المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا} (18)

18- مَنْ كان يطلب متاع الدنيا العاجلة ويعمل له متخذا الأسباب ، ولا يوقن بميعاد ، ولا ينتظر جزاء الدار الآخرة ، عجَّلنا له في الدنيا ما نشاء تعجيله من البسط والسعة ، وكان هذا لمن نريد التعجيل له ، ثم أعددنا له في الآخرة جهنم يقاسي حرها ، وهو مذموم بما قدم ، هالك مطرود من رحمة الله .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا} (18)

قوله تعالى : { من كان يريد العاجلة } يعني الدنيا ، أي : الدار العاجلة ، { عجلنا له فيها ما نشاء } ، من البسط والتقتير ، { لمن نريد } ، أن نفعل به ذلك أو إهلاكه ، { ثم جعلنا له } في الآخرة ، { جهنم يصلاها } ، يدخل نارها ، { مذموماً مدحوراً } ، مطروداً مبعداً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا} (18)

{ 18-21 } { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا }

يخبر تعالى أن { مَنْ كَانَ يُرِيدُ } الدنيا { العاجلة } المنقضية الزائلة فعمل لها وسعى ، ونسي المبتدأ أو المنتهى أن الله يعجل له من حطامها ومتاعها ما يشاؤه ويريده مما كتب [ الله ] له في اللوح المحفوظ ولكنه متاع غير نافع ولا دائم له .

ثم يجعل له في الآخرة { جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا } أي : يباشر عذابها { مَذْمُومًا مَدْحُورًا } أي : في حالة الخزي والفضيحة والذم من الله ومن خلقه ، والبعد عن رحمة الله فيجمع له بين العذاب والفضيحة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا} (18)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك مصير الذين يؤثرون العاجلة على الآجلة ، فقال - تعالى - : { مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } .

والمراد بالعاجلة : دار الدنيا ، وهى صفة لموصوف محذوف أى : الدار العاجلة التى ينتهى كل شئ فيها بسرعة وعجلة .

أى : من كان يريد بقوله وعمله وسعيه ، زينة الدار العاجلة وشهواتها فحسب ، دون التفات إلى ثواب الدار الآخرة ، { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا } أى : عجلنا لذلك الإِنسان فى هذه الدنيا ، { ما نشاء } تعجيله له من زينتها ومتعها . .

وهذا العطاء العاجل المقيد بمشيئتنا ليس لكل الناس ، وإنما هو { لمن نريد } عطاءه منهم ، بمقتضى حكمتنا وإرادتنا .

فأنت ترى أنه - سبحانه - قد قيد العطاء لمن يريد العاجلة بمشيئته وإرادته .

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : " من كانت العاجلة همه ، ولم يرد غيرها كالكفرة وأكثر الفسقة ، تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد . فقيد الأمر تقييدين : أحدهما : تقييد المعجل بمشيئته ، والثانى : تقييد المعجل له بإرادته .

وهكذا الحال ، ترى كثيرا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضا منه ، وكثيرا منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموا فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة وأما المؤمن التقى فقد اختار مراده ، وهو غنى الآخرة فما يبالى أوتى حظا من الدنيا أو لم يؤت . فإن أوتى فيها شكر ، وإن لم يؤت صبر ، فربما كان الفقر خيرا له ، وأعون على مراده .

وقوله { لمن نريد } بدل من { له } وهو بدل البعض من الكل ، لأن الضمير يرجع إلى { من } وهو فى معنى الكثرة ومفعول نريد محذوف . أى : لمن نريد عطاءه .

وقوله : { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } بيان لسوء مصير هذا المريد للعاجلة فى الآخرة .

و { يصلاها } أى : يلقى فيها ويذوق حرها وسعيرها : يقال : صليت الشاة : شويتها وصَلِىَ فلان بالنار - من باب تعب - إذا وجد حرها .

و { مذموما } من الذم الذى هو ضد المدح .

و { مدحورا } من الدحور بمعنى الطرد واللعن . يقال : دحره دحرا ودحورا ، إذا طرده وأبعده .

أى : من كان يريد بسعيه الدنيا وزينتها أعطيناه منها مانشاء إعطاءه له ، أما فى الآخرة فقد جعلنا له جهنم يدخلها ، ويصلى حرها ولهيبها ، حالة كونه { مذموما } أى مبغوضا بسبب سوء صنيعه ، { مدحورا } أى : مطرودا ومبعدا من رحمة الله - تعالى - .

