الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَالَ ٱدۡخُلُواْ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ فِي ٱلنَّارِۖ كُلَّمَا دَخَلَتۡ أُمَّةٞ لَّعَنَتۡ أُخۡتَهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعٗا قَالَتۡ أُخۡرَىٰهُمۡ لِأُولَىٰهُمۡ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ أَضَلُّونَا فَـَٔاتِهِمۡ عَذَابٗا ضِعۡفٗا مِّنَ ٱلنَّارِۖ قَالَ لِكُلّٖ ضِعۡفٞ وَلَٰكِن لَّا تَعۡلَمُونَ} (38)

قوله : { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم }[ 38 ] الآية .

قرأ الأعمش : " ( حتى ) إذا تداركوا ( فيها ) " ، على الأصل ، على تفاعلوا{[23559]} .

وقرأ مجاهد : ادّركوا{[23560]} ، أي : أدرك بعضهم بعضا ، وأصله : افتعلوا{[23561]} .

والمعنى : إنها خبر من الله ( تعالى ){[23562]} ، عما يقول لهؤلاء المفترين المكذبين بالقرآن يقول لهم : { ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم } ، أي : في جماعة من أجناسكم ، { قد خلت } في النار ، { من الجن والانس }{[23563]} .

وقيل : معنى { في أمم } ، أي : مع أمم{[23564]} .

وقوله : { كلما دخلت أمة لعنت اختها }[ 38 ] .

أي : كلما دخلت جماعة النار شتمت الجماعة الأخرى التي من أهل ملتها{[23565]} .

وعني ب " الأخت " هنا : الأخوة في الدين والملة{[23566]} .

قال السدي : يلعن المشركون [ المشركين ]{[23567]} ، واليهود اليهود ، والنصارى النصارى{[23568]} . وكذلك أهل كل ملة تلعن الجماعة ، من أهل دينها التي دخلت النار قبلها .

وقوله : { حتى إذا ادركوا{[23569]} فيها }[ 38 ] .

أي : أدرك الآخر الأول في النار ، واجتمعوا ، { قالت اخراهم } ، أي : الجماعة الآخرة { لأولاهم } للجماعة الأولى{[23570]} من أهل دينها ، الذين أضلوا من كان بعدهم ؛ لأن الأول أضل الآخر { ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار }[ 38 ] .

قال السدي : { قالت أخراهم } ، الذين كانوا في آخر الزمان ، { لأولاهم } ، للذين{[23571]} شرعوا لهم الدين{[23572]} .

ثم أخبرنا الله ( تعالى ){[23573]} ، عما هو قائل لهم ، بأن قال : { لكل ضعف }[ 38 ] ، أي : للأولى{[23574]} والآخرة { ضعف }{[23575]} من النار ، أي : يكون عليكم{[23576]} العذاب ، { ولكن لا تعلمون }[ 38 ] ، أي : ولكنكم{[23577]} لا تعلمون قدر ما أعد الله لكم من العذاب ، فلذلك تسألون الضعف{[23578]} . وهذا على المخاطبة لهم{[23579]} .

ومن قرأ " بالياء " {[23580]} ، فعلى الإخبار عنهم أنهم لا يعلمون قدر العذاب .

[ وقيل : إن معنى قراءة " التاء " ، ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار عذاب الآخرة{[23581]} .

ومعنى " التاء " : ولكن لا تعلمون أيها المخاطبون ما لكل فريق منكم من العذاب{[23582]} .


[23559]:إعراب القرآن للنحاس 2/125 والمحتسب في تبيين وجود شواذ القراءات 1/247 والمحرر الوجيز 2/399، وتفسير القرطبي 7/131، والبحر المحيط 4/299، والدر المصون 3/266، 277. وهي قراءة ابن مسعود. ورويت عن أبي عمرو. وهي من شواذ القراءات انظر: إعراب القراءات الشواذ 1/536.
[23560]:في الأصل: دركوا، وهو تحريف محض.
[23561]:قراءة مجاهد المنصوص عليها هنا، هي رواية مكي عنه. قال ابن عطية في المحرر الوجيز 2/299: "وقال مكي في قراءة مجاهد، إنها: "ادركوا" بشد الدال المفتوحة وفتح الراء قال: وأصله: إذ تركوا، ووزنها: افتعلوا. وأورد أبو حيان الكلام نفسه في البحر 4/298. وروى عنه غيره: "أدركوا"، بفتح الهمزة مقطوعة، وسكون الدال، وفتح الراء، أي: أدرك بعضهم بعضا، انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/125، والمحرر الوجيز 2/399، والبحر المحيط 4/298، والدر المصون 3/367. والروايتان عن مجاهد من شواذ القراءات.
[23562]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23563]:انظر: جامع البيان 12/415، فالفقرة مستخلصة منه.
[23564]:تفسير المشكل من غريب القرآن 171، وتفسير هود بن محكم الهواري 2/16، والمحرر الوجيز 2/398، بزيادة: "وقيل: هي على بابها وهو أصوب"، وتفسير القرطبي 7/131، بزيادة: "وهذا لا يمتنع؛ لأن قولك زيد في القوم، أي مع القوم، وقيل هي على بابها، أي: ادخلوا في جملتهم". وانظر: البحر المحيط 4/297، 298.
[23565]:جامع البيان 12/416.
[23566]:جامع البيان 12/416، وتمام نصه: "وقيل: "أختها"، ولم يقل: "أخاها" لأنه عنى بها "أمة" وجماعة أخرى، كأنه قيل: كلما دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها". ينظر معاني القرآن للفراء 1/378.
[23567]:زيادة من ج، وجامع البيان 12/416.
[23568]:وتمام الأثر في جامع البيان 12/416، وتفسير ابن أبي حاتم 4/1475، والدر المنثور 3/451: "والصابئون الصابئين، والمجوس المجوس، تلعن الآخرة الأولى".
[23569]:في الأصل: اذركوا، وهو تحريف.
[23570]:في الأصل: الأول، وأثبت ما اجتهدت في قراءته في ج.
[23571]:كذا في الأصل، وج، وفي مصادر تخريج الأثر الآتية: الذين.
[23572]:في الأصل: الذين، وهو تصحيف.
[23573]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23574]:في الأصل: للأول والآخر، وأثبت ما في ج.
[23575]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23576]:يكون عليكم، كذا في الأصل، ولم أتبينها في ج.
[23577]:في ج: ولكن.
[23578]:انظر: جامع البيان 12/419.
[23579]:وهي قراءة جميع السبعة، غير عاصم في رواية أبي بكر بن عياش، كما في الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/462، وكتاب السبعة في القراءات 280، حجة القراءات 281، والمحرر الوجيز 2/399، والبحر المحيط 4/299.
[23580]:وهي قراءة عاصم وحده، في رواية أبي بكر بن عياش حسب المصادر نفسها المذكورة أعلاه.
[23581]:كذا في الأصل وج. وفي إعراب القرآن للزجاج 2/337، الذي نقل عنه مكي: "ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر". وانظر: المحرر الوجيز 2/399، والبحر المحيط 4/299.
[23582]:معاني القرآن للزجاج 2/337، وتفسير القرطبي 7/132، بتصرف يسير. وينظر زاد المسير 3/195، والبحر المحيط 4/299.