فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٖ قَدَّرُوهَا تَقۡدِيرٗا} (16)

{ قوارير من فضة } أي في وصف القوارير في الصفاء وفي بياض الفضة ، فصفاؤها صفاء الزجاج ولونها الفضة ، قال ابن عباس آنية من فضة وصفاؤها كصفاء القوارير ، وعنه قال ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء إذ الذي في الجنة أشرف وأعلى .

قرأ نافع الكسائي وأبو بكر قواريرا بالتنوين فيهما مع الوصل وبالوقوف عليهما وبالألف ، وقد تقدم وجه هذه القراءة في تفسير قوله { سلاسلا } من هذه السورة ، وبينا هنالك وجه صرف ما فيه صيغة منتهى الجموع .

وقرأ حمزة بعدم التنوين فيهما وعدم الوقف بالألف ، ووجه هذه القراءة ظاهر لأنهما ممتنعان لصيغة منتهى الجموع .

وقرأ هشام بعدم التنوين فيهما مع الوقف عليهما بالألف .

وقرأ ابن كثير بتنوين الأول دون الثاني والوقف على الأول بالألف دون الثاني .

وقرأ أبو عمرو وحفص وابن ذكوان بعدم التنوين فيهما والوقف على الأول بالألف دون الثاني ، وبسط السمين في ذكر هذه الوجوه الخمسة في القراءة .

والجملة في محل جر صفة لأكواب ، وقوارير جمع قارورة وهي ما أقر فيه الشراب ونحوه من كل إناء رقيق صاف ، وقيل هو خاص بالزجاج .

قال أبو البقاء : حسن التكرير لما اتصل به من بيان أصلها ، ولولا التكرير لم يحسن أن يكون الأول رأس آية لشدة اتصال الصفة بالموصوف .

قال الواحدي قال المفسرون : جعل الله قوارير أهل الجنة من فضة فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير .

قال الزجاج القوارير التي في الدنيا من الرمل فأعلم الله فضل تلك القوارير أن أصلها من فضة يرى من خارجها ما في داخلها ، قال ابن عباس : لو أخذت فضة من فضة الدنيا فضربتها حتى جعلتها مثل جناح الذباب لم ير الماء من ورائها ، ولكن قوارير الجنة ببياض الفضة في صفاء القوارير : وعنه قال : ليس في الجنة شيء إلا وقد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة .

وجملة { قدروها تقديرا } صفة لقوارير ، قٍرأ الجمهور قدروها بفتح القاف على البناء للفاعل أي قدرها السقاة من الخدم الذين يطوفون عليهم على قدر ما يحتاج إليه الشاربون من أهل الجنة من دون زيادة ولا نقصان ، وذلك ألذ الشراب لكونه على مقدار الحاجة لا يفضل عنه ولا يعجز ، قال مجاهد : وغيره أتوا بها على قدر ربهم أي شهوتهم بغير زيادة ولا نقصان إذ لا عطش في الجنة قال الكلبي : وذلك ألذ وأشهى .

وقيل قدرها الملائكة وقيل قدرها أهل الجنة الشاربون على مقدار شهوتهم وحاجتهم فجاءت كما يريدون في الشكل لا تزيد ولا تنقص .

وقرئ قدروها بضم القاف وكسر الدال مبنيا للمفعول أي جعلت لهم على قدر إرادتهم .

قال أبو علي الفارسي : هو من باب القلب قال لأن حقيقة المعنى أن يقال قدرت عليهم لا قدروها لأنه في معنى قدروا عليها .

قال أبو حاتم التقدير قدرت الأواني على قدر ريّهم ، فمفعول ما لم يسم محذوف . قال أبو حيان والأقرب في تخريج هذه الآية الشاذة أي يقال قدر ريهم منها تقديرا ، فحذف المضاف فصار قدورها .

قال المهدوي : هذه القراءة يرجع معناها إلى القراءة الأولى ، وكان الأصل قدروا عليها فحذف حرف الجر ، وقال ابن عباس : قدرت للكف ، وقال أيضا أتوا بها على قