164- قل يا محمد - منكراً - على المشركين دعوتهم إياك لموافقتهم على شركهم : أأطلب للعبادة رباً غير الله ، مع أنه خالق كل شيء ؟ وقل لهم - منكراً عليهم - إنهم لا يحملون عنك خطاياك إذا وافقتهم . لا تعمل أي نفس عملا إلا وقع جزاؤه عليها - وحدها - ولا تؤاخذ نفس بحمل ذنب نفس أخرى ، ثم تبعثون بعد الموت إلى ربكم ، فيخبركم بما كنتم تختلفون فيه في الدنيا من العقائد ، ويجازيكم عليه ، فكيف أعصي الله اعتماداً على وعودكم الكاذبة ؟ .
قوله تعالى : { قل أغير الله أبغي رباً } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : سيداً وإلهاً .
قوله تعالى : { وهو رب كل شيء } ، وذلك أن الكفار كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى ديننا . قال ابن عباس : كان الوليد بن المغيرة يقول : اتبعوا سبيلي أحمل عنكم أوزاركم .
قوله تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } ، لا تجني كل نفس إلا ما كان من إثمه على الجاني .
قوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ، أي لا تحمل نفس حمل أخرى ، أي : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره .
قوله تعالى : { ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } .
{ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ } من المخلوقين { أَبْغِي رَبًّا } أي : يحسن ذلك ويليق بي ، أن أتخذ غيره ، مربيا ومدبرا والله رب كل شيء ، فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته ، منقادون لأمره ؟ " .
فتعين علي وعلى غيري ، أن يتخذ الله ربا ، ويرضى به ، وألا يتعلق بأحد من المربوبين الفقراء العاجزين .
ثم رغب ورهب بذكر{[307]} الجزاء فقال : { وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } من خير وشر { إِلَّا عَلَيْهَا } كما قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا }
{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } بل كل عليه وزر نفسه ، وإن كان أحد قد تسبب في ضلال غيره ووزره ، فإن عليه وزر التسبب من غير أن ينقص من وزر المباشر شيء .
{ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ } يوم القيامة { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } من خير وشر ، ويجازيكم على ذلك ، أوفى الجزاء .
ثم قال لهم للمرة الثالثة على سبيل التعجب من حالهم ، والاستنكار لواقعهم : { قل أَغَيْرَ الله أَبْغِي رَبّاً } أى : أغير الله - تعالى - تريدوننى أن أطلب رباً فأشركه فى عبادته ، والحال والشأن أنه - سبحانه - هو رب كل شىء ومليكه ، وهو الخالق لكل شىء .
فجملة { وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } حال فى موضع العلة لإنكار ما هم عليه من ضلال .
ثم بين - سبحانه - أن كل إنسان مجازى بعمله فقال : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } أى : لا تجترح نفس إثما إلا عليها من حيث عقابه . فلا يؤاخذ سواها به ، وكل مرتكب لإثم فهو وحده المعاقب به .
{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } أى : ولا تحمل نفس مذنبة ولا غير مذنبة ذنب نفس أخرى ، وإنما تتحمل الآثمة وحدها عقوبة إثمها الذى ارتكبته بالمباشرة أو بالتسبب .
قال القرطبى : واصل الوزر الثقل ، ومنه قوله تعالى ( وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ) وهو هنا الذنب كما فى قوله تعالى
{ وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ } ثم بين - سبحانه - نهايتهم فقال : { ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } أى : رجوعكم بعد الموت يوم القيامة { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } بتمييز الحق من الباطل ، ومجازاة كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر على حسب علمه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
... {قل} لهم {أغير الله أبغي ربا}، يعني أتخذ ربا، {وهو رب كل شيء} في السماوات والأرض، {ولا تكسب كل نفس إلا عليها}، يعني إلا على نفسها، {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، يعني لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى...، {ثم إلى ربكم} في الآخرة {مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه} في الدين أنتم وكل قبيلة في الدين {تختلفون}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان الداعيك إلى عبادة الأصنام واتباع خطوات الشيطان:"أغيرَ اللّهِ أبْغِي رَبّا" يقول: أسِوَى الله أطلب سيّدا يسودني.
"وَهُوَ رَبّ كُلّ شَيْءٍ "يقول: وهو سيد كلّ شيء دونه، ومدبره ومصلحه. "وَلا تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ إلاّ عَلَيْها" يقول: ولا تجترح نفس إثما إلا عليها أي لا يؤخذ بما أتت من معصية الله تبارك وتعالى وركبت من الخطيئة سواها، بل كلّ ذي إثم فهو المعاقَب بإثمه والمأخوذ بذنبه. "وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" يقول: ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها، ولكنها تأثم باثمها وعليه تعاقب دون إثم أخرى غيرها. وإنما يعني بذلك المشركين الذين أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول لهم، يقول: قل لهم: إنا لسنا مأخوذين بآثامكم، وعليكم عقوبة إجرامكم، ولنا جزاء أعمالنا. وهذا كما أمره الله جلّ ثناؤه في موضع آخر أن يقول لهم: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"...
"ثُمّ إلى رَبّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان: كلّ عامل منا ومنكم فله ثواب عمله وعليه وزره، فاعملوا ما أنتم عاملوه، "ثُمّ إلى رَبّكُمْ" أيها الناس، "مَرْجِعُكُمْ" يقول: ثم إليه مصيركم ومنقلبكم، "فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ" في الدنيا، "تَخْتَلِفُونَ" من الأديان والملل، إذ كان بعضكم يدين باليهودية، وبعض بالنصرانية، وبعض بالمجوسية، وبعض بعبادة الأصنام، وادّعاء الشركاء مع الله والأنداد، ثم يجازي جميعكم بما كان يعمل في الدنيا من خير أو شرّ، فتعلموا حينئذٍ مَن المحسن منا والمسيء.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
كيف أوثِر عليه بَدَلاً وإني لا أجد عن حكمه حِوَلا؟
وكيف أقول بغيرٍ أو ضد أو شريك أو أقول بدونه معبود أو مقصود؟ وإنْ لاحظتُ يمنةً ما شاهدتُ إلا مُلْكَه، وإنْ طالعتُ يَسْرةً ما عايَنْتُ إلا مُلكَه! بل إني إنْ نظرتُ يمنةً شهدت يُمْنَه، وإنْ نظرتُ يَسْرةً وجدتُ نحوي يُسْرَه!...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... استفهام يقتضي التقرير والتوقيف والتوبيخ، و {أبغي} معناه أطلب، فكأنه قال: أفيحسن عندكم أن أطلب إلهاً غير الله الذي هو رب كل شيء؟ {ولا تزر} أي لا تحمل وازرة أي حاملة ِحمل أخرى وثقلها، والوزر أصله الثقل، ثم استعمل في الإثم لأنه ينقض الظهر تجوزاً واستعارة... وقوله {ثم إلى ربكم مرجعكم} تهديد ووعيد {فينبئكم} أي فيعلمكم أن العقاب على الاعوجاج تبيين لموضع الحق، وقوله {بما كنتم فيه تختلفون} يريد على ما حكى بعض المتأولين من أمري في قول بعضكم هو ساحر وبعضكم هو شاعر. وبعضكم افتراه، وبعضكم اكتتبه، ونحو هذا...
