8- يا أيها الذين آمنوا : ارجعوا إلى الله من ذنوبكم رجعة بالغة في الإخلاص ، عسى ربكم أن يمحو عنكم سيئاتكم ، ويُدخلكم جنات تجرى من تحت قصورها وأشجارها الأنهار . يوم يرفع الله شأن النبي والذين آمنوا معه ، نور هؤلاء يسير أمامهم وهم بأيمانهم ، يقولون - تقرباً إلى الله - : يا سيدنا ومالك أمرنا ، أتمم لنا نورنا ، حتى نهتدي إلى الجنة ، وتجاوز عن ذنوبنا إنك على كل شيء تام القدرة .
{ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً } قرأ الحسن ، وأبو بكر عن عاصم : { نصوحاً } بضم النون ، وقرأ العامة بفتحها ، أي : توبة ذات نصح تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه . واختلفوا في معناها قال عمر ، وأبي ، ومعاذ ، التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع . قال الحسن : هي أن يكون العبد نادما على ما مضى ، مجمعا على ألا يعود فيه . قال الكلبي : أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن . قال سعيد بن المسيب : توبة تنصحون بها أنفسكم . قال القرظي : يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، والإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سيئ الإخوان . { عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه } أي لا يعذبهم الله بدخول النار ، { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } على الصراط ، { يقولون } إذا طفئ نور المنافقين ، { ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير . يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير }
{ 8 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
قد أمر الله بالتوبة النصوح في هذه الآية ، ووعد عليها بتكفير السيئات ، ودخول الجنات ، والفوز والفلاح ، حين يسعى المؤمنون يوم القيامة بنور إيمانهم ، ويمشون بضيائه ، ويتمتعون بروحه وراحته ، ويشفقون إذا طفئت الأنوار ، التي لا تعطى المنافقين ، ويسألون الله أن يتمم{[1168]} لهم نورهم فيستجيب الله دعوتهم ، ويوصلهم ما{[1169]} معهم من النور واليقين ، إلى جنات النعيم ، وجوار الرب الكريم ، وكل هذا من آثار التوبة النصوح .
والمراد بها : التوبة العامة الشاملة للذنوب كلها ، التي عقدها العبد لله ، لا يريد بها إلا وجهه{[1170]} والقرب منه ، ويستمر عليها في جميع أحواله .
ثم يرشد - سبحانه - المؤمنين ، إلى ما يعينهم على الوقاية من النار فيقول : { ياأيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً . . } .
والتوبة : العزم الصادق على عدم العودة إلى المعصية والندم على ما فعله منها فى الماضى ، والنصوح صيغة مبالغة من النصح ، وصفت بها التوبة على سبيل الإسناد المجازى ، والمقصود وصف التائبين بها ، من نصح فلان التوب إذا خاطه ، فكأن التائب يرقع ما مزقه بالمعصية . أو من قولهم : عسل ناصح .
وقد ذكروا فى معنى هذه الجملة أكثر من عشرين وجهاً .
قال القرطبى ما ملخصه : اختلفت عبارة العلماء ، وأرباب القلوب ، فى التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا ، فقيل : هى التى لا عودة بعدها ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع .
وقال قتادة : النصوح الصادقة الناصحة . . . الخالصة .
وقال القرطبى : التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، والإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سىء الإخوان .
وقال الفقهاء : التوبة التى لا تعلق لها بحق آدمى لها ثلاثة شروط : احدها أن يقلع عن المعصية ، وثانيها : أن يندم على ما فعله ، وثالثها : أن يعزم على أن لا يعود إليها .
فإذا اجتمعت هذه الشروط فى التوبة كانت نصوحا .
وإن كانت تتعلق بحق آدمى ، فشروطها أربعة ، هذه الثلاثة المتقدمة ، والرابع أن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت المعصية مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه من نفسه ، أو طلب العفو منه ، وإن كانت غيبة استحله منها .
وهى واجبة من كل معصية على الفور ، ولا يجوز تأخريها .
وقوله - سبحانه - { عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } .
والرجاء المستفاد من فعل { عسى } مستعمل هنا فى الوعد الصادق منه - تعالى - على سبيل الكرم والفضل ، فقد قالوا إن كل ترج فى القرآن واقع منه - تعالى - فضلا منه وكرما .
أى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، توبوا إلى الله - تعالى - " توبة صادقة " بحيث تندمون على ما فرط منكم من ذنوب ، وتعزمون على عدم العودة إليها ، وتستمرون على توبتكم طوال حياتكم . . . فإنكم متى فعلتم ذلك غفر الله - تعالى - لكم ذنوبكم : وكفر عنكم سيئاتكم ، وأدخلكم جنات تجرى من تحت أشجارها وثمارها الأنهار .
قال صاحب الكشاف : قوله : { عسى رَبُّكُمْ } : إطماع من الله لعباده . وفيه وجهان : أحدهما أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بعسى ولعل . و وقوع ذلك منهم موقع القطع والبت . والثانى : أن يجىء به تعليما للعباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء .
والظرف فى قوله - سبحانه - : { يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } منصوب بقوله - تعالى - قبل ذلك : { وَيُدْخِلَكُمْ } ، أو بفعل مضمر تقديره : اذكر .
وقوله : { لاَ يُخْزِى } من الخزى بمعنى الافتضاح : يقال أخزى الله فلانا إذا فضحه ، والمراد به هنا : عذاب النار .
وقوله : { والذين آمَنُواْ مَعَهُ } معطوف على النبى ، وجملة { نُورُهُمْ يسعى } مستأنفة .
أى : يدخلكم الله - بفضله وكرمه - { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } يوم القيامة ، يوم ينجى - سبحانه - النبى - صلى الله عليه وسلم - وينجى الذين آمنوا معه من عذاب النار ، ومن خزى هذا اليوم العصيب .
