قوله تعالى :{ إن الله وملائكته يصلون على النبي } قال ابن عباس : أراد أن الله يرحم النبي ، والملائكة يدعون له . وعن ابن عباس أيضاً : يصلون يتبركون . وقيل : الصلاة من الله : الرحمة ، ومن الملائكة : الاستغفار . { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه }أي : ادعوا له بالرحمة ، { وسلموا تسليماً } أي : حيوه بتحية الإسلام . وقال أبو العالية : صلاة الله : ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة : الدعاء .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه ببغداد ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن زهير بن حرب ، أنبأنا موسى بن إسماعيل ، أنبأنا أبو سلمة ، أنبأنا عبد الواحد بن زياد ، أنبأنا أبو فروة ، حدثني عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سمع عبد الرحمن بن أبي ليلى ، يقول : لقيني كعب بن عجرة قال : ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : بلى فأهدها لي ، فقال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليك ؟ قال : قولوا : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أنه قال : أخبرني أبو حميد الساعدي قال : " قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا " اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن النسوي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنبأنا محمد بن يعقوب ، أنبأنا العباس بن محمد الدروقي ، أنبأنا خالد بن مخلد القطواني ، أنبأنا موسى بن يعقوب الزمعي ، عن عبد الله بن كيسان ، أخبرني عبد الله بن شداد ، عن ابن مسعود قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاةً " .
أخبرنا أبو عبد الله بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أنبأنا أحمد بن علي الكشميهني ، أنبأنا علي بن حجر ، أنبأنا إسماعيل بن جعفر ، أنبأنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى علي واحدةً صلى الله عليه عشراً " .
أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن سليمان مولى الحسن بن علي ، عن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه جاء ذات يوم والبشر في وجهه ، فقال : إنه جاءني جبريل فقال : " إن ربك يقول أما يرضيك يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح القاضي ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، أنبأنا علي بالجعد ، أنبأنا شعبة ، عن عاصم هو ابن عبيد قال : سمعت عبد الله بن ربيعة عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من صلى علي صلاةً صلت عليه الملائكة ما صلى علي فليقل العبد من ذلك أو ليكثر " .
حدثنا أبو القاسم يحيى بن علي الكشميهني ، أنبأنا جناح بن يزيد المحاربي بالكوفة ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشبستاني ، أنبأنا أحمد بن حازم ، أنبأنا عبيد الله بن موسى ، وأبو نعيم ، عن سفيان ، عن عبيد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله ملائكةً سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام " .
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
وهذا فيه تنبيه على كمال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ورفعة درجته ، وعلو منزلته عند اللّه وعند خلقه ، ورفع ذكره . و { إِنَّ اللَّهَ } تعالى { وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ } عليه ، أي : يثني اللّه عليه بين الملائكة ، وفي الملأ الأعلى ، لمحبته تعالى له ، وتثني عليه الملائكة المقربون ، ويدعون له ويتضرعون .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } اقتداء باللّه وملائكته ، وجزاء له على بعض حقوقه عليكم ، وتكميلاً لإيمانكم ، وتعظيمًا له صلى اللّه عليه وسلم ، ومحبة وإكرامًا ، وزيادة في حسناتكم ، وتكفيرًا من سيئاتكم وأفضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام ، ما علم به أصحابه : " اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " وهذا الأمر بالصلاة والسلام عليه مشروع في جميع الأوقات ، وأوجبه كثير من العلماء في الصلاة
ثم أثنى الله - تعالى - على نبيه ثناء كبيرا وأمر المؤمنين بأن يعظموه ويوقروه فقال : { إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي ياأيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } .
قال القرطبى ما ملخصه : هذه الآية شرف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فى حياته وموته ، وذكر منزلته منه .
. والصلاة من الله رحمته ورضوانه ، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار ، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره . .
والضمير فى { يُصَلُّونَ } لله - تعالى - ولملائكته . وهذا قول من الله شرف به ملائكته . .
أو فى الكلام حذف . والتقدير : إن الله يصلى وملائكته يصلون .
وقال ابن كثير : والمقصود من هذه الآية الكريمة ، أن الله - تعالى - أخبر عباده بمنزلة بعده ونبيه عنده فى الملأ الأعلى : بأنه يثنى عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلى عليه ، ثم أمر الله أهل العالم السفلى بالصلاة والتسليم عليه . ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوى والسفلى جميعا .
والمعنى : إن الله - تعالى - يثنى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويرضى عنه ، وإن الملائكة تثنى عليه صلى الله عليه وسلم وتدعو له بالظفر بأعلى الدرجات وأسماها .
{ ياأيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ } أى : عظموه ووقروه وادعوا له بأرفع الدرجات { وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } أى : وقولوا : السلام عليك أيها النبى . والسلام : مصدر بمعنى السلام .
أى : السلام من النقائص والآفات ملازمة لك .
والتعبير بالجملة الاسمية فى صدر الآية ، للإِشعار بوجوب المداومة والاستمرار على ذلك . وخص المؤمنين بالتسليم ، لأن الآية وردت بعد النهى عن إيذاء النبى صلى الله عليه وسلم ، والإِيذاء له صلى الله عليه وسلم إنما يكون من البشر .
وقد ساق المفسرون - وعلى رأسهم ابن كثير والقرطبى والآلوسى - أحاديث متعددة فى فضل الإِكثار من الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ، وفى كيفية الصلاة عليه . .
ومنها ما رواه الإِمام أحمد وابن ماجة عن عامر بن ربيعة قال : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : " من صلى على صلاة لم تزل الملائكة تصلى عليه ما صلى على ، فليُقِلَّ عبد من ذلك أو ليكثر " .
ومنها ما رواه الشيخان وغيرهما عن كعب بن عُجْزَة قال : لما نزلت هذه الاية قلنا : يا رسول الله ، قد علمنا السلام ، فكيف الصلاة عليك ، قال : قالوا : اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
والآية الكريمة تدل على وجوب الصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الصادقون هم الذين يكثرون من ذلك . قال صاحب الكشاف ما ملخصه : فإن قلت : الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة أم مندوب إليها ؟ قلت : بل واجبة ، وقد اختلفوا فى حال وجوبها ، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال تجب فى كل مجلس مرة ، وإن تكرر ذكره .
ومنهم من أوجبها فى العمرة مرة . . والذى يقتضيه الاحتياط : الصلاة عليه عند كل ذكر . . . لما ورد من الأخبار فى ذلك .
ويستمر السياق في تحذير الذين يؤذون النبي [ صلى الله عليه وسلم ] في نفسه أو في أهله ؛ وفي تفظيع الفعلة التي يقدمون عليها . . وذلك عن طريقين : الطريق الأولى تمجيد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وبيان مكانته عند ربه وفي الملأ الأعلى . والطريق الثانية تقرير أن إيذاءه إيذاء لله - سبحانه - وجزاؤه عند الله الطرد من رحمته في الدنيا والآخرة ، والعذاب الذي يناسب الفعلة الشنيعة : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي . يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما . إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ) . .
وصلاة الله على النبي ذكره بالثناء في الملأ الأعلى ؛ وصلاة ملائكته دعاؤهم له عند الله سبحانه وتعالى . ويا لها من مرتبة سنية حيث تردد جنبات الوجود ثناء الله على نبيه ؛ ويشرق به الكون كله وتتجاوب به أرجاؤه . ويثبت في كيان الوجود ذلك الثناء الأزلي القديم الأبدي الباقي . وما من نعمة ولا تكريم بعد هذه النعمة وهذا التكريم . وأين تذهب صلاة البشر وتسليمهم بعد صلاة الله العلي وتسليمه ، وصلاة الملائكة في الملأ الأعلى وتسليمهم ؛ إنما يشاء الله تشريف المؤمنين بأن يقرن صلاتهم إلى صلاته وتسليمهم إلى تسليمه ؛ وأن يصلهم عن هذا الطريق بالأفق العلوي الكريم الأزلي القديم .
قال البخاري : قال أبو العالية : صلاة الله : ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة : الدعاء . وقال ابن عباس : يصلون : يبرِّكون . هكذا علقه البخاري عنهما{[23799]} .
وقد رواه أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية كذلك . وروي مثله عن الربيع أيضا . وروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس كما قاله سواء ، رواهما ابن أبي حاتم .
وقال أبو عيسى الترمذي : وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا : صلاة الرب : الرحمة ، وصلاة الملائكة : الاستغفار .
ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو الأوْديّ ، حدثنا وَكِيع ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، قال الأعمش عن عطاء{[23800]} بن أبي رباح { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } قال : صلاته تبارك وتعالى : سُبّوح قدوس ، سبقت رحمتي غضبي .
والمقصود من هذه الآية : أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى ، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة تصلي عليه . ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا .
وقد قال{[23801]} ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر - يعني : ابن المغيرة - عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام : هل يصلي ربك ؟ فناداه ربه : يا موسى ، سألوك : " هل يصلي ربك ؟ " فقل : نعم ، إنما أصلي أنا وملائكتي على أنبيائي ورسلي . فأنزل الله عز وجل ، على نبيه صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } .
وقد أخبر أنه سبحانه وتعالى{[23802]} ، يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } [ الأحزاب : 41 - 43 ] . وقال تعالى : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{[23803]} . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 155 - 157 ] . وفي الحديث : " إن الله وملائكته يصلون على ميامِن الصفوف " . وفي الحديث الآخر : " اللهم ، صل على آل أبي أوفى " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة جابر - وقد سألته أن يصلي عليها وعلى زوجها - " صلى الله عليك ، وعلى زوجك{[23804]} {[23805]} .
وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلاة عليه ، وكيفية الصلاة عليه ، ونحن نذكر منها إن شاء الله تعالى ما تيسر ، والله المستعان .
قال البخاري - عند تفسير هذه الآية{[23806]} - : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد ، حدثنا أبي ، عن مِسْعَر ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، عن كعب بن عُجْرَة قال : قيل : يا رسول الله ، أما السلام عليك فَقد عرفناه ، فكيف الصلاة ؟ فقال : " قولوا : اللهم ، صل على محمد ، وعلى آل محمد ، [ كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . اللهم ، بارك على محمد وعلى آل محمد ] {[23807]} كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " {[23808]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة{[23809]} ، عن الحكم قال : سمعت ابن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عُجْرَةَ فقال : ألا أهدي لك هدية ؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله ، قد علمنا - أو : عرفنا - كيف السلام{[23810]} ، عليك ، فكيف الصلاة ؟ قال : " قولوا : اللهم ، صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على [ آل ]{[23811]} إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم ، بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " .
وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة في كتبهم ، من طرق متعددة ، عن الحكم - وهو ابن عتبة{[23812]} زاد البخاري : وعبد الله بن عيسى ، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فذكره{[23813]} .
وقال ابن أبي حاتم{[23814]} : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا هُشَيْم بن بُشَير ، عن يزيد بن أبي زياد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عُجْرَة قال : لما نزلت : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } . قال : قلنا : يا رسول الله ، قد علمنا السلام{[23815]} فكيف الصلاة عليك ؟ قال : " قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم . إنك حميد مجيد " . وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول : وعلينا معهم .
ورواه الترمذي بهذه الزيادة{[23816]} .
ومعنى قولهم : " أما السلام عليك فقد عرفناه " : هو الذي في التشهد الذي كان يعلمهم إياه ، كما كان يعلمهم السورة من القرآن ، وفيه : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " .
حديث آخر : قال{[23817]} البخاري : حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، عن ابن{[23818]} الهاد ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : قلنا : يا رسول الله ، هذا السلام{[23819]} فكيف نصلي عليك : قال : " قولوا : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، كما صليت على آل إبراهيم . وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم " . [ وفي رواية ]{[23820]} : قال أبو صالح ، عن الليث : " على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم " .
حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا ابن أبى حازم والدّرَاوَرْدي ، عن يزيد - يعني : ابن الهاد - قال : " كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم " .
وأخرجه النسائي وابن ماجة ، من حديث ابن الهاد ، به{[23821]} .
حديث آخر : قال{[23822]} الإمام أحمد : قرأت على عبد الرحمن : مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن عمرو بن سُلَيم أنه قال : أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله ، كيف نصلي عليك ؟ قال : " قولوا : اللهم " صل على محمد وأزواجه وذريته ، كما صليت على [ آل ]{[23823]} إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " .
وقد أخرجه بقية الجماعة ، سوى الترمذي ، من حديث مالك ، به{[23824]} .
حديث آخر : قال مسلم : حدثنا يحيى التميمي قال : قرأت على مالك ، عن نُعَيم بن عبد الله المُجمَّر ، أخبرني محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري - قال : وعبد الله بن زيد هو الذي كان أُرِيَ النداء بالصلاة - أخبره عن أبي مسعود الأنصاري - قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن في مجلس سعد بن عُبَادة ، فقال له بَشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك [ يا رسول الله ] ، {[23825]} فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قولوا : اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد ، والسلام كما قد عَلِمْتُمْ " .
وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من حديث مالك ، به{[23826]} . وقال الترمذي : حسن صحيح .
وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن خُزَيمة ، وابن حبّان ، والحاكم في مستدركه ، من حديث محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، عن أبي مسعود البدري أنهم قالوا : يا رسول الله ، أما السلام فقد عرفناه ، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ فقال : " قولوا : اللهم ، صَل على محمد وعلى آل محمد . . . " وذكره{[23827]} .
ورواه الشافعي ، رحمه الله ، في مسنده ، عن أبي هريرة ، بمثله{[23828]} . ومن هاهنا ذهب الشافعي ، رحمه الله ، إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ، فإن تركه لم تصح صلاته . وقد شَرَع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يُشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة ، ويزعم أنه قد تفرد بذلك ، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم ، فيما نقله القاضي عياض . وقد تَعَسّف القائل{[23829]} في رده على الشافعي ، وتكلف في دعواه الإجماع في ذلك ، [ وقال ما لم يحط به علما ]{[23830]} ، فإنه قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة كما هو ظاهر الآية ، ومفسر{[23831]} بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة ، منهم : ابن مسعود ، وأبو مسعود البدري ، وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين : الشعبي ، وأبو جعفر الباقر ، ومقاتل بن حيان . وإليه ذهب الشافعي ، لا خلاف عنه في ذلك ولا بين{[23832]} أصحابه أيضا ، وإليه ذهب [ الإمام ]{[23833]} أحمد أخيرا فيما حكاه عنه أبو زُرْعَة الدمشقي ، به . وبه قال إسحاق بن راهويه ، والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن الموّاز المالكي ، رحمهم الله ، حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما علمهم أن يقولوا لما سألوه ، وحتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على الآل ممن{[23834]} حكاه البَنْدَنيجِيّ ، وسُلَيم الرازي ، وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي ، ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولا عن الشافعي . والصحيح أنه وجه ، على أن الجمهور على خلافه ، وحكوا الإجماع على خلافه ، وللقول بوجوبه ظواهر الحديث ، والله أعلم .
والغَرَض أن الشافعي ، رحمه الله ، لقوله{[23835]} بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة - سَلَفٌ وَخَلَفٌ{[23836]} كما تقدم ، لله الحمد والمنة ، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديما ولا حديثا ، والله أعلم .
ومما يؤيد ذلك : الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي - وصححه - والنسائي وابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحيهما ، من رواية حَيْوة بن شُرَيْح المصري ، عن أبي هانئ حميد بن هانئ ، عن عمرو بن مالك أبي علي الجَنْبي{[23837]} ، عن فضالة بن عبيد ، رضي الله عنه ، قال : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته ، لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عَجل هذا " . ثم دعاه فقال له ولغيره : " إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله ، عز وجل ، والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ثم ليدعُ [ بعد ]{[23838]} بما شاء " {[23839]} .
وكذا الحديث الذي رواه ابن ماجه ، من رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، عن أبيه ، عن جده ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ، ولا صلاة لمن لم يصل على النبي ، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار{[23840]} .
ولكن عبد المهيمن هذا متروك . وقد رواه الطبراني من رواية أخيه " أبي بن عباس " ، ولكن في ذلك نظر{[23841]} . وإنما يعرف من رواية " عبد المهيمن " ، والله أعلم .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا إسماعيل ، عن أبي داود الأعمى ، عن بُرَيدة قال : قلنا : يا رسول الله ، قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : " قولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد ، كما جعلتها على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
أبو داود الأعمى اسمه : نفيع بن الحارث ، متروك{[23842]} .
حديث آخر موقوف : رويناه من طريق سعيد بن منصور وزيد بن الحباب ويزيد بن هارون ، ثلاثتهم عن نوح بن قيس : حدثنا سلامة الكندي : أن عليا ، رضي الله عنه ، كان يعلم الناس هذا الدعاء : اللهم داحي المدْحُوَّات ، وبارئ المسموكات ، وَجَبَّار القلوب على فطْرَتها شقيها وسعيدها . اجعل شرائف صلواتك ، ونوامي بركاتك ، ورأفة تحننك ، على محمد عبدك ورسولك ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما أغلق ، والمعلن الحق بالحق ، والدامغ جيشات الأباطيل ، كما حُمِّل فاضطلع بأمرك لطاعتك ، مستوفزا في مرضاتك ، غير نَكل في قَدَم ، ولا وهن في عزم ، واعيا لوحيك ، حافظا لعهدك ، ماضيا على نفاذ أمرك ، حتى أورى قبسا لقابس ، آلاء الله تصل بأهله أسبابه ، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم ، [ وأقام ]{[23843]} مُوضحات الأعلام ، ومُنِيرات الإسلام ونائرات الأحكام ، فهو أمينك المأمون ، وخازن علمك المخزون ، وشهيدك يوم الدين ، وبَعيثُك نعمة ، ورسولك بالحق رحمة . اللهم افسح له مُفسحَات في عدلك ، واجزه مضاعفات الخير من فضلك . مهنَّآت له غير مكدرات ، من فوز ثوابك المعلول ، وجزيل عطائك المجمول . اللهم ، أعل على بناء البانين بنيانه{[23844]} وأكرم مثواه لديك ونزله . وأتمم{[23845]} له نوره ، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة ، مرضي المقالة ، ذا منطق عدل ، وخُطَّة فصل ، وحجة وبرهان عظيم{[23846]} .
هذا مشهور من كلام علي ، رضي الله عنه ، وقد تكلم عليه ابن قتيبة في مشكل الحديث ، وكذا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي في جزء جمعه في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن في إسناده نظرا .
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : سلامة{[23847]} الكندي هذا ليس بمعروف ، ولم يدرك عليا{[23848]} . كذا قال . وقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني هذا الأثر عن محمد بن علي الصائغ ، عن سعيد بن منصور ، حدثنا نوح بن قيس ، عن سلامة الكندي قال : كان علي ، رضي الله عنه ، يعلمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : " اللهم ، داحي المَدْحُوّات " وذكره{[23849]} .
