قوله تعالى : { وهزي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة } : يجوز أن تكون الباءُ في " بِجِذْعٍ " زائدة ، كهي في قوله تعالى : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } [ البقرة : 195 ] [ وقوله ] :
. . . *** . . . لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ{[21537]}
وأنشد الطبريُّ -رحمة الله تعالى- : [ الطويل ]
بِوَادٍ يمانٍ يُنْبِتُ السِّدْرَ صدْرُهُ *** وأسْفَلُهُ بالمَرْخِ والشَّبَهَانِ{[21538]}
أي : ينبت المرخ أي : هُزِّي جذْعَ النَّخلةِ .
أو حركي جذْعَ النَّخلة . قال الفرَّاء : العربُ تقول : هزَّهُ ، وهزَّ به ، وأخذ الخطام وأخذ بالخطام ، وزوَّجتُك فلانة ، وبفُلانةٍ ويجوز أن يكون المفعول محذوفاً ، والجارُّ حالٌ من ذلك المحذوف ، تقديره : وهُزِّي إليك رُطباً كائناً بجذع النخلة ، ويجوز أن يكون هذا محمولاً على المعنى ؛ إذ التقدير : هُزِّي الثمرةَ بسبب هزِّ الجِذْع ، أي : انفُضِي الجِذْع ، وإليه نحا الزمخشريُّ ؛ فإنه قال : " أو افْعَلِي الهَزَّ " ؛ مقوله : [ الطويل ]
. . . *** يَجْرَحْ فِي عَراقِيبِهَا نَصْلِي{[21539]}
قال أبو حيَّان : وفي هذه الآية ، وفي قوله تعالى : { واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } [ القصص : 32 ] ما يردُّ على القاعدة المقرَّرةِ في علم النَّحو : من أنَّه لا يتعدَّى فعلُ المضمرِ المتَّصل إلى ضميره المتَّصلِ ، إلاَّ في باب " ظنَّ " وفي لَفْظَتَيْ " فَقَدَ ، وعدِمَ " لا يقالُ : ضربْتُكَ ، ولا ضَرَبْتُني ، أي : ضَربْتَ أنْتَ نَفْسَكَ ، وضَربْتُ أنَا نفسي ، وإنما يؤتى في هذا بالنَّفْسِ ، وحكمُ المجرور بالحرف المنصوب ؛ فلا يقال : هَزَزْتَ إليك ، ولا زيدٌ هزَّ إليه ؛ ولذلك جعل النحويُّون " عَنْ " و " عَلَى " اسمين في قول امرئ القيس : [ الطويل ]
دَعْ عَنْكَ نَهْباً صيحَ في حُجُراتِهِ *** ولكِنْ حدياً ما حَدِيثُ الرَّواحِلِ{[21540]}
هَوِّنْ عليمَ فإنَّ الأمُورَ *** بكَفِّ الإلهِ مقاديرُهَا{[21541]}
وقد ثبت بذلك كونهما اسمين ؛ لدُخُولِ حرفِ الجرِّ عليهما في قوله : [ الطويل ]
غَدَتْ من عليْهِ بعدما تمَّ ظمؤهَا *** تَصِلُ وعن قَيْضٍ بِبَيْدَاءَ مَجْهَلِ{[21542]}
فَقُلْتُ للرَّكْبِ لمَّا أن عَلا بِهِمُ *** مِنْ عَنْ يمينِ الحُبَيَّا نظرةٌ قَبْلُ{[21543]}
وأمَّا " إلى " فحرفٌ بلا خلافٍ ، فلا يمكنُ فيها أن تكون اسماً ؛ ك " عَنْ " و " عَلَى " ثم أجاب : بأنَّ " إليكِ " في الآيتين لا تتعلقُ بالفعل قبله ، إنما تتعلَّقُ بمحذوفٍ على جهةِ البيان ، تقديره : " أعني إليك " قال : " كما تأولوا ذلك في قوله : { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين } [ الأعراف : 21 ] في أحد الأوجه " .
قال شهاب الدين -رضي الله تعالى عنه- : وفيه ذلك جوابان آخران :
أحدهما : أن الفعل الممنوع إلى الضمير المتصل ، إنما هو من حيث يكون الفعلُ واقعاً بذلك الضمير ، والضمير محلٌّ له ؛ نحو : " دَعْ عنْكَ " و " هوِّنْ عليْكَ " وأمَّا الهزُّ والضمُّ ، فليسا واقعين بالكاف ، فلا محذور .
والثاني : أنَّ الكلام على حذف مضافٍ ، تقديره : هُزِّي إلى جهتك ونحوك واضمم إلى جهتك ونحوك .
قال [ القفال ]{[21544]} {[21545]} : الجِذْعُ من النَّخلة : هو الأسفل ، وما دُون الرَّأس الذي عليه الثَّمرة .
وقال قطربٌ : كُلُّ خشبة في أصل شجرة ، فهي جذعٌ .