وهم جميعا وعلى رأسهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - نورهم وهم على الصراط ، يسعى ويمتد وينتشر { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } .
أى أمامهم { وَبِأَيْمَانِهِمْ } أى : وعن أيمانهم .
ويقولون - على سبيل الحمد والشكر لله - تعالى - يا ربنا { أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } بأن تزيده ولا تنقصه حتى ندخل جنتك .
{ واغفر لَنَآ } يا ربنا ذنوبنا { إِنَّكَ } يا ربنا ، { على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
وفى عطف الذين آمنوا على النبى - صلى الله عليه وسلم - إشعار بأن سبب انتفاء خزيهم ، هو إيمانهم الصادق ، وعملهم الصالح ، وصحبتهم الكريمة للنبى - صلى الله عليه وسلم - .
والضمير فى قوله { نُورُهُمْ } يعود إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا معه .
وخص - سبحانه - الأَمامَ واليمين بالذكر ، لفضل هذين المكانين ، إذ النور عندما يكون من الأمام يستمتع الإنسان بمشاهدته ، وعندما يكون من جهة اليمين يزداد تفاؤلا وانشراحا به .
والتخصيص بذلك لا ينفى أن يكون النور محيطا بهم من كل جوانبهم ، وهو نور حقيقى يكرم الله - تعالى - به عباده الصالحين .
وختموا دعاءهم بقولهم - كما حكى القرآن عنهم - : { إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } للإشارة إلى أنهم كانوا على جانب كبير من رجاء تحقيق دعائهم ، لأنهم يسألون ويدعون الله - تعالى - الذى لا يقف أمام قدرته شىء .
فكيف يقي المؤمنون أنفسهم وأهليهم من هذه النار ? إنه يبين لهم الطريق ، ويطمعهم بالرجاء :
( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ، عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار . يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، يقولون : ربنا أتمم لنا نورنا ، واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ) . .
هذا هو الطريق . . توبة نصوح . . توبة تنصح القلب وتخلصه ، ثم لا تغشه ولا تخدعه .
توبة عن الذنب والمعصية ، تبدأ بالندم على ما كان ، وتنتهي بالعمل الصالح والطاعة ، فهي عندئذ تنصح القلب فتخلصه من رواسب المعاصي وعكارها ؛ وتحضه على العمل الصالح بعدها . فهذه هي التوبة النصوح . التوبة التي تظل تذكر القلب بعدها وتنصحه فلا يعود إلى الذنوب .
فإذا كانت هذه التوبة فهي مرجوة إذن في أن يكفر الله بها السيئات . وأن يدخلهم الجنات . في اليوم الذي يخزي فيه الكفار كما هم في المشهد الذي سبق في السياق . ولا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه .
وإنه لإغراء مطمع ، وتكريم عظيم ، أن يضم الله المؤمنين إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فيجعلهم معه صفا يتلقى الكرامة في يوم الخزي . ثم يجعل لهم نورا ( يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) . نورا يعرفون به في ذلك اليوم الهائل المائج العصيب الرهيب . ونورا يهتدون به في الزحام المريج . ونورا يسعى بين أيديهم وبأيمانهم إلى الجنة في نهاية المطاف !
وهم في رهبة الموقف وشدته يلهمون الدعاء الصالح بين يدي الله : ( يقولون : ربنا أتمم لنا نورنا ، واغفر لنا ، إنك على كل شيء قدير ) . . وإلهامهم هذا الدعاء في هذا الموقف الذي يلجم الألسنة ويسقط القلوب ، هو علامة الاستجابة . فما يلهم الله المؤمنين هذا الدعاء إلا وقد جرى قدره بأنه سيستجيب . فالدعاء هنا نعمة يمن بها الله عليهم تضاف إلى منة الله بالتكريم وبالنور .
فأين هذا من النار التي وقودها الناس والحجارة ?
إن هذا الثواب ، كذلك العقاب ، كلاهما يصور تبعة المؤمن في وقاية نفسه وأهله من النار ، وإنالتهمهذا النعيم في جنات تجري من تحتها الأنهار .
وفي ظلال ذلك الحادث الذي كان في بيوت النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ندرك الإيحاء المقصود هنا من وراء هذه النصوص .
إن المؤمن مكلف هداية أهله ، وإصلاح بيته ، كما هو مكلف هداية نفسه وإصلاح قلبه .
إن الإسلام دين أسرة - كما أسلفنا في سورة الطلاق - ومن ثم يقرر تبعة المؤمن في أسرته ، وواجبه في بيته . والبيت المسلم هو نواة الجماعة المسلمة ، وهو الخلية التي يتألف منها ومن الخلايا الأخرى ذلك الجسم الحي . . المجتمع الإسلامي . .
إن البيت الواحد قلعة من قلاع هذه العقيدة . ولا بد أن تكون القلعة متماسكة من داخلها حصينة في ذاتها ، كل فرد فيها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها . وإلا تكن كذلك سهل اقتحام المعسكر من داخل قلاعه ، فلا يصعب على طارق ، ولا يستعصي على مهاجم !
وواجب المؤمن أن يتجه بالدعوة أول ما يتجه إلى بيته وأهله . واجبه أن يؤمن هذه القلعة من داخلها . واجبه أن يسد الثغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيدا .
ولابد من الأم المسلمة . فالأب المسلم وحده لا يكفي لتأمين القلعة . لابد من أب وأم ليقوما كذلك على الأبناء والبنات . فعبثا يحاول الرجل أن ينشئ المجتمع الإسلامي بمجموعة من الرجال . لابد من النساء في هذا المجتمع فهن الحارسات على النشء ، وهو بذور المستقبل وثماره .
ومن ثم كان القرآن يتنزل للرجال وللنساء ؛ وكان ينظم البيوت ، ويقيمها على المنهج الإسلامي ، وكان يحمل المؤمنين تبعة أهليهم كما يحملهم تبعة أنفسهم : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) . .
