نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا} (56)

ولما كانت هذه الآيات وما قبلها وما بعدها في إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم وبيان مناقبه ، علل الأوامر فيها والنواهي وغيرها{[56016]} بقوله ، مؤكداً لاقتضاء الحال ذلك إما ممن{[56017]} آذاه بالجلوس{[56018]} في غير حينه فواضح ، وأما غيره فكان من حقهم أن لا يفارقوا المجلس حتى يعلموا من لا يعرف الأدب ، فكان تهاونهم في ذلك فعل من{[56019]} لا يريد إظهار شرفه صلى الله عليه وسلم فهو تأديب وترهيب : { إن الله } أي وعلمكم محيط بأن له مجامع الكبر والعظمة والعز { وملائكته } أي{[56020]} وهم أهل النزاهة والقرب والعصمة .

ولما كان سبحانه قد قدم قوله : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } فأفرد كلاً بخبر ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلى المخاطبين حظاً فإنه رأس المؤمنين ، أفرده هنا بهذه الصلاة التي جمع فيها الملائكة الكرام معه سبحانه وجعل الخبر{[56021]} عنهم خبراً{[56022]} واحداً{[56023]} ليكون أتم ، فإن قولك : فلان وفلان ينصران فلاناً ، أضخم من قولك : فلان ينصره و{[56024]} فلان ، فقال تعالى : { يصلون على النبي } أي{[56025]} يظهرون شرفه وما له من الوصلة بالملك الأعظم بما يوحيه الله إليه من عجائب الخلق والأمر من عالم الغيب والشهادة ، وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما كما رواه البخاري{[56026]} : " يبركون " .

ولما كانت ثمرة المراد بهذا الإعلام التأسي ، علم بآخر الكلام أن المعنى : ويسلمون {[56027]}عليه {[56028]}لأن ذلك من تمام الوصلة التي يدور عليها معنى الصلاة{[56029]} فأنتج ذلك قطعاً تفسير المراد بيصلون{[56030]} : { يا أيها الذين آمنوا } أي ادعوا ذلك بألسنتهم { صلوا عليه } بعدم{[56031]} الغفلة عن المبادرة إلى إظهار{[56032]} شرفه في حين من الأحيان تصديقاً لدعواكم ، ولأن الكبير إذا فعل شيئاً بادر كل محب {[56033]}له معتقد لعظمته إلى فعله { وسلموا } .

ولما كان المراد بكل من الصلاة والسلام إظهار الشرف ، وكان السلام أظهر معنى في ذلك ، وكان تحيته عند اللقاء واجباً في التشهد بلا خلاف ، ودالاً على الإذعان لجميع أوامره الذي لا يحصل الإيمان إلا به ، وهو من{[56034]} المسلم نفسه ، وأما الصلاة فإنها يطلبها المصلي من الله ، أكدهما به فقال : { تسليماً * } أي فأظهروا شرفه{[56035]} بكل ما تصل قدرتكم إليه من حسن متابعته وكثرة الثناء الحسن عليه والانقياد لأمره في كل ما يأمر به ، ومنه الصلاة والسلام عليه بألسنتكم على نحو{[56036]} ما علمكم في التشهد وغيره مما ورد في الأحاديث عن أبي سعيد الخدري وكعب بن عجرة وغيرهما رضي الله عنهم بيان التقاء الصلاة والسلام في إظهار الشرف فإن الصلاة - كما قال{[56037]} في القاموس - الدعاء والرحمة والاستغفار وحسن الثناء من الله عز وجل وعبادة فيها ركوع وسجود - انتهى . والسلام هو التحية والتحية{[56038]} - كما قال البيضاوي في تفسير سورة النساء - في الأصل مصدر حياك الله على الإخبار من الحياة ، ثم استعمل للحكم والدعاء بذلك ، ثم قيل لكل دعاء ، فغلب في السلام ، وفي القاموس : التحية : السلام والبقاء والملك ، وحياك الله : أبقاك أو{[56039]} ملكلك ، وقال الإمام أبو عبد الله القزاز في جامعه : السلام اسم من أسماء الله ، والسلام ههنا بمعنى السلامة ، كما يقال{[56040]} الرضاع والرضاعة ، واللذاذ واللذاذة ، قالوا : ومعنى قول القائل لصاحبه : سلام عليك أي{[56041]} قد سلمت مني {[56042]}لا أنالك{[56043]} بيد ولا لسان ، وقيل : معناه السلامة من الله عليكم ، وقيل : هو الرحمة ، وقيل{[56044]} : الأمان ، و{[56045]}السلامة هي{[56046]} النجاة من الآفات - انتهى . فقد ظهر أن معنى الكل كما ترى ينظر إلى إظهار الشرف نظر الملزوم إلى اللازم ، ولذلك فسر البيضاوي يصلون بقوله : يعنتون{[56047]} بإظهار شرفه وتعظيم شأنه ، وسلموا بقوله : قولوا السلام عليك ، أو انقادوا لأوامره ، فلما تآخيا في هذا المعنى ، وكان هو المراد أكد بلفظ السلام تحصيلاً لتمام المقصود بدلالته على الانقياد ، فهو مؤكد لصلوا بمعناه ولسلموا بلفظه ، استعمالاً للشيء {[56048]}في حقيقته{[56049]} ومجازه كما هو مذهب إمامنا الشافعي رضي الله عنه ، ومثل بآية النساء لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى }[ النساء : 43 ] وبقوله :{ أو لامستم النساء }[ النساء : 43 ، المائدة : 6 ] وغير ذلك ، وقد بينت في سورة{[56050]} الرعد أن مادة " صلوا " بجميع تراكيبها تدور على الوصلة وهي لازمة لكل ما ذكر من تفسيرها ، هذا ولك أن تجعله من الاحتباك فتقول : حذف التأكيد أولاً لفعل{[56051]} الصلاة لما دل عليه من التأكيد بمصدر السلام ، ويرجح إظهار مصدر السلام بما تقدم ذكره ، وحذف متعلق السلام لدلالة متعلق الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وليصلح أن يكون عليه وأن يكون له ، فيصلح أن يجعل التسليم بمعنى الإذعان - والله {[56052]}هو الموفق للصواب{[56053]} .


[56016]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: غيرهما.
[56017]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من.
[56018]:في ظ: في الجلوس.
[56019]:زيد من ظ وم ومد.
[56020]:سقط من ظ.
[56021]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: المخبر.
[56022]:سقط من مد.
[56023]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من واحد.
[56024]:زيد من ظ وم ومد.
[56025]:سقط من ظ.
[56026]:راجع صحيحه 2/707.
[56027]:زيد من ظ وم ومد.
[56028]:ليس ما بين الرقمين في م.
[56029]:ليس ما بين الرقمين في م.
[56030]:زيد من مد.
[56031]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بعد.
[56032]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أظهر.
[56033]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مصفه ـ كذا.
[56034]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: عن.
[56035]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: شرفكم.
[56036]:زيد من ظ وم ومد.
[56037]:زيد من ظ وم ومد.
[56038]:زيد من ظ وم ومد.
[56039]:من ظ وم ومد والقاموس، وفي الأصل "و".
[56040]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: يقاع.
[56041]:زيد من ظ وم ومد.
[56042]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لا نالك.
[56043]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لا نالك.
[56044]:زيد في الأصل: هو، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[56045]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: السلام.
[56046]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: السلام.
[56047]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: يعينون.
[56048]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بحقيقته.
[56049]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بحقيقته.
[56050]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: آية.
[56051]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لتأكيد.
[56052]:في ظ وم ومد: الموفق.
[56053]:في ظ وم ومد: الموفق.