البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا} (25)

الهز التحريك . الرطب معروف واحده رطبة ، وجمع شاذاً على أرطاب كربع وأرباع وهو ما قطع قبل أن يشتد وييبس . الجني ما طاب وصلح للاجتناء . وقال أبو عمرو بن العلاء : لم يجف ولم ييبس . وقيل : الجنيّ ما ترطب من البسر . وقال الفراء : الجني والمجني واحد ، وعنه الجني المقطوع .

وإلى حرف بلا خلاف ويتعلق بقوله { وهُزِّي } وهذا جاء على خلاف ما تقرر في علم النحو من أن الفعل لا يتعدى إلى الضمير المتصل ، وقد رفع الضمير المتصل وليس من باب ظن ولا فقد ولا علم وهما لمدلول واحد لا يقال : ضربتك ولا زيد ضربه أي ضرب نفسه ولا ضربني إنما يؤتى في مثل هذه التراكيب بالنفس فتقول : ضربت نفسك وزيد ضرب نفسه وضربت نفسي والضمير المجرور عندهم كالضمير المنصوب فلا تقول : هززت إليك ولا زيد هز إليه ولا هززت إلى ولهذا زعموا في قول الشاعر :

دع عنك نهياً صيح في حجراته *** ولكن حديثاً ما حدثت الرواحل

وفي قول الآخر :

وهوّن عليك فإن الأمو***ر بكف الإله مقاديرها

إنّ عن وعلى ليسا حرفين وإنما هما اسمان ظرفان ، وهذا ليس ببعيد لأن عن وعلى قد ثبت كونهما اسمين في قوله :

من عن يمين الحبيا نظرة قبل

وفي قوله :

غدت من عليه بعدما تم ظمؤها

وبعض النحويين زعم أن على لا تكون حرفاً البتة ، وأنها اسم في كل مواردها ونسب إلى سيبويه ، ولا يمكن أن يدعي أن إلى تكون اسماً لإجماع النحاة على حرفيتها كما قلنا .

ونظير قوله تعالى { وهزي إليك } قوله تعالى { واضمم إليك جناحك } وعلى تقرير تلك القاعدة ينبغي تأويل هذين ، وتأويله على أن يكون قوله { إليك } ليس متعلقاً بهزي ولا باضمم ، وإنما ذلك على سبيل البيان والتقدير أعني إليك فهو متعلق بمحذوف كما قالوا في قوله

{ إني لكما لمن الناصحين } وما أشبهه على بعض التأويلات .

والباء في { بجذع } زائدة للتأكيد كقوله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } قال أبو عليّ كما يقال : ألقى بيده أي ألقى يده .

وكقوله :

سود المحاجر لا يقرآن بالسور

أي لا يقرآن السور .

وأنشد الطبري :

فؤاد يمان ينبت السدر صدره***وأسفله بالمرخ والسهان

وقال الزمخشري أو على معنى أفعلي الهز به .

كقوله :

يخرج في عراقيبها نصلي***

قالوا : التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وكذلك التحنيك ، وقالوا : كان من العجوة قاله محمد بن كعب .

وقيل : ما للنفساء خير من الرطب .

وقيل : إذا عسر ولادها لم يكن لها خير من الرطب .

وقرأ الجمهور { تساقط } بفتح التاء والسين وشدها بعد ألف وفتح القاف .

وقرأ الأعمش وطلحة وابن وثاب ومسروق وحمزة كذلك إلاّ أنهم خففوا السين .

وقرأ حفص { تساقط } مضارع ساقطت .

وقرأ أبو السمال تتساقط بتاءين .

وقرأ البراء بن عازب والأعمش في رواية يساقط بالياء من تحت مضارع أساقط .

وقرأ أبو حيوة ومسروق .

تسقط بالتاء من فوق مضمومة وكسر القاف .

وعن أبي حيوة كذلك إلاّ أنه بالياء من تحت ، وعنه تسقط بالتاء من فوق مفتوحة وضم القاف ، وعنه كذلك إلاّ أنه بالياء من تحت ، وقال بعضهم في قراءة أبي حيوة هذه أنه قرأ رطب جني بالرفع على الفاعلية ، وأما النصب فإن قرأ بفعل متعد نصبه على المفعول أو بفعل لازم فنصبه على التمييز ، ومن قرأ بالياء من تحت فالفعل مسند إلى الجذع ، ومن قرأ بالتاء فمسند إلى النخلة ، ويجوز أن يكون مسنداً إلى الجذع على حدّ { يلتقطه بعض السيارة } وفي قراءة من قرأ يلتقطه بالتاء من فوق .

وأجاز المبرد في قوله { رطباً } أن يكون منصوباً بقوله { وهزي } أي { وهزي إليك بجذع النخلة } رطباً تساقط عليك ، فعلى هذا الذي أجازه تكون المسألة من باب الإعمال فيكون قد حذف معمول { تساقط } فمن قرأه بالياء من تحت فظاهر ، ومن قرأ بالتاء من فوق فإن كان الفعل متعدياً جاز أن يكون من باب الإعمال ، وإن كان لازماً فلا لاختلاف متعلق هزي إذ ذاك والفعل اللازم .

وقرأ طلحة بن سليمان { جنياً } بكسر الجيم إتباعاً لحركة النون والرزق فإن كان مفروغاً منه فقد وكل ابن آدم إلى سعي ما فيه ، ولذلك أمرت مريم بهز الجذع وعلى هذا جاءت الشريعة وليس ذلك بمناف للتوكل .