38- يقول الله يوم القيامة لهؤلاء الكافرين : ادخلوا النار في ضمن أمم من كفار الإنس والجن ، قد مضت من قبلكم ، كلما دخلت أمة النار لعنت الأمة التي كفرت مثلها والتي اتخذتها قدوة ، حتى إذا تتابعوا فيها مجتمعين قال التابعون يذمُّون المتبوعين : ربنا هؤلاء أضلونا بتقليدنا لهم ، بحكم تقدمهم علينا أو بحكم سلطانهم فينا ، فصرفونا عن طريق الحق ، فعاقبهم عقاباً مضاعفاً يحملون فيه جزاء عصيانهم وعصياننا ، فيرد الله عليهم : لكل منكم عذاب مضاعف لا ينجو منه أحد من الفريقين ، يضاعف عقاب التابعين لكفرهم وضلالهم ، ولاقتدائهم بغيرهم دون تدبر وتفكر ، ويضاعف عقاب المتبوعين لكفرهم وضلالهم وتكفيرهم غيرهم وإضلالهم ، ولكن لا تعلمون مدى ما لكل منكم من العذاب .
قوله تعالى : { قال ادخلوا في أمم } ، يعني : يقول الله لهم يوم القيامة ادخلوا في أمم ، أي : مع جماعات .
قوله تعالى : { قد خلت } ، مضت .
قوله تعالى : { من قبلكم من الجن والإنس في النار } ، يعني كفار الأمم الخالية .
قوله تعالى : { كلما دخلت أمة لعنت أختها } ، يريد أختها في الدين لا في النسب ، فتلعن اليهود اليهود ، والنصارى النصارى ، وكل فرقة تلعن أختها ويلعن الأتباع القادة ، ولم يقل أخاها لأنه عنى الأمة والجماعة .
قوله تعالى : { حتى إذا اداركوا فيها } ، أي : تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا في النار .
قوله تعالى : { جميعاً قالت أخراهم } ، قال مقاتل : يعني أخراهم دخولاً النار وهم الأتباع .
قوله تعالى : { لأولاهم } ، أي : لأولاهم دخولا وهم القادة لأن القادة يدخلون النار أولا ، وقال ابن عباس : يعني آخر كل أمة لأولاها ، وقال السدي : أهل آخر الزمان لأولاهم الذين شركوا لهم ذلك الدين .
قوله تعالى : { ربنا هؤلاء } ، الذين .
قوله تعالى : { أضلونا } ، عن الهدى يعني القادة .
قوله تعالى : { فآتهم عذاباً ضعفاً من النار } ، أي : ضعّف عليهم العذاب .
قوله تعالى : { قال } ، الله تعالى .
قوله تعالى : { لكل ضعف } ، يعني للقادة والأتباع ضعف من العذاب .
قوله تعالى : { ولكن لا تعلمون } . ما لكل فريق منكم من العذاب ، وقرأ أبو بكر ( لا يعلمون ) بالياء ، أي : لا يعلم الأتباع ما للقادة ولا القادة ما للأتباع .
فقالت لهم الملائكة { ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ ْ } أي : في جملة أمم { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ْ } أي : مضوا على ما مضيتم عليه من الكفر والاستكبار ، فاستحق الجميع الخزي والبوار ، كلما دخلت أمة من الأمم العاتية النار { لَعَنَتْ أُخْتَهَا ْ } كما قال تعالى : { ويَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ْ } { حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا ْ } أي : اجتمع في النار جميع أهلها ، من الأولين والآخرين ، والقادة والرؤساء والمقلدين الأتباع .
{ قَالَتْ أُخْرَاهُمْ ْ } أي : متأخروهم ، المتبعون للرؤساء { لِأُولَاهُمْ ْ } أي : لرؤسائهم ، شاكين إلى اللّه إضلالهم إياهم : { رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ ْ } أي : عذبهم عذابا مضاعفا لأنهم أضلونا ، وزينوا لنا الأعمال الخبيثة .
{ قَالَ ْ } اللّه { لِكُلٍّ ْ } منكم { ضِعْفٌ ْ } ونصيب من العذاب .
وهنا يصدر عليهم قضاء الله العادل الذي صوره القرآن في قوله : { قَالَ ادخلوا .
أى : قال الله - تعالى - لأولئك المكذبين ادخلوا في ضمن أمم من الجن والإنس قد سبقتكم في الكفر ، وشاركتكم في الضلالة .
ثم بين - سبحانه - بعض أحوالهم فقال : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } أى : كلما دخلت أمة من أمم الكفر لعنت أختها في الدين والملة ، فالأمة المتبوعة تلعن الأمة التابعة لأنها زادتها ضلالا ، والأمة التابعة تلعن الأمة المتبوعة لأنها كانت سببا في عذابها .
ثم قال - تعالى - : { حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعاً } أى : حتى إذا ما اجتمعوا جميعا في النار الرؤساء والأتباع ، والأغنياء ، والفقراء ، قالت أخراهم دخولا أو منزلة وهم الأتباع ، لأولاهم دخولا أو منزلة وهم الزعماء والمتبوعين { رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار } .
أى : قال الأتباع : يا ربنا هؤلاء الرؤساء هم السبب في ضلالنا وهلاكنا ، فأذقهم ضعفا من عذاب النار لإضلالهم إيانا فضلا عن أنفسهم .
وهنا يأتيهم الجواب الذي يحمل لهم التهكم والسخرية ، فيقول الله لهم : { قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ } أى : لكل منكم ومنهم عذاب مضاعف من النار . أما أنتم فبسبب تقليدكم الأعمى ، وأما هم فبسبب إضلالهم لكم ولغيركم ، ولكنكم يا معشر المقلدين لا تعلمون ذلك لجهلكم وانطماس بصيرتكم .
فإذا انتهى مشهد الاحتضار ، فنحن أمام المشهد التالي ، وهؤلاء المحتضرون في النار ! . . ويسكت السياق عما بينهما ، ويسقط الفترة بين الموت والبعث والحشر . وكأنما يؤخذ هؤلاء المحتضرون من الدار إلى النار !
( قال : ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار ، كلما دخلت أمة لعنت أختها ، حتى إذا ادّاركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم : ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار . قال : لكل ضعف ولكن لا تعلمون . وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل ، فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ) .
( ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار ) .