قوله : " تُسَاقِطْ " قرأ حمزةُ{[21546]} " تَسَاقَطْ " بفتح التاء ، وتخفيف السين ، وفتح القاف ، والباقون -غير حفص- كذلك إلا أنَّهم شدَّدُوا السِّين ، وحفصٌ ، بضم التاء ، وتخفيف السين ، وكسر القاف .
فأصلُ قراءةِ غير حفص " تتساقطْ " بتاءين ، مضارع " تَساقَطَ " فحذف حمزة إحدى التاءين تخفيفاً ؛ نحو : { تَنَزَّلُ } [ القدر : 4 ] و { تَذَكَّرُونَ } [ الأنعام : 152 ] ، والباقون أدغمُوا في السِّين ، وقراءة حفص مضارعُ " سَاقَطَ " .
وقرأ الأعمش ، والبراء [ بنُ عازبٍ ] " يَسَّاقَطْ " كالجماعة ، إلا أنه بالياء من تحتُ ، أدغم التاء في السِّين ؛ إذ الأصلُ : " يتساقَط " فهو مضارعُ " اسَّاقَطَ " وأصله " يَتَساقَطُ " فأدغمَ ، واجتلبتْ همزة الوصل ؛ ك " ادَّارَأ " في " تَدَارَأ " .
ونْقل عن أبي حيوة ثلاثُ قراءاتٍ :
وافقهُ مسروقٌ في الأولى ، وهي " تُسْقِطْ " بضم التاء ، وسكون السين ، وكسر القاف من " أسْقَطَ " .
والثانية : كذلك إلا أنه بالياء من تحتُ .
الثالثةُ كذلك إلاّ أنه رفع " رُطَباً جَنِيًّا " بالفاعلية .
وقُرِئَ{[21547]} " تَتَسَاقَط " بتاءين من فوقُ ، وهو أصل قراءة الجماعة ، وتَسْقُط ويَسْقُط ، بفتح التاء والياء ، وسكون السين ، وضمِّ القاف ، فرفعُ الرطب بالفاعلية ، وتعطي من الأفعال ما يوافقه في القراءات المتقدمة ، ومن قرأ بالتاء من فوق ، فالفعل مسندٌ : إمَّا للنَّخلة ، وإمَّا للثمرةِ المفهومة من السياق ، وإمَّا للجذْعِ ، وجاز تأنيثُ فعله ؛ لإضافته إلى مؤنَّث ؛ فهو كقوله : [ الطويل ]
. . . *** كَمَا شَرقَتْ صَدْرُ القناةِ مِن الدَّمِ{[21548]}
وكقراءة { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة } [ يوسف : 10 ] ومن قرأ بالياء من تحت ، فالضميرُ للجذْعِ ، وقيل : للثَّمر المدلول عليه بالسيِّاق .
وأمَّا نصب " رُطَباً " فلا يخرجُ عن كونه تمييزاً ، أو حالاً موطِّئة ، إن كان الفعل قبله لازماً ، أو مفعولاً به ، إن كان الفعل متعدِّياً ، [ والذَّكِيُّ ] يردُّ كلَّ شيءٍ إلى ما يليقُ به من القراءات ، وجوَّز المبرِّد في نصبه وجهاً غريباً : وهو أن يكون مفعولاً به ب " هُزِّي " وعلى هذا ، فتكون المسألةُ من باب التنازع في بعض القراءات : وهي أن يكون الفعل فيها متعدِّياً ، وتكون المسألةُ من إعمال الثاني ، للحذف من الأوَّل .
وقرأ{[21549]} طلحة بن سليمان " جنيًّا " بكسرِ الجيم إتباعاً لكسرةِ النون .
والرُّطبُ : اسم جنسٍ برطبة ؛ بخلاف " تُخَم " فإنَّه جمعٌ لتخمة ، والفرقُ : أنهم لزمُوا تذكيرهُ ، فقالوا : هو الرطبُ ، وتأنيث ذاك ، فقالوا : هي التُّخَمُ ، فذكَّرُوا " الرُّطَب " باعتبار الجنس ، وأنَّثُوا " التُّخَمَ " باعتبار الجمعيَّة ، وهو فرقٌ لطيفٌ ، ويجمعُ على " أرطابٍِ " شذوذاً كربع وأرباع ، والرُّطب : ما قطع قبل يبسه وجفافه ، وخصَّ الرُّطب بالرُّطبِ من التَّمر ، وأرطبَ النَّخْلُ ؛ نحو : أتْمَرَ وأجْنَى .
والجَنِيُّ : ما طاب ، وصلح للاجتناء ، وهو " فَعِيلٌ " بمعنى مفعول أي رُطَباً مَجنيًّا ، وقيل : بمعنى فاعلٍ ، أي : طريًّا ، والجنى والجنيُّ أيضاً : المُجْتَنَى من العسلِ ، وأجْنَى الشَّجَرُ : أدْرَكَ ثمرهُ ، وأجنتِ الأرضُ : كَثُرَ جناها ، واستعير من ذلك " جنى فلانٌ جنايةً " كما استعير " اجْتَرَمَ جَريمَةً " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.