطواسين من ألواح موسى عليه الصلاة والسلامٍ .
قوله تعالى : { طسم } قرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر : طسم ، وطس ، وحم ، ويس بكسر الطاء والياء والحاء ، وقرأ أهل المدينة بين الفتح والكسر ، وقرأ الآخرون بالفتح على التفخيم ، وأظهر النون من السين عند الميم من طسم : أبو جعفر ، وحمزة ، وأخفاها الآخرون . وروي عن عكرمة عن ابن عباس قال : طسم عجزت العلماء عن علم تفسيرها . وروى علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس :أنه قسم ، وهو من أسماء الله تعالى ، وقال قتادة : اسم من أسماء القرآن . وقال مجاهد : اسم للسورة . قال محمد بن كعب القرظي : أقسم الله بطوله وسنائه وملكه .
1- سورة الشعراء هي السورة السادسة والعشرون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فكان نزولها بعد سورة الواقعة . كما يقول صاحب الإتقان ، أي : هي السادسة والأربعون في ترتيب النزول .
2- قال القرطبي : هي مكية في قول الجمهور . وقال مقاتل : منها مدني ؛ الآية التي يذكر فيها الشعراء ، وقوله : [ أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ] . وقال ابن عباس وقتادة : مكية إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة من قوله –تعالى- : [ والشعراء يتبعهم الغاوون ] إلى آخر السورة . وهي مائتنان وسبع وعشرون آية . وفي رواية : وست وعشرون( {[1]} ) .
3- وسورة الشعراء تسمى –أيضاً- بسورة " الجامعة " . ويغلب على هذه السورة الكريمة ، الحديث عن قصص الأنبياء مع أقوامهم .
فبعد أن تحدثت في مطلعها عن سمو منزلة القرآن الكريم ، وعن موقف المشركين من الرسول صلى الله عليه وسلم أتبعت ذلك بالحديث عن قصة موسى مع فرعون ومع بني إسرائيل ، ثم عن قصة إبراهيم مع قومه ، ثم عن قصة لوط مع قومه ، ثم عن قصة شعيب مع قومه . .
4- ثم تحدثت في أواخرها عن نزول الروح الأمين بالقرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، وساقت ألوانا من التسلية والتعزية للرسول صلى الله عليه وسلم بسبب تكذيب الكافرين له ، وأرشدته إلى ما يجب عليه نحو عشيرته الأقربين ، ونحو المؤمنين ، وبشرت أتباعه بالنصر وأنذرت أعداءه بسوء المصير ، فقد ختمت بقوله –تعالى- : [ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وذكروا الله كثيرا ، وانتصروا من بعد ما ظلموا ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ] .
5- والسورة الكريمة بعد ذلك تمتاز بقصر آياتها ، ويجمعها لموضوعات السور المكية ، من إقامة الأدلة على وحدانية الله –تعالى- ، وعلى أن البعث حق ، وعلى صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله ، كما نرى أسلوبها يمتاز بالترغيب والترهيب ، الترغيب للمؤمنين في العمل الصالح ، والترهيب للمشركين بسوء الصبر إذا ما استمروا على شركهم .
وقد ختمت كل قصة من قصص هذه السورة الكريمة بقوله –تعالى- : [ إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين . وإن ربك لهو العزيز الرحيم ] وقد تكرر ذلك فيها ثماني مرات . . .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . . .
سورة الشعراء من السور التى افتتحت بحرف من الحروف المقطعة وهو قوله - تعالى - : { طسم } .
وقد ذكرنا آراء العلماء فى الحروف المقطعة بشىء من التفصيل عند تفسيرنا لسور : " البقرة ، آل عمران ، والأعراف ، ويونس . . " إلخ .
وقلنا ما خلاصته : لعل أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض السور ، على سبيل الإيقاظ والتنبيه ، للذين تحداهم القرآن .
فكأن الله - تعالى - يقول لهؤلاء المعاندين والمعارضين فى أن القرآن من عند الله : هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك فى أنه من عند الله - تعالى - فهاتوا مثله ، أو عشر سور من مثله ، أو سورة واحدة من مثله ، فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - .
{ طسَمَ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلّكَ بَاخِعٌ نّفْسَكَ أَلاّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } .
قال أبو جعفر : وقد ذكرنا اختلاف المختلفين فيما في ابتداء فواتح سور القرآن من حروف الهجاء ، وما انتزع به كلّ قائل منهم لقوله ومذهبه من العلة . وقد بيّنا الذي هو أولى بالصواب من القول فيه فيما مضى من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته ، وقد ذكر عنهم من الاختلاف في قوله : طسم وطس ، نظير الذي ذكر عنهم في : آلم والمر والمص . وقد :
حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله طسم قال : فإنه قسم أقسمه الله ، وهو من أسماء الله .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله طسم قال : اسم من أسماء القرآن .
فتأويل الكلام على قول ابن عباس والجميع : إن هذه الاَيات التي أنزلتها على محمد صلى الله عليه وسلم في هذه السورة لاَيات الكتاب الذي أنزلته إليه من قبلها الذي بين لمن تدبره بفهم ، وفكّر فيه بعقل ، أنه من عند الله جلّ جلاله ، لم يتخرّصه محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يتقوّله من عنده ، بل أوحاه إليه ربه .