انضموا إلى زملائكم وأوليائكم من الجن والإنس . . هنا في النار . . أليس إبليس هو الذي عصى ربه ؟ وهو الذي أخرج آدم من الجنة وزوجه ؟ وهو الذي أغوى من أغوى من أبنائه ؟ وهو الذي أوعده الله أن يكون هو ومن أغواهم في النار ؟ . . فادخلوا إذن جميعاً . . ادخلوا سابقين ولاحقين . . فكلكم أولياء . . وكلكم سواء !
ولقد كانت هذه الأمم والجماعات والفرق في الدنيا من الولاء بحيث يتبع آخرها أولها ؛ ويملي متبوعها لتابعها . . فلننظر اليوم كيف تكون الأحقاد بينها ، وكيف يكون التنابز فيها :
( كلما دخلت أمة لعنت أختها ) !
فما أبأسها نهاية تلك التي يلعن فيها الابن أباه ؛ ويتنكر فيها الولي لمولاه !
( حتى إذا اداركوا فيها جميعاً ) . .
وتلاحق آخرهم وأولهم ، واجتمع قاصيهم بدانيهم ، بدأ الخصام والجدال :
( قالت أخراهم لأولاهم ، ربنا هؤلاء أضلونا ، فآتهم عذاباً ضعفاً من النار ) . .
وهكذا تبدأ مهزلتهم أو مأساتهم ! ويكشف المشهد عن الأصفياء والأولياء ، وهم متناكرون أعداء ؛ يتهم بعضهم بعضا ، ويلعن بعضهم بعضا ، ويطلب له من( ربنا )شر الجزاء . . من( ربنا )الذي كانوا يفترون عليه ويكذبون بآياته ؛ وهم اليوم ينيبون إليه وحده ويتوجهون إليه بالدعاء ! فيكون الجواب استجابة للدعاء . ولكن أية استجابة ؟ !
هذه حكاية ما يقول الله لهم يوم القيامة بوساطة ملائكة العذاب وعبر عن يقول . ب { قال } لتحقق وقوع ذلك وصدق القصة ، وهذا كثير ، وقوله : { في أمم } متعلق ب { ادخلوا } ، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف تقديره كائنين أو ثابتين في أمم ، فيكون في موضع الحال من الضمير في { ادخلوا } وقيل { في } بمعنى مع ، وقيل هي على بابها وهو أصوب ، وقوله { قد خلت } صفة ل { أمم } وقوله : { في النار } يصح تعلقه ب { ادخلوا } يصح أن يتعلق ب { أمم } أي في أمم ثابتة أو مستقرة ، ويصح تعلقه بالذكر الذي في { خلت } ومعنى { قد خلت } على هذا التعلق أي قد تقدمت ومضى عليها الزمن وعرفها فيما تطاول من الآباد ، وقد تستعمل وإن لم يطل الوقت إذ أصلها فيمن مات من الناس أي صاروا إلى خلاء من الأرض ، وعلى التعليقين الأولين لقوله { في النار } فإنما { خلت } حكاية عن حال الدنيا أي ادخلوا في النار في جملة الأمم السالفة لكم في الدنيا الكافرة ، وقد ذكر الجن لأنهم أعرق في الكفر ، وإبليس أصل الضلال والإغواء ، وهذه الآية نص في أن كفرة الجن في النار ، والذي يقتضيه النظر أن مؤمنيهم في الجنة لأنهم عقلاء مكلفون مبعوث إليهم آمنوا وصدقوا ، وقد بوب البخاري رحمه الله - باب في ذكر الجن وثوابهم وعقابهم - وذكر عبد الجليل أن مؤمني الجن يكونون تراباً كالبهائم ، وذكر في ذلك حديث مجهولاً وما أراه يصح ، والله أعلم .
والأخوة في هذه الآية أخوة الملة والشريعة . قال السدي : يتلاعن آخرها وأولها ، و { اَّداركوا } معناه تلاحقوا ووزنه تفاعلوا أصله تداركوا أدغم فجلبت ألف الوصل ، وقرأ أبوعمرو «إداركوا » بقطع ألف الوصل ، قال أبو الفتح : هذا مشكل ولا يسوغ أن يقطعها ارتجالاً فذلك إنما يجيء شاذاً في ضرورة الشعر ، في الاسم أيضاً لكنه وقف مثل وقفة المستذكر ثم ابتدأ فقطع ، وقرأ مجاهد بقطع الألف وسكون الدال «ادْركوا » بفتح الراء وبحذف الألف بعد الدال بمعنى أدرك بعضهم بعضاً ، وقرأ حميد «أُدرِكوا » بضم الهمزة وكسر الراء أي أدخلوا في إدراكها ، وقال مكي في قراءة مجاهد إنها «ادَّارَكوا » بشد الدال المفتوحة وفتح الراء ، قال : وأصله إذ تركوا وزنها افتعلوا ، وقرأ ابن مسعود والأعمش «تداركوا » ورويت عن أبي عمرو ، وقرأ الجمهور «حتى إذا اَّداركوا » بحذف ألف «إذا » لالتقاء الساكنين .
جملة : { كلما دخلت أمة لعنت أختها } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ، لوصف أحوالهم في النّار ، وتفظيعها للسّامع ، ليتّعظ أمثالهم ويستبشر المؤمنين بالسّلامة ممّا أصابهم فتكون جملة { حتى إذا اداركوا } داخلة في حيز الاستيناف .
ويجوز أن تكون جملة : { كلما دخلت أمة } معترضة بين جملة : { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار } وبين جملة : { حتى إذا أداركوا فيها } إلخ . على أن تكون جملة { حتى إذا اداركوا } مرتبطة بجملة { ادخلوا في أمم } بتقدير محذوف تقديره : فيدخلون حتّى إذا اداركوا .
و ( ما ) في قوله : { كلّما } ظرفية مصدريّة ، أي كلّ وقت دخول أمّة لعنت أختها . والتّقدير : لعنت كلّ أمّة منهم أختها في كلّ أوقات دخول الأمّة منهم ، فتفيد عموم الأزمنة .
و { أمّة } نكرة وقعت في حيز عموم الأزمنة ، فتفيد العموم ، أي كلّ أمة دخلت ، وكذلك : { أختَها } نكرة لأنّه مضاف إلى ضمير نكرة فلا يتعرّف فتفيد العموم أيضاً ، أي كل أمة تدخل تلعن كل أخت لها ، والمراد بأختها المماثِلة لها في الدّين الذي أوجب لها الدّخول في النّار ، كما يقال : هذه الأمّة أخت تلك الأمّة إذا اشتركتا في النّسب ، فيقال : بَكْر وأختها تغلب ، ومنه قول أبي الطبيّب :
والمقام يعيّن جهة الأخوّة ، وسبَبُ اللّعن أنّ كل أمّة إنّما تدخل النّار بعد مناقشة الحساب ، والأمر بإدخالهم النّار ، وإنّما يقع ذلك بعد أن يتبيّن لهم أنّ ما كانوا عليه من الدّين هو ضلال وباطل ، وبذلك تقع في نفوسهم كراهية ما كانوا عليه ، لأنّ النّفوس تكره الضّلال والباطل بعد تبيُّنه ، ولأنّهم رأوا أن عاقبة ذلك كانت مجلبة العقاب لهم فيزدادون بذلك كراهيّة لدينهم ، فإذا دخلوا النّار فرأوا الأمم التي أدخلت النّار قبلهم علموا ، بوجه من وجوه العلم ، أنّهم أُدخلوا النّار بذلك السّبب فلعنوهم لكراهيّة دينهم ومن اتّبعوه .
وقيل : المراد بأختها أسلافها الذين أضلّوها .
وأفادت { كلّما } لما فيها من معنى التّوقيت : أنّ ذلك اللّعن يقع عند دخول الأمّة النّار ، فيتعيّن إذن أن يكون التّقدير : لعنت أختها السّابقة إياها في الدّخول في النّار ، فالأمّة التي تدخل النّار أوّل مرّة قبل غيرها من الأمم لا تَلْعن أختها ، ويعلم أنّها تلعن من يدخل بعدَها الثّانيةَ ، ومن بعدها بطريق الأوْلى ، أو ترُدّ اللّعن على كلّ أخت لاعنة . والمعنى : كلّما دخلت أمّة منهم بقرينة قوله : { لعنت أختها } .
و ( حتّى ) في قوله : { حتى إذا اداركوا } ابتدائيّة ، فهي جملة مستأنفة وقد تقدّم في الآية قبل هذه أن ( حتّى ) الابتدائيّة تفيد معنى التّسبّب ، أي تسبّب مضمون ما قبلها في مضمون ما بعدها ، فيجوز أن تكون مترتِبَة في المعنى على مضمون قوله : { قال أدخلوا في أمم قد خلت } إلخ ، ويجوز أن تكون مترتّبة على مضمون قوله : { كلما دخلت أمة لعنت أختها } .
و { اداركوا } أصله تَداركوا فقلبت التّاء دَالا ليتأتى إدغامها في الدّال للتّخفيف ، وسُكنت ليتحقّق معنى الإدغام المتحركين ، لثقل واجتلبت همزة الوصل لأجل الابتداء بالسّاكن ، وهذا قلْب ليس بمتعيّن ، وإنّما هو مستحسن ، وليس هو مثل قلب التّاء في ادّان وازْداد وادّكر : ومعناه : أدرك بعضهم بعضاً ، فصيغ من الإدراك وزن التّفاعل ، والمعنى : تلاحقوا واجتمعوا في النّار . وقوله : { جميعاً } حال من ضمير { اداركوا } لتحقيق استيعاب الاجتماع ، أي حتى إذا اجتمعت أمم الضّلال كلّها .
والمراد : ب { أخراهم } : الآخِرة في الرّتبة ، وهم الأتباع والرّعيّة من كلّ أمّة من تلك الأمم ، لأنّ كلّ أمّة في عصر لا تخلو من قادة ورَعاع ، والمراد بالأولى : الأولى في المرتبة والاعتبار ، وهم القادة والمتبوعون من كلّ أمّة أيضاً ، فالأخرى والأولى هنا صفتان جرتا على موصوفَين محذوفين ، أي أخرى الطّوائف لأولاهم ، وقيل : أريد بالأخرى المتأخّرة في الزّمان ، وبالأولى أسلافهم ، لأنّهم يقولون : { إنّا وجدنا آباءنا على أمة } [ الزخرف : 23 ] . وهذا لا يلائم ما يأتي بعده .
واللاّم في : { لأولاَهم } لام العلّة ، وليست اللاّم التي يتعدّى بها فعل القَول ، لأنّ قول الطائفة الأخيرة موجَّه إلى الله تعالى ، بصريح قولهم : { ربنا هؤلاء أضلونا } إلخ ، لا إلى الطّائفة الأولى ، فهي كاللاّم في قوله تعالى : { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه } [ الأحقاف : 11 ] .
والضعف بكسر الضّاد المِثْل لمقدار الشّيء ، وهو من الألفاظ الدّالة على معنى نسبي يقتضي وجودَ معنى آخر ، كالزّوج والنِّصف ، ويختص بالمقدار والعدد ، هذا قول أبي عبيدة والزّجاج وأيمّة اللّغة ، وقد يستعمل فعله في مطلق التّكثير وذلك إذا أسند إلى ما لا يدخل تحت المقدار ، مثل العذاب في قوله تعالى : { يُضَاعَفْ له العذاب يوم القيامة } [ الفرقان : 69 ] وقوله { يضاعف لها العذاب ضعفين } [ الأحزاب : 30 ] أراد الكثرة القويّة فقولهم هنا { فآتهم عذاباً ضعفا } أي أعطهم عذاباً هو ضِعف عذاببٍ آخر ، فعُلم أنّه ، آتاهم عذاباً ، وهم سألوا زيادة قوّة فيه تبلغ ما يعادل قوّته ، ولذلك لما وصف بضعف علم أنّه مِثْلٌ لعذاببٍ حصل قبله إذ لا تقول : أكرمت فلان ضِعفاً ، إلاّ إذا كان إكرامك في مقابلة إكرامٍ آخر ، فأنت تزيده ، فهم سألوا لهم مضاعفة العذاب لأنّهم علموا أنّ الضّلال سبب العذاب ، فعلموا أنّ الذين شرعوا الضّلال هم أولى بعقوبة أشدّ من عقوبة الذين تقلّدوه واتبعوهم ، كما قال تعالى في الآية الآخرى : { يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين } [ سبأ : 31 ] .
وفعل : { قال } حكاية لجواب الله إياهم عن سُؤالهم مضاعفةَ العذاب لقادتهم ، فلذلك فصل ولم يعطف جريا على طريقة حكاية الأقوال في المحاورات ، والتّنوينُ في قوله : { لكلّ } عوض عن المضاف إليه المحذوف ، والتّقدير : لكلّ أمّة ، أو لكلّ طائفة ضعف ، أي زيادة عذاب مثل العذاب الذي هي معذّبه أولَ الأمر ، فأمّا مضاعفة العذاب للقادة فلأنّهم سنّوا الضّلال أو أيّدوه ونصروه وذبّوا عنه بالتّمويه والمغالطات فأضلوا ، وأمّا مضاعفته للأتباع فلأنَهم ضلّوا بإضلال قادتهم ، ولأنّهم بطاعتهم العمياء لقادتهم ، وشكرهم إياهم على ما يرسمون لهم ، وإعطائِهم إياهم الأموال والرّشى ، يزيدونهم طغياناً وجراءة على الإضلال ويغرّونهم بالازدياد منه .
والاستدراك في قوله : { ولكن لا تعلمون } لرفع ما تُوهِمه التّسوية بين القادة والأتباع في مضاعفة العذاب : أنّ التّغليظ على الأتباع بلا موجب ، لأنّهم لولا القادة لما ضلّوا ، والمعنى : أنّكم لا تعلمون الحقائق ولا تشعرون بخفايا المعاني ، فلذلك ظننتم أنّ موجب مضاعفة العذاب لهم دونكم هو أنّهم علّموكم الضّلال ، ولو علمتم حقّ العلم لاطّلعتم على ما كان لطاعتكم إياهم من الأثر في إغرائهم بالازدياد من الإضلال . ومفعول { تعلمون } محذوف دلّ عليه قوله : { لكلٍ ضِعف } ، والتّقدير : لا تعلمون سبب تضعيف العذاب لكلّ من الطّائفتين ، يعني لا تعلمون سبب تضعيفه لكم لظهور أنّهم علموا سبب تضعيفه للذين أضلّوهم .
وقرأ الجمهور : { لا تَعلمون } بتاء الخطاب على أنّه من تمام ما خاطب الله به الأمّة الأخرى ، وقرأه أبو بكر عن عاصم بياء الغيبة فيكون بمنزلة التّذييل خطاباً لسامعي القرآن ، أي قال الله لهم ذلك وهم لا يَعلمون أنّ لكلّ ضعفاً فلذلك سألوا التّغليظ على القادة فأجيبوا بأنّ التّغليظ قد سُلّط على الفريقين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قال}، أي قالت الخزنة: {ادخلوا} النار {في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة} النار {لعنت أختها}، لعنت أهل ملتهم يلعن المشركون المشركين، ويلعن اليهود اليهود، ويلعن النصارى النصارى، ويلعن المجوس المجوس، ويلعن الصابئون الصابئين، ويلعن الأتباع القادة، يقولون: لعنكم الله أنتم ألقيتمونا في هذا الملقى حين أطعناكم، يقولون: {حتى إذا اداركوا فيها}، يعني حتى إذا اجتمعوا في النار {جميعا} القادة والأتباع، وقد دخلت القادة والأتباع، {قالت أخراهم} دخولا النار، وهم الأتباع {لأولاهم} دخولا النار، وهم القادة، {ربنا هؤلاء} القادة {أضلونا} عن الهدى، {فآتهم عذابا ضعفا}، يعني أعطهم عذابا مضاعفا {من النار} {قال} يقول الله: {لكل}، يعني الأتباع والقادة، {ضعف} يضاعف العذاب، {ولكن لا تعلمون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
هذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قيله لهؤلاء المفترين عليه المكذّبين آياته يوم القيامة، يقول تعالى ذكره: قال لهم حين وردوا عليه يوم القيامة: ادخلوا أيها المفترون على ربكم المكذّبون رسله في جماعات من ضربائكم "قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ "يقول: قد سلفت من قبلكم من الجنّ والإنس في النار. ومعنى ذلك: ادخلوا في أمم هي في النار قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس. وإنما يعني بالأمم: الأحزاب وأهل الملل الكافرة. "كَلّمَا دَخَلَتْ أُمّةٌ لَعَنَتْ أخْتَها" يقول جلّ ثناؤه: كلما دخلت النار جماعة من أهل ملة لعنت أختها، يقول: شتمت الجماعةُ الأخرى من أهل ملتها تبرّيا منها. وإنما عني بالأخت: الأخوّة في الدين والملة وقيل أختها ولم يقل أخاها، لأنه عني بها أمة وجماعة أخرى، كأنه قيل: كلما دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها...
"حتى إذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعا" يقول تعالى ذكره: حتى إذا تداركت الأمم في النار جميعا، يعني: اجتمعت فيها، يقال: قد ادّاركوا وتداركوا: إذا اجتمعوا، يقول: اجتمع فيها الأوّلون من أهل الملل الكافرة والآخرون منهم.
"قَالتْ أُخْرَاهُمْ لأولاهُمْ رَبنا هَؤُلاءِ أضَلّونا فَآتِهِمْ عَذَابا ضِعْفا مِنَ النّارِ قالَ لِكُلَ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ" وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة، يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادّاركوا، قالت أخرى أهل كلّ ملة دخلت النار الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تقدمتها وكانت لها سلفا وإماما في الضلالة والكفر لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك ودعوْنا إلى عبادة غيرك وزيّنُوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعف على عذابنا...
وأما قوله: "قالَ لِكُلَ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمونَ" فإنه خبر من الله عن جوابه لهم، يقول: قال الله للذين يدعونه فيقولون: ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار لكلكم، أوّلكم وآخركم وتابعوكم ومتبعوكم ضعف، يقول: مكررٌ عليه العذاب. وضعف الشيء: مثله مرّة... وقوله: "وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ" يقول: ولكنكم يا معشر أهل النار، لا تعلمون ما قدر ما أعدّ الله لكم من العذاب، فلذلك تسأل الضعف منه الأمة الكافرة الأخرى لأختها الأولى.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ويحتمل {في} في موضعه؛ كأنّ المتبوعين يدخلون النار قبل الأتباع بهؤلاء {قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار}،
وقوله تعالى: {كلما دخلت أمّة لعنت أختها} لعن الأتباع المتبوعين لما هم دعوهم إلى ذلك، وهم صرفوهم عن دين الله، ولعن المتبوعون الأتباع لما يزداد لهم العذاب بكثرة الأتباع وبقدرهم؛ فيلعن بعضهم بعضا.
وقوله تعالى: {حتى إذا ادّاركوا فيها جميعا} قال بعضهم: هو من التّدارك؛ أي حتى إذا تداركوا، وتتابعوا فيها. وقيل: هو من الدّرك؛ لأن للنار دركات، لا يزال أهل النار يهوون فيها، لا قرار لهم في ذلك؛ إذ في القرار بعض التسلّي والراحة، فلا يزالون يهوون فيها دركا فدركا. وقيل: ولذلك سمّيت هاوية. وقيل: {حتى إذا ادّاركوا فيها جميعا} أي اجتمعوا فيها؛ فعند ذلك يلوم بعضهم بعضا. فإن كان على التّدارك فهو كقوله تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} [الصافات: 22] وإن كان على الاجتماع فهو للتضييق كقوله تعالى: {وإذا ألقوا منها مكانا ضيّقا مقرّنين} الآية: [الفرقان: 13] ويجتمعون يلعن بعضهم بعضا. وقوله تعالى: {قالت أخراهم لأولاهم} يحتمل قوله تعالى: {أخراهم} الذين في آخر الزمان، وأولاهم الذين شرّعوا لهم ذلك الدين {ربنا هؤلاء أضلّونا فئاتهم عذابا ضعفا من النار}. ويشبه أن يكون قوله تعالى: {قالت أخراهم لأولاهم} ليس على القول: بعضهم لبعض، ولكن على الدعاء عليهم واللعن كقوله تعالى: {والعنهم لعنا كبيرا} [الأحزاب: 68]. وقوله تعالى: {فئاتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف} قال بعضهم: لكل ضعف من النار،لا تزال تزداد، وتعظم، وتكبر، فذلك الضعف، وذلك للأتباع والمتبوعين جميعا. وقال بعضهم: قوله تعالى: {لكل ضعف} أي للمتبوعين والقادة ضعف. وقال لهم ملك أو خزنة جهنم أو من كان، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة بعد أن يقال لهم ذلك. قوله تعالى: {ولكن لا تعلمون} في الدنيا أن لكم ضعفا منها. وقيل: {لكل ضعف ولكن لا تعلمون} للحال بأن لكل ضعفا من النار.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{رَبَّنَا هَؤلاءِ أَضَلُّونَا فآتِيهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً منَ النَّارِ} يريد بأحد الضعفين عذابهم على الكفر، وبالآخر عذابهم على الإغواء. ويحتمل هذا القول من الأتباع وجهين: أحدهما: تخفيف العذاب عنهم. والثاني: الانتقام من القادة بمضاعفة العذاب عليهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{قَالَ ادخلوا} أي يقول الله تعالى يوم القيامة لأولئك الذين قال فيهم: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بآياته} وهم كفار العرب {فِي أُمَمٍ} في موضع الحال، أي كائنين في جملة أمم، وفي غمارهم مصاحبين لهم، أي ادخلوا في النار مع أمم {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} وتقدّم زمانهم زمانكم.
{لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} التي ضلت بالاقتداء بها. {حَتَّى إِذَا اداركوا فِيهَا} أي تداركوا بمعنى تلاحقوا واجتمعوا في النار. {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ} منزلة وهي الأتباع والسفلة {لأولاهم} منزلة وهي القادة والرؤوس. ومعنى لأولاهم: لأجل أولاهم؛ لأن خطابهم مع الله لا معهم. {عَذَاباً ضِعْفاً} مضاعفاً. {لِكُلّ ضِعْفٌ} لأنّ كلا من القادة والأتباع كانوا ضالين مضلين.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذه حكاية ما يقول الله لهم يوم القيامة بوساطة ملائكة العذاب وعبر عن يقول. ب {قال} لتحقق وقوع ذلك وصدق القصة، وهذا كثير، وقوله: {في أمم} متعلق ب {ادخلوا}، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف تقديره كائنين أو ثابتين في أمم..
ومعنى {قد خلت} على هذا التعلق أي قد تقدمت ومضى عليها الزمن وعرفها فيما تطاول من الآباد، وقد تستعمل وإن لم يطل الوقت إذ أصلها فيمن مات من الناس أي صاروا إلى خلاء من الأرض...
اعلم أن هذه الآية من بقية شرح أحوال الكفار وهو أنه تعالى يدخلهم النار. وقوله: {قد خلت من قبلكم من الجن والإنس} أي تقدم زمانهم زمانكم، وهذا يشعر بأنه تعالى لا يدخل الكفار بأجمعهم في النار دفعة واحدة، بل يدخل الفوج بعد الفوج، فيكون فيهم سابق ومسبوق، ليصح هذا القول، ويشاهد الداخل من الأمة في النار من سبقها. أما قوله تعالى: {ربنا هؤلاء أضلونا} فالمعنى: أن الأتباع يقولون إن المتقدمين أضلونا، واعلم أن هذا الإضلال يقع من المتقدمين للمتأخرين على وجهين: أحدهما: بالدعوة إلى الباطل، وتزيينه في أعينهم، والسعي في إخفاء الدلائل المبطلة لتلك الأباطيل. والوجه الثاني: بأن يكون المتأخرون معظمين لأولئك المتقدمين، فيقلدونهم في تلك الأباطيل والأضاليل التي لفقوها ويتأسون بهم، فيصير ذلك تشبيها بإقدام أولئك المتقدمين على الإضلال.
حكى الله تعالى عن هؤلاء المتأخرين أنهم يدعون على أولئك المتقدمين بمزيد العذاب وهو قوله: {فئاتهم عذابا ضعفا من النار}: قال الأزهري: «الضعف» في كلام العرب المثل إلى ما زاد وليس بمقصور على المثلين، وجائز في كلام العرب أن تقول: هذا ضعفه، أي مثلاه وثلاثة أمثاله، لأن الضعف في الأصل زيادة غير محصورة، والدليل عليه: قوله تعالى: {فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} ولم يرد به مثلا ولا مثلين، بل أولى الأشياء به أن يجعل عشرة أمثاله، لقوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} فثبت أن أقل الضعف محصور وهو المثل وأكثره غير محصور إلى ما لا نهاية له.
