غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ ٱدۡخُلُواْ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ فِي ٱلنَّارِۖ كُلَّمَا دَخَلَتۡ أُمَّةٞ لَّعَنَتۡ أُخۡتَهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعٗا قَالَتۡ أُخۡرَىٰهُمۡ لِأُولَىٰهُمۡ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ أَضَلُّونَا فَـَٔاتِهِمۡ عَذَابٗا ضِعۡفٗا مِّنَ ٱلنَّارِۖ قَالَ لِكُلّٖ ضِعۡفٞ وَلَٰكِن لَّا تَعۡلَمُونَ} (38)

35

ثم شرح بقية أحوال الكفار وذلك قوله : { قال } أي الله . وعن مقاتل هو من كلام خازن النار . وهذا مبني على أنه سبحانه لا يجوز أن يكلم الكفار وإن كان كلام سخط { ادخلوا في أمم } قيل : أي ادخلوا في النار مع أمم والأولى أن لا يلتزم الإضمار والمجاز . والمعنى ادخلوا كائنين في جملة أمم تقدم زمانهم زمانكم في النار . وفيه دليل على أن أصحاب النار لا يدخلون النار دفعة واحدة ولكن فيهم سابق ومسبوق { كلما دخلت أمة لعنت أختها } في الدين والعقيدة . فالمشرك يلعن المشرك ، واليهودي يلعن اليهودي ، والنصراني يلعن النصراني ، وكذا المجوس وسائر أديان الضلالة وإذا لعنت نظيرها فلأن تلعن غيرها أولى { حتى إذا ادّاركوا فيها } أي تداركوا بمعنى تلاحقوا واجتمعوا في النار وأدرك بعضهم بعضاً واستقر معه { قالت أخراهم } أي آخرتهم دخولاً في النار { لأولاهم } دخولاً فيها أو أتباعهم وسفلتهم لرؤسائهم وقادتهم والمعنيان متلازمان عندي لأن المضل لا بد وأن يكون مقدماً على الضال في دخول النار . واللام بمعنى التعليل أي لأجل أولاهم وذلك لأن خطابهم مع الله لا معهم { ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم } الفاء للجزاء { عذاباً ضعفاً } أي مضاعفاً وذلك عذاب الضلال وعذاب الإضلال بالدعوة إلى الباطل وتزيينه في أعينهم والسعي في إخفاء الدلائل . قال أبو عبيدة : الضعف مثل الشيء مرة واحدة وهو قول الشافعي في رجل أوصى فقال : أعطوا فلاناً ضعف نصيب ولدي يعطى مثل نصيبه مرتين . وقال الأزهري : العرب تريد بالضعف المثل إلى ما زاد وليس بمقصور على المثلين بدليل قوله عز من قائل : { فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا } [ سبأ : 37 ] وأقل ذلك عشرة لقوله :

{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } [ الأنعام : 160 ] وإنما قال الشافعي ما قال لأن ذلك متقن وما فوقه مشكوك { قال } أي الله أو خازن النار { لكل } من القادة والأتباع { ضعف } أما للقادة فلما قلنا ، وأما للأتباع فلأنهم عظموهم وقلدوهم وروّجوا أمرهم . سئل هاهنا إن تضعيف العذاب للشخص الذي يستحق العذاب ظلم وأجيب في التفسير الكبير بأن عذاب الكفار مؤبد فكل ألم يحصل فإنه يعقبه حصول ألم آخر إلى غير النهاية . قلت : وهذا لا يختص بصنف من الكفار دون صنف ولا بشخص دون شخص فلا يصلح للجواب . والصواب أن يقال : معنى تضعيف عذاب التابع والمتبوع أن ذلك العذاب زائد على مقدار ما تستحقه تلك العقيدة لو حصلت لا من حيثية التابعية والمتبوعية والله أعلم { ولكن لا تعلمون } من قرأه على الغيبة فمعناه لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر لأن الاسم الظاهر يعود الضمير إليه على الغيبة ، ومن قرأ على الخطاب فالمعنى لا تعلمون أيها المخاطبون ما لكل منكم من العذاب أو لا تعلمون يا أهل الدنيا ما مقدار ذلك .

/خ43