المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا} (25)

25- وهزي النخلة نحوك يتساقط عليك الرطب الطيب{[124]} .


[124]:{وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} ثبت أن البلح الرطب يحتوي علي المواد الغذائية الرئيسية في صورة مركزة سهلة الهضم وأنه بذلك يناسب النفساء.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا} (25)

قوله تعالى : { وهزي إليك } ، يعني قيل لمريم : حركي { بجذع النخلة } ، تقول العرب : هزه وهز به ، كما يقول : حز رأسه وحز برأسه ، وأمدد الحبل وأمدد به ، { تساقط عليك } ، القراءة المعروفة بفتح التاء والقاف وتشديد السين ، أي : تتساقط ، فأدغمت إحدى التاءين في السين أي : تسقط عليك النخلة رطباً ، وخفف حمزة السين وحذف التاء التي أدغمها غيره . وقرأ حفص بضم التاء وكسر القاف خفيف على وزن تفاعل . وتساقط بمعنى أسقط ، والتأنيث لأجل النخلة . وقرأ يعقوب : يساقط بالياء مشددة ردة إلى الجذع . { رطباً جنياً } ، مجنياً . وقيل : الجني هو الذي بلغ الغاية ، وجاء أوان اجتبائه . قال الربيع بن خثيم : ما للنفساء عندي خير من الرطب ، ولا للمريض خير من العسل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا} (25)

{ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ْ } أي : طريا لذيذا نافعا { فَكُلِي ْ } من التمر ، { وَاشْرَبِي ْ } من النهر { وَقَرِّي عَيْنًا ْ } بعيسى ، فهذا طمأنينتها من جهة السلامة من ألم الولادة ، وحصول المأكل والمشرب والهني .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا} (25)

وقوله - سبحانه - : { وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة } . معطوف على ما قاله عيسى لأمه مريم . والباء فى قوله { بِجِذْعِ } مزيدة للتوكيد ، لأن فعل الهز يتعدى بنفسه .

أى : وحركى نحوك أو جهة اليمين أو الشمال جذع النخلة { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً } وهو ما نضج واستوى من الثمر { جَنِيّاً } أى : صالحاً للأخذ والاجتناء

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا} (25)

16

وهذه النخلة التي تستندين إليها هزيها فتساقط عليك رطبا . فهذا طعام وذاك شراب . والطعام الحلو مناسب للنفساء . والرطب والتمر من أجود طعام النفساء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا} (25)

قرأ بعضهم { مَنْ تَحْتَهَا } بمعنى{[18763]} الذي تحتها . وقرأ آخرون : { مِنْ تَحْتِهَا } على أنه حرف جر .

واختلف المفسرون في المراد بذلك من هو ؟ فقال العوفي وغيره ، عن ابن عباس : { فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا } جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها ، وكذا قال سعيد بن جبير ، والضحاك ، وعمرو بن ميمون ، والسدي ، وقتادة : إنه الملك جبريل عليه الصلاة والسلام ، أي : ناداها من أسفل الوادي .

وقال مجاهد : { فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا } قال : عيسى ابن مريم ، وكذا قال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة قال : قال الحسن : هو ابنها . وهو إحدى{[18764]} الروايتين عن سعيد بن جبير : أنه ابنها ، قال : أولم{[18765]} تسمع الله يقول : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } [ مريم : 29 ] ؟ واختاره ابن زيد ، وابن جرير في تفسيره{[18766]}

وقوله : { أَلا تَحْزَنِي } أي : ناداها قائلا لا تحزني ، { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا } قال سفيان الثوري وشعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا } قال : الجدول . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : السريّ : النهر . وبه قال عمرو بن ميمون : نهر تشرب منه .

وقال مجاهد : هو النهر بالسريانية .

وقال سعيد بن جُبَيْر : السري : النهر الصغير بالنبطية .

وقال الضحاك : هو النهر الصغير بالسريانية .

وقال إبراهيم النَّخَعِي : هو النهر الصغير .

وقال قتادة : هو الجدول بلغة أهل الحجاز .

وقال وهب بن مُنَبِّه : السري : هو ربيع الماء .

وقال السدي : هو النهر ، واختار هذا القول ابن جرير . وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ، فقال الطبراني :

حدثنا أبو شعيب الحَرَّاني : حدثنا يحيى بن عبد الله البَابلُتِّي{[18767]} حدثنا أيوب بن نَهِيك ، سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول : سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن السري الذي قال الله لمريم : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا } نهر أخرجه الله لتشرب منه " {[18768]} وهذا حديث غريب جدًّا من هذا الوجه . وأيوب بن نهيك هذا هو الحبلي{[18769]} قال فيه أبو حاتم الرازي : ضعيف . وقال أبو زُرْعَة : منكر الحديث . وقال أبو الفتح الأزدي : متروك الحديث .