لقائل أن يقول: إن كان المراد من قوله: {لكل ضعف} أي حصل لكل أحد من العذاب ضعف ما يستحقه، فذلك غير جائز لأنه ظلم، وإن لم يكن المراد ذلك، فما معنى كونه ضعفا؟ والجواب: أن عذاب الكفار يزيد، فكل ألم يحصل فإنه يعقبه حصول ألم آخر إلى غير نهاية فكانت تلك الآلام متضاعفة متزايدة لا إلى آخر.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{قال لكل ضعف} أما القادة فبكفرهم وتضليلهم، وأما الأتباع فبكفرهم وتقليدهم.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ} أي يقول الله تعالى أو أحد ملائكته بأمره يوم القيامة لهؤلاء الكافرين: ادخلوا مع أمم قد خلت ومضت من قبلكم من الجن والإنس في النار. أو ادخلوا في ضمن أمم مثلكم قد سبقتكم كائنة في دار العذاب وقدم الجن لأن شياطينهم مبتدئو الإضلال والإغواء لأبناء جنسهم وللإنس كما تقدم.
{كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} هذا بيان لشيء من حالتهم في دخول النار الذي لا يمكن تخلفه بعد أمر الله تعالى به. أي كلما دخلت جماعة منهم في النار واستقبلت ما فيها من الخزي والنكال لعنت أختها في الدين والملة التي ضلت هي باتباعها والاقتداء بها في كفرها كما قال تعالى في حكاية عن خليله {ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا} (العنكبوت 25) إلخ.
{حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّار} أي حتى إذا تتابعوا وأدرك بعضهم بعضا فاجتمعوا كلهم فيها قالت أخرى كل منهم لأولاها ومقدميها في الرتبة والرياسة أو في الزمن أي لأجلها وفي شأنها وإنما الخطاب لله عز وجل ربنا هؤلاء أضلونا عن الحق باتباعنا لهم وتقليدنا إياهم فيما كانوا عليه من أمر الدين وسائر الأعمال فأعطهم ضعفا من عذاب النار لإضلالهم إيانا فوق العذاب على ضلالهم في أنفسهم حتى يكون عذابهم ضعفين ضعفا للضلال وضعفا للإضلال.
{قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ} أي يقول الرب تعالى لهم. لكل منهم ضعف من العذاب بإضلاله فوق عذابه على ضلاله كما قال في آية أخرى: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} (النحل 25) ولكن لا تعلمون كنه عذابهم. وذلك أن العذاب ظاهر وباطن أو جسدي ونفسي وقد وصف الله النار في سورة الهمزة بأنها تطلع على الأفئدة أي القلوب فإذا رأى الأتباع المتبوعين معهم في دار العقاب ظنوا أن عذابهم كعذابهم فيما يأكلون من الزقوم والضريع ويشربون من الماء الحميم، وفيما تلفحهم النار بريحها السموم، وفيما يلجؤون إليه من ظلها اليحموم، فمثلهم معهم كمثل المسجونين في الدنيا، منهم المجرم العريق في إجرامه من تحوت الناس وأشقيائهم، والرئيس الزعيم في قومه، العزيز الكريم في وطنه، لا يشعر الأول بما يقاسيه الآخر من عذاب النفس وقهر الذل. بل يظن أن عقوبتهما واحدة في ألمها كما هي صورتها.
وحمل الأولى على الرؤساء المتبوعين والأئمة المضلين والأخرى على أتباعهم المقلدين لهم أظهر في المعنى من حملها على المتقدمين والمتأخرين في الزمن أو في دخول النار، على أن شأن مبتدع الضلالة أن يكون متقدما في الزمن تقدما ما على من اتبعه فيها ولو في عصره، وهذا هو الموافق لما في الآيات الأخرى كقوله تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول} (سبأ: 31) إلى آخر الحوار، ومثله ما تقدم في سورة البقرة في سياق متخذي الأنداد من دون الله وجعلهم وسطاء عند الله أو طاعتهم في أمر الدين بغير وحي من الله وتبرؤ التابعين من المتبوعين (2: 165- 167) وقد استشهدنا في تفسيره بهذه الآيات فيراجع...
وأما حمل الأولى والأخرى على المتقدمة في الزمان والمتأخرة فيه فهو مروي عن السدي وتبعه ابن جرير وقيل عليه: لكل منكم ومنهم ضعف وهذا وإن كان ظاهرا من اللفظ لا يظهر فيه المعنى الموافق لسائر الآيات في هذا الموضوع وللقاعدة القطعية في جزاء السيئات وهو كونه على العمل بقدره مثلا. نعم إن المتأخرين في جملتهم يقلدون من قلبهم حذو القذة بالقذة، وإنما المضل من المتبوعين من ابتدع الضلال أو دعا إليه أو كان قدوة فيه، فهو الذي يحمل مثل وزر من أضله سواء كان عالما بذلك أم لا، وقد صح في الحديث "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء "كما بيناه في مواضع. والذي جرى عليه أكثر أصحاب التفاسير المعروفة أن الضعف الآخر على الأتباع عقاب على التقليد... ولكنه غير ظاهر هنا فلا دليل على أن التقليد يقتضي مضاعفة العذاب على العمر المقلد فيه، وإنما هو ذنب في نفسه لأنه كفر بنعمة العقل، وما أوجبه الله بالكتاب والفطرة من العلم بالنظر والبحث، والاجتهاد في استبانة الحق، وما قيل من أن جزاء الضعف على الأتباع بأن اتخاذهم الرؤساء متبوعين مما يزيد في طغيانهم أو بأنه طلب لأعراض الدنيا باتباع الهوى والعصيان يقال فيه ما قيل قبله من أن هذه ذنوب مستقلة لا يعبر عن عقابها بأنه ضعف إلا بضرب من التجوز.
ذلك بأن الضعف هنا هو الزائد على عقاب الذنب نفسه بسبب يلابسه فهو كقوله في محاورة الأتباع المقلدين للمتبوعين من سورة ص {قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار} (ص 60) فقد صرح فيه بالزيادة وقوله من سورة الأحزاب حكاية عن التابعين المرؤوسين في النار {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب وألعنهم لعنا كبيرا} (الأحزاب 67- 68).