حديث آخر موقوف : قال ابن ماجه : [ حدثنا الحُسَين بن بَيَان ]{[23850]} ، حدثنا زياد بن عبد الله ، حدثنا المسعودي ، عن عون بن عبد الله ، عن أبي فَاخِتة ، عن الأسود بن يزيد{[23851]} ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه ؛ فإنكم لا تدرون لعل ذلك يُعْرَض عليه . قال : فقالوا له : فَعَلّمنا . قال : قولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وخاتم النبيين ، محمد عبدك ورسولك ، إمام الخير وقائد الخير ، ورسول الرحمة . اللهم ابعثه مقاما محمودا يَغْبِطُه به الأولون والآخرون ، اللهم صل على محمد [ وعلى آل محمد ] {[23852]} ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . {[23853]}
وهذا موقوف ، وقد روى إسماعيل القاضي عن عبد الله بن عمرو - أو : عمر - على الشك من الراوي قريبا من هذا{[23854]} .
حديث آخر : قال{[23855]} قال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا أبو إسرائيل ، عن يونس بن خَبَّاب قال : خطبنا بفارس فقال : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ، فقال : أنبأني من سمع ابن عباس يقول : هكذا أنزل . فقلنا - أو : قالوا - يا رسول الله ، عَلمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : " اللهم ، صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وارحم محمدا وآل محمد ، كما رحمت آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، [ وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد ]{[23856]} {[23857]} .
فيستدل بهذا الحديث من ذهب إلى جواز الترحم على النبي صلى الله عليه وسلم ، كما هو قول الجمهور : ويعضده حديث الأعرابي الذي قال : اللهم ، ارحمني ومحمدا ، ولا ترحم معنا أحدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد حجرت{[23858]} واسعا " .
وحكى القاضي عياض عن جمهور المالكية منعه ، قال : وأجازه أبو محمد بن أبي زيد .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرنا شعبة ، عن عاصم بن عبيد الله{[23859]} قال : سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال : سمعت النبي{[23860]} صلى الله عليه وسلم يقول : " مَنْ صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي ، فَلْيُقِلَّ عبد من ذلك أو ليكثر " .
ورواه ابن ماجه ، من حديث شعبة ، به{[23861]} .
حديث آخر : قال{[23862]} الإمام أحمد : حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ، ويونس - هو ابن محمد - قالا حدثنا ليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن أبي الحويرث ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود ، حتى خفت - أو : خشيت - أن يكون الله قد توفاه أو قبضه . قال : فجئت أنظر ، فرفع رأسه فقال : " ما لك يا عبد الرحمن ؟ " قال : فذكرت ذلك له فقال : " إن جبريل ، عليه السلام ، قال لي : ألا أبشرك ؟ إن الله ، عز وجل ، يقول : مَنْ صلى عليك صليت عليه ، ومَنْ سَلَّمَ عليك سلمتُ عليه " {[23863]} .
طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثنا عمرو بن أبي عمرو ، من عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : خرج{[23864]} رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو صدقته ، فدخل فاستقبل القبلة ، فخر ساجدا ، فأطال السجود ، حتى ظننت أن الله قد قبض نفسه فيها ، فدنوت منه ثم جلست ، فرفع رأسه فقال : " مَنْ هذا ؟ " فقلت : عبد الرحمن . قال : " ما شأنك ؟ " قلت : يا رسول الله ، سجدت سجدة خشيت أن [ يكون ] {[23865]} الله ، عز وجل ، قبض نفسك فيها . فقال : " إن جبريل أتاني فبشرني أن الله ، عز وجل ، يقول لك : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه - فسجدتُ لله عز وجل ، شكرا " {[23866]} .
حديث آخر : قال{[23867]} [ الحافظ ]{[23868]} أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن بَحير بن عبد الله بن معاوية بن بحير بن ريسان ، [ حدثنا عمرو بن الربيع بن طارقة ]{[23869]} ، حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثنا عبد الله{[23870]} بن عمر ، عن الحكم بن عتيبة{[23871]} ، عن إبراهيم النَّخَعي ، عن الأسود بن يزيد ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة فلم يجد أحدا يتبعه ، ففزع عمر ، فأتاه بِمطْهَرة من خلفه ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا في مَشربة{[23872]} ، فتنحّى عنه من خلفه حتى رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ، فقال : " أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني ، إن جبريل أتاني فقال : من صلى عليك من أمتك واحدة ، صلى الله عليه عشر صلوات{[23873]} ، ورفعه عشر درجات " .
وقد اختار هذا الحديث الحافظ الضياء المقدسي في كتابه " المستخرج{[23874]} على الصحيحين " {[23875]} .
وقد رواه إسماعيل القاضي ، عن القعنبي ، عن سلمة بن وَرْدان ، عن أنس ، عن عمر بنحوه{[23876]} .
ورواه أيضا عن يعقوب بن حميد ، عن أنس بن عياض ، عن سلمة بن وَرْدان ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن عمر بن الخطاب ، بنحوه{[23877]} .
حديث آخر : قال{[23878]} أبو عيسى الترمذي : حدثنا بُنْدَار ، حدثنا محمد بن خالد بن عَثْمَةَ ، حدثني موسى بن يعقوب الزَّمْعِيّ ، حدثني عبد الله بن كَيْسَان ؛ أن عبد الله بن شداد أخبره ، عن عبد الله بن مسعود ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة " .
تفرد بروايته الترمذي ، رحمه الله ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب{[23879]} .
حديث آخر : قال إسماعيل القاضي : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن يعقوب بن زيد بن طلحة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني آت من ربي فقال لي : ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرًا " . فقام رجل{[23880]} فقال : يا رسول الله ، ألا أجعل نصف دعائي لك ؟ قال : " إن شئت " . قال : ألا أجعل ثلثي دعائي لك ؟ قال : " إن شئت " . قال : ألا أجعل دعائي لك كله ؟ قال : " إذن يكفيك الله هم الدينا وهم الآخرة " . فقال شيخ - كان بمكة ، يقال له : مَنِيع{[23881]} - لسفيان : عمن أسنده ؟ قال : لا أدري{[23882]} .
حديث آخر : قال إسماعيل القاضي : حدثنا سعيد بن سَلام العطار ، حدثنا سفيان - يعني : الثوري - عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في جوف الليل فيقول : " جاءت الراجفة ، تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه " . قال أبي : يا رسول الله ، إني أصلي من الليل ، أفأجعل لك ثلث صلاتي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشطر " . قال : أفأجعل لك شطر صلاتي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الثلثان " . قال أفأجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : " إذن يغفر الله ذنبك كله " {[23883]} .
وقد رواه{[23884]} الترمذي بنحوه فقال : حدثنا هَنّاد ، حدثنا قَبِيصة ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال : " يا أيها الناس ، اذكروا الله ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ، جاء الموت بما فيه " . قال أبي : قلت : يا رسول الله ، إني أكثر الصلاة عليك ، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال : " ما شئت " . قلت : الربع ؟ قال : " ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك " . قلت : فالنصف ؟ قال : " ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك " . قلت : فالثلثين ؟ قال : " ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك " . قلت : أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : " إذن تكفى همّك ، ويغفر لك ذنبك " .
ثم قال : هذا حديث حسن{[23885]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل ، عن الطفيل بن أبي ، عن أبيه قال : قال رجل : يا رسول الله ، أرأيت إن جعلتُ صلاتي كلها عليك ؟ قال : " إذن يكفيك الله ما أهَمَّك من دنياك وآخرتك " {[23886]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن سليمان مولى الحسن بن علي ، عن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم ، والسرور يرى في وجهه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا لنرى السرور في وجهك . فقال : " إنه أتاني الملك فقال : يا محمد ، أما يرضيك أن ربك ، عز وجل ، يقول : إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صلَّيت عليه عشرًا ، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا ؟ قال : بلى " .
ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة ، به{[23887]} . وقد رواه إسماعيل القاضي ، عن إسماعيل ابن أبي أويس ، عن أخيه ، عن سليمان بن بلال ، عن عبيد الله بن عمر ، عن ثابت ، عن أبي طلحة ، بنحوه{[23888]} ، {[23889]} .
طريق أخرى : قال [ الإمام ]{[23890]} أحمد : حدثنا سُرَيْج{[23891]} ، حدثنا أبو مَعْشَر ، عن إسحاق بن كعب بن عُجْرَة ، عن أبي طلحة الأنصاري قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما طيب النفس ، يُرى في وجهه البشر ، قالوا : يا رسول الله ، أصبحت اليوم طيب النفس ، يُرى في وجهك البشر ؟ قال : " أجل ، أتاني آتٍ من ربي ، عز وجل ، فقال : مَنْ صلى عليك من أمتك صلاة ، كتب الله له بها عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، ورد عليه مثلها " {[23892]} .
وهذا أيضا إسناد جيد ، ولم يخرجوه .
حديث آخر : روى{[23893]} مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، من حديث إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ؛ عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى عَلَيّ واحدة ، صلى الله عليه بها عشرا " .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف ، وعامر بن ربيعة ، وعمار ، وأبي طلحة ، وأنس ، وأبي بن كعب{[23894]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا شريك ، عن ليث ، عن كعب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صلوا علي ؛ فإنها زكاة لكم . وسلوا الله لي الوسيلة ؛ فإنها درجة في أعلى الجنة ، لا ينالها إلا رجل ، وأرجو أن أكون أنا هو " . تفرد به أحمد{[23895]} ، وقد رواه البزار من طريق مجاهد ، عن أبى هريرة ، بنحوه فقال : حدثنا محمد بن إسحاق البَكَّالي ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا داود بن عُلَيَّة ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلوا علي ؛ فإنها زكاة لكم ، وسلوا الله لي الدرجة الوسيلة من الجنة " فسألناه - أو : أخبرنا - فقال : " هي درجة في أعلى الجنة ، وهي لرجل ، وأنا أرجو أن أكون ذلك الرجل " .