هذا أمر ينبغي أن يدركه الدعاة إلى الإسلام وأن يدركوه جيدا . إن أول الجهد ينبغي أن يوجه إلى البيت . إلى الزوجة . إلى الأم . ثم إلى الأولاد ؛ وإلى الأهل بعامة . ويجب الاهتمام البالغ بتكوين المسلمة لتنشئ البيت المسلم . وينبغي لمن يريد بناء بيت مسلم أن يبحث له أولا عن الزوجة المسلمة . وإلا فسيتأخر طويلا بناء الجماعة الإسلامية . وسيظل البنيان متخاذلا كثير الثغرات !
وفي الجماعة المسلمة الأولى كان الأمر أيسر مما هو في أيامنا هذه . . كان قد أنشئ مجتمع مسلم - في المدينة - يهيمن عليه الإسلام . يهيمن عليه بتصوره النظيف للحياة البشرية ، ويهيمن عليه بتشريعه المنبثق من هذا التصور . وكان المرجع فيه ، مرجع الرجال والنساء جميعا ، إلى الله ورسوله . وإلى حكم الله وحكم رسوله . فإذا نزل الحكم فهو القضاء الأخير . . وبحكم وجود هذا المجتمع وسيطرة تصوره وتقاليده على الحياة كان الأمر سهلا بالنسبة للمرأة لكي تصوغ نفسها كما يريد الإسلام . وكان الأمر سهلا بالنسبة للأزواج كي ينصحوا نساءهم ويربوا أبناءهم على منهج الإسلام . .
نحن الآن في موقف متغير . نحن نعيش في جاهلية . جاهلية مجتمع . وجاهلية تشريع . وجاهلية أخلاق . وجاهلية تقاليد . وجاهلية نظم . وجاهلية آداب . وجاهلية ثقافة كذلك ! !
والمرأة تتعامل مع هذا المجتمع الجاهلي ، وتشعر بثقل وطأته الساحقة حين تهم أن تلبي الإسلام ، سواء اهتدت إليه بنفسها ، أو هداها إليه رجلها . زوجها أو أخوها أو أبوها . .
هناك كان الرجل والمرأة والمجتمع . كلهم . يتحاكمون إلى تصور واحد ، وحكم واحد ، وطابع واحد . فأما هنا فالرجل يتحاكم إلى تصور مجرد لا وجود له في دنيا الواقع . والمرأة تنوء تحت ثقل المجتمع الذي يعادي ذلك التصور عداء الجاهلية الجامح ! وما من شك أن ضغط المجتمع وتقاليده على حس المرأة أضعاف ضغطه على حس الرجل !
وهنا يتضاعف واجب الرجل المؤمن . إن عليه أن يقي نفسه النار ! ثم عليه أن يقي أهله وهم تحت هذا الضغط الساحق والجذب العنيف !
فينبغي له أن يدرك ثقل هذا الواجب ليبذل له من الجهد المباشر أضعاف ما كان يبذله أخوه في الجماعة المسلمة الأولى . ويتعين حينئذ على من يريد أن ينشئ بيتا أن يبحث أولا عن حارسة للقلعة ، تستمد تصورها من مصدر تصوره هو . . من الإسلام . . وسيضحي في هذا بأشياء : سيضحي بالالتماع الكاذب في المرأة . سيضحي بخضراء الدمن ! سيضحي بالمظهر البراق للجيف الطافية على وجه المجتمع . ليبحث عن ذات الدين ، التي تعينه على بناء بيت مسلم ، وعلى إنشاء قلعة مسلمة ! ويتعين على الآباء المؤمنين الذين يريدون البعث الإسلامي أن يعلموا أن الخلايا الحية لهذا البعث وديعة في أيديهم وأن عليهم أن يتوجهوا إليهن وإليهم بالدعوة والتربية والإعداد قبل أي أحد آخر . وأن يستجيبوا لله وهو يدعوهم : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) ؛
ونرجع الكرة - بهذه المناسبة - إلى طبيعة الإسلام التي تقتضي قيام الجماعة المسلمة التي يهيمن عليها الإسلام ، والتي يتحقق فيها وجوده الواقعي . فهو مبني على أساس أن تكون هناك جماعة . الإسلام عقيدتها ، والإسلام نظامها ، والإسلام شريعتها ، والإسلام منهجها الكامل الذي تستقي منه كل تصوراتها .
هذه الجماعة هي المحضن الذي يحمي التصور الإسلامي ويحمله إلى النفوس ، ويحميها من ضغط المجتمع الجاهلي ، كما يحميها من فتنة الإيذاء سواء .
ومن ثم تتبين أهمية الجماعة المسلمة التي تعيش فيها الفتاة المسلمة والمرأة المسلمة ، محتمية بها من ضغط المجتمع الجاهلي حولها . فلا تتمزق مشاعرها بين مقتضيات تصورها الإسلامي وبين تقاليد المجتمع الجاهلي الضاغط الساحق . ويجد فيها الفتى المسلم شريكة في العش المسلم ، أو في القلعة المسلمة ، التي يتألف منها ومن نظيراتها المعسكر الإسلامي .
إنها ضرورة - وليست نافلة - أن تقوم جماعة مسلمة ، تتواصى بالإسلام ، وتحتضن فكرته وأخلاقه وآدابه وتصوراته كلها ، فتعيش بها فيما بينها ، وتعيش لها تحرسها وتحميها وتدعو إليها ، في صورة واقعية يراها من يدعون إليها من المجتمع الجاهلي الضال ليخرجوا من الظلمات إلى النور بإذن الله . إلى أن يأذن الله بهيمنة الإسلام . حتى تنشأ الأجيال في ظله ، في حماية من الجاهلية الضاربة الأطناب . .
ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } أي : توبة صادقة جازمة ، تمحو ما قبلها من السيئات وتلم شعث التائب وتجمعه ، وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات .
