{ ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا . قوارير من فضة } قال المفسرون : أراد بياض الفضة في صفاء القوارير ، فهي من فضة في صفاء الزجاج ، يرى ما في داخلها من خارجها . قال الكلبي : إن الله جعل قوارير كل قوم من تراب أرضهم ، وإن أرض الجنة من فضة ، فجعل منها قوارير يشربون فيها ، { قدروها تقديراً } قدروا الكأس على قدر ريهم لا يزيد ولا ينقص ، أي قدرها لهم السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم يقدرونها ثم يسقون .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَوَارِيرَاْ مِن فِضّةٍ قَدّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمّىَ سَلْسَبِيلاً } .
يقول تعالى ذكره : قَوَارِيرَ في صفاء الصفاء من فضة الفضة من البياض ، كما :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : قال الحسن ، في قوله : كانَتْ قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضّةٍ قال : صفاء القوارير في بياض الفضة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن كثير ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله الله : قَوَارِيرَ مِنْ فِضّةٍ قال : بياض الفضة في صفاء القوارير .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، قال : أخبرنا ابن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : كانَتْ قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضّةٍ قال : كان ترابها من فضة .
وقوله : قَوَارِيرَ مِنْ فِضّةٍ قال : صفاء الزجاج في بياض الفضة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة ، في قوله : قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِن فِضّةٍ قال : لو احتاج أهل الباطل أن يعملوا إناء من فضة يرى ما فيه من خلفه ، كما يرى ما في القوارير ما قدروا عليه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قَوَارِيرَ مِنْ فِضّةٍ قال : هي من فضة ، وصفاؤها : صفاء القوارير في بياض الفضة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قَوَارِيرَ مِنْ فِضّة قال : على صفاء القوارير ، وبياض الفضة .
وقوله : قَدّرُوها تَقْدِيرا يقول : قدّروا تلك الاَنية التي يُطاف عليهم بها تقديرا على قَدْر رِيّهم لا تزيد ولا تنقص عن ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : قدّرُوها تَقْدِيرا قال : قُدّرت لريّ القوم .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : قَدّرُوها تَقْدِيرَا قال : قدر رِيّهم .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عمر بن عبيد ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : قَوَارِيرَ مِنْ فِضّةٍ قَدّرُوها تَقْدِيرا قال : لا تنقص ولا تفيض .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قَدّرُوها تَقْدِيرا قال : لا تتْرَع فتُهَراق ، ولا ينقصون من مائها فتنقص فهي ملأى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قَدّرُوها تَقْدِيرا لريّهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قَدّرُوها تَقْدِيرا قدرت على ريّ القوم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : مِنْ فِضّةٍ قَدّرُوها تَقْديرا قال : قدّروها لريهم على قدر شربهم أهل الجنة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله قَدّرُوها تَقْديرا قال : ممتلئة لا تُهَراق ، وليست بناقصة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قدّروها على قدر الكفّ . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قَدّرُوها تَقْدِيرا قال : قدرت للكفّ .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله قَدّرُوها تَقْدِيرا ، فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار : قَدّرُوها بفتح القاف ، بمعنى : قدّرها لهم السّقاة الذين يطوفون بها عليهم . ورُوي عن الشعبيّ وغيره من المتقدمين أنهم قرأوا ذلك بضمّ القاف ، بمعنى : قُدّرت عليهم ، فلا زيادة فيها ولا نقصان .
والقراءة التي لا أستجيز القراءة بغيرها فتح القاف ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه .
ولفظ { قواريرا } الثاني ، يجوز أن يكون تأكيداً لفظياً لنظيره لزيادة تحقيق أن لها رقة الزجاح فيكون الوقف على { قواريرا } الأول .
ويجوز أن يكون تكريراً لإِفادة التصنيف فإن حسن التنسيق في آنية الشراب من مكملات رونق مجلسه ، فيكون التكرير مثل ما في قوله تعالى : { والمَلكُ صَفّاً صفّاً } [ الفجر : 22 ] وقول الناس : قرأت الكتاب باباً باباً فيكون الوقف على { قواريراً } الثاني .