في إسناده بعض من تُكُلِّم فيه{[23896]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لَهِيعة ، [ عن عبد الله بن هبيرة ]{[23897]} ، عن عبد الرحمن بن مريج الخولاني ، سمعت أبا قيس - مولى عمرو بن العاص - سمعت عبد الله بن عمرو يقول : مَنْ صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ، صلى الله عليه وملائكته بها سبعين صلاة ، فَلْيُقِلَّ عبد من ذلك أو ليكثر . وسمعت عبد الله بن عمرو يقول : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال : " أنا محمد النبي الأمي - قاله ثلاث مرات - ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلام{[23898]} وخواتمه وجوامعه ، وعَلمتُ كم خزنة النار وحملة العرش ، وتجوز بي ، عُوفيت وعوفيت أمتي ، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذُهِب بي فعليكم بكتاب الله ، أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه " {[23899]} .
حديث آخر : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو سَلَمة الخراساني ، حدثنا أبو إسحاق ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ذُكرت عنده فَلْيصلّ علي ، ومَنْ صَلَّى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشرا " .
ورواه النسائي في " اليوم والليلة " ، من حديث أبي داود الطيالسي ، عن أبي سلمة - وهو المغيرة بن مسلم الخراساني - عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السَّبِيعي ، عن أنس ، به{[23900]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا يونس بن عمرو - يعني : يونس بن أبي إسحاق - عن بُرَيد{[23901]} بن أبي مريم ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ صلى علي صلاة واحدة ، صلى الله عليه عشر صلوات ، وحطَّ عنه عشر خطيئات " {[23902]} .
حديث آخر : قال {[23903]} الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك بن عمرو وأبو سعيد [ قالا ]{[23904]} : حدثنا سليمان بن بلال ، عن عمارة بن غَزِيَّة{[23905]} ، عن عبد الله بن الحسين ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " البخيل من ذُكرت عنده ، ثم لم يصل علي " . وقال أبو سعيد : " فلم يصل علي " .
ورواه الترمذي من حديث سليمان بن بلال ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب صحيح {[23906]} .
ومن الرواة مَنْ جعله من مسند " الحسين بن علي " ، ومنهم مَنْ جعله من مسند " علي " نفسه .
حديث آخر : قال إسماعيل القاضي : حدثنا حجاج بن مِنْهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن معبد بن هلال العَنزي ، حدثنا رجل من أهل دمشق ، عن عوف بن مالك ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أبخل الناس من ذُكرت عنده فلم يصل علي " {[23907]} .
حديث آخر مرسل : قال إسماعيل : وحدثنا سليمان بن حَرب ، حدثنا جرير بن حازم ، سمعت الحسن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بحسب امرئ من البخل أن أذْكر عنده فلا يُصَلِّي علي " {[23908]} ، صلوات الله عليه .
حديث آخر : قال{[23909]} الترمذي : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا رِبْعي بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رغم أَنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي . [ ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ، ثم انسلخ قبل أن يغفر له ]{[23910]} ، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة " . ثم قال : حسن غريب{[23911]} .
قلت : وقد رواه البخاري في الأدب ، عن محمد بن عبيد الله ، حدثنا ابن أبي حازم ، عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، عن أبي هريرة مرفوعا ، بنحوه{[23912]} . ورويناه من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبى هريرة ، به . قال الترمذي : وفي الباب عن جابر وأنس .
قلت : وابن عباس ، وكعب بن عُجْرَة ، وقد ذكرت طرق هذا الحديث في أول كتاب الصيام وعند قوله تعالى : { إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا } [ الإسراء : 23 ] .
وهذا الحديث والذي قبله دليل على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر ، وهو مذهب طائفة من العلماء [ منهم الطحاوي والحليمي ]{[23913]} ، ويتقوى بالحديث الآخر الذي{[23914]} رواه ابن ماجه :
حدثنا جبُارة بن المغَلِّس ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نسي الصلاة عَلَيَّ خَطئ طريق الجنة " {[23915]} .
جُبَارة ضعيف . ولكن رواه إسماعيل القاضي من غير وجه ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نسي الصلاة عليّ خَطئ طريق الجنة " . وهذا مرسل يتقوى بالذي قبله [ والله أعلم ]{[23916]} . {[23917]}
وذهب آخرون إلى أنه تجب الصلاة في المجلس مرة واحدة ، ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس ، بل ستحب . نقله الترمذي عن بعضهم ، ويتأيد بالحديث الذي رواه الترمذي :
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن صالح - مولى التَّوْءَمة - عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم تِرَةٌ ، فإن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر لهم " .
تفرد به الترمذي من هذا الوجه . ورواه الإمام أحمد عن حجاج ويزيد بن هارون ، كلاهما عن ابن أبي ذئب ، عن صالح - مولى التوءمة - عن أبي هريرة ، مرفوعا مثله . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن . {[23918]}
وقد رُوي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من غير وجه ، وقد رواه إسماعيل القاضي من حديث شعبة ، عن سليمان ، عن ذَكْوَان ، عن أبي سعيد قال : " ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا كان عليهم حسرة ، وإن دخلوا الجنة لما يرون [ من ]{[23919]} الثواب " {[23920]} .
وحكي عن بعضهم أنه إنما تجب الصلاة عليه ، عليه السلام ، في العمر مرة واحدة ، امتثالا لأمر الآية ، ثم هي مستحبة في كل حال ، وهذا هو الذي نصره القاضي عياض بعدما حكى الإجماع على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الجملة . قال : وقد حكى الطبراني{[23921]} أن محمل الآية على الندب ، وادعى فيه الإجماع . قال : ولعله فيما زاد على المرة ، والواجب منه مرة كالشهادة له بالنبوة ، وما زاد على ذلك فمندوب مُرَغَّب فيه من سنن الإسلام ، وشعار أهله .
قلت : وهذا قول غريب ، فإنه قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة ، فمنها واجب ، ومنها مستحب على ما نبينه .
فمنه : بعد النداء للصلاة ؛ للحديث الذي رواه الإمام أحمد :
حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، حدثنا كعب بن علقمة ، أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يقول : إنه سمع{[23922]} عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي ؛ فإنه من صلى عَليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه{[23923]} الشفاعة " .
وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، من حديث كعب بن علقمة{[23924]}
طريق أخرى : قال إسماعيل القاضي : حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا عمرو بن علي ، عن أبي بكر الجُشَمي ، عن صفوان بن سليم ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل الله لي الوسيلة ، حقت عليه شفاعتي يوم القيامة " {[23925]} .
حديث آخر : قال إسماعيل القاضي : حدثنا سليمان{[23926]} بن حرب ، حدثنا سعيد بن زيد ، عن ليث ، عن كعب - هو كعب الأحبار - عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلوا عَليَّ ، فإن صلاتكم عليّ زكاة لكم ، وسلوا الله لي الوسيلة " . قال : فإما حَدّثنا وإما سَألناه ، فقال : " الوسيلة أعلى درجة في الجنة ، لا ينالها إلا رجل ، وأرجو أن أكون ذلك{[23927]} الرجل " .
ثم رواه عن محمد بن أبي بكر ، عن معتمر ، عن ليث - وهو ابن أبي سليم - به{[23928]} . وكذا الحديث الآخر :
قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا بكر بن سوادة ، عن زياد بن نعيم ، عن وَفاء{[23929]} الحضرمي ، عن رُوَيْفع بن ثابت الأنصاري ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى على محمد وقال : اللهم ، أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي " .
وهذا إسناد لا بأس به ، ولم يخرجوه{[23930]} .
أثر آخر{[23931]} قال إسماعيل القاضي : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثني مَعْمَر ، عن ابن{[23932]} طاوس ، عن أبيه ، سمعت ابن عباس يقول : اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى ، وارفع درجته العليا ، وأعطه سُؤْلَه في الآخرة والأولى ، كما آتيت إبراهيم وموسى ، عليهما السلام . إسناد جَيّد قوي صحيح{[23933]} .
ومن ذلك : عند دخول المسجد والخروج منه : للحديث الذي رواه الإمام أحمد{[23934]} :
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا ليث بن أبي سليم ، عن عبد الله بن الحسن{[23935]} ، عن أمه فاطمة بنت الحسين ، عن جدته [ فاطمة ]{[23936]} بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال : " اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك " . وإذا خرج صلى على محمد وسلم ، ثم قال : " اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك " {[23937]} .
وقال إسماعيل القاضي : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا سفيان{[23938]} بن عمر التميمي ، عن سليمان الضَّبِّيّ ، عن علي بن الحسين قال : قال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه{[23939]} : إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم{[23940]} . وأما الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فقد قدمنا الكلام عليها في التشهد الأخير ، ومَنْ ذهب إلى ذلك من العلماء مع{[23941]} الشافعي ، رحمه الله{[23942]} . وأما التشهد الأول فلا تجب فيه قولا واحدا ، وهل تستحب ؟ على قولين للشافعي .