وقد كان من سبق رحمة الله لغضبه وانتقامه وغلبة فضله على عدله أن وعد بمضاعفة جزاء الحسنات لذاتها دون السيئات كما قال: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} (الأنعام 160 وكما قال: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} (النساء 39) وكل ما ورد في كتابه في مضاعفة العذاب فهو على الإغواء والإضلال وسوء القدوة إلا آية الفرقان فقد قال بعد ذكر الشرك وأكبر الكبائر من المعاصي {ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} (الفرقان 68-69) ولو انفرد دون سائر آيات المضاعفة بحكم جديد يتعارض معها لم تكن مشكلة ولكنها معارضة بها وبقاعدة الجزاء على السيئة بمثلها إلا من أغوى غيره وأضله بقوله أو عمله فكان قدوة سيئة له فوجب الجمع بينهما وبين الآيات والأخبار الصحيحة المقررة لهذه القاعدة كأن يقال إن العقاب فيها على مجموع الشرك وكبائر الفواحش وهو مقسم عليهما لكل منهما جزء أو نوع منه فكان مضاعفا بالنسبة إلى عقاب المشرك الذي لم يقترف تلك الكبائر أو عقاب مقترفها كلها أو بعضها من غير المشركين، وإنما الممنوع بمقتضى القاعدة أن يضاعف العذاب على كل منهما مع انتفاء الإضلال وسوء القدوة. ويحتمل أن يقال إن فاعل تلك المعاصي من الكفار لا يكون إلا مجاهرا بضلاله فيلزمه الإضلال بسوء القدوة، وقد قيل بمثله في كل مجاهرة، وهو ظاهر...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فإذا انتهى مشهد الاحتضار، فنحن أمام المشهد التالي، وهؤلاء المحتضرون في النار!.. ويسكت السياق عما بينهما، ويسقط الفترة بين الموت والبعث والحشر. وكأنما يؤخذ هؤلاء المحتضرون من الدار إلى النار! (قال: ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار، كلما دخلت أمة لعنت أختها، حتى إذا ادّاركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم: ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار. قال: لكل ضعف ولكن لا تعلمون. وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل، فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون). (ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار). انضموا إلى زملائكم وأوليائكم من الجن والإنس.. هنا في النار.. أليس إبليس هو الذي عصى ربه؟ وهو الذي أخرج آدم من الجنة وزوجه؟ وهو الذي أغوى من أغوى من أبنائه؟ وهو الذي أوعده الله أن يكون هو ومن أغواهم في النار؟.. فادخلوا إذن جميعاً.. ادخلوا سابقين ولاحقين.. فكلكم أولياء.. وكلكم سواء! ولقد كانت هذه الأمم والجماعات والفرق في الدنيا من الولاء بحيث يتبع آخرها أولها؛ ويملي متبوعها لتابعها.. فلننظر اليوم كيف تكون الأحقاد بينها، وكيف يكون التنابز فيها: (كلما دخلت أمة لعنت أختها)! فما أبأسها نهاية تلك التي يلعن فيها الابن أباه؛ ويتنكر فيها الولي لمولاه! (حتى إذا اداركوا فيها جميعاً).. وتلاحق آخرهم وأولهم، واجتمع قاصيهم بدانيهم، بدأ الخصام والجدال: (قالت أخراهم لأولاهم، ربنا هؤلاء أضلونا، فآتهم عذاباً ضعفاً من النار).. وهكذا تبدأ مهزلتهم أو مأساتهم! ويكشف المشهد عن الأصفياء والأولياء، وهم متناكرون أعداء؛ يتهم بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا، ويطلب له من (ربنا) شر الجزاء.. من (ربنا) الذي كانوا يفترون عليه ويكذبون بآياته؛ وهم اليوم ينيبون إليه وحده ويتوجهون إليه بالدعاء! فيكون الجواب استجابة للدعاء. ولكن أية استجابة؟! (قال: لكل ضعف، ولكن لا تعلمون). لكم ولهم جميعاً ما طلبتم من مضاعفة العذاب!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
.. وسبَبُ اللّعن أنّ كل أمّة إنّما تدخل النّار بعد مناقشة الحساب، والأمر بإدخالهم النّار، وإنّما يقع ذلك بعد أن يتبيّن لهم أنّ ما كانوا عليه من الدّين هو ضلال وباطل، وبذلك تقع في نفوسهم كراهية ما كانوا عليه، لأنّ النّفوس تكره الضّلال والباطل بعد تبيُّنه، ولأنّهم رأوا أن عاقبة ذلك كانت مجلبة العقاب لهم فيزدادون بذلك كراهيّة لدينهم، فإذا دخلوا النّار فرأوا الأمم التي أدخلت النّار قبلهم علموا، بوجه من وجوه العلم، أنّهم أُدخلوا النّار بذلك السّبب فلعنوهم لكراهيّة دينهم ومن اتّبعوه.
وقيل: المراد بأختها أسلافها الذين أضلّوها.
وأفادت {كلّما} لما فيها من معنى التّوقيت: أنّ ذلك اللّعن يقع عند دخول الأمّة النّار، فيتعيّن إذن أن يكون التّقدير: لعنت أختها السّابقة إياها في الدّخول في النّار، فالأمّة التي تدخل النّار أوّل مرّة قبل غيرها من الأمم لا تَلْعن أختها، ويعلم أنّها تلعن من يدخل بعدَها الثّانيةَ، ومن بعدها بطريق الأوْلى، أو ترُدّ اللّعن على كلّ أخت لاعنة. والمعنى: كلّما دخلت أمّة منهم بقرينة قوله: {لعنت أختها}.
و (حتّى) في قوله: {حتى إذا اداركوا} ابتدائيّة، فهي جملة مستأنفة وقد تقدّم في الآية قبل هذه أن (حتّى) الابتدائيّة تفيد معنى التّسبّب، أي تسبّب مضمون ما قبلها في مضمون ما بعدها، فيجوز أن تكون مترتِبَة في المعنى على مضمون قوله: {قال أدخلوا في أمم قد خلت} إلخ، ويجوز أن تكون مترتّبة على مضمون قوله: {كلما دخلت أمة لعنت أختها}.
و {اداركوا} أصله تَداركوا فقلبت التّاء دَالا ليتأتى إدغامها في الدّال للتّخفيف، وسُكنت ليتحقّق معنى الإدغام المتحركين، لثقل واجتلبت همزة الوصل لأجل الابتداء بالسّاكن، وهذا قلْب ليس بمتعيّن، وإنّما هو مستحسن، وليس هو مثل قلب التّاء في ادّان وازْداد وادّكر: ومعناه: أدرك بعضهم بعضاً، فصيغ من الإدراك وزن التّفاعل، والمعنى: تلاحقوا واجتمعوا في النّار. وقوله: {جميعاً} حال من ضمير {اداركوا} لتحقيق استيعاب الاجتماع، أي حتى إذا اجتمعت أمم الضّلال كلّها.