وقال آخرون : المراد بالسري : عيسى ، عليه السلام ، وبه قال الحسن ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن عَبَّاد بن جعفر . وهو إحدى الروايتين عن قتادة ، وقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، والقول الأول أظهر ؛ ولهذا قال بعده : { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ } أي : وخذي إليك بجذع النخلة . قيل : كانت يابسة ، قاله ابن عباس . وقيل : مثمرة . قال مجاهد : كانت عجوة . وقال الثوري ، عن أبي داود{[18770]} نُفَيْع الأعمى : كانت صَرَفَانة{[18771]}

والظاهر أنها كانت شجرة ، ولكن لم تكن في إبان ثمرها ، قاله وهب بن منبه ؛ ولهذا امتن عليها بذلك ، أن جعل عندها طعامًا وشرابًا ، فقال : { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا } أي : طيبي نفسًا ؛ ولهذا قال عمرو بن ميمون : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، ثم تلا هذه الآية الكريمة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا شَيْبَان ، حدثنا مسرور بن سعيد التميمي{[18772]} حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن عُروة بن رُوَيْم ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكرموا عمتكم النخلة ، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام ، وليس من الشجر شيء{[18773]} يُلَقَّح غيرها " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطعموا نساءكم الولدَ الرطَبَ ، فإن لم يكن رطب فتمر ، وليس من الشجرة شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران " .

هذا حديث منكر جدًّا ، ورواه أبو يعلى ، عن شيبان ، به{[18774]}

وقرأ بعضهم قوله : " تساقط " بتشديد السين ، وآخرون بتخفيفها ، وقرأ أبو نَهِيك : { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا } وروى أبو إسحاق عن البراء : أنه قرأها : " تساقط " {[18775]} أي : الجذع . والكل متقارب .

وقوله : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا } أي : مهما رأيت من أحد ، { فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا } المراد بهذا القول : الإشارة إليه بذلك . لا أن{[18776]} المراد به القول اللفظي ؛ لئلا ينافي : { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا }

قال أنس بن مالك في قوله : { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } أي : صمتًا{[18777]} وكذا قال ابن عباس ، والضحاك . وفي رواية عن أنس : " صومًا وصمتًا " ، وكذا قال قتادة وغيرهما .

والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام ، نص على ذلك السدي ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد .

وقال أبو إسحاق ، عن حارثة قال : كنت عند ابن مسعود ، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر ، فقال : ما شأنك ؟ قال أصحابه : حلف ألا يكلم الناس اليوم . فقال عبد الله بن مسعود : كلِّم الناس وسلم عليهم ، فإنما تلك امرأة علمت أن أحدًا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج . يعني بذلك مريم ، عليها السلام ؛ ليكون عذرًا لها إذا سئلت . ورواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، رحمهما الله .

وقال عبد الرحمن بن زيد : لما قال عيسى لمريم : { أَلا تَحْزَنِي } قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ؟ ! لا ذاتُ زوج ولا مملوكة ، أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا ، قال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا } قال : هذا كله من كلام عيسى لأمه . وكذا قال وهب .


[18763]:في أ: "أي".
[18764]:في ت: "أحد".
[18765]:في ت، أ: "ولم".
[18766]:تفسير الطبري (16/52).
[18767]:في أ: "يحيى بن عبد النابلتي".
[18768]:المعجم الكبير (12/346).
[18769]:في أ: "الحلبي".
[18770]:في ت: "عن أبي الأسود".
[18771]:في ف، أ: "صوفانة".
[18772]:في ت: "التيمي".
[18773]:في ف: "وليس شيء من الشجر".
[18774]:مسند أبي يعلى (1/353) ورواه أبو نعيم ف الحلية (6/123) وابن عدي في الكامل (6/431) من طريق مسرور بن سعد التميمي به، وقد ذكر له ابن عدي ثلاث علل: 1 - تفرد به مسرور عن الأوزاعي فهو منكر.2 - أنه منقطع بين عروة بن رويم وعلي بن أبي طالب.3 - أن مسور بن سعيد غير معروف. قلت: وضعفه ابن حبان والعقيلي.
[18775]:في أ: "يساقط".
[18776]:في ت: "لأن".
[18777]:في أ: "صوتا".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا} (25)

وقوله : وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ ذكر أن الجذع كان جذعا يابسا ، وأمرها أن تهزّه ، وذلك في أيام الشتاء ، وهزّها إياه كان تحريكه ، كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ قال : حركيها . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ قال : كان جذعا يابسا ، فقال لها : هزّيه تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَبا جَنِيّا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد المؤمن ، قال : سمعت أبا نهيك يقول : كانت نخلة يابسة .