قال ابن جرير : حدثنا ابن مثنى ، حدثنا محمد ، حدثنا شعبة ، عن سِمَاك بن حَرب : سمعت النعمان بن بشير يخطب : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } قال : يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه .
وقال الثوري ، عن سِماك ، عن النعمان ، عن عمر قال : التوبة النصوح : أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه ، أو لا يعود فيه .
وقال أبو الأحوص وغيره ، عن سماك ، عن النعمان ، سُئِل عمر عن التوبة النصوح ، فقال : أن يتوب الرجل من العمل السيئ ، ثم لا يعود إليه أبدًا .
وقال الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : { تَوْبَةً نَصُوحًا } قال : يتوب ثم لا يعود .
وقد روي هذا مرفوعًا فقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم ، عن إبراهيم الهَجَري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التوبة من الذنب أن يتوب منه ، ثم لا يعود فيه " . تفرد به أحمد من طريق إبراهيم بن مسلم الهَجَري ، وهو ضعيف ، والموقوف أصح{[29071]} والله أعلم .
ولهذا قال العلماء : التوبة النصوح هو أن يُقلعَ عن الذنب في الحاضر ، ويندمَ على ما سلف منه في الماضي ، ويعزِم على ألا يفعل في المستقبل . ثم إن كان الحق لآدمي ردّه إليه بطريقه .
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عبد الكريم ، أخبرني زياد بن أبي مريم ، عن عبد الله بن مَعقِل قال : دخلت مع أبي عَلى عبد الله بن مسعود فقال : أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الندم توبة ؟ " . قال : نعم . وقال مَرَة : نعم سمعته يقول : " الندم توبة " .
ورواه ابن ماجة ، عن هشام بن عَمَّار ، عن سفيان بن عُيينة ، عن عبد الكريم - وهو ابن مالك الجَزَريّ - به{[29072]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني الوليد بن بُكَيْر أبو خباب ، عن عبد الله بن محمد العَدَوي ، عن أبي سِنان البصري ، عن أبي قِلابة ، عن زِرّ بن حُبَيش ، عن أبي بن كعب قال : قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة ، منها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله ، ومنها : نكاح الرجل الرجل ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله . ومنها نكاح المرأة المرأة ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله . وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا ، حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحًا . قال زر : فقلت لأبي بن كعب : فما التوبة النصوح ؟ فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هو الندم على الذنب حينَ يَفرطُ منك ، فتستغفرُ الله بندامتك منه عند الحاضر ، ثم لا تعود إليه أبدًا " {[29073]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا عباد بن عمرو ، حدثنا أبو عمرو بن العلاء ، سمعت الحسن يقول : التوبة النصوح : أن تُبغِض الذنبَ كما أحببته ، وتستغفر منه إذا ذكرته .
فأما إذا حَزَم بالتوبة وصَمم عليها فإنها تَجُب ما قبلها من الخطيئات ، كما ثبت في الصحيح : " الإسلام يَجُبُّ ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها " {[29074]} .
وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرارُ على ذلك إلى الممات ، كما تقدم في الحديث وفي الأثر : " لا يعود فيه أبدًا " ، أو يكفي العزم على ألا يعود في تكفير الماضي ، بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضارًا في تكفير ما تقدم ، لعموم قوله ، عليه السلام : " التوبة تجب ما قبلها ؟ " . وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضًا : " مَن أحسنَ في الإسلام لم يُؤاخَذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر " {[29075]} فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة ، فالتوبة بطريق الأولى ، والله أعلم . وقوله : { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } و { عَسَى } من الله موجبة ، { يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } أي : ولا يخزيهم معه يعني : يوم القيامة ، { نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } كما تقدم في سورة الحديد .
{ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قال مجاهد ، والضحاك ، والحسن البصري وغيرهم : هذا يقوله المؤمنون حين يَرَون يوم القيامة نورَ المنافقين قد طفِئ .
وقال محمد بن نصر المروزي : حدثنا محمد بن مقاتل المروزي ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا ابن لَهِيعة ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة ، وأول من يؤذن له برفع رأسه ، فأنظرُ بين يَدَيّ فأعرف أمتي من بين الأمم ، وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم ، وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم " . فقال رجل : يا رسول الله ، وكيف تعرف أمتك من بين الأمم . قال : " غُرٌّ مُحجلون من آثار الطُّهور{[29076]} ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم ، وأعرفهم أنهم يؤتَون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم " {[29077]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، حدثنا ابن المبارك ، عن يحيى بن حسان ، عن رجل من بني كنانة قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، فسمعته يقول : " اللهم ، لا تخزني يوم القيامة " {[29078]} .
ثم أمر عباده بالتوبة ، والتوبة فرض على كل مسلم ، وتاب معناه : رجع فتوبة العبد : رجوعه من المعصية إلى الطاعة ، وتوبة الله تعالى على العبد إظهار صلاحه ونعمته عليه في الهداية إلى الطاعة ، وقبول توبة الكفار يقطع بها على الله إجماعاً من الأمة ، واختلف الناس في توبة العاصي ، فجمهور أهل السنة على أنه لا يقطع بقبولها ولا ذلك على الله بواجب ، والدليل على ذلك دعاء كل واحد من المذنبين في قبول التوبة ولو كانت مقطوعاً بها لما كان معنى للدعاء في قبولها ، وظواهر القرآن في ذلك هي كلها بمعنى المشيئة ، وروي عن أبي الحسن الأشعري أنه قال : التوبة إذا توفرت شروطها قطع على الله بقبولها لأنه تعالى أخبر بذلك .