ومن ذلك{[23943]} الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة : فإن السنة أن يقرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب ، وفي الثانية أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الثالثة يدعو للميت ، وفي الرابعة يقول : اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده .
قال الشافعي ، رحمه الله : حدثنا مُطَرَّف بن مازن ، عن مَعْمَر ، عن الزهري : أخبرني أبو أمامة بن{[23944]} سهل بن حُنَيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخلص الدعاء للجنازة ، وفي التكبيرات لا يقرأ في شيء منها ، ثم يسلم سرا في نفسه{[23945]}
ورواه النسائي ، عن أبي أمامة نفسه أنه قال : من السنة ، فذكره{[23946]} .
وهذا من الصحابي في حكم المرفوع على الصحيح .
ورواه إسماعيل القاضي ، عن محمد بن المثنى ، عن عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل ، عن سعيد بن المسيب أنه قال : السنة في الصلاة على الجنازة . . . فذكره {[23947]} .
وهكذا رُوي عن أبي هريرة ، وابن عمر ، والشعبي .
ومن ذلك{[23948]} : في صلاة العيد : قال إسماعيل القاضي{[23949]} : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا هشام الدَّسْتَوَائي ، حدثنا حَمَّاد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن{[23950]} علقمة : أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة يوما قبل العيد{[23951]} ، فقال لهم : إن هذا العيد قد دنا ، فكيف التكبير فيه ؟ قال عبد الله : تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة ، وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو ، وتكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تقرأ ، ثم تكبر وتركع ، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تركع . فقال حذيفة وأبو موسى : صدق أبو عبد الرحمن . إسناد{[23952]} صحيح{[23953]}
ومن ذلك : أنه يُستَحَبّ ختم الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قال الترمذي :
حدثنا أبو داود ، أخبرنا النضر بن شميل {[23954]} ، عن أبي قُرّة الأسدي ، عن سعيد بن المسيَّب ، عن عمر بن الخطاب{[23955]} قال : الدعاء موقوف بين السماء والأرض ، لا يصعد حتى تصلي على نبيك{[23956]} .
وهكذا رواه أيوب بن موسى ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، قوله . ورواه معاذ بن الحارث ، عن أبي قرة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر مرفوعا{[23957]} . وكذا رواه رَزِين بن معاوية{[23958]} في كتابه مرفوعا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الدعاء موقوف بين السماء والأرض ، لا يصعد حتى يصلى علي ، فلا تجعلوني كَغُمَر الراكب ، صلوا علي أول الدعاء وأوسطه وآخره " {[23959]} .
وهذه الزيادة إنما تروى من رواية جابر بن عبد الله في مسند الإمام عبد بن حُميد الكَشي [ حيث ] {[23960]} قال : حدثنا جعفر بن عون ، أخبرنا موسى بن عُبَيدة ، عن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه قال : قال جابر : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجعلوني كقدح الراكب ، إذا علق تعاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء ، فإن كان له حاجة في الوضوء توضأ ، وإن كان له حاجة في الشرب شرب وإلا أهراق ما فيه ، اجعلوني في أول الدعاء ، وفي ، وسط الدعاء ، وفي آخر الدعاء " . فهذا حديث غريب ، وموسى بن عبيدة ضعيف الحديث{[23961]} .
ومن [ آكد ]{[23962]} ذلك : دعاء القنوت : لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، وابن خزيمة{[23963]} ، وابن حبَّان ، والحاكم ، من حديث أبي الحورَاء{[23964]} ، عن الحسن بن علي ، رضي الله عنهما ، قال : علَّمَني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر : " اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يَذِلّ من واليت{[23965]} تباركت [ ربنا ]{[23966]} وتعاليت " {[23967]} .
وزاد النسائي في سننه بعد هذا : وصلى الله على النبي محمد .
ومن ذلك : أنه يستحب الإكثار من الصلاة عليه [ في ]{[23968]} يوم الجمعة وليلة الجمعة : قال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن علي الجعْفِي ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن أبي الأشعث الصنعاني{[23969]} ، عن أوس بن أوس الثقفي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي " . قالوا : يا رسول الله ، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمتْ ؟ - يعني : وقد بليت - قال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " .
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، من حديث حسين بن علي الجعفي{[23970]} . وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني ، والنووي في الأذكار .
حديث آخر : قال أبو عبد الله بن ماجه : حدثنا عمرو بن سَوَّاد المصري{[23971]} ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أيمن{[23972]} ، عن عُبَادة بن نُسَيّ ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة ؛ فإنه مشهود تشهده الملائكة . وإن أحدا لا يصلي علي إلا عُرضت عَلَيّ صلاته حتى يفرغ منها " . قال : قلت : وبعد الموت ؟ قال : " [ وبعد الموت ]{[23973]} ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " [ فنبي الله حي يرزق ]{[23974]} .
هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وفيه انقطاع بين عُبادة بن نَسي وأبي الدرداء ، فإنه لم يدركه {[23975]} ، والله أعلم .
وقد روى البيهقي من حديث أبي أمامة وأبي مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة{[23976]} ، ولكن في إسنادهما ضعف ، والله أعلم . وروي مرسلا عن الحسن البصري ، فقال إسماعيل القاضي :
حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا جرير بن حازم ، سمعت الحسن - هو البصري - يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تأكل الأرض جَسَدَ من كَلّمه{[23977]} روح القدس " . مرسل حسن{[23978]} .
وقال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، أخبرنا صفوان بن سليم{[23979]} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة ، فأكثروا الصلاة علي " . هذا مرسل{[23980]} .
وهكذا يجب على الخطيب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر في الخطبتين ، ولا تصح الخطبتان إلا بذلك ؛ لأنها{[23981]} عبادة ، وذكر الله فيها شرط{[23982]} ، فوجب ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها كالأذان والصلاة . هذا مذهب الشافعي وأحمد ، رحمهما الله .
ومن ذلك : أنه يستحب الصلاة والسلام عليه عند زيارة قبره ، صلوات الله وسلامه عليه : قال {[23983]} أبو داود :
حدثنا ابن عوف - هو محمد - حدثنا{[23984]} المقري ، حدثنا حَيْوَة ، عن أبي صخر حميد بن زياد ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من{[23985]} أحد يسلم علي إلا رَدّ الله علي روحي ، حتى أرد عليه السلام " .
تفرد به أبو داود ، وصححه النووي في الأذكار{[23986]} . ثم قال{[23987]} أبو داود :
حدثنا أحمد بن صالح قال : قرأت على عبد الله بن نافع ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المَقْبُرِي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجعلوا بيوتكم قُبُورًا ، ولا تجعلوا قبري عيدا ، وصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم " .
تفرد به أبو داود أيضا{[23988]} . وقد رواه الإمام أحمد عن سُرَيْج ، عن عبد الله بن نافع - وهو الصائغ - به {[23989]} . وصححه النووي أيضا . وقد روي من وجه آخر عن علي ، رضي الله عنه . قال القاضي إسماعيل{[23990]} بن إسحاق في كتابه " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " :
حدثنا إسماعيل بن أبي أُوَيْس ، حدثنا جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب [ عمن أخبره ]{[23991]} من أهل بيته ، عن علي بن الحسين بن علي : أن رجلا كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه ، ويصنع من ذلك ما اشتهر عليه علي بن الحسين ، فقال له علي بن الحسين : ما يحملك على هذا ؟ قال : أحب السلام على النبي صلى الله عليه وسلم . فقال له علي بن الحسين : هل لك أن أحدثك حديثا عن أبي ؟ قال : نعم . فقال له علي بن الحسين : أخبرني أبي ، عن جدي أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجعلوا قبري عيدا ، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم فتبلغني{[23992]} صلاتكم وسلامكم " .
في إسناده رجل مبهم لم يُسَمَّ{[23993]} وقد رُوي من وجه آخر مرسلا قال عبد الرزاق في مصنفه ، عن الثوري ، عن ابن عجلان ، عن رجل - يقال له : سهيل - عن الحسن بن الحسن بن علي ؛ أنه رأى قوما عند القبر فنهاهم ، وقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تتخذوا قبري عيدا ، ولا تتخذوا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي حيثما كنتم ؛ فإن صلاتكم تبلغني " {[23994]} . فلعله رآهم يسيئون الأدب برفع أصواتهم [ فوق الحاجة ]{[23995]} ، فنهاهم .
وقد روي أنه رأى رجلا ينتاب القبر فقال : يا هذا ، ما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء ، أي : الجميع يبلغه ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين .
وقال الطبراني في معجمه الكبير : حدثنا أحمد بن رِشْدين المصري ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرني حميد بن أبي زينب ، عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلوا علي حيثما كنتم ، فإن صلاتكم تبلغني " {[23996]} .
ثم قال الطبراني : حدثنا العباس بن حمدان الأصبهاني ، حدثنا شعيب بن عبد الحميد الطحان ، أخبرنا يزيد بن هارون عن{[23997]} شيبان ، عن الحكم بن عبد الله بن خطاف{[23998]} ، عن أم أنيس بنت الحسن بن علي ، عن أبيها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرأيت قول الله ، عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي } ؟ " فقال : " إن هذا هو المكتوم ، ولولا أنكم سألتموني عنه لما أخبرتكم ، إن الله وكل بي ملكين لا أُذْكَرُ عند عبد مسلم فيصلي علي إلا قال ذانك الملكان : " غفر الله لك " . وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين : " آمين " . ولا يصلي أحد إلا قال ذانك الملكان : " غفر الله لك " . ويقول الله وملائكته جوابا لذينك الملكين : " آمين " .