وهذا التأويل يحسن في هذا الموضع وإن كان اللفظ يعم جميع أنواع الاختلافات من الأديان والملل والمذاهب وغير ذلك.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
ولما بين توحيد الألوهية، انتقل إلى برهانه الأعلى وهو توحيد الربوبية، بما أمره به تعالى في قوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} الاستفهام للإنكار والتعجب والمعنى أغير الله خالق الخلق، وسيدهم ومربيهم بالحق، اطلب ربا آخر أشركه في عبادتي له بدعائه والتوجه إليه، أو ذبح النسائك أو نذرها له، لينفعني أو يمنع الضر عني أو ليقربني إليه زلفى ويشفع لي عنده كما تفعلون بآلهتكم، والحال أنه تعالى هو رب كل شيء مما عبد ومما لم يعبد فهو الذي خلق الملائكة وخواص البشر كالمسيح والشمس والقمر والكواكب والأصنام المذكرة ببعض الصالحين وصانعيها {والله خلقكم وما تعملون} (الصافات 96) فإذا كان تعالى هو الخالق المقدر، وهو السيد المالك المدبر، وهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وفضل بعض المخلوقات على بعض ولكنها بالنسبة إليه على حد سوى، فكيف أسفه نفسي وأكفر ربي، بجعل المخلوق المربوب مثلي ربا لي؟ وقد سبق تقرير هذه المسألة مرارا في تفسير هذه السورة وغيرها ومنه أن جميع المشركين كانوا يقرون بأن معبوداتهم مخلوقة وأن الله رب العالمين هو خالق الخلق أجمعين...
{وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} هذه الجملة معطوفة على الجملة الحالية قبلها، لأنها معللة للإنكار ومقررة للتوحيد مثلها، وهي قاعدة من أصول دين الله تعالى الذي بعث به جميع رسله كما قال في سورة النجم: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} (النجم 36- 39) وهي من أعزم أركان الإصلاح للبشر في أفرادهم وجماعاتهم، لأنها هادمة لأساس الوثنية، وهادية للبشر إلى ما تتوقف عليه سعادتهم الدنيوية والأخروية (وهو عملهم) وقد بينا مرارا أن أساس الوثنية طلب رفع الضر وجلب النفع بقوة من وراء الغيب، هي عبارة عن وساطة بعض المخلوقات العظيمة الممتازة ببعض الخواص والمزايا بين الناس وبين ربهم ليعطيهم ما يطلبون في الدنيا من ذلك بدون كسب ولا سعي إليه من طريق الأسباب التي جرت بها سنته تعالى في خلقه، وليحملوا عنهم أوزارهم حتى لا يعاقبهم تعالى بها، أو يحملوا الباري تعالى على رفعها عنهم وترك عقابهم عليها وعلى إعطائهم نعيم الآخرة وإنقاذهم من عذابها أي على إبطال سنته وتبديلها في أمثالهم، أو تحويلها عنهم إلى غيرهم،وإن قال في كتابه: {ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا} (فاطر 43).
فمعنى الجملتين: ولا تكسب كل نفس عاملة مكلفة إثما إلا كان عليها جزاؤه دون غيرها، ولا تحمل نفس فوق حملها حمل نفس، إنما تحمل وزرها وحده {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} (البقرة 286) دون ما كسب أو اكتسب غيرها. والوزر في اللغة: الحمل الثقيل ووزره يزره حمله يحمله. قال ابن عباس في تفسير الجملتين بحاصل المعنى: لا يحمل أحد ذنب غيره. فالدين قد علمنا أن نجري على ما أودعته الفطرة من أن سعادة الناس وشقاءهم في الدنيا بأعمالهم، وأن عمل كل نفس يؤثر فيها التأثير الحسن الذي يزكيها إن كان صالحا، أو التأثير السيئ الذي يدسيها ويفسدها إن كان فاسدا وإن الجزاء في الآخرة مبني على هذا التأثير فلا ينتفع أحد ولا يتضرر بعمل غيره من حيث هو عمل غيره. وأما من كان قدوة صالحة في عمل أو معلما له فإنه ينتفع بعمل من أرشدهم بقوله وفعله زيادة على انتفاعه بأصل ذلك القول أو الفعل، ومن كان قدوة سيئة في عمل أو دالا عليه ومغريا به فإن عليه مثل إثم من أفسدهم كذلك، وكل من هذا وذاك يعد من عمل الهادين والمضلين، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله:"من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الملك البجلي والترمذي بلفظ "من سن سنة خير.. ومن سن سنة شر.. "وبهذا يعلم أنه لا تعارض بين الآية وما في معناها وبين قوله تعالى في المضلين من الناس {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} (النحل 25) وقوله فيهم: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} (العنكبوت 13)...
{ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أي ثم إن رجوعكم في الحياة الآخرة التي بعد هذه الحياة الدنيا إلى ربكم وحده دون غيره مما عبدتم من دونه زاعمين أنهم يقربونكم إليه فينبئكم بما كنتم تختلفون فيه من أمر أديانكم إذ كان بعضكم يعبده وحده، وبعضكم قد اتخذ له أندادا من خلقه، ويتولى هو جزاءكم عليه وحده بحسب علمه وإرادته القديمتين ويضل عنكم ما كنتم تزعمون من دونه؛ فكيف تعبدون معه غيره؟ وقد تقدم مثل هذا في سورة المائدة في سياق اختلاف الشرائع وذكرنا نصه آنفا وفي آل عمران في قصة عيسى: {إلي مرجعكم فأحكم بينكم فما كنتم فيه تختلفون} (آل عمران 54) ومثله في البقرة بعد ذكر طعن اليهود والنصارى بعضهم ببعض (2: 112) وله نظائر بعضها في الأنباء بالاختلاف أو الحكم فيه وبعضها في الأنباء بالعمل ومنه ما تقدم في هذه السورة (آية 20و 109) وكله إنذار بالجزاء وبيان أنه بيده تعالى وحده.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
كلمة تتقصى السماوات والأرض وما فيهن ومن فيهن؛ وتشتمل كل مخلوق مما يعلم الإنسان ومما يجهل؛ وتجمع كل حادث وكل كائن في السر والعلانية.. ثم تظللها كلها بربوبية الله الشاملة لكل كائن في هذا الكون الهائل؛ وتعبدها كلها لحاكمية الله المطلقة عقيدة وعبادة وشريعة
(أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء)؟
أغير الله أبغي ربا يحكمني ويصرف أمري ويهيمن علي ويقومني ويوجهني؟ وأنا مأخوذ بنيتي وعملي، محاسب على ما أكسبه من طاعة ومعصية؟
أغير الله أبغي ربا. وهذا الكون كله في قبضته؛ وأنا وأنتم في ربوبيته؟
أغير الله أبغي ربا وكل فرد مجزي بذنبه لا يحمله عنه غيره؟ (ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى؟)..
أغير الله أبغي ربا وإليه مرجعكم جميعاً فيحاسبكم على ما كنتم تختلفون فيه؟
أغير الله أبغي ربا، وهو الذي استخلف الناس في الأرض، ورفع بعضهم فوق بعض درجات في العقل والجسم والرزق؛ ليبتليهم أيشكرون أم يكفرون؟
أغير الله أبغي ربا، وهو سريع العقاب، غفور رحيم لمن تاب؟
أغير الله أبغي ربا، فأجعل شرعه شرعاً، وأمره أمراً، وحكمه حكماً. وهذه الدلائل والموحيات كلها حاضرة؛ وكلها شاهدة؛ وكلها هادية إلى أن الله وحده هو الرب الواحد المتفرد؟؟؟
إنها تسبيحة التوحيد الرخية الندية؛ يتجلى من خلالها ذلك المشهد الباهر الرائع. مشهد الحقيقة الإيمانية، كما هي في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشهد لا يعبر عن روعته وبهائه إلا التعبير القرآني الفريد..
إنه الإيقاع الأخير في السياق الذي استهدف قضية الحاكمية والشريعة؛ يجيء متناسقاً مع الإيقاعات الأولى في السورة، تلك التي استهدفت قضية العقيدة والإيمان؛ من ذلك قوله تعالى: (قل: أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض، وهو يطعم ولا يطعم؟ قل: إني أمرت أن أكون أول من أسلم، ولا تكونن من المشركين. قل: إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم. من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه، وذلك الفوز المبين)... وغيرها في السورة كثير.