قال القاضي أبو محمد : وهذا المسك بظواهر القرآن ، وعلى هذا القول أطبقت المعتزلة ، والتوبة الندم على فارط المعصية والعزم على ترك مثلها في المستقبل ، وهذا من المتمكن ، وأما غير المتمكن كالمجبوب في الزنا فالندم وحده يكفيه ، والتوبة عبادة كالصلاة ونحوها ، فإذا تاب العبد وحصلت توبته بشروطها وقبلت ثم عاود الذنب ، فتوبته الأولى لا تفسدها عودة بل هي كسائر ما تحصل من العبادات ، والنصوح بناء مبالغة من النصح إلى توبة نصحت صاحبها وأرشدته ، وقرأ الجمهور : «نَصوحاً » بفتح النون ، وقرأ أبو بكر عن عاصم وخارجة عن نافع والحسن والأعرج وعيسى : «نُصوحاً » بضم النون ، وهو مصدر ، يقال : نصح ، ينصح ، نصاحة ، ونصاحة قاله الزجاج ، فوصف التوبة بالمصدر كالعدل والزور وغيره ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : التوبة النصوح ، هي أن يتوب ثم لا يعود ، وقال أبو بكر الوراق : هي أن تضيق عليك الأرض بما رحبت كتوبة الذين خلفوا ، وقوله تعالى : { عسى ربكم } الآية ، ترجية ، وقد روي أن { عسى } من الله و اجبة ، والعامل في { يوم } قوله : { يدخلكم } ، وروي في معنى قوله تعالى : { يوم لا يخزي الله النبي } ، أن محمداً صلى الله عليه وسلم تضرع في أمر أمته فأوحى الله إليه : إن شئت جعلت حسابهم إليك ، فقال :
«يا رب أنت أرحم بهم » فقال الله تعالى : إذا لا أخزيك فيهم ، فهذا معنى قوله : { يوم لا يخزي الله النبي } ، والخزي المكروه الذي يترك الإنسان حيران خجلاً مهموماً بأن يرى نقصه ، أو سوء منزلته ، وقوله تعالى : { والذين آمنوا معه } يحتمل أن يكون معطوفاً على { النبي } فيخرج المؤمنون من الخزي ، ويحتمل أن يكون ابتداء ، و { نورهم يسعى } جملة هي خبره ، ويبقى النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصاً مفضلاً بأنه لا يخزى ، وقد تقدم القول في نظير قوله : { يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } [ التحريم : 8 ] ، وقرأ سهل بن سعد : «وبإيمانهم » ، بكسر الهمزة ، وقوله تعالى : { ربنا أتمم لنا نورنا } ، قال الحسن بن أبي الحسن هو عندما يرون من انطفاء نور المنافقين حسبما تقدم تفسيره ، وقيل يقول من أعطي من النور بقدر ما يرى قدميه فقط .
{ ياأيها الذين ءَامَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سيئاتكم وَيُدْخِلَكُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار } .
أعيد خطاب المؤمنين وأعيد نداؤهم وهو نداء ثالث في هذه السورة . والذي قبله نداء للواعظين . وهذا نداء للموعوظين وهذا الأسلوب من أساليب الإِعراض المهتم بها .
أُمر المؤمنون بالتوبة من الذنوب إذا تلبسوا بها لأن ذلك من إصلاح أنفسهم بعد أن أمروا بأن يجنِّبوا أنفسهم وأهليهم ما يَزِجّ بهم في عذاب النار ، لأن اتقاء النار يتحقق باجتناب ما يرمي بهم فيها ، وقد يذهلون عما فرط من سيئاتهم فهُدُوا إلى سبيل التوبة التي يمحون بها ما فرط من سيئاتهم .
وهذا ناظر إلى ما ذكر من موعظة امرأتي النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { إن تتوبا إلى الله } [ التحريم : 4 ] .
والتوبة : العزم على عدم العود إلى العصيان مع الندم على ما فرط منه فيما مضى . وتقدمت عند قوله تعالى : { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه } في سورة [ البقرة : 37 ] . وفي مواضع أخرى وخاصة عند قوله تعالى : { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة } في سورة [ النساء : 17 ] . وتعديتها بحرف ( إلى ) لأنها في معنى الرجوع لأن ( تاب ) أخو ( ثاب ) .
والنصح : الإِخلاص في العمل والقول ، أي الصدق في إرادة النفع بذلك . ووصف التوبة بالنصوح مجاز جعلت التوبة التي لا تردد فيها ولا تخالطها نية العودة إلى العمل المتوب منه بمنزلة الناصح لغيره ففي ( نصوح ) استعارة وليس من المجاز العقلي إذ ليس المراد نصوحاً صاحبها .
وإنما لم تلحق وصف ( نصوح ) هاء التأنيث المناسبة لتأنيث الموصوف به لأن فعولاً بمعنى فاعل يلازم الإِفراد والتذكير .
وقرأ الجمهور نصوحاً } بفتح النون على معنى الوصف كما علمت . وقرأه أبو بكر عن عاصم بضم النون على أنه مصدر ( نصح ) مثل : القُعود من قعد . وزعم الأخفش أن الضم غير معروف والقراءة حجة عليه .
ومن شروط التوبة تدارك ما يمكن تداركه مما وقع التفريط فيه مثل المظالم للقادر على ردّها . روي عن علي رضي الله عنه : يجمع التوبة ستة أشياء : الندامة على الماضي من الذنوب ، وإعادة الفرائض . ورد المظالم ، واستحلال الخصوم ، وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية ، وأن تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي .
وتقوم مقام ردّ المظالم استحلال المظلوم حتى يعفو عنه .
ومن تمام التوبة تمكين التائب من نفسه أن ينفذ عليها الحدود كالقود والضرب . قال إمام الحرمين : هذا التمكين واجب خارج عن حقيقة التوبة لأن التائب إذا ندم ونوى أن لا يعود صحت توبته عند الله وكان منَعه من تمكين نفسه معصية متجددة تستدعي توبة .
وهو كلام وجيه إذ التمكين من تنفيذ ذلك يشق على النفوس مشقة عظيمة فلها عذر في الإِحجام عن التمكين منه .
وتصح التوبة من ذنب دون ذنب خلافاً لأبي هاشم الجبائي المعتزلي ، وذلك فيما عدا التوبة من الكفر .
وأما التوبة من الكفر بالإِيمان فصحيحة في غفران إثم الكفر ولو بقي متلبساً ببعض الكبائر بإجماع علماء الإِسلام .
والذنوب التي تجب منها التوبة هي الكبائر ابتداء ، وكذلك الصغائر وتمييز الكبائر من الصغائر مسألة أخرى محلها أصول الدين وأصول الفقه والفقهُ .
إلا أن الله تفضّل على المسلمين فغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ، أخذ ذلك من قوله تعالى : { الذين يجتنبون كبائر الإِثم والفواحش إلا اللمم وقد مضى القول فيه } في تفسير سورة [ النجم : 32 ] .
ولو عاد التائب إلى بعض الذنوب أو جميعها ما عدا الكفر اختلف فيه علماء الأمة فالذي ذهب إليه أهل السنة أن التوبة تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب في خصوص الذنب المعود إليه ولا تنتقض فيما سواه . وأن العود معصية تجب التوبة منها . وقال المعتزلة : تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب فتعود إليه ذنوبه ووافقهم الباقلاني .
وليس في أدلة الكتاب والسنة ما يشهد لأحد الفريقين .
والرجاء المستفاد من فعل { عسى } مستعمل في الوعد الصادر عن المتفضل على طريقة الاستعارة وذلك التائب لا حق له في أن يعفى عنه ما اقترفه لأن العصيان قد حصل وإنما التوبة عزم على عدم العودة إلى الذنب ولكن ما لصاحبها من الندم والخوف الذي بعث على العزم دل على زكاء النفس فجعل الله جزاءه أن يمحو عنه ما سلف من الذنوب تفضلاً من الله فذلك معنى الرجاء المستفاد من { عسى } .
وقد أجمع علماء الإِسلام على أن التوبة من الكفر بالإِيمان مقبولة قطعاً لكثرة أدلة الكتاب والسنة ، واختلفوا في تعيُّن قبول توبة العاصي من المؤمنين ، فقال جمهور أهل السنة : قبولها مرجوّ غير مقطوع ، وممن قال به الباقلاني وإمام الحرمين وعن الأشعري أنه مقطوع به سمعاً ، والمعتزلة مقطوع به عقلاً .
وتكفير السيئات : غفرانها ، وهو مبالغة في كَفَر المخفف المتعدي الذي هو مشتق من الكَفر بفتح الكاف ، أي الستر .
{ يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبى والذين ءَامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا واغفر لَنَآ إِنَّكَ على كُلِّ شَىْءٍ قدير } .
{ يوم } ظرف متعلق ب { يدخلكم جنات } وهو تعليقُ تخلص إلى الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه . وهو يوم القيامة وهذا الثناء عليهم بانتفاء خزي الله عنهم تعريض بأن الذين لم يؤمنوا معه يخزيهم الله يوم القيامة وذكر النبي صلى الله عليه وسلم مع الذين آمنوا لتشريف المؤمنين ولا علاقة له بالتعريض .
والخزي : هو عذاب النار ، وحكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام قوله : { ولا تخزني يوم يبعثون } [ الشعراء : 87 ] على أن انتفاء الخزي يومئذٍ يستلزم الكرامة إذ لا واسطة بينهما كما أشعر به قوله تعالى : { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } [ آل عمران : 185 ] .
وفي صلة { الذين آمنوا معه } إيذان بأن سبب انتفاء الخزي عنهم هو إيمانهم .
ومعية المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم صحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم .
و ( مع ) يجوز تعلقها بمحذوف حال من { الذين آمنوا } أي حال كونهم مع الشيء في انتفاء خزي الله عنهم فيكون عموم { الذين آمنوا } مخصوصاً بغير الذين يتحقق فيهم خزي الكفر وهم الذين ارتدوا وماتوا على الكفر .
وفي هذه الآية دليل على المغفرة لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
ويجوز تعلق ( مع ) بفعل { آمنوا } أي الذين آمنوا به وصحبوه ، فيكون مراداً به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به ولم يرتدوا بعده ، فتكون الآية مؤذنة بفضيلة للصحابة .
وضمير { نورهم } عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه .
وإضافة نور إلى ضمير هم مع أنه لم يسبق إخبار عنهم بنور لهم ليست إضافة تعريف إذ ليس المقصود تعريف النور وتعيينه ولكن الإِضافة مستعملة هنا في لازم معناها وهو اختصاص النور بهم في ذلك اليوم بحيث يميزه الناس من بين الأنوار يومئذٍ .
وسعي النور : امتداده وانتشاره . شبه ذلك باشتداد مشي الماشي وذلك أنه يحفّ بهم حيثما انتقلوا تنويهاً بشأنهم كما تنشر الأعلام بين يدي الأمير والقائد وكما تساق الجياد بين يدي الخليفة .
وإنما خص بالذكر من الجهات الأمامُ واليمين لأن النور إذا كان بين أيديهم تمتعوا بمشاهدته وشعروا بأنه كرامة لهم ولأن الأيدي هي التي تمسك بها الأمور النفيسة وبها بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإِيمان والنصر . وهذا النور نور حقيقي يجعله الله للمؤمنين يوم القيامة . والباء للملابسة ، ويجوز أن تكون بمعنى ( عن ) .
وقد تقدم نظير هذا في سورة الحديد وما ذكرناه هنا أوسع .
وجملة { يقولون ربنا أتمم لنا نورنا } إلى آخرها حال من ضمير { نورهم } ، وظاهره أن تكون حالاً مقارنة ، أي يقولون ذلك في ذلك اليوم ، ودعاؤهم طلب للزيادة من ذلك النور ، فيكون ضمير { يقولون } عائد إلى جميع الذين آمنوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ ، أو يقول ذلك من كان نوره أقل من نور غيره ممن هو أفضل منه يومئذٍ فيكون ضمير { يقولون } على إرادة التوزيع على طوائف الذين آمنوا في ذلك اليوم .
وإتمام النور إدامته أو الزيادة منه على الوجهين المذكورين آنفاً وكذلك الدعاء بطلب المغفرة لهم هو لطلب دوام المغفرة ، وذلك كله أدب مع الله وتواضع له مثل ما قيل في استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم سبعين مرة .
ويظهر بذلك وجه التذييل بقولهم : { إنك على كل شيء قدير } المشعر بتعليل الدعاء كناية عن رجاء إجابته لهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله" تُوبُوا إلى اللّهِ "يقول: ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة الله، وإلى ما يرضيه عنكم، "تَوْبَةً نَصُوحا" يقول: رجوعا لا تعودون فيها أبدا... وقوله: "عَسَى رَبّكُمْ أن يُكَفّرَ عَنْكُمْ سَيّآتِكُمْ" يقول: عسى ربكم أيها المؤمنون أن يمحو سيئات أعمالكم التي سلفت منكم "وَيُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تجري مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ" يقول: وأن يدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار "يَوْمَ لا يخْزِي اللّهُ النّبِيّ" محمدا صلى الله عليه وسلم "وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَينَ أيْدِيهِمْ" يقول: يسعى نورهم أمامهم "وبأيمَانِهِمْ" يقول: وبأيمانهم كتابهم... "يَقُولُونَ رَبّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِر لَنا" يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل المؤمنين يوم القيامة: يقولون ربنا أتمم لنا نورنا، يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم، فلا يطفئه حتى يجوزوا الصراط، وذلك حين يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا "انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ"...
وقوله: "وَاغْفِرْ لَنا" يقول: واستر علينا ذنوبنا، ولا تفضحنا بها بعقوبتك إيانا عليها "إنّكَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" يقول: إنك على إتمام نورنا لنا، وغفران ذنوبنا، وغير ذلك من الأشياء ذو قدرة...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
في هذه الآية إلزام التوبة على بقاء اسم الإيمان، لأنه ألزمهم التوبة بعد أن سماهم مؤمنين. وأخبر أنه يكفر عنهم سيئاتهم بالتوبة...
وقوله تعالى: {عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم} بالتوبة. ففي هذا إبانة أن من السيئات سيئات لا تكفر إلا بالتوبة، ومنها ما يكفر باجتناب الكبائر بقوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [النساء: 31]...
وقوله تعالى: {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} أي {بين أيديهم} إذا مشوا {وبأيمانهم} عند الحساب، لأنهم يؤتون الكتاب بأيمانهم، وفيه نور وخير، أو يسعى النور {بين أيديهم} في موضع وضع الأقدام {وبأيمانهم} لأن ذلك طريقهم، وشمالهم طريق الكفرة.
وقوله تعالى: {يقولون ربنا أتمم لنا نورنا} فجائز أن يقولوا هذا عند انطفاء نور المنافقين، فيخافون انقطاع ذلك النور عنهم أيضا، أو يقولوا هذا عند ضعف النور، فيسألونه الإتمام، والله أعلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
التوبة النصوح هي التي يناصح فيها الإنسان نفسه بإخلاص الندم مع العزم على ألا يعود إلى مثله في القبح...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
(يوم لا يخزي الله النبي) أي: لا يهينه ولا يفضحه، وهو إشارة إلى كرامة في الآخرة؛ يعني: يكرمه ويشرفه في ذلك اليوم، ولا يهينه، ولا يذله...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{تَوْبَةً نَّصُوحاً} وصفت التوبة بالنصح على الإسناد المجازي؛ والنصح: صفة التائبين، وهو أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم، فيأتوا بها على طريقها متداركة للفرطات ماحية للسيئات،... وقيل: خالصة...
{عسى رَبُّكُمْ} إطماع من الله لعباده، وفيه وجهان،... والثاني: أن يجيء به تعليماً للعباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء... {يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله}:.. تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسوق، واستحماد إلى المؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
تاب معناه: رجع، فتوبة العبد: رجوعه من المعصية إلى الطاعة، وتوبة الله تعالى على العبد إظهار صلاحه ونعمته عليه في الهداية إلى الطاعة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يا أيها الذين آمنوا} ناداهم بما هو أليق بهم من أداة البعد {توبوا} أي ارجعوا رجوعاً تاماً {إلى الله} أي الملك الذي لا كفوء له. ولما كان كل فعول بمعنى فاعل يستوي فيه المذكر والمؤنث قال: {توبة نصوحاً} أي بالغة في كونها ناصحة عن الإسناد المجازي أي منصوحاً فيها بالإخلاص في الأزمان الثلاثة، الماضي بالندم، والحال بالإقلاع. والمستقبل بالعزم على عدم العود إلى الذنب...
{عسى ربكم} أي افعلوا ذلك ليكون المحسن إليكم بهذا البيان جديراً أو حقيقاً {أن يكفر} أي يغطي تغطية عظيمة {عنكم} أي بالتوبة، وإذا كان التائب على خطر فما ظنك بالمصر على ذنوبه {سيئاتكم} أي ما بدا منكم ما يسوءه. ولما ذكر نفع التوبة في دفع المضار، ذكر نفعها في جلب المسار فقال: {ويدخلكم} أي يوم الفصل {جنات} أي بساتين كثيرة الأشجار تستر داخلها لأنها {تجري}. ولما كان ذلك الجري في بعض أرضها قال معبراً بأداة التبعيض: {من تحتها} أي تحت غرفها وأشجارها {الأنهار} فهي لا تزال ريا...
