ولما أمر تعالى بالاستئذان وعدم النظر إلى نسائه احتراماً له كمل بيان حرمته بقوله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } أي : محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس : أراد أن الله تعالى يرحم النبي والملائكة يدعون له ، وعن ابن عباس أيضاً : يصلون يبركون والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار وقال أبو العالية : صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء .
تنبيه : بيان كمال حرمته في ذلك أن حالاته منحصرة في حالتين حالة خلوة فذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله تعالى : { لا تدخلوا بيوت النبي } وحالة تكون في ملأ ، والملأ إما الملأ الأعلى ، وإما الملأ الأدنى أما احترامه في الملأ الأعلى ، فإن الله وملائكته يصلون عليه ، وأما احترامه في الملأ الأدنى فقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } أي : ادعو له بالرحمة { وسلموا تسليماً } أي : حيوه بتحية الإسلام وأظهروا شرفه بكل ما تصل قدرتكم إليه من حسن متابعته وكثرة الثناء الحسن عليه والانقياد لأمره في كل ما يأمر به ، ومنه الصلاة والسلام عليه بألسنتكم .
روى عبد الرحمان بن أبي ليلى لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : بلى فأهدها لي قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال : «قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد » وروى أبو حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قولوا : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد » وروى ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة » ، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً » وروى عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه فقلنا : إنا لنرى البشرى في وجهك فقال : «جاءني جبريل فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً ، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً » وروى عامر بن ربيعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي ، فليقلل العبد من ذلك أو ليكثر » ، وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات » وروى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام » .
تنبيه : دلت الآية على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الأمر للوجوب قالوا : وقد أجمع العلماء أنها لا تجب في غير الصلاة فتعين وجوبها فيها والمناسب لها من الصلاة التشهد آخرها فتجب في التشهد آخر الصلاة أي : بعده وهو مذهب الشافعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد فالقائل بوجوبها في العمر مرة في غيرها محجوج بإجماع من قبله ، ولحديث كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فقال : «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إلى آخره » وقيل : تجب كلما ذكر ، واختاره الطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية لقول جابر : «إن النبي صلى الله عليه وسلم رقى المنبر فلما رقى الدرجة الأولى قال : آمين ، ثم رقى الثانية فقال : آمين ثم رقى الثالثة فقال : آمين فقالوا : يا رسول الله سمعناك تقول : آمين ثلاث مرات فقال : لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل فقال : شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له فقلت : آمين ، ثم قال : شقي عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقلت : آمين ، ثم قال : شقي عبد ذكرت عنده ولم يصل عليك فقلت : آمين » ، وفي رواية رقى المنبر فقال : آمين آمين آمين قيل : يا رسول الله ما كنت تصنع هذا فقال : قال لي جبريل : رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما لم يدخلاه الجنة فقلت : آمين ، ثم قال رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له فقلت : آمين ، ثم قال : رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت : آمين » ، وكذلك قوله : { وسلموا } أمر فيجب السلام ولم يجب في غير الصلاة فيجب فيها وهو قولنا في التشهد سلام عليك أيها النبي إلخ ، وذكر في السلام المصدر للتأكيد ولم يذكره في الصلاة لأنها كانت مؤكدة بقوله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } وأقل الصلاة عليه اللهم صل على محمد ، وأكملها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وآل إبراهيم إسماعيل وإسحاق وأولادهما .
فائدة : كل الأنبياء من بعد إبراهيم عليه السلام من ولده إسحاق إلا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم فإنه من نسل إسماعيل ، ولم يكن من نسله نبي غيره وخص إبراهيم عليه السلام بالذكر لأن الرحمة والبركة لم يجتمعا لنبي غيره فقال الله تعالى : { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } ( هود : 73 ) .
فإن قيل : إذا صلى الله وملائكته عليه فأي حاجة به إلى صلاتنا ؟ أجيب : بأن الصلاة عليه ليست لحاجة إليها وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله تعالى عليه وإنما هو إظهاره وتعظيمه منا شفقة علينا ليثيبنا عليه ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً » ، وفي رواية أخرى : وملائكته سبعين ، وتجوز الصلاة على غيره تبعاً له وتكره استقلالاً لأنه في العرف صار شعاراً لذكر الرسل ولذلك كره أن يقال لمحمد عز وجل ، وإن كان عزيزاً جليلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.