السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا} (56)

ولما أمر تعالى بالاستئذان وعدم النظر إلى نسائه احتراماً له كمل بيان حرمته بقوله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } أي : محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس : أراد أن الله تعالى يرحم النبي والملائكة يدعون له ، وعن ابن عباس أيضاً : يصلون يبركون والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار وقال أبو العالية : صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء .

تنبيه : بيان كمال حرمته في ذلك أن حالاته منحصرة في حالتين حالة خلوة فذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله تعالى : { لا تدخلوا بيوت النبي } وحالة تكون في ملأ ، والملأ إما الملأ الأعلى ، وإما الملأ الأدنى أما احترامه في الملأ الأعلى ، فإن الله وملائكته يصلون عليه ، وأما احترامه في الملأ الأدنى فقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } أي : ادعو له بالرحمة { وسلموا تسليماً } أي : حيوه بتحية الإسلام وأظهروا شرفه بكل ما تصل قدرتكم إليه من حسن متابعته وكثرة الثناء الحسن عليه والانقياد لأمره في كل ما يأمر به ، ومنه الصلاة والسلام عليه بألسنتكم .

روى عبد الرحمان بن أبي ليلى لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : بلى فأهدها لي قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال : «قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد » وروى أبو حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قولوا : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد » وروى ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة » ، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً » وروى عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه فقلنا : إنا لنرى البشرى في وجهك فقال : «جاءني جبريل فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً ، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً » وروى عامر بن ربيعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي ، فليقلل العبد من ذلك أو ليكثر » ، وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات » وروى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام » .

تنبيه : دلت الآية على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الأمر للوجوب قالوا : وقد أجمع العلماء أنها لا تجب في غير الصلاة فتعين وجوبها فيها والمناسب لها من الصلاة التشهد آخرها فتجب في التشهد آخر الصلاة أي : بعده وهو مذهب الشافعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد فالقائل بوجوبها في العمر مرة في غيرها محجوج بإجماع من قبله ، ولحديث كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فقال : «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إلى آخره » وقيل : تجب كلما ذكر ، واختاره الطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية لقول جابر : «إن النبي صلى الله عليه وسلم رقى المنبر فلما رقى الدرجة الأولى قال : آمين ، ثم رقى الثانية فقال : آمين ثم رقى الثالثة فقال : آمين فقالوا : يا رسول الله سمعناك تقول : آمين ثلاث مرات فقال : لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل فقال : شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له فقلت : آمين ، ثم قال : شقي عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقلت : آمين ، ثم قال : شقي عبد ذكرت عنده ولم يصل عليك فقلت : آمين » ، وفي رواية رقى المنبر فقال : آمين آمين آمين قيل : يا رسول الله ما كنت تصنع هذا فقال : قال لي جبريل : رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما لم يدخلاه الجنة فقلت : آمين ، ثم قال رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له فقلت : آمين ، ثم قال : رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت : آمين » ، وكذلك قوله : { وسلموا } أمر فيجب السلام ولم يجب في غير الصلاة فيجب فيها وهو قولنا في التشهد سلام عليك أيها النبي إلخ ، وذكر في السلام المصدر للتأكيد ولم يذكره في الصلاة لأنها كانت مؤكدة بقوله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } وأقل الصلاة عليه اللهم صل على محمد ، وأكملها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وآل إبراهيم إسماعيل وإسحاق وأولادهما .

فائدة : كل الأنبياء من بعد إبراهيم عليه السلام من ولده إسحاق إلا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم فإنه من نسل إسماعيل ، ولم يكن من نسله نبي غيره وخص إبراهيم عليه السلام بالذكر لأن الرحمة والبركة لم يجتمعا لنبي غيره فقال الله تعالى : { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } ( هود : 73 ) .

فإن قيل : إذا صلى الله وملائكته عليه فأي حاجة به إلى صلاتنا ؟ أجيب : بأن الصلاة عليه ليست لحاجة إليها وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله تعالى عليه وإنما هو إظهاره وتعظيمه منا شفقة علينا ليثيبنا عليه ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً » ، وفي رواية أخرى : وملائكته سبعين ، وتجوز الصلاة على غيره تبعاً له وتكره استقلالاً لأنه في العرف صار شعاراً لذكر الرسل ولذلك كره أن يقال لمحمد عز وجل ، وإن كان عزيزاً جليلاً .