تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ ٱدۡخُلُواْ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ فِي ٱلنَّارِۖ كُلَّمَا دَخَلَتۡ أُمَّةٞ لَّعَنَتۡ أُخۡتَهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعٗا قَالَتۡ أُخۡرَىٰهُمۡ لِأُولَىٰهُمۡ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ أَضَلُّونَا فَـَٔاتِهِمۡ عَذَابٗا ضِعۡفٗا مِّنَ ٱلنَّارِۖ قَالَ لِكُلّٖ ضِعۡفٞ وَلَٰكِن لَّا تَعۡلَمُونَ} (38)

الآية 38 وقوله تعالى : { قال ادخلوا في أمم } قوله تعالى : { في أمم } يحتمل مع أمم ، وذلك جائز في اللغة ، يقال : جاء فلان في جنده { قد خلت من قبلكم من الجن والإنس } المتبوعين والأتباع جميعا معا . والعرب تضع حروف الخفض بعضها في موضع كقوله تعالى : { فادخلي في عبادي } { وادخلي جنتي } [ الفجر : 29و30 ] قيل : مع عبادي .

ويحتمل{ في } في موضعه ؛ كأنّ المتبوعين يدخلون{[8324]}النار قبل الأتباع بهؤلاء { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار } وفيه دليل أن الكفار من الجن يعذّبون كما يعذّب الكفار من الإنس .

وقوله تعالى : { كلما دخلت أمّة لعنت أختها } لعن الأتباع المتبوعين لما هم دعوهم إلى ذلك ، وهم صرفوهم{[8325]} عن دين الله كقولهم : { إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا } [ سبأ : 33 ] وكقوله { وقال الذين استضعفوا } [ سبأ : 33 ] وغير ذلك من الآيات . ولعن [ المتبوعون الأتباع ]{[8326]} لما يزداد لهم العذاب بكثرة الأتباع وبقدرهم ؛ فيلعن بعضهم بعضا .

وفيه دلالة أن أهل الكفر ، وإن اختلفوا في مذاهبهم فهم إخوة وأخوات ، بعضهم لبعض كالمؤمنين ، بعضهم إخوة وأخوات لبعض .

وقوله تعالى : { حتى إذا ادّاركوا فيها جميعا } قال بعضهم : هو من التّدارك ؛ أي حتى إذا تداركوا ، وتتابعوا فيها .

وقيل : هو من الدّرك ؛ لأن للنار{[8327]} دركات ، لا يزال أهل النار يهوون فيها ، لا قرار لهم في ذلك ؛ إذ في القرار بعض التسلّي والراحة ، فلا يزالون يهوون فيها دركا فدركا . وقيل : ولذلك سمّيت{[8328]} هاوية .

وقيل : { حتى إذا ادّاركوا فيها جميعا } أي اجتمعوا فيها ؛ فعند ذلك يلوم{[8329]} بعضهم بعضا .

فإن كان على التّدارك فهو كقوله تعالى : { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } [ الصافات : 22 ] وإن كان على الاجتماع فهو للتضييق كقوله تعالى : { وإذا ألقوا منها مكانا ضيّقا مقرّنين } الآية : [ الفرقان : 13 ] ويجتمعون يلعن بعضهم بعضا .

وقوله تعالى : { قالت أخراهم لأولاهم } يحتمل قوله تعالى : { أخراهم } الذين في آخر الزمان ، وأولاهم الذين شرّعوا لهم ذلك الدين { ربنا هؤلاء أضلّونا فئاتهم عذابا ضعفا من النار } .

ويحتمل قوله تعالى : { أخراهم } الذين دخلوا النار أخيرا ، وهم الأتباع { لأولاهم } الذين دخلوا النار أولا ، وهم القادة والمتبوعون { ربنا هؤلاء } يعني القادة والسّادة { أضلّونا فئاتهم عذابا ضعفا من النار } كقوله تعالى : { يوم تقلّب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا } [ الأحزاب : 66 ] .

ويشبه أن يكون قوله تعالى : { قالت أخراهم لأولاهم } /173-ب/ ليس على القول : بعضهم لبعض ، ولكن على الدعاء عليهم واللعن كقوله تعالى : { والعنهم لعنا كبيرا } [ الأحزاب : 68 ] .

وقوله تعالى : { فئاتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف } قال بعضهم : لكل ضعف من النار ، [ لا ]{[8330]}تزال تزداد ، وتعظم ، وتكبر ، فذلك الضعف ، وذلك للأتباع والمتبوعين{[8331]} جميعا . وقال بعضهم : قوله تعالى : { لكل ضعف } أي للمتبوعين والقادة ضعف . وقال لهم ملك أو خزنة [ جهنم ]{[8332]} أو من كان ، وليس{[8333]} لنا إلى معرفة ذلك حاجة بعد أن يقال لهم : ذلك قوله{[8334]} تعالى : { ولكن لا تعلمون } في الدنيا أن لكم ضعفا منها . وقيل : { لكل ضعف ولكن لا تعلمون } للحال بأن لكل ضعفا من النار .


[8324]:من م، في الأصل: يدخل.
[8325]:في الأصل وم: صرفوا.
[8326]:من م، في الأصل: المتبوع.
[8327]:في الأصل وم: النار.
[8328]:في الأصل وم: سمى.
[8329]:في الأصل وم: يتلاوم.
[8330]:ساقطة من الأصل وم.
[8331]:في الأصل وم: والمتبوع.
[8332]:ساقطة من الأصل وم.
[8333]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[8334]:في الأصل وم: وقوله.