الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٖ قَدَّرُوهَا تَقۡدِيرٗا} (16)

ومعنى قوارير من { فِضَّةٍ } أنها مخلوقة من فضة ، وهي مع بياض الفضة وحسنها في صفاء القوارير وشفيفها .

فإن قلت : ما معنى { كانت } ؟ قلت هو من - يكون - في قوله : { كُنْ فَيَكُونُ } [ البقرة : 117 ] أي : تكوّنت قوارير ، بتكون الله تفخيماً لتلك الخلقة العجيبة الشأن ، الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين . ومنه كان في قوله : { كان مزاجها كافوراً } . وقرىء «قوارير من فضة » بالرفع على : هي قوارير { قَدَّرُوهَا } صفة لقوارير من فضة . ومعنى تقديرهم لها : أنهم قدروها في أنفسهم أن تكون على مقادير وأشكال على حسب شهواتهم ، فجاءت كما قدّروا . وقيل : الضمير للطائفين بها ، دل عليهم قوله : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ } [ الإنسان : 15 ] ، على أنهم قدروا شرابها على قدر الرّي ، وهو ألذ للشارب لكونه على مقدار حاجته لا يفضل عنها ولا يعجز . وعن مجاهد : لا تفيض ولا تغيض . وقرئ : «قدّروها » على البناء للمفعول . ووجهه أن يكون من قدر ، منقولا من قدر . تقول : قدرت الشيء وقدرنيه فلان : إذا جعلك قادراً له . ومعناه : جعلوا قادرين له كما شاءوا . وأطلق لهم أن يقدروا على حسب ما اشتهوا .