حدثني محمد بن سهل بن عسكر ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل قال : سمعت وهب بن منبه يقول في قوله : وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ فكان الرطب يتساقط عليها وذلك في الشتاء .

حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ : وكان جذعا منها مقطوعا فهزّته ، فإذا هو نخلة ، وأُجري لها في المحراب نهر ، فتساقطت النخلة رطبا جنيا فَقال لها : كُلِي وَاشْرَبِي وَقَرّي عَيْنا .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وهزّي إليك بالنخلة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، قال : قال مجاهد وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ قال : النخلة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عيسى بن ميمون ، عن مجاهد ، في قوله وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ قال : العجوة .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عمرو بن ميمون ، أنه تلا هذه الاَية : وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَبا جَنِيّا قال : فقال عمرو : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب .

وأدخلت الباء في قوله : وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ كما يقال : زوجتك فلانة ، وزوّجتك بفلانة وكما قال تَنْبُتُ بِالدّهْنِ بمعنى : تنبت الدهن . وإنما تفعل العرب بذلك ، لأن الأفعال تكنى عنها بالباء ، فيقال إذا كنيت عن ضربت عمرا : فعلت به ، وكذلك كلّ فعل ، فلذلك تدخل الباء في الأفعال وتخرِج ، فيكون دخولها وخروجها بمعنى ، فمعنى الكلام : وهزّي إليك جذع النخلة وقد كان لو أن المفسرين كانوا فسروه كذلك : وهزّي إليك رطبا بجذع النخلة ، بمعنى : على جذع النخلة ، وجها صحيحا ، ولكن لست أحفظ عن أحد أنه فسره كذلك . ومن الشاهد على دخول الباء في موضع دخولها وخروجها منه سواء قول الشاعر :

بِوَادٍ يَمانٍ يُنْبِتُ السّدْرَ صَدْرُهُ *** وأسْفَلُهُ بالمَرْخِ والشّبَهانِ

واختلف القرّاء في قراءة قوله : تُسَاقِطْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة والكوفة : «تَسّاقَطُ » بالتاء من تساقط وتشديد السين ، بمعنى : تتساقط عليك النخلة رطبا جنيا ، ثم تُدغم إحدى التاءين في الأخرى فتشدد ، وكأن الذين قرأوا ذلك كذلك وجهوا معنى الكلام إلي : وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط النخلة عليك رطبا . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة : «تَساقَطُ » بالتاء وتخفيف السين ، ووجه معنى الكلام ، إلى مثل ما وجه إليه مشدّدوها ، غير أنهم خالفوهم في القراءة . ورُوي عن البراء بن عازب أنه قرأ ذلك : «يُساقِط » بالياء .

حدثني بذلك أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا يزيد ، عن جرير بن حازم ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب يقرؤه كذلك ، وكأنه وجه معنى الكلام إلي : وهزّي إليك بجذع النخلة يتساقط الجذع عليك رطبا جنيا .

ورُوي عن أبي نهيك أنه كان يقرؤه : «تُسْقِطُ » بضمّ التاء وإساقط الألف .

حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبد المؤمن ، قال : سمعت أبا نَهِيك يقرؤه كذلك ، وكأنه وجه معنى الكلام إلي : تسقط النخلة عليك رطبا جنيا .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن هذه القراءات الثلاث ، أعني تَسّاقَطُ بالتاء وتشديد السين ، وبالتاء وتخفيف السين ، وبالياء وتشديد السين ، قراءات متقاربات المعاني ، قد قرأ بكل واحدة منهنّ قرّاء أهل معرفة بالقرآن ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب الصواب فيه ، وذلك أن الجذع إذا تساقط رطبا ، وهو ثابت غير مقطوع ، فقد تساقطت النخلة رطبا ، وإذا تساقطت النخلة رطبا ، فقد تساقطت النخلة بأجمعها ، جذعها وغير جذعها ، وذلك أن النخلة ما دامت قائمة على أصلها ، فإنما هي جذع وجريد وسعف ، فإذا قطعت صارت جذعا ، فالجذع الذي أمرت مريم بهزّه لم يذكر أحد نعلمه أنه كان جذعا مقطوعا غير السديّ ، وقد زعم أنه عاد بهزّها إياه نخلة ، فقد صار معناه ومعنى من قال : كان المتساقط عليها رطبا نخلة واحدا ، فتبين بذلك صحة ما قلنا .