غريب جدا ، وإسناده فيه ضعف شديد{[23999]}
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، عن سفيان ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله ملائكة سياحين في الأرض ، يبلغوني من{[24000]} أمتي السلام " .
وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري وسليمان بن مِهْرَان الأعمش ، كلاهما عن عبد الله بن السائب ، به{[24001]}
فأما الحديث الآخر : " مَنْ صلى عَلَيّ عند قبري سمعته ، ومَنْ صلى علي من بعيد بُلغته " - ففي إسناده نظر ، تفرد به محمد بن مروان السدي الصغير ، وهو متروك ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعا{[24002]} .
قال أصحابنا : ويستحب للمحرم إذا لبى وفرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم : لما روي{[24003]} عن الشافعي والدارقطني من رواية صالح بن محمد بن زائدة ، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال : كان يُؤمر الرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم على كل حال{[24004]} .
وقال إسماعيل القاضي : حدثنا عارم بن الفضل ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا زكريا ، عن الشعبي ، عن وهب بن الأجدع قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعا ، وصلوا عند المقام ركعتين ، ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت ، فكبروا سبع تكبيرات ، تكبيرًا بين حمد لله وثناء عليه ، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومسألة لنفسك ، وعلى المروة مثل ذلك{[24005]} .
وقالوا : ويستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع ذكر الله عند الذبح : واستأنسوا بقوله{[24006]} تعالى : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك } [ الشرح : 4 ] ، قال بعض المفسرين : يقول الله تعالى : " لا أذكر إلا ذكرت معي " . وخالفهم في ذلك الجمهور ، وقالوا : هذا موطن يفرد فيه ذكر الرب تعالى ، كما عند الأكل ، والدخول ، والوقاع وغير ذلك ، مما لم ترد فيه السنة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
حديث آخر : قال إسماعيل القاضي : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا عمر بن هارون ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن ثابت ، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلوا على أنبياء الله ورسله ؛ فإن الله بعثهم كما بعثني " .
في إسناده ضعيفان ، وهما عمر بن هارون وشيخه{[24007]} ، والله أعلم . وقد رواه عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن موسى بن عبيدة الربذي ، به{[24008]} .
ومن ذلك : أنه يستحب الصلاة عليه عند طنين الأذن ، إن صح الخبر في ذلك ، على أن الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قد رواه في صحيحه فقال : حدثنا زياد بن يحيى ، حدثنا مَعْمَر بن محمد بن عبيد الله ، عن أبيه محمد{[24009]} ، عن أبيه أبي رافع{[24010]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي ، وَلْيَقُل : ذَكَر الله مَن ذكرني بخير " . إسناده غريب ، وفي ثبوته نظر{[24011]} والله أعلم .
[ وهاهنا مسألة ]{[24012]} :
وقد استحب أهل الكتابة أن يكرر الكاتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما كتبه ، وقد ورد في الحديث من طريق كادح بن رحمة ، عن نَهْشَل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى عليّ في كتاب ، لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب " {[24013]} .
وليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة ، وقد رُوي من حديث أبي هريرة ، ولا يصح أيضا {[24014]} ، قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي شيخُنا : أحسبه موضوعا . وقد رُوي نَحوُه عن أبي بكر ، وابن عباس . ولا يصح من ذلك شيء{[24015]} ، والله أعلم . وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه : " الجامع لآداب الراوي والسامع{[24016]} ، قال : رأيت بخط الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : كثيرا ما يكتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابة ، قال : وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظا{[24017]} .
[ فصل ]{[24018]}
وأما الصلاة على غير الأنبياء ، فإن كانت{[24019]} على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث : " اللهم ، صل على محمد وآله وأزواجه وذريته " ، فهذا جائز بالإجماع ، وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم :
فقال قائلون : يجوز ذلك ، واحتجوا بقوله : { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ } ، وبقوله { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } [ البقرة : 157 ] ، وبقوله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا{[24020]} وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } [ التوبة : 103 ] ، وبحديث عبد الله بن أبي أوْفَى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : " اللهم صل عليهم " . وأتاه أبي بصدقته فقال : " اللهم صل على آل أبي أوفى " . أخرجاه في الصحيحين . وبحديث جابر : أن امرأته قالت : يا رسول الله ، صل عَلَيَّ وعلى زوجي . فقال : " صلى الله عليكِ وعلى زوجك " {[24021]} .
وقال الجمهور من العلماء : لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة ؛ لأن هذا قد صار شعارا للأنبياء إذا ذكروا ، فلا يلحق بهم غيرهم ، فلا يقال : " قال أبو بكر صلى الله عليه " . أو : " قال علي صلى الله عليه " . وإن كان المعنى صحيحا ، كما لا يقال : " قال محمد ، عز وجل " ، وإن كان عزيزا جليلا ؛ لأن هذا من شعار ذكر الله ، عز وجل . وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم ؛ ولهذا لم يثبت شعارا لآل أبي أوفى ، ولا لجابر وامرأته . وهذا مسلك حسن .
وقال آخرون : لا يجوز ذلك ؛ لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء ، يصلون على من يعتقدون فيهم ، فلا يقتدى بهم في ذلك ، والله أعلم .
ثم اختلف المانعون من ذلك : هل هو من باب التحريم ، أو الكراهة التنزيهية ، أو خلاف الأولى ؟ على ثلاثة أقوال ، حكاه الشيخ أبو زكريا النووي في كتاب الأذكار . ثم قال : والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه ؛ لأنه شعار أهل البدع ، وقد نهينا عن شعارهم ، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود . قال أصحابنا : والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في اللسان{[24022]} بالأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم ، كما أن قولنا : " عز وجل " ، مخصوص بالله سبحانه وتعالى ، فكما لا يقال : " محمد عز وجل " ، وإن كان عزيزا جليلا لا يقال : " أبو بكر - أو : علي - صلى الله عليه " . هذا لفظه بحروفه . قال : وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجُوَيني من أصحابنا : هو في معنى الصلاة ، فلا يستعمل في الغائب ، ولا يفرد به غير الأنبياء ، فلا يقال : " علي عليه السلام " ، وسواء في هذا الأحياء والأموات ، وأما الحاضر فيخاطب به ، فيقال : سلام عليكم ، أو سلام عليك ، أو السلام عليك أو عليكم . وهذا مجمع عليه . انتهى ما ذكره{[24023]} .
قلت : وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب ، أن يفرد علي ، رضي الله عنه ، بأن يقال : " عليه السلام " ، من دون سائر الصحابة ، أو : " كرم الله وجهه " وهذا وإن كان معناه صحيحا ، لكن ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة في ذلك ؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم ، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان [ بن عفان ]{[24024]} أولى بذلك منه ، رضي الله عنهم أجمعين .
قال إسماعيل القاضي : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثني عثمان بن حكيم بن عَبَّاد بن حُنَيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : لا تصح{[24025]} الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة{[24026]} {[24027]} .
وقال أيضا : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حسين بن علي ، عن جعفر بن بَرْقان قال : كتب عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله : أما بعد ، فإن أناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة ، وإن ناسا من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدْلَ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاءك كتابي هذا فمُرْهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ، ويدعوا ما سوى ذلك . أثر حسن{[24028]} .
قال إسماعيل القاضي : حدثنا معاذ بن أسد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثني خالد بن يَزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن نُبَيه بن وهب ؛ أن كعبا دخل على عائشة ، رضي الله عنها ، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كعب : ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ، سبعون ألفا بالليل ، وسبعون ألفا بالنهار ، حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفا من الملائكة يزفونه{[24029]} .
[ فرع ]{[24030]} :
قال النووي : إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم ، فلا يقتصر على أحدهما فلا يقول : " صلى الله عليه فقط " ، ولا " عليه السلام " فقط ، وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة ، وهي قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ، فالأولى أن يقال : صلى الله عليه وسلم تسليما .
{ إن الله وملائكته يصلون على النبي } يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه . { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } اعتنوا انتم أيضا فإنكم أولى بذلك وقولوا اللهم صل على محمد . { وسلموا تسليما } وقولوا السلام عليك أيها النبي وقيل وانقادوا لأوامره ، والآية تدل على وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة ، وقيل تجب الصلاة كلما جرى ذكره لقوله عليه الصلاة والسلام " رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي " وقوله " من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله " ، وتجوز الصلاة على غيره تبعا . وتكره استقلالا لأنه في العرف صار شعارا لذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك كره أن يقال محمد عز وجل وان كان عزيزا وجليلا .
هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام وذكر منزلته منه وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء في أمر أزواجه ونحو ذلك ، وقوله { يصلون } ، قالت فرقة الضمير فيه لله وللملائكة ، وهذا قول من الله تعالى شرف به ملائكته فلا يصحبه الاعتراض الذي جاء في قول الخطيب عند النبي صلى الله عليه وسلم : من أطاع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد ضل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «بئس الخطيب أنت »{[9571]} ، قالوا لأنه ليس لأحد من البشر أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير واحد ولله تعالى أن يفعل من ذلك ما شاء ، وقالت فرقة : في الكلام حذف تقديره إن الله يصلي على النبي وملائكته يصلون ، ودل الظاهر من القول على ما ترك ، وليس في الآية اجتماع في ضمير ، وقالت فرقة : بل جمع الله تعالى الملائكة مع نفسه في ضمير وذلك جائز للبشر فعله ، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم «بئس الخطيب أنت » لهذا المعنى وإنما قاله لأن الخطيب وقف على «ومن يعصهما » وسكت سكتة ، ومما يؤيد هذا أن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم في مصنف أبي داود «ومن يعصهما » فجمع ذكر الله تعالى مع رسوله في ضمير ، ومما يؤيد القول الأول أن في كتاب مسلم «بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله » .
قال القاضي أبو محمد : وهذا يحتمل أن يكون لما خطأه في وقفه وقال له «بئس الخطيب أنت » ( أصلح له بعد ذلك جميع كلامه لأن فصل ضمير اسم الله تعالى من ضمير غيره أولى لا محالة فقال له : «بئس الخطيب أنت » لموضع ) خطأه في الوقف وحمله على الأولى في فصل الضميرين . وإن كان جمعهما جائزاً جائزاً ، وقرأ الجمهور «وملائكتَه » بنصب التاء عطفاً على المكتوبة ، وقرأ ابن عباس «وملائكتُه » رفعا عطفاً على الموضع قبل دخول { إن } وفي هذا نظر{[9572]} ، وصلاة الله رحمة منه وبركة ، وصلاة الملائكة دعاء ، وصلاة المؤمنين دعاء وتعظيم ، والصلاة على رسول الله في كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه ، وقال عليه السلام : «أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود »{[9573]}
وصفتها ما ورد عنه عليه السلام في كتاب الطبري من طريق ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية قال له قوم من الصحابة : هذا السلام عليك يا رسول الله قد عرفناه فكيف نصلي عليك ؟ قال :
«قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى وآل إبراهيم وارحم محمداً وآل محمد كما رحمت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد » وفي بعض الروايات زيادة ونقص هذا معناه . {[9574]}
وقرأ الحسن «يا أيها الذين آمنوا فصلوا عليه » وهذه الفاء تقوي معنى الشرط أي صلى الله فصلوا أنتم ، كما تقول أعطيتك فخذ ، وفي حرف عبد الله «صلوا عليه كما صلى الله عليه وسلم وا تسليماً » .
أعقبت أحكام معاملة أزواج النبي عليه الصلاة والسلام بالثناء عليه وتشريف مقامه إيماء إلى أن تلك الأحكام جارية على مناسبة عظمة مقام النبي عليه الصلاة والسلام عند الله تعالى ، وإلى أن لأزواجه من ذلك التشريف حظًّا عظيماً . ولذلك كانت صيغة الصلاة عليه التي علَّمها للمسلمين مشتملة على ذكر أزواجه كما سيأتي قريباً ، وليُجعل ذلك تمهيداً لأمر المؤمنين بتكرير ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالثناء والدعاء والتعظيم ، وذُكرَ صلاة الملائكة مع صلاة الله ليكون مثالاً من صلاة أشرف المخلوقات على الرسول لتقريب درجة صلاة المؤمنين التي يؤمرون بها عقب ذلك ، والتأكيد للاهتمام . ومجيء الجملة الإسمية لتقوية الخبر ، وافتتاحها باسم الجلالة لإِدخال المهابة والتعظيم في هذا الحكم ، والصلاة من الله والملائكة تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } في هذه السورة ( 43 ) . وهذه صلاة خاصة هي أرفع صلاة مما شمله قوله هو الذي يصلي عليكم وملائكته } لأن عظمة مقام النبي يقتضي عظمة الصلاة عليه .
وجملة { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } هي المقصودة وما قبلها توطئة لها وتمهيد لأن الله لما حَذّر المؤمنين من كل ما يؤذي الرسول عليه الصلاة والسلام أعقبه بأن ذلك ليس هو أقصى حظهم من معاملة رسولهم أن يتركوا أذاه بل حظُّهم أكبر من ذلك وهو أن يُصَلُّوا عليه ويُسَلِّمُوا ، وذلك هو إكرامهم الرسول عليه الصلاة والسلام فيما بينهم وبين ربهم فهو يدل على وجوب إكرامه في أقوالهم وأفعالهم بحضرته بدلالة الفحوى ، فجملة { يا أيها الذين آمنوا } بمنزلة النتيجة الواقعة بعد التمهيد . وجيء في صلاة الله وملائكته بالمضارع الدال على التجديد والتكرير ليكون أمر المؤمنين بالصلاة عليه والتسليم عقب ذلك مشيراً إلى تكرير ذلك منهم إسوة بصلاة الله وملائكته .
والأمر بالصلاة عليه معناه : إيجاد الصلاة ، وهي الدعاء ، فالأمر يؤول إلى إيجاد أقوال فيها دعاء وهو مجمل في الكيفية .
والصلاة : ذِكر بخير ، وأقوال تجلب الخير ، فلا جرم كان الدعاء هو أشهر مسميات الصلاة ، فصلاة الله : كلامه الذي يُقدِّر به خيراً لرسوله صلى الله عليه وسلم لأن حقيقة الدعاء في جانب الله معطّل ، لأن الله هو الذي يدعوه الناس ، وصلاة الملائكة والناسِ : استغفار ودعاء بالرحمات .
وظاهر الأمر أن الواجب كلُّ كلام فيه دعاء للنبيء صلى الله عليه وسلم ولكن الصحابة لما نزلت هذه الآية سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية هذه الصلاة قالوا : « يا رسول الله هذا السلام عليك قد علمناه فكيف نصلي عليك ؟ » يعنون أنهم علِموا السلام عليه من صيغة بثّ السلام بين المسلمين وفي التشهد فالسلام بين المسلمين صيغته : السلام عليكم . والسلام في التشهد هو « السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته » أو « السلام على النبي ورحمة الله وبركاته » .
فقال رسول الله : قولوا : " اللهم صلّ على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد " . هذه رواية مالك في « الموطأ » عن أبي حُميد الساعدي .
وروي أيضاً عن أبي مسعود الأنصاري بلفظ « وعلى آل محمد » ( عن أزواجه وذريته في الموضعين ) وبزيادة « في العالمين » ، قبل : « إنك حميد مجيد . والسلامُ كما قد علمتم » . وهما أصح ما روي كما قال أبو بكر بن العربي . وهناك روايات خمس أخرى متقاربة المعنى وفي بعضها زيادة وقد استقصاها ابن العربي في « أحكام القرآن » . ومرجع صيغها إلى توجه إلى الله بأن يفيض خيرات على رسوله صلى الله عليه وسلم لأن معنى الصلاة الدعاء ، والدعاء من حسن الأقوال ، ودعاء المؤمنين لا يتوجه إلاّ إلى الله .
وظاهر صيغة الأمر مع قرينة السياق يقتضي وجوب أن يصلي المؤمن على النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان مجملاً في العدد فَمَحْمَله مَحْمل الأمر المُجمل أن يفيد المرة لأنها ضرورية لإِيقاع الفعل ولمقتضَى الأمر . ولذلك اتفق فقهاء الأمة على أن واجباً على كل مؤمن أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مرة في العمر ، فجعلوا وقتها العمرَ كالحج . وقد اختلفوا فيما زاد على ذلك في حكمه ومقداره ، ولا خلاف في استحباب الإِكثار من الصلاة عليه وخاصة عند وجود أسبابها . قال الشافعي وإسحاق ومحمد بن الموازِ من المالكية واختاره أبو بكر بن العربي من المالكية : إن الصلاة عليه فرض في الصلاة فمن تركها بطلت صلاته . قال إسحاق : ولو كان ناسياً .
وظاهر حكايتهم عن الشافعي أن تركها إنما يبطل الصلاة إذا كان عمداً وكأنهم جعلوا ذلك بياناً للإِجمال الذي في الأمر من جهة الوقت والعدد ، فجعلوا الوقت هو إيقاع الصلاة للمقارنة بين الصلاة والتسليم ، والتسليمُ وارد في التشهد ، فتكون الصلاة معه على نحو ما استدل أبو بكر الصديق رضي الله عنه من قوله : لأقاتلنّ من فَرق بين الصلاة والزكاة ، فإذا كان هذا مأخذهم فهو ضعيف لأن الآية لم ترد في مقام أحكام الصلاة ، وإلا فليس له أن يبين مجملاً بلا دليل .
وقال جمهور العلماء : هي في الصلاة مستحبة وهي في التشهد الأخير وهو الذي جرى عليه الشافعية أيضاً . قال الخطابي : ولا أعلم للشافعي فيها قُدوة وهو مخالف لعمل السلف قبله ، وقد شنع عليه في هذه المسألة جداً . وهذا تشهد ابن مسعود الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم والذي اختاره الشافعي ليس فيه الصلاة على النبي ، كذلك كل من روَى التشهد عن رسول الله . قال ابن عمر : كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتَّاب ، وعلمه أيضاً على المنبر عمر ، وليس في شيء من ذلك ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قلت : فمن قال إنها سنة في الصلاة فإنما أراد المستحب .
وأما حديث " لا صلاة لمن لم يصل عليَّ " فقد ضعفه أهل الحديث كلهم .
ومن أسباب الصلاة عليه أن يصلي عليه من جرى ذكره عنده ، وكذلك في افتتاح الكتب والرسائِل ، وعند الدعاء ، وعند سماع الأذان ، وعند انتهاء المؤذن ، وعند دخول المسجد ، وفي التشهد الأخير .
وفي التوطئة للأمر بالصلاة على النبي بذكر الفعل المضارع في { يصلون } إشارة إلى الترغيب في الإِكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تأسيَّاً بصلاة الله وملائكته .
واعلم أنا لم نقف على أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون على النبي كلما جرى ذكر اسمه ولا أن يكتبوا الصلاة عليه إذا كتبوا اسمه ولم نقف على تعيين مبدأ كتابة ذلك بين المسلمين .
