المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (8)

8- يقول المنافقون متوعدين : والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن فريقنا الأعز منها فريق المؤمنين الأذل ، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين لا لهؤلاء المتوعدين ، ولكن المنافقين لا يعلمون .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (8)

{ يقولون لئن رجعنا إلى المدينة } من غزوة بني المصطلق ، { ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } فعزة الله : قهره من دونه ، وعزة رسوله : إظهار دينه على الأديان كلها ، وعزة المؤمنين : نصر الله إياهم على أعدائهم . { ولكن المنافقين لا يعلمون } ذلك ولو علموا ما قالوا هذه المقالة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (8)

{ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } وذلك في غزوة المريسيع ، حين صار بين بعض المهاجرين والأنصار ، بعض كلام كدر الخواطر ، ظهر حينئذ نفاق المنافقين ، وأظهروا ما في نفوسهم{[1106]} .

وقال كبيرهم ، عبد الله بن أبي بن سلول : ما مثلنا ومثل هؤلاء -يعني المهاجرين- إلا كما قال القائل : " غذ كلبك يأكلك " {[1107]}

وقال : لئن رجعنا إلى المدينة { لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } بزعمه أنه هو وإخوانه من المنافقين الأعزون ، وأن رسول الله ومن معه{[1108]}  هم الأذلون ، والأمر بعكس ما قال هذا المنافق ، فلهذا قال [ تعالى : ] { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } فهم الأعزاء ، والمنافقون وإخوانهم من الكفار [ هم ] الأذلاء . { وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } ذلك زعموا أنهم الأعزاء ، اغترارًا بما هم عليه من الباطل ، ثم قال تعالى : } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }


[1106]:- في ب: وتبين ما في قلوبهم.
[1107]:- في ب: سمن كلبك.
[1108]:- في ب: ومن اتبعه.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (8)

ثم حكى - سبحانه - قولا آخر من أقوالهم القبيحة فقال : { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل . . } .

والقائل هو عبد الله بن سلول ، ولكن القرآن نسب القول إليهم جميعا لأنهم رضوا بقوله ، ووافقوه عليه .

وجاء الأسلوب بصيغة المضارع ، لاستحضار هذه المقالة السيئة ، وتلك الصورة البغيضة لهؤلاء القوم .

والأعز : هو القوى لعزته ، بمعنى أنه يغلب غيره ، والأذل هو الذى يغلبه غيره لذلته وضعفه .

وأراد عبد الله بن أبى بالأعز ، نفسه ، وشيعته من المنافقين ، وأراد بالأذل ، الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المهاجرين وغيرهم من المؤمنين الصادقين .

والمراد بالرجوع فى قوله { لَئِن رَّجَعْنَآ } الرجوع إلى المدينة بعد انتهاء غزوة بنى المصطلق .

أى : يقول هؤلاء المنافقون - على سبيل التبجح وسوء الأدب - لئن رجعنا إلى المدينة بعد انتهاء هذه الغزوة ، ليخرجن الفريق الأعز منا الفريق الأذل من المدينة ، حتى لا يبقى فيها أحد من هذا الفريق الأذل ، بل تصبح خالية الوجه لنا . وقد رد الله - تعالى - على مقالتهم الباطلة هذه بما يخرس ألسنتهم فقال : { وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ } .

أى : لقد كذب المنافقون فيما قالوا ، فإن لله - تعالى - وحده العزة المطلقة والقوة التى لا تقهر ، وهى - أيضا - لمن أفاضها عليه من رسله ومن المؤمنين الصادقين ، وهى بعيدة كل البعد عن أولئك المنافقين .

وقال - سبحانه - : { وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } بإعادة حرف الجر ، لتأكيد أمر هذه العزة ، وأنها متمكنة منهم لأنها مستمدة من إيمانهم بالله - تعالى - وحده .

وقوله - تعالى - : { ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ } استدرك قصد به تجهيل هؤلاء المنافقين ، أى : ليست العزة إلا لله - تعالى - ولرسوله وللمؤمنين ، ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك ، ولا يعرفونه لاستيلاء الجهل والغباء عليهم ، لأنهم لو كانت لهم عقول تعقل ، لعلموا أن العزة لدعوة الحق ، بدليل انتشارها فى الآفاق يوما بعد يوم ، وانتصار أصحابها على أعدائهم حينا بعد حين ، وازدياد سلطانهم وقتا بعد وقت .

قال صاحب الكشاف قوله - تعالى - : { وَلِلَّهِ العزة . . } أى : الغلبة والقوة لله - تعالى - ، ولمن أعزه الله وأيده من رسوله ، ومن المؤمنين ، وهم الأخصاء بذلك ، كما أن المذلة والهوان ، للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين .

وعن الحسن بن على - رضى الله عنهما - أن رجلا قال له : إن الناس يزعمون أن فيك تيها ، قال : ليس بتيه ، ولكنه عزة ، وتلا هذه الآية .

وقال الإمام الرازى : العزة غير الكبر ، ولا يحل للمؤمن أن يذل نفسه - لغير الله - فالعزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه ، وإكرامها عن أن يضعها فى غير موضعها اللائق بها ، كما أن الكبر جهل الإنسان بنفسه ، وإنزالها فوق منزلتها ، فالعزة تشبه الكبر من حيث الصورة ، وتختلف من حيث الحقيقة ، كاشتباه التواضع بالضعة ، فالتواضع محمود ، والضعة مذمومة ، والكبر مذموم والعزة محمودة .

هذا ، وإن المتدبر لهذه الآيات الكريمة وفى أسباب نزولها ، ليرى فيها ألوانا من العظات والعبر .

يرى فيها التصرف الحكيم من الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ أنه - صلى الله عليه وسلم - بمجرد أن بلغته تلك الأقوال التى قالها عبد الله بن أبى ، لكى يثير الفتنة بين المسلمين ، ما كان منه إلا أن أمر عمر ابن الخطاب ، بأن ينادى فى الناس بالرحيل . . . لكى يشغل الناس عما تفوه به ابن أبى ، حتى لا يقع بينهم ما لا تحمد عقباه .

كما يرى كيف أنه - صلى الله عليه وسلم - عالج تلك الأحداث بحكمة حكيمة فعندما أشار عليه عمر - رضى الله عنه - بقتل بن أبى . . . ما كان منه - صلى الله عليه وسلم - إلا أن قال له : يا عمر ، كيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ؟ ! وأبى - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر بقتله بل ترك لعشيريته من الأنصار تأديبه وتوبيخه .

ولقد بلغ الحال بابنه عبد الله - رضى الله عنه - وهو أقرب الناس إليه ، أن يمنعه من دخول المدينة حتى يأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدخولها .

كما يرى المتدبر لهذه الآيات ، والأحداث التى نزلت فيها ، أن النفوس إذا جحدت الحق ، واستولت عليها الأحقاد ، واستحوذ عليها الشيطان . . أبت أن تسلك الطريق المستقيم ، مهما كانت معالمه واضحة أمامها . . .

فعبد الله بن أبى وجماعته ، وقفوا من الدعوة الإسلامية موقف المحارب لها ولأتباعها ، وسلكوا فى إذاعة السوء حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحول أصحابه كل مسلك . . . مع أن آيات القرآن الكريم ، كانت تتلى على مسامعهم صباح مساء ، ومع أن إرشادات الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت تصل إليهم يوما بعد يوم ، ومع أن المؤمنين الصادقين كانوا لا يكفون عن نصحهم ووعظهم .

كما نرى أن الإيمان متى خالطت بشاشته القلوب ، ضحى الإنسان من أجله بكل شىء . . . فعبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول ، يقول للرسول - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله بلغنى أنك تريد قتل أبى ، فإن كنت لابد فاعلا فمرنى به فأنا أحمل إليك رأسه . .

ثم يقف على باب المدينة شاهرا سيفه ، ثم يمنع أباه من دخولها حتى يأذن له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدخولها ، وحتى يقول : إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو العزيز ، وأنه هو - أى عبد الله ابن أبى - هو الذليل .

وهكذا تعطينا هذه الآيات وأحداثها ما تعطينا من عبر وعظات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (8)

5

ثم قولتهم الأخيرة :

( يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) . .

وقد رأينا كيف حقق ذلك عيد الله بن عيد الله بن أبي ! وكيف لم يدخلها الأذل إلا بإذن الأعز !

( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين . ولكن المنافقين لا يعلمون ) . .

ويضم الله - سبحانه - رسوله والمؤمنين إلى جانبه ، ويضفي عليهم من عزته ، وهو تكريم هائل لا يكرمه إلا الله ! وأي تكريم بعد أن يوقف الله - سبحانه - رسوله والمؤمنين معه إلى جواره . ويقول : ها نحن أولاء ! هذا لواء الأعزاء . وهذا هو الصف العزيز !

وصدق الله . فجعل العزة صنو الإيمان في القلب المؤمن . العزة المستمدة من عزته تعالى . العزة التي لا تهون ولا تهن ، ولا تنحني ولا تلين . ولا تزايل القلب المؤمن في أحرج اللحظات إلا أن يتضعضع فيه الإيمان . فإذا استقر الإيمان ورسخ فالعزة معه مستقرة راسخة . .

( ولكن المنافقين لا يعلمون ) . .

وكيف يعلمون وهم لا يتذوقون هذه العزة ولا يتصلون بمصدرها الأصيل ?

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَقُولُونَ لَئِن رّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْهَا الأذَلّ وَلِلّهِ الْعِزّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلََكِنّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : يقول هؤلاء المنافقون الذين وصف صفتهم قبل لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ فيها ، ويعني بالأعزّ : الأشدّ والأقوى ، قال الله جلّ ثناؤه : ولِلّهِ العِزّةُ يعني : الشدّة والقوّة وَلِرَسُولِهِ ولِلْمُوءْمِنِينَ بالله وَلَكِنّ المُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ذلك .

وذُكر أن سبب قيل ذلك عبدُ الله بن أُبي كان من أجل أن رجلاً من المهاجرين كَسَعَ رجلا من الأنصار . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن معمر ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا زَمْعة ، عن عمرو ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ، قال : إن الأنصار كانوا أكثر من المهاجرين ، ثم إن المهاجرين كثروا فخرجوا في غزوة لهم ، فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، قال : فكان بينهما قتال إلى أن صرخ : يا معشر الأنصار ، وصرخ المهاجر : يا معشر المهاجرين قال : فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ما لَكُمْ وَلِدعْوَةِ الجاهِلِيّةِ » ؟ فقالوا : كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دَعُوها فإنّها مُنْتِنَةٌ » ، قال : فقال عبد الله بن أُبي ابن سلول : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، فقال عمر : يا رسول الله دعني فأقتله ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يَتَحَدّثُ النّاسُ أنّ رَسُولَ اللّهِ يَقْتُلُ أصْحَابَهُ » .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ . . . إلى ولِلّهِ العِزّةُ ولِرَسُولِهِ قال : قال ذلك عبد الله بن أُبي ابن سلول الأنصاري رأس المنافقين ، وناس معه من المنافقين .

حدثني أحمد بن منصور الرمادي قال : حدثنا إبراهيم بن الحكم قال : ثني أبي عن عكرمة أن عبد الله بن عبد الله بن أُبي ابن سلول كان يقال له حباب ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ، فقال : يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله ، فذرني حتى أقتله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تَقْتُلْ أباكَ عَبْدَ اللّهِ » ، ثم جاء أيضا فقال : يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله ، فذرني حتى أقتله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تَقْتُلْ أباكَ » ، فقال : يا رسول الله فتوضأ حتى أسقيه من وضوئك لعلّ قلبه أن يلين ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ، فذهب به إلى أبيه فسقاه ، ثم قال له : هل تدري ما سقيتك ؟ فقال له والده نعم ، سقيتني بول أمك ، فقال له ابنه : لا والله ، ولكن سقيتك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عكرمة : وكان عبد الله بن أُبي عظيم الشأن فيهم . وفيهم أنزلت هذه الاَية في المنافقين : هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حتى يَنْفَضّوا وهو الذي قال : لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ قال : فلما بلغوا المدينة ، مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه ، أخذ ابنه السيف ، ثم قال لوالده : أنت تزعم «لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ » ، فوالله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله أن رجلاً من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار برجله وذلك في أهل اليمن شديد فنادى المهاجري يا للمهاجرين ، ونادى الأنصاري يا للأنصار قال : والمهاجرون يومئذ أكثر من الأنصار ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «دَعُوها فإنّها مُنْتِنَةٌ » ، فقال عبد الله بن أُبي ابن سلول ، لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ » .

حدثني عمران بن بكار الكلاعيّ ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عليّ بن سليمان ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، أن زيد بن أرقم ، أخبره أن عبد الله بن أُبي ابن سلول قال لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حتى يَنْفَضّوا وقال لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ قال : فحدثني زيد أنه أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول عبد الله بن أُبي ، قال : فجاء فحلف عبد الله بن أُبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ذلك قال أبو إسحاق : فقال لي زيد ، فجلست في بيتي ، حتى أنزله الله تصديق زيد ، وتكذيب عبد الله في إذا جاءك المنافقون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَة لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ قرأ الاَية كلها إلى لا يَعْلَمُونَ قال : قد قالها منافق عظيم النفاق في رجلين اقتتلا ، أحدهما غفاريّ ، والاَخر جُهَنِيّ ، فظهر الغفاريّ على الجُهنيّ ، وكان بين جُهينة والأنصار حلف ، فقال رجل من المنافقين وهو ابن أُبي : يا بني الأوس ، يا بني الخزرج ، عليكم صاحبكم وحليفكم ، ثم قال : والله ما مثلنا ومَثَل محمد إلا كما قال القائل : «سَمّن كلبك يأكلك » ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، فسعى بها بعضهم إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : يا نبيّ الله مُر معاذ بن جبل أن يضرب عنق هذا المنافق ، فقال : «لا يتحدّثُ النّاسُ أنّ مُحَمّدا يَقْتُلُ أصحَابَهُ » . ذُكر لنا أنه كان أُكْثِر على رجل من المنافقين عنده ، فقال : هل يصلي ؟ فقال : نعم ولا خير في صلاته ، فقال : نُهيت عن المصلين ، نُهيت عن المصلين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : اقتتل رجلان ، أحدهما من جُهينة ، والاَخر من غفار ، وكانت جهينة حليف الأنصار ، فظهر عليه الغفاريّ ، فقال رجل منهم عظيم النفاق : عليكم صاحبكم ، عليكم صاحبكم ، فوالله ما مَثُلنا ومَثَل محمد إلا كما قال القائل : «سمّن كلبك يأكلك » ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ وهم في سفر ، فجاء رجل ممن سمعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ذلك ، فقال عمر : مُر معاذا يضرب عنقه ، فقال : «وَاللّه لا يَتَحَدّثُ النّاسُ أنّ مُحَمّدا يَقْتُلُ أصحَابَهُ » ، فنزلت فيهم : هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا على مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ .

وقوله : لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن أن غلاما جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني سمعت عبد الله بن أُبي يقول كذا وكذا قال : «فَلعَلّكَ غَضِبْتَ عَلَيْهِ ؟ » قال : لا والله لقد سمعته يقوله قال : «فَلَعَلّكَ أخْطأَ سَمْعُكَ ؟ » قال : لا والله يا نبيّ الله لقد سمعته يقوله قال : فَلَعَلّهُ شُبّهَ عَلَيْكَ » ، قال : لا والله ، قال : فأنزل الله تصديقا للغلام : لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ ، فأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بأذن الغلام ، فقال : «وَفَتْ أُذُنُكَ ، وَفَتْ أُذُنُكَ يا غُلامُ » .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله لَيُخْرِجَن الأعَزّ مِنْها الأذَل قال : كان المنافقون يسمون المهاجرين : الجلابيب وقال : قال ابن أُبي : قد أمرتكم في هؤلاء الجلابيب أمري ، قال : هذا بين أمَجٍ وعُسْفان على الكديد تنازعوا على الماء ، وكان المهاجرون قد غلبوا على الماء قال : وقال ابن أُبي أيضا : أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ لقد قلت لكم : لا تنفقوا عليهم ، لو تركتموهم ما وجدوا ما يأكلون ، ويخرجوا ويهربوا فأتى عمر بن الخطاب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ألا تسمع ما يقول ابن أُبي ؟ قال : «وما ذاك ؟ » فأخبره وقال : دعني أضرب عنقه يا رسول الله ، قال : «إذا تَرْعَدُ لَهُ آنُفٌ كَثِيرَةٌ بِيَثْرِب » قال عمر : فإن كرهت يا رسول الله أن يقتله رجل من المهاجرين ، فمرّ به سعد بن معاذ ، ومحمد بن مسلمة فيقتلانه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّي أكْرَهُ أنْ يَتَحَدّثَ النّاسُ أنّ مُحَمّدا يَقْتُلُ أصحَابَهُ ، ادْعُوا لي عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْن أُبي » ، فدعاه ، فقال : «ألا تَرَى ما يَقُولُ أبُوكَ ؟ » قال : وما يقول بأبي أنت وأمي ؟ قال : «يَقُولُ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ » فقال : فقد صدق والله يا رسول الله ، أنت والله الأعزّ وهو الأذلّ ، أما والله لقد قَدِمت المدينة يا رسول الله ، وإن أهل يثرب ليعلمون ما بها أحد أبرّ مني ، ولئن كان يرضى الله ورسوله أن آتيهما برأسه لاَتِيَنّها به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا » فلما قَدِموا المدينة ، قام عبد الله بن عبد الله بن أُبي على بابها بالسيف لأبيه ثم قال : أنت القائل : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ ، أما والله لتعرفنّ العزّة لك أو لرسول الله ، والله لا يأويك ظله ، ولا تأويه أبدا إلا بإذن من الله ورسوله فقال : يا للخزرج ابني يمنعني بيتي يا للخزرج ابني يمنعني بيتي فقال : والله لا تأويه أبدا إلا بإذن منه فاجتمع إليه رجال فكلموه ، فقال : والله لا يدخله إلا بإذن من الله ورسوله ، فأتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فقال : «اذْهَبُوا إلَيْهِ ، فَقُولُوا له خَلّهِ ومَسْكَنَه » فأتوه ، فقال : أما إذا جاء إمر النبيّ صلى الله عليه وسلم فنعم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سَلَمة وعليّ بن مجاهد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الله بن أبي بكر ، وعن محمد بن يحيى بن حبان ، قال : كلّ قد حدثني بعض حديث بني المصطلق ، قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له ، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل ، فتزاحف الناس فاقتتلوا ، فهزم الله بني المصطلق ، وقُتل من قتل منهم ، ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم ، فأفاءهم الله عليه ، وقد أصيب رجل من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر ، يقال له هشام بن صبابة أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت ، وهو يرى أنه من العدوّ ، فقتله خطأ ، فبينا الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جَهْجاه بن سعيد ، يقود له فرسه ، فازدحم جَهْجاه وسنان الجُهْنِيّ حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا ، فصرخ الجهنيّ : يا معشر الأنصار . وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين ، فغضب عبد الله بن أُبي ابن سلول ، وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم ، غلام حديث السنّ ، فقال : قد فعلوها ؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما أعُدّنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل : «سمّن كلبك يأكلك » ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ثم أقبل على من حضر من قومه ، فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا إلى غير بلادكم فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه ، فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله مُر به عباد بن بشر بن وقش فليقتله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فَكَيْفَ يا عُمَرُ إذَا تَحَدّثَ النّاس أن مُحَمّدا يَقْتُلُ أصحَابَهُ ، لا ، وَلَكِنْ أَذّنْ بالرّحِيلِ » ، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها ، فارتحل الناس ، وقد مشى عبد الله بن أبيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه ، فحلف بالله ما قلت ما قال ، ولا تكلمت به وكان عبد الله بن أُبي في قومه شريفا عظيما ، فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه من الأنصار : يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ، ولم يحفظ ما قال الرجل ، حدبا على عبد الله بن أُبي ، ودفعا عنه فلما استقلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقيه أسيد بن حضير ، فحياه بتحية النبوّة وسلم عليه ثم قال : يا رسول الله لقد رُحتَ في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أو ما بَلَغَكَ ما قالَ صَاحِبُكُمْ ؟ » قال : فأيّ صاحب يا رسول الله ؟ قال : «عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبيّ » ، قال : وما قال ؟ قال : «زَعمَ أنّهُ إنْ رَجَعَ إلى المَدِينَةِ أخْرَجَ الأعَزّ مِنْها الأذَل » قال أسيد : فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت ، هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال : يا رسول الله ارفق به ، فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه ، فإنه ليرى أنك قد استلبته مُلكا . ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح ، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ، ثم نزل بالناس ، فلم يكن إلا أن وجدوا مسّ الأرض وقعوا نياما ، وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أُبي . ثم راح بالناس وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فُويق النقيع ، يقال له نقعاء فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبّت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوّفوها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَخافُوا فإنّما هَبّتْ لمَوْتِ عَظِيم مِنْ عُظُماءِ الكُفّارِ » فلما قَدِموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع وكان من عظماء يهود ، وكهفا للمنافقين قد مات ذلك اليوم ، فنزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في عبد الله بن أُبي ابن سلول ، ومن كان معه على مثل أمره ، فقال : إذَا جاءَكَ المُنافِقُونَ فلما نزلت هذه السورة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد فقال : «هَذَا الّذِي أوْفى اللّهَ بأُذُنه » ، وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أُبي الذي كان من أبيه .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أُبي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبي فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلاً ، فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبرّ بوالده مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيره فيقتله ، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبي يمشي في الناس فأقتلَه ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخلَ النارَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بَلْ نَرْفُقْ بِهِ ونُحسِنْ صُحْبَتَهُ ما بَقِيَ مَعَنا » ، وجعل بعد ذلك اليوم إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ، ويأخذونه ويعنفونه ويتوعدونه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك عنهم من شأنهم «كَيْفَ تَرَى يا عُمَرُ أما وَاللّهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ أمَرْتَنِي بقَتْلِهِ لأَرْعَدَتْ لَهُ آنَفٌ ، لَوْ أمَرْتَها اليَوْمَ بقَتْلِهِ لَقَتَلَتْهُ » قال : فقال عمر : قد والله علمت لأمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (8)

وقرأ الجمهور : «ليُخرِجن الأعز » بضم الياء وكسر الراء بمعنى أن العزيز يخرج الذليل ويبعده ، وقال أبو حاتم : وقرئ «لنَخرُجن » بنون الجماعة مفتوحة ، وضم الراء ، «الأعزَّ » نصباً منها ، «الأذلَّ » أيضاً نصباً على الحال ، وذكرها أبو عمر الداني عن الحسن{[11124]} ، ورويت هذه القراءة : «لنُخرِجن » بضم النون وكسر الراء ، وقرأ قوم فيما حكى الفراء والكسائي ، وذكرها المهدوي : «ليَخرُجن الأعز منها الأذلَّ » بفتح الياء وضم الراء . ونصب «الأذلَّ » على الحال بمعنى : أن نحن الذين كنا أعزة سنخرج أذلاء{[11125]} ، وجاءت هذه الحال معرفة ، وفيها شذوذ ، وحكى سيبويه : أدخلوا الأول فالأول ، ثم أعلم تعالى أن العزة لله وللرسول وللمؤمنين ، وفي ذلك وعيد ، وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي ، وكان رجلاً صالحاً لما سمع الآية ، جاء إلى أبيه فقال له : أنت والله يا أبت الذليل ، ورسول الله العزيز ، فلما وصل الناس إلى المدينة ، وقف عبد الله بن عبد الله على باب السكة التي يسلكها أبوه ، وجرد السيف ومنعه الدخول ، وقال : والله لا دخلت إلى منزلك إلا أن يأذن في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبد الله بن أبي في أذل الرجال ، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه أن خلّه يمض إلى منزله ، فقال : أما الآن فنعم ، فمضى إلى منزله .


[11124]:قال أبو حيان في البحر بعد أن ذكر هذه القراءة:"ونصب[الأعز] على الاختصاص، كما قال:"نحن العرب أقرى الناس للضيف"، ونصب[الأذل] على الحال.
[11125]:تعبير الفراء أدق وأوضح، قال:"كأنك قلت: ليخرجن العزيز منها ذليلا".