تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا} (18)

الآية18 : وقوله تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } يحتمل هذا الوجهين :

أحدهما : أنهم كانوا يعملون بأعمالهم الحسنة في حال كفرهم من نحو الإنفاق والصدقات وبذل الأموال{[10742]} وغير ذلك ، يريدون بذلك العز والشرف والذكر في الدنيا ، فأخبر أنه من أراد بما يفعل ذلك { عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } .

و الثاني : يكون قوله : من كان يريد العاجلة } أي لا يريد بها إلا جمع الأموال وسعتها { عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } . ثم أخبره أنه لا كل من أرادها يعجل له ذلك ، ولا ما أراد يعجل له ذلك . ولكن إنما يعجل( الله ما أراد ){[10743]}ولمن أراد ؛ إذ لا كل من أراد شيئا يعطى له ذلك .

ثم أخبر عما يعطى في الآخرة { ومن كان يريد العاجلة } فقال : { ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا } أي مذموما بما يسمى بأسماء قبيحة دنيئة مذمومة عند الخلق ، أو يذم ، ويلام في النار{ مدحورا } مطرودا من الأسماء الحسنى ومن الخيرات أو مبعدا عن رحمته .

وقوله تعالى : { مذموما } عند نفسه يومئذ ، أو مذموما عند الملائكة والخلق جميعا .

وفي قول تعالى : { وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح } وجهان : أحدهما يحتمل أ يكون أراد بإهلاكه إياهم موتهم بآجالهم ، يقول : هم كانوا عددا قليلا زمن نوح ، ثم أكثروا حتى صاروا قرونا ، ثم ماتوا حتى لم يبق منهم أحد .

والثاني : يحتمل أن يكون الإهلاك ههنا إهلاك استئصال فهو يخرج على وجهين :

أحدهما : أنهم{[10744]} قد استووا في هذه الدنيا ؛ أعني ( الأولياء والأعداء ){[10745]} وفي الحكمة التمييز بينهم{[10746]} والتفريق ، فلا بد من دار ( أخرى يفرق بينهم ){[10747]} فيها ، ويميز .

والثاني : قد أهلكوا جميعا . وفي العقل والحكمة إنشاء الخلق للإفناء خاصة بلا عاقبة تقصد عبث باطل ، فدل أن هنالك دارا أخرى هي المقصودة حتى صار خلق هؤلاء حكمة ، وفيه إلزام البعث .


[10742]:من م، في الأصل: الأمور.
[10743]:في الأصل و.م: ما أراد الله.
[10744]:في الأصل و.م: أنه.
[10745]:في الأصل و.م: الولي والعدو.
[10746]:في الأصل و.م: بينهما.
[10747]:في الأصل و.م: تفريق بينهما.