والذي يبدو أنهم كانوا يصلون على النبي إذا تذكروا بعض شؤونه كما كانوا يترحمون على الميِّت إذا ذكروا بعض محاسنه . وفي « السيرة الحلبية » : « لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترى عمر من الدهش ما هو معلوم وتكلم أبو بكر بما هو معلوم قال عمر : إنا لله وإنا إليه راجعون صلواتُ الله على رسوله وعند الله نحتسب رسوله » وروى البخاري في باب : متى يحلّ المعتمر : عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقول كلما مرت بالحَجون « صلى الله على رسوله محمد وسلم لقد نزلنا معه ههنا ونحن يومئذٍ خِفاف » إلى آخره .
وفي باب ما يقول عند دخول المسجد من « جامع الترمذي » حديث فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى قالت : كان رسول الله إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال : رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال : رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك ، قال الترمذي : حديث حسن وليس إسناده بمتصل .
ومن هذا القبيل ما ذكره ابن الأثير في « التاريخ الكامل » في حوادث سنة خمس وأربعين ومائة : أن عبد الله بن مصعب بن ثابت رثى محمداً النفس الزكية بأبيات منها :
والله لوْ شهد النبي محمد *** صلى الإله على النبي وسَلَّماً
ثم أحدثت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل الكتب في زمن هارون الرشيد ، ذكر ذلك ابن الأثير في « الكامل » في سنة إحدى وثمانين ومائة ، وذكره عياض في « الشفاء » ، ولم يذكرا صيغة التصلية . وفي « المخصص » لابن سيده في ذكر الخُف والنعل : إن أبا مُحَلِّم بعث إلى حذَّاء بنعل ليحذوها وقال له : « ثم سُنَّ شَفْرَتك وسُنّ رأس الإِزميل ثم سَمِّ باسم الله وصلّ على محمد ثم انحها » إلى آخره .
ولا شك أن إتباع اسم النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه في كتب الحديث والتفسير وغيرها كان موجوداً في القرن الرابع ، وقد وقفت على قطعة عتيقة من تفسير يحيى بن سلام البصري مؤرخ نسخها سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة فإذا فيها الصلاة على النبي عقب ذكره اسمه .
وأحسب أن الذين سنُّوا ذلك هم أهل الحديث . قال النووي في مقدمة شرحه على « صحيح مسلم » « يستحب لكاتب الحديث إذا مر بذكر الله أن يكتب عز وجل ، أو تعالى ، أو سبحانه وتعالى ، أو تبارك وتعالى ، أو جل ذكره ، أو تبارك اسمه ، أو جلت عظمته ، أو ما أشبه ذلك ، وكذلك يكتب عند ذكر النبي « صلى الله عليه وسلم بكمالها لا رامزاً إليها ولا مقتصراً على بعضها ، ويكتب ذلك وإن لم يكن مكتوباً في الأصل الذي ينقل منه فإن هذا ليس رواية وإنما هو دعاء . وينبغي للقارىء أن يقرأ كل ما ذكرناه وإن لم يكن مذكوراً في الأصل الذي يقرأ منه ولا يَسأم من تكرر ذلك ، ومن أغفل ذلك حُرم خيراً عظيماً » اهـ .
وقوله : { وسلموا تسليماً } القول فيه كالقول في { صلوا عليه } حكماً ومكاناً وصفة فإن صفته حددت بقول النبي صلى الله عليه وسلم « والسلام كما قد علمتم » فإن المعلوم هو صيغته التي في التشهد « السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته » . وكان ابن عمر يقول فيه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم « السلام على النبي ورحمة الله وبركاته » . والجمهور أبقوا لفظه على اللفظ الذي كان في حياة النبي عليه الصلاة والسلام رعياً لما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه حي يَبلُغه تسليم أمته عليه .
ومن أجل هذا المعنى أبقيت له صيغة التسليم على الأَحياء وهي الصيغة التي يتقدم فيها لفظ التسليم على المتعلِّق به لأن التسليم على الأموات يكون بتقديم المجرور على لفظ السلام . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي سلم عليه فقال : عليك السلام يا رسول الله فقال له : " إن عليكَ السلام تحيةُ الموتى ، فقل : السلام عليك " . والتسليم مشهور في أنه التحية بالسلام ، والسلام فيه بمعنى الأمان والسلامة ، وجعل تحية في الأولين عند اللقاء مبادأة بالتأمين من الاعتداء والثأر ونحو ذلك إذ كانوا إذ اتقوا أحداً توجّسُوا خِيفة أن يكون مضمراً شراً لملاقيه ، فكلاهما يدفع ذلك الخوف بالإِخبار بأنه مُلق على مُلاقيه سلامة وأمناً . ثم شاع ذلك حتى صار هذا اللفظ دالاً على الكرامة والتلطف ، قال النابغة :
أتاركة تدللها قطام *** وضِنًّا بالتحية والسلام
ولذلك كان قوله تعالى : { وسلموا } غير مجمل ولا محتاج إلى بيان فلم يسأل عنه الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : هذا السلام قد عرفناه ، وقال لهم : والسلام كما قد علمتم ، أي كما قد علمتم من صيغة السلام بين المسلمين ومن ألفاظ التشهد في الصلاة .
وإذ قد كانت صيغة السلام معروفة كان المأمور به هو ما يماثل تلك الصيغة أعني أن نقول : السلام على النبي أو عليه السلام ، وأن ليس ذلك بتوجه إلى الله تعالى بأن يسلم على النبي بخلاف التصلية لما علمت مِمَّا اقتضى ذلك فيها .
والآية تضمنت الأمر بشيئين : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليممِ عليه ، ولم تقتض جمعهما في كلام واحد وهما مفرقان في كلمات التشهد فالمسلم مخيّر بين أن يقرن بين الصلاة والتسليم بأن يقول : صلى الله على محمد والسلام عليه ، أو أن يقول : اللهم صل على محمد والسلام على محمد ، فيأتي في جانب التصلية بصيغة طلب ذلك من الله ، وفي جانب التسليم بصيغة إنشاء السلام بمنزلة التحية له ، وبين أن يفرد الصلاة ويفرد التسليم وهو ظاهر الحديث الذي رواه عياض في « الشفاء » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقيت جبريل فقال لي : أبشرك أن الله يقول : من سَلَّم عليك سلمتُ عليه ومن صلى عليك صلّيتُ عليه . وعن النووي أنه قال بكراهة إفراد الصلاة والتسليم ، وقال ابن حجر : لعله أراد خلاف الأوْلى . وفي الاعتذار والمعتذر عنه نظر إذ لا دليل على ذلك .
وأما أن يُقال : اللهم سلم على محمد ، فليس بوارد فيه مسند صحيح ولا حَسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عنه إلا بصيغة إنشاء السلام مثل ما في التحية ، ولكنهم تسامحوا في حالة الاقتران بين التصلية والتسليم فقالوا : صلى الله عليه وسلم لقصد الاختصار فيما نرى . وقد استمر عليه عمل الناس من أهل العلم والفضل . وفي حديث أسماء بنت أبي بكر المتقدم أنها قالت : « صلى الله على محمد وسلم » .
ومعنى تسليم الله عليه إكرامه وتعظيمه فإن السلام كناية عن ذلك .
وقد استحسن أيمة السلف أن يجعل الدعاء بالصلاة مخصوصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم وعن مالك : لا يصلّى على غير نبيئنا من الأنبياء . يريد أن تلك هي السنة ، وروي مثله عن ابن عباس ، وروي عن عمر بن عبد العزيز : أن الصلاة خاصة بالنبيئين كلهم .
وأما التسليم في الغيبة فمقصور عليه وعلى الأنبياء والملائكة لا يشركهم فيه غيرهم من عباد الله الصالحين لقوله تعالى : { سلام على نوح في العالمين } [ الصافات : 79 ] ، وقوله : { سلام على آل ياسين } [ الصافات : 130 ] ، { سلام على موسى وهارون } [ الصافات : 120 ] ، { سلام على إبراهيم } [ الصافات : 109 ] .
وأنه يجوز إِتباع آلهم وأصحابهم وصالحي المؤمنين إياهم في ذلك دون استقلال . هذا الذي استقر عليه اصطلاح أهل السنة ولم يقصدوا بذلك تحريماً ولكنه اصطلاح وتمييز لمراتب رجال الدين ، كما قصروا الرضى على الأصحاب وأيمة الدين ، وقصروا كلمات الإِجلال نحو : تبارك وتعالى ، وجل جلاله ، على الخالق دون الأنبياء والرسل .
وأما الشيعة فإنهم يذكرون التسليم على عليّ وفاطمة وآلهما ، وهو مخالف لعمل السلف فلا ينبغي اتباعهم فيه لأنهم قصدوا به الغضّ من الخلفاء والصحابة .
وانتصب { تسليماً } على أنه مصدر مؤكد ل { سلّمُوا } وإنما لم يؤكد الأمر بالصلاة عليه بمصدر فيقال : صلّوا عليه صلاةً ، لأن الصلاة غلب إطلاقها على معنى الاسم دون المصدر ، وقياس المصدر التصلية ولم يستعمل في الكلام لأنه اشتهر في الإِحراق ، قال تعالى : { وتصلية جحيم } [ الواقعة : 94 ] ، على أن الأمر بالصلاة عليه قد حصل تأكيده بالمعنى لا بالتأكيد الاصطلاحي فإن التمهيد له بقوله : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } مشير إلى التحريض على الاقتداء بشأن الله وملائكته .