فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٖ قَدَّرُوهَا تَقۡدِيرٗا} (16)

{ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } أي في وصف القوارير في الصفاء وفي بياض الفضة ، فصفاؤها صفاء الزجاج ، ولونها لون الفضة .

قرأ نافع والكسائي وأبو بكر ( قواريراً قواريراً ) بالتنوين فيهما مع الوصل ، وبالوقف عليهما بالألف ، وقد تقدّم وجه هذه القراءة في تفسير قوله : { سلاسل } [ الإِنسان : 4 ] من هذه السورة ، وبيّنا هنالك وجه صرف ما فيه صيغة منتهى الجموع فارجع إليه . وقرأ حمزة بعدم التنوين فيهما وعدم الوقف بالألف ، ووجه هذه القراءة ظاهر لأنهما ممتنعان لصيغة منتهى الجموع . وقرأ هشام بعدم التنوين فيهما مع الوقف عليهما بالألف ، وقرأ ابن كثير بتنوين الأوّل دون الثاني والوقف على الأوّل بالألف دون الثاني . وقرأ أبو عمرو وحفص وابن ذكوان بعدم التنوين فيهما ، والوقف على الأوّل بالألف دون الثاني ، والجملة في محل جرّ صفة لأكواب . قال أبو البقاء : وحسن التكرير لما اتصل به من بيان أصلها . قال الواحدي : قال المفسرون : جعل الله قوارير أهل الجنة من فضة ، فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير . قال الزجاج : القوارير التي في الدنيا من الرمل ، فأعلم الله فضل تلك القوارير أن أصلها من فضة يرى من خارجها ما في داخلها ، وجملة { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } صفة لقوارير . قرأ الجمهور { قدّروها } بفتح القاف على البناء للفاعل : أي قدّرها السقاة من الخدم الذين يطوفون عليهم على قدر ما يحتاج إليه الشاربون من أهل الجنة من دون زياد ولا نقصان . قال مجاهد وغيره : أتوا بها على قدر ريهم بغير زيادة ولا نقصان . قال الكلبي : وذلك ألذّ وأشهى ، وقيل : قدّرها الملائكة . وقيل : قدّرها أهل الجنة الشاربون على مقدار شهواتهم وحاجتهم ، فجاءت كما يريدون في الشكل لا تزيد ولا تنقص . وقرأ عليّ وابن عباس والسلمي والشعبي وزيد بن عليّ وعبيد بن عمير وأبو عمرو في رواية عنه : «قدّروها » بضم القاف وكسر الدال مبنياً للمفعول : أي جعلت لهم على قدر إرادتهم . قال أبو علي الفارسي : هو من باب القلب ، قال : لأن حقيقة المعنى أن يقال : قدّرت عليهم لا قدّروها ، لأنه في معنى قدروا عليها . وقال أبو حاتم : التقدير قدّرت الأواني على قدر ريهم ، فمفعول ما لم يسمّ فاعله محذوف . قال أبو حيان : والأقرب في تخريج هذه القراءة الشاذة أن يقال : قدّر ريهم منها تقديراً ، فحذف المضاف فصار قدّروها . وقال المهدوي : إن القراءة الأخيرة يرجع معناها إلى معنى القراءة الأولى ، وكأن الأصل قدّروا عليها فحذف حرف الجرّ كما أنشد سيبويه :

آليت حبّ العراق الدهر آكله *** والحب يأكله في القرية السوس

أي آليت على حبّ العراق .

/خ22