والمراد: ب {أخراهم}: الآخِرة في الرّتبة، وهم الأتباع والرّعيّة من كلّ أمّة من تلك الأمم، لأنّ كلّ أمّة في عصر لا تخلو من قادة ورَعاع، والمراد بالأولى: الأولى في المرتبة والاعتبار، وهم القادة والمتبوعون من كلّ أمّة أيضاً، فالأخرى والأولى هنا صفتان جرتا على موصوفَين محذوفين، أي أخرى الطّوائف لأولاهم، وقيل: أريد بالأخرى المتأخّرة في الزّمان، وبالأولى أسلافهم، لأنّهم يقولون: {إنّا وجدنا آباءنا على أمة} [الزخرف: 23]. وهذا لا يلائم ما يأتي بعده.
واللاّم في: {لأولاَهم} لام العلّة، وليست اللاّم التي يتعدّى بها فعل القَول، لأنّ قول الطائفة الأخيرة موجَّه إلى الله تعالى، بصريح قولهم: {ربنا هؤلاء أضلونا} إلخ، لا إلى الطّائفة الأولى، فهي كاللاّم في قوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه} [الأحقاف: 11].
والضعف بكسر الضّاد المِثْل لمقدار الشّيء، وهو من الألفاظ الدّالة على معنى نسبي يقتضي وجودَ معنى آخر، كالزّوج والنِّصف، ويختص بالمقدار والعدد، هذا قول أبي عبيدة والزّجاج وأيمّة اللّغة، وقد يستعمل فعله في مطلق التّكثير وذلك إذا أسند إلى ما لا يدخل تحت المقدار، مثل العذاب في قوله تعالى: {يُضَاعَفْ له العذاب يوم القيامة} [الفرقان: 69] وقوله {يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] أراد الكثرة القويّة فقولهم هنا {فآتهم عذاباً ضعفا} أي أعطهم عذاباً هو ضِعف عذاب آخر، فعُلم أنّه، آتاهم عذاباً، وهم سألوا زيادة قوّة فيه تبلغ ما يعادل قوّته، ولذلك لما وصف بضعف علم أنّه مِثْلٌ لعذاب حصل قبله إذ لا تقول: أكرمت فلان ضِعفاً، إلاّ إذا كان إكرامك في مقابلة إكرامٍ آخر، فأنت تزيده، فهم سألوا لهم مضاعفة العذاب لأنّهم علموا أنّ الضّلال سبب العذاب، فعلموا أنّ الذين شرعوا الضّلال هم أولى بعقوبة أشدّ من عقوبة الذين تقلّدوه واتبعوهم، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين} [سبأ: 31].
وفعل: {قال} حكاية لجواب الله إياهم عن سُؤالهم مضاعفةَ العذاب لقادتهم، فلذلك فصل ولم يعطف جريا على طريقة حكاية الأقوال في المحاورات، والتّنوينُ في قوله: {لكلّ} عوض عن المضاف إليه المحذوف، والتّقدير: لكلّ أمّة، أو لكلّ طائفة ضعف، أي زيادة عذاب مثل العذاب الذي هي معذّبه أولَ الأمر، فأمّا مضاعفة العذاب للقادة فلأنّهم سنّوا الضّلال أو أيّدوه ونصروه وذبّوا عنه بالتّمويه والمغالطات فأضلوا، وأمّا مضاعفته للأتباع فلأنَهم ضلّوا بإضلال قادتهم، ولأنّهم بطاعتهم العمياء لقادتهم، وشكرهم إياهم على ما يرسمون لهم، وإعطائِهم إياهم الأموال والرّشى، يزيدونهم طغياناً وجراءة على الإضلال ويغرّونهم بالازدياد منه.
والاستدراك في قوله: {ولكن لا تعلمون} لرفع ما تُوهِمه التّسوية بين القادة والأتباع في مضاعفة العذاب: أنّ التّغليظ على الأتباع بلا موجب، لأنّهم لولا القادة لما ضلّوا، والمعنى: أنّكم لا تعلمون الحقائق ولا تشعرون بخفايا المعاني، فلذلك ظننتم أنّ موجب مضاعفة العذاب لهم دونكم هو أنّهم علّموكم الضّلال، ولو علمتم حقّ العلم لاطّلعتم على ما كان لطاعتكم إياهم من الأثر في إغرائهم بالازدياد من الإضلال. ومفعول {تعلمون} محذوف دلّ عليه قوله: {لكلٍ ضِعف}، والتّقدير: لا تعلمون سبب تضعيف العذاب لكلّ من الطّائفتين، يعني لا تعلمون سبب تضعيفه لكم لظهور أنّهم علموا سبب تضعيفه للذين أضلّوهم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ولعلنا قلنا مراراً: إنّ ساحة القيامة وما يجري فيها انعكاس واسع وكبير لمجريات هذه الدنيا. فلطالما رأينا في هذا العالم الجماعات والفرق والأحزاب المنحرفة تلعن إحداها الأُخرى، وتبدي تنفرها منها. على العكس من أنبياء الله، والمؤمنين الصالحين، والمصلحين الخيّرين، فإنّ كل واحد منهم يؤيّد برنامج الآخر، ويعلن عن ارتباطه به واتحاده معه في الأهداف والغايات.
قوله تعالى: (حتى إذا ادّاركوا فيها جميعاً قالت أُخراهم لأُوليهم ربّنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذاباً ضعفاً من النّار). ولا شك أنّ هذا الطلب منطقي ومعقول جدّاً، بل إنّ المضلين سينالون ضعفاً من العذاب حتى من دون هذا الطلب، لأنّهم يتحملون مسؤولية انحراف من أضلوا أيضاً دون أن ينقص من عذابهم شيء، ولكن العجيب هو أن يقال لهم في معرض الإجابة على طلبهم: سيكون لكلتا الطائفتين ضعفان من العذاب وليس للمضلين فقط (قال لكل ضعفٌ ولكن لا تعلمون). ومع الإمعان والدقة يتّضح لماذا ينال المخدوعون المضللون ضعفاً من العذاب أيضاً، لأنّه لا يستطيع أئمّة الظلم والجور ورؤوس الانحراف والضلال أن ينفذوا لوحدهم برامجهم، بل هؤلاء الأتباع المعاندُون المتعصبون لأسيادهم هم الذين يمدون قادة الضلال ورؤوس الانحراف بالقوّة والمدّد الذي يوصلهم إلى أهدافهم الشريرة، وعلى هذا الأتباع يجب أن ينالوا ضعفاً من العذاب أيضاً، عذاباً لضلالهم هم، وعذاباً لمساعدتهم للظالمين وإعانتهم قادة الانحراف.