وكتب في المصحف { قواريرا قواريرا } بألف في آخر كلتا الكلمتين التي هي علامة تنوين .
وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر { قواريرا } الأول والثاني منونين وتنوين الأول لمراعاة الكلمات الواقعة في الفواصل السابقة واللاحقةِ من قوله { كافوراً } [ الإنسان : 5 ] إلى قوله { تقديرا } وتنوين الثاني للمزاوجة مع نظيره وهؤلاء وقفوا عليهما بالألف مثل أخواتهما وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : { سلاسلا وأغلالاً } [ الإنسان : 4 ] .
وقرأ ابن كثير وخلف ورويس عن يعقوب { قوايراً } الأول بالتنوين ووقفوا عليه بالألف وهو جار على التوجيه الذي وجهنا به قراءة نافع والكسائي . وقرآ { قواريرا } الثاني بغير تنوين على الأصل ولم تراع المزاوجة ووقفا عليه بالسكون .
وقرأ ابن عامر وأبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم بترك التنوين فيهما لمنع الصرف وعدم مراعاة الفواصل ولا المزاوجة .
والقراءات روايةٌ متواترة لا يناكدها رسم المصحف فلعلّ الذين كتبوا المصاحف لم تبلغهم إلاّ قراءة أهل المدينة .
وحدّث خلف عن يحيى بن آدم عن ابن إدريس قال : في المصاحف الأول ثبتَ { قواريرا } الأول بالألف والثاني بغير ألف ، يعني المصاحف التي في الكوفة فإن عبد الله ابن إدريس كوفي .
وقال أبو عبيد : لرأيتُ في مصحف عثمان { قواريرا } الأول بالألف وكان الثاني مكتوباً بالألف فحُكَّت فرأيتُ أثرها هناك بيناً اه . وهذا كلام لا يفيد إذ لو صحّ لما كان يُعرف من الذي كتَبه بالألف ، ولا مَن الذي مَحا الألف ولا متى كان ذلك فيما بين زمن كتابة المصاحف وزمن أبي عبيد ، ولا يُدرى ماذا عنى بمصحف عثمان أهو مصحفه الذي اختص به أم هو مصحف من المصاحف التي نسخت في خلافته ووزعها على الأمصار ؟ .
وقرأ يعقوب بغير تنوين فيهما في الوصل .
وأما في الوقف فحمزة وقف عليهما بدون ألف . وهشام عن ابن عامر وقفا عليهما بالألف على أنه صلة للفتحة ، أي إشباع للفتحة ووقف أبو عمرو وحفص وابن ذكوان عن ابن عامر ورويس عن يعقوب على الأول بالألف وعلى الثاني بدون ألف ووجهه ما وجهت به قراءة ابن كثير وخلف .
وقوله : { قدّروها تقديراً } يجوز أن يكون ضمير الجمع عائداً إلى { الأبرار } [ الإنسان : 5 ] أو { عباد الله } [ الإنسان : 6 ] الذي عادت إليه الضمائر المتقدمة من قوله { يفجرونها } [ الإنسان : 6 ] و { يوفون } [ الإنسان : 7 ] إلى آخر الضمائر فيكون معنى التقدير رغبتَهم أن تجيء على وفق ما يشتهون .
ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى نائب الفاعل المحذوف المفهوم من بناء { يطاف } للنائب ، أي الطائفون عليهم بها قدَّروا الآنية والأكوابَ ، أي قدروا ما فيها من الشراب على حسب ما يطلبه كل شارب منهم ومآله إلى معنى الاحتمال الأول . وكان مما يعد في العادة من حِذق الساقي أن يعطِيَ كلَّ أحد من الشَّرْب ما يناسب رغبته .
و { تقديراً } مفعول مطلق مؤكد لعامله للدلالة على وفاء التقدير وعدم تجاوزه المطلوب ولا تقصيره عنه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.