{يوم لا يخزي الله} أي الملك الأعظم الذي له الإحاطة بالكمال {النبي} أي الرجل الذي ينبئه الله بما يوجب له الرفعة التامة من الأخبار التي هي في غاية العظمة {والذين} أي ولا يخزي الذين {آمنوا معه} وهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم إن كان المراد المعية في مطلق الزمان، وسابقوهم إن كان المراد في الوصف أو زمان مخصوص...
. {نورهم يسعى} أي سعياً مستمر التجدد، وعلى التفسير الآخر تكون هذه الجملة حالية، ويجوز أن تكون خبراً ل "الذين " إذا جعلناه مبتدأ {بين أيديهم} وحذف الجار إشارة إلى أنه ملأ تلك الجهة {و} كذا {بأيمانهم} وأما ما يلي شمائلهم فإنهم لا يلتفتون...
. {يقولون} أي مجددين لذلك دائماً لعلمهم أن الله تعالى له أن يفعل ما يشاء، لا حق لأحد عليه ولا سيما إذا رأوا انطفاء نور المنافقين...
. {ربنا} أي أيها المتفضل علينا بهذا النور وبكل خير كنا أو نكون فيه {أتمم} فأظهروا لأن المقام له. ولما كان الإنسان ربما رزق شيئاً فانتفع به غيره دونه قالوا: {لنا نورنا} أي الذي مننت به علينا حتى يكون في غاية التمام فتوصلنا به إلى المأمن في دار السلام، ولا تجعلنا كالمنافقين الذين أطفأت أنوارهم فكانت عاقبتهم إلى الظلام...
. {واغفر لنا} أي امح عنا كل نقص كان يميل بنا إلى أحوال المنافقين عينه وأثره... ولما كان ما ذكر لا يقدر عليه إلا الله تعالى، علله بقوله مؤكداً لإنكار الكفار البعث وما تفرع عنه: {إنك} أي وحدك {على كل شيء} أي يمكن دخول المشيئة فيه {قدير} أي بالغ القدرة...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
قد أمر الله بالتوبة النصوح في هذه الآية، ووعد عليها بتكفير السيئات، ودخول الجنات، والفوز والفلاح، حين يسعى المؤمنون يوم القيامة بنور إيمانهم، ويمشون بضيائه، ويتمتعون بروحه وراحته، ويشفقون إذا طفئت الأنوار، التي لا تعطى المنافقين، ويسألون الله أن يتمم لهم نورهم فيستجيب الله دعوتهم، ويوصلهم ما معهم من النور واليقين، إلى جنات النعيم، وجوار الرب الكريم، وكل هذا من آثار التوبة النصوح. والمراد بها: التوبة العامة الشاملة للذنوب كلها، التي عقدها العبد لله، لا يريد بها إلا وجهه والقرب منه، ويستمر عليها في جميع أحواله...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
كيف يقي المؤمنون أنفسهم وأهليهم من هذه النار؟... هذا هو الطريق.. توبة نصوح...
التوبة التي تظل تذكر القلب بعدها وتنصحه فلا يعود إلى الذنوب. فإذا كانت هذه التوبة فهي مرجوة إذن في أن يكفر الله بها السيئات. وأن يدخلهم الجنات. في اليوم الذي يخزي فيه الكفار كما هم في المشهد الذي سبق في السياق. ولا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه. وإنه لإغراء مطمع، وتكريم عظيم، أن يضم الله المؤمنين إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فيجعلهم معه صفا يتلقى الكرامة في يوم الخزي. ثم يجعل لهم نورا (يسعى بين أيديهم وبأيمانهم). نورا يعرفون به في ذلك اليوم الهائل المائج العصيب الرهيب. ونورا يهتدون به في الزحام المريج...
(يقولون: ربنا أتمم لنا نورنا، واغفر لنا، إنك على كل شيء قدير).. وإلهامهم هذا الدعاء في هذا الموقف الذي يلجم الألسنة ويسقط القلوب، هو علامة الاستجابة. فما يلهم الله المؤمنين هذا الدعاء إلا وقد جرى قدره بأنه سيستجيب. فالدعاء هنا نعمة يمن بها الله عليهم تضاف إلى منة الله بالتكريم وبالنور...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الرجاء المستفاد من فعل {عسى} مستعمل في الوعد الصادر عن المتفضل على طريقة الاستعارة وذلك التائب لا حق له في أن يعفى عنه ما اقترفه لأن العصيان قد حصل وإنما التوبة عزم على عدم العودة إلى الذنب ولكن ما لصاحبها من الندم والخوف الذي بعث على العزم دل على زكاء النفس فجعل الله جزاءه أن يمحو عنه ما سلف من الذنوب تفضلاً من الله فذلك معنى الرجاء المستفاد من {عسى}...
وفي صلة {الذين آمنوا معه} إيذان بأن سبب انتفاء الخزي عنهم هو إيمانهم...
وضمير {نورهم} عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه. وإضافة نور إلى ضمير هم مع أنه لم يسبق إخبار عنهم بنور لهم ليست إضافة تعريف إذ ليس المقصود تعريف النور وتعيينه ولكن الإِضافة مستعملة هنا في لازم معناها وهو اختصاص النور بهم في ذلك اليوم بحيث يميزه الناس من بين الأنوار يومئذٍ. وسعي النور: امتداده وانتشاره. شبه ذلك باشتداد مشي الماشي وذلك أنه يحفّ بهم حيثما انتقلوا تنويهاً بشأنهم...
{يقولون} عائد إلى جميع الذين آمنوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ، أو يقول ذلك من كان نوره أقل من نور غيره ممن هو أفضل منه يومئذٍ فيكون ضمير {يقولون} على إرادة التوزيع على طوائف الذين آمنوا في ذلك اليوم. وإتمام النور إدامته أو الزيادة منه على الوجهين المذكورين آنفاً وكذلك الدعاء بطلب المغفرة لهم هو لطلب دوام المغفرة...
{إنك على كل شيء قدير} المشعر بتعليل الدعاء كناية عن رجاء إجابته لهم...