فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا} (18)

مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا ( 18 ) }

{ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ } هنا تأكيد لما سلف من جملة { كل إنسان ألزمناه طائره } وجملة { من اهتدى } والمراد بالعاجلة المنفعة العاجلة أو الدار العاجلة ، والمعنى من كان يريد بأعمال البر أو بأعمال الآخرة ذلك فيدخل تحته الكفرة والفسقة والمنافقون .

{ عَجَّلْنَا لَهُ } أي لذلك المريد { فِيهَا } أي في تلك العاجلة قيد المعجل والمعجل له بقيدين ، الأول قوله : { مَا نَشَاء } تعجيله له منها لا ما يشاءه ذلك المريد ، ولهذا ترى كثيرا من هؤلاء المريدين للعاجلة يريدون من الدنيا ما لا ينالون ويتمنون ما لا يصلون إليه ، والقيد الثاني قوله : { لِمَن نُّرِيدُ } التعجيل له منهم ما اقتضته مشيئتنا . وقيل الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها .

وهذه الآية تقيد الآيات المطلقة كقوله سبحانه : { من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها } وقوله : { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون } .

وقيل قرئ ما يشاء بالتحتية والضمير على هذا لله سبحانه ، وفيه بعد لمخالفته لما قبله وهو عجلنا وما بعده وهو لمن نريد .

وقيل الضمير راجع إلى { من } في قوله : { من كان يريد } فيكون ذلك مقيدا بقوله لمن نريد ، أي عجلنا له ما يشاءه لكن بحسب إرادتنا ، فلا يحصل لمن أراد العاجلة ما يشاءه إلا إذا أراد الله له ذلك ، ثم بعد هذا كله فمن وراء هذه الطلبة الفارغة التي لا تأثير لها إلا بالقيدين المذكورين عذاب الآخرة الدائم ولهذا قال : { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ } أي بسبب تركه لما أمر به من العمل للآخرة وإخلاصه عن الشوائب جعلنا له عذاب جهنم على اختلاف أنواعه .

{ يَصْلاهَا } أي يدخل جهنم { مَذْمُومًا } ملوما الخلق { مَّدْحُورًا } أي مطرودا من رحمة الله مبعدا عنها ، وفي المختارة دحره يدحره من باب خضع طرده ، فهذه عقوبته في الآخرة أنه لا ينال من الدنيا إلا ما قدره الله سبحانه فأين حال هذا الشقي من حال المؤمن النقي ، فإنه ينال من الدنيا ما قدره الله له وأراده بلا هلع منه ولا جزع مع سكون نفسه واطمئنان قلبه وثقته بربه ، وهو مع ذلك عامل للآخرة منتظر للجزاء من الله سبحانه وهو الجنة ولهذا قال :