وقوله : جَنِيّا يعني مجنيا وإنما كان أصله مفعولاً فصرف إلى فعيل والمجني : المأخوذ طريا ، وكل ما أخذ من ثمرة ، أو نقل من موضعه بطراوته فقد اجتني ، ولذلك قيل : فلان يجتني الكمأة ومنه قول ابن أخت جذيمة :

هَذَا جَنايَ وخِيارُهُ فِيهْ *** إذْ كُلّ جانٍ يَدُهُ إلى فِيهْ

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا} (25)

{ وهزي إليك بجذع النخلة } وأميليه إليك ، والباء مزيدة للتأكيد أو افعلي الهز والإمالة به ، أو { هزي } الثمرة بهزه والهز تحريك بجذب ودفع . { تساقط عليك } تتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين وحذفها حمزة ، وقرأ يعقوب بالياء وحفص " تساقط " من ساقطت بمعنى أسقطت ، وقرئ " تتساقط " و " تسقط " و " يسقط " فالتاء للنخلة والياء للجذع . { رطبا جنيا } تمييز أو مفعول . روي أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء ، فهزتها فجعل الله تعالى لها رأسا وخوصا ورطبا . وتسليتها بذلك لما فيه من المعجزات الدالة على براءة ساحتها فإن مثلها لا يتصور لمن يرتكب الفواحش ، والمنبهة لمن رآها على أن من قدر أن يثمر النخلة اليابسة في الشتاء قدر أن يحبلها من غير فحل ، وأنه ليس ببدع من شأنها مع ما فيه من الشراب والطعام ولذلك رتب عليه الأمرين فقال : { فكلي واشربي } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا} (25)

فائدة قوله { وَهُزِي إليْكِ بِجِذْعِ } أن يكون إثمار الجذع اليابس رُطباً ببركة تحريكها إياه ، وتلك كرامة أخرى لها . ولتشاهد بعينها كيف يُثمر الجذع اليابس رطباً . وفي ذلك كرامة لها بقوّة يقينها بمرتبتها .

والباء في { بِجِذْعِ النَّخْلَةِ } لتوكيد لصوق الفعل بمفعوله مثل { وامسحوا برؤوسكم } [ المائدة : 6 ] وقوله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [ البقرة : 195 ] .

وضمن { وَهُزي } معنى قَرّبي أو أدني ، فعُدي ب ( إلى ) ، أي حرّكي جذع النخلة وقرّبيه يَدْنُ إليك ويَلِنْ بعد اليبس ويُسقط عليك رطباً .

والمعنى : أدني إلى نفسك جِذع النخلة . فكان فاعل الفعل ومتعلقه متحداً ، وكلاهما ضميرُ معادٍ واحد ، ولا ضير في ذلك لصحة المعنى وورود أمثاله في الاستعمال نحو { واضمم إليك جناحك } [ القصص : 32 ] . فالضامّ والمضموم إليه واحد . وإنما منَع النحاة أن يكون الفاعل والمفعول ضميري معاد واحد إلاّ في أفعال القلوب ، وفي فعلي : عَدِم وفَقَد ، لعدم سماع ذلك ، لا لفساد المعنى ، فلا يقاس على ذلك منع غيره .

والرطب : تمر لم يتم جفافه .

والجَنيّ : فعيل بمعنى مفعول ، أي مجتنى ، وهو كناية عن حَدثان سقوطه ، أي عن طراوته ولم يكن من الرطب المخبوء من قبل لأن الرطب متى كان أقرب عهداً بنخلته كان أطيب طعماً .

و { تَسَّاقط } قرأه الجمهور بفتح التاء وتشديد السين أصله تتساقط بتاءين أدغمت التاء الثانية في السين ليتأتى التخفيف بالإدغام .

وقرأه حمزة بتخفيف السين على حذف إحدى التاءين للتخفيف . و { رُطَبَاً } على هاته القراءات تمييز لنسبة التساقط إلى النخلة .

وقرأه حفص بضم التاء وكسر السين على أنه مضارع سَاقَطَت النخلة تمرَها ، مبالغة في أسقطت و { رُطَباً } مفعول به .

وقرأه يعقوب بياء تحتية مفتوحة وفتح القاف وتشديد السين فيكون الضمير المستتر عائداً إلى { جِذْع النَّخْلةِ } .