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : وفى لفظ هذه الآية فوائد : منها : أن العقاب عبارة عن مضرة مقرونة بالإِهانة والذم ، بشرط أن تكون دائمة وخالية عن شوب المنفعة فقوله : { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا } إشارة إلى المضرة العظيمة . وقوله { مذموما } إشارة إلى الإِهانة والذم . وقوله { مدحورا } إشارة إلى البعد والطرد عن رحمة الله - تعالى - .

وهى تفيد كون تلك المضرة خالية عن شوب النفع والرحمة ، وتفيد كونها دائمة وخالية عن التبدل بالراحة والخلاص .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا} (18)

وبعد فإن من أراد أن يعيش لهذه الدنيا وحدها ، فلا يتطلع إلى أعلى من الأرض التي يعيش فيها ، فإن الله يعجل له حظه في الدنيا حين يشاء ، ثم تنتظره في الآخرة جهنم عن استحقاق . فالذين لا يتطلعون إلى أبعد من هذه الأرض يتلطخون بوحلها ودنسها ورجسها ، ويستمتعون فيها كالأنعام ، ويستسلمون فيها للشهوات والنزعات . ويرتكبون في سبيل تحصيل اللذة الأرضية ما يؤدي بهم إلى جهنم :

( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ، ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ) .

مذموما بما ارتكب ، مدحورا بما انتهى إليه من عذاب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا} (18)

يخبر تعالى أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصل له ، بل إنما يحصل لمن أراد الله ما يشاء .

وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات{[17375]} فإنه قال : { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا } أي : في الآخرة { يَصْلاهَا } أي : يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه { مَذْمُومًا } أي : في حال كونه مذمومًا على سوء تصرفه وصنيعه{[17376]} إذ اختار الفاني على الباقي { مَدْحُورًا } : مبعدًا مقصيًا حقيرًا ذليلا مهانًا .

قال الإمام أحمد : حدثنا حسين ، حدثنا ذويد{[17377]} ، عن أبي إسحاق ، عن زُرْعَة ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له " {[17378]} .


[17375]:في ت: "الإيمان".
[17376]:في ت: "وصنعه".
[17377]:في ت، ف: "حسين بن دويل".
[17378]:المسند (6/71) وقال الهيثمي في المجمع (10/288): "رجاله رجال الصحيح غير دويد وهو ثقة".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { مّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نّرِيدُ ثُمّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مّدْحُوراً } .

يقول تعالى ذكره : من كان طلبه الدنيا العاجلة ولها يعمل ويسعى ، وإياها يبتغي ، لا يوقن بمعاد ، ولا يرجو ثوابا ولا عقابا من ربه على عمله عَجّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ يقول : يعجل الله له في الدنيا ما يشاء من بسط الدنيا عليه ، أو تقتيرها لمن أراد الله أن يفعل ذلك به ، أو إهلاكه بما يشاء من عقوباته . ثُمّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنّمَ يَصْلاها يقول : ثم أصليناه عند مقدمه علينا في الاَخرة جهنم ، مَذْمُوما على قلة شكره إيانا ، وسوء صنيعه فيما سلف من أيادينا عنده في الدنيا مَدْحُورا يقول : مبعدا : مقصى في النار . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ العاجِلَةَ عَجّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ يقول : من كانت الدنيا همّه وسَدَمَه وطلبته ونيته ، عجّل الله له فيها ما يشاء ، ثم اضطّره إلى جهنم . قال : ثمّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُوما مَدْحُورا مذموما في نعمة الله مدحورا في نقمة الله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو طيبة شيخ من أهل المصيصة ، أنه سمع أبا إسحاق الفزاري يقول : عَجّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ قال : لمن نريد هلكته .

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله مَذْمُوما يقول : ملوما .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ قال : العاجلة : الدنيا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا} (18)

هذا بيان لجملة { من اهتدى فإنما يهتدي } [ الإسراء : 15 ] وهو راجع أيضاً إلى جملة { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } [ الإسراء : 13 ] تدريجاً في التبيان للناس بأن أعمالهم من كسبهم واختيارهم ، فابتدئوا بأن الله قد ألزمهم تبعة أعمالهم بقوله : وكل إنسان ألزمناه طائره ثم وكل أمرهم إليهم ، وأن المسيء لا يضر بإساءته غيره ولا يحملُها عنه غيره فقال : { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } الآية [ الإسراء : 15 ] . ثم أعذر إليهم بأنه لا يأخذهم على غرة ولا يأخذهم إلا بسوء أعمالهم بقوله : وما كنا معذبين إلى قوله : { خبيراً بصيراً } [ الإسراء : 15 17 ] . ثم كشف لهم مقاصدهم من أعمالهم ، وأنهم قسمان :

قسم لم يرد إلا الدنيا فكانت أعماله لمرضاة شهواته معتقداً أن الدنيا هي قصارى مراتع النفوس لا حظ لها إلا ما حصل لها في مدة الحياة لأنه لا يؤمن بالبعث فيقصر عمله على ذلك .

وقسم علم أن الفوز الحق هو فيما بعد هذه الحياة فعمل للآخرة مقتفياً ما هداه الله إليه من الأعمال بواسطة رسله وأن الله عامل كل فريق بمقدار همته .

فمعنى { كان يريد العاجلة } أنه لا يريد إلا العاجلة ، أي دون الدنيا بقرينة مقابلته بقوله : { ومن أراد الآخرة } لأن هذه المقابلة تقوم مقام الحصر الإضافي إذ ليس الحصر الإضافي سوى جملتين إثبات لشيء ونفي لخلافه . والإتيان بفعل الكون هنا مؤذن بأن ذلك ديدنه وقصارى همه ، ولذلك جعل خبر ( كان ) فعلاً مضارعاً لدلالته على الاستمرار زيادة تحقيق لتمحض إرادته في ذلك .

و { العاجلة } صفة موصوف محذوف يعلم من السياق ، أي الحياة العاجلة ، كقوله : { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها } [ هود : 15 ] .

والمراد من التعجيل التعجيل العرفي وهو المبادرة المتعارفة ، أي أن يعطى ذلك في الدنيا قبل الآخرة ، فذلك تعجيل بالنسبة إلى الحياة الدنيا ، وقرينة ذلك قوله : فيها } . وإنما زاد قيدي { ما نشاء لمن نريد } لأن ما يعطاه من أرادوا العاجلة يعطاه بعضهم بالمقادير التي شاء الله إعطاءها .

والمشيئة : الطواعية وانتفاء الإكراه .

وقوله : { لمن نريد } بدل من قوله : { له } بدل بعض من كل بإعادة العامل ، فضمير { له } عائد إلى { من } باعتبار لفظه ، وهو عام لكل مريد العاجلة فأبدل منه بعضه ، أي عجلنا لمن نريد منكم ، ومفعول الإرادة محذوف دل عليه ما سبقه ، أي لمن نريد التعجيل له ، وهو نظير مفعول المشيئة الذي كثر حذفه لدلالة كلام سابق . وفيه خصوصية البيان بعد الإبهام . ولو كان المقصود غير ذلك لوجب في صناعة الكلام التصريح به .

والإرادة : مرادف المشيئة ، فالتعبير بها بعد قوله : { ما نشاء } تفنن . وإعادة حرف الجر العامل في المبدل منه لتأكيد معنى التبعية وللاستغناء عن الربط بضمير المبدل منهم بأن يقال : من نريد منهم .

والمعنى : أن هذا الفريق الذي يريد الحياة الدنيا فقط قد نعطي بعضهم بعض ما يريد على حسب مشيئتنا وإرادتنا لأسباب مختلفة . ولا يَخلو أحد في الدنيا من أن يكون قد عجل له بعض ما يرغبه من لذات الدنيا .

وعطف جملة { جعلنا له جهنم } بحرف ( ثم ) لإفادة التراخي الرتبي . و { له } ظرف مستقر هو المفعول الثاني ل { جعلنا } ، قدم على المفعول الأول للاهتمام .

وجملة { يصالها مذموماً مدحوراً } بيان أو بدل اشتمال لجملة { جعلنا له جهنم } و { مذموماً مدحوراً } حالان من ضمير الرفع في { يصلاها } يقال : صلى النار إذا أصابه حرقها .

والذم الوصف بالمعائب التي في الموصوف .

والمدحور : المطرود . يقال : دحره ، والمصدر : الدحور ، وتقدم عند قوله تعالى : { قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً } في سورة [ الأعراف : 18 ] .

والاختلاف بين جملة { من كان يريد العاجلة } وجملة { ومن أراد الآخرة } بجعل الفعل مضارعاً في الأولى وماضياً في الثانية للإيماء إلى أن إرادة الناس العاجلة متكررة متجددة . وفيه تنبيه على أن أمور العاجلة متقضية زائلة ، وجعل فعل إرادة الآخرة ، ماضياً لدلالة المضي على الرسوخ تنبيهاً على أن خير الآخرة أولى بالإرادة ، ولذلك جردت الجملة من ( كان ) ومن المضارع ، وما شرط في ذلك إلا أن يسعى للآخرة سعيها وأن يكون مؤمناً .