اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ} (8)

قوله : { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل } .

القائل ابن أبيّ ، كما تقدم .

وقيل : إنه لما قال : { لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل } ورجع إلى المدينة لم يلبث إلا أياماً يسيرة حتى مات ، فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسه قميصه ، فنزل قوله : { لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ } .

وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سَلُولَ قال لأبيه : والله الذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعزُّ وأنا الأذلُّ ، فقاله .

توهموا أن العزة لكثرةِ الأموال والأتباعِ فبيَّن اللَّهُ - تعالى - أنَّ العزَّة والمنَعَة والقُوَّة لله{[56798]} .

قوله : { لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل } .

قرأ العامَّةُ : بضم الياء وكسر الراء مسنداً إلى «الأعزّ » و «الأذلّ » مفعول به ، والأعزُّ بعضُ المنافقين على زعمه .

وقرأ الحسن{[56799]} وابنُ أبي عبلة والمسيبي : «لنُخْرجَنَّ » بنون العظمة ، وبنصب «الأعزَّ » على المفعول به ، ونصب «الأذَلَّ » على الحالِ .

وبه استشهد من جوز تعريفها .

والجمهور جعلوا «أل » مزيدة على حدّ «أرسلها العراك » و «ادخلوا الأول فالأول » .

وجوَّز أبو البقاء{[56800]} : أن يكون منصوباً على المفعولِ ، وناصبه حال محذوفةٌ ، أي : مشبهاً الأذلَّ .

وقد خرجه الزمخشري على حذف مضافٍ ، أي : خروج الأول أو إخراج الأول{[56801]} .

يعني بحسب القراءتين من «خرج وأخرج » فعلى هذا ينتصب على المصدر لا على الحال .

ونقل الدَّاني عن الحسن أيضاً : «لنخرُجَنَّ » بفتح نون العظمة وضم الراء ، ونصب «الأعزَّ » على الاختصاص كقولهم : «نحن العرب أقرى النَّاس للضيفِ » و «الأذلَّ » نصب على الحال أيضاً .

قاله أبو حيان{[56802]} .

وفيه نظر ، كيف يخبرون عن أنفسهم أنهم يخرجون في حال الذل مع قولهم : «الأعز » أي : «أخُصُّ الأعزَّ » ويعنون ب «الأعزِّ » أنفسهُم .

وقد حكى هذه القراءة أيضاً أبو حاتم .

وحكى الكسائي والفرَّاء : أن قوماً قرأوا : «ليَخْرُجنَّ » - بفتح الياء وضم الراء - ورفع «الأعزّ » فاعلاً ونصب «الأذل » حالاً .

وهي واضحة{[56803]} .

وقرئ{[56804]} : «ليُخْرجَنَّ » - بضم الياء - مبنيًّا للمفعول ، «الأعز » قائم مقام الفاعل «الأذلّ » حال أيضاً .

فصل في ختم الآية ب «لا يفقهون »

قال ابن الخطيب{[56805]} : فإن قيل : ما الحكمةُ في أنه تعالى ختم الآية الأولى بقوله : «لا يَفْقَهُونَ » وختم الثَّانية بقوله : «لاَ يَعْلمُونَ » ؟ .

فالجواب : ليعلم بالأولى قلة كياستهم وفهمهم ، وبالثانية حماقتهم وجهلهم ، ولا يفقهون من فِقهَ يَفْقَهُ ، كعلِمَ يَعْلَمُ ، أو من فقُهَ يَفقهُ ، كعَظُمَ يَعظُمُ ، فالأول لحصولِ الفقه بالتكلُّفِ ، والثاني لا بالتكلُّفِ ، فالأول علاجيٌّ ، والثاني مزاجي .


[56798]:ينظر السابق.
[56799]:ينظر: الكشاف 4/543، والمحرر الوجيز 5/315، والبحر المحيط 8/270، والدر المصون 6/313.
[56800]:ينظر: الإملاء 2/1224.
[56801]:الكشاف 4/543.
[56802]:البحر المحيط 8/270.
[56803]:ينظر: الدر المصون 6/323.
[56804]:ينظر: البحر المحيط 8/270، والدر المصون 6/323.
[56805]:ينظر: التفسير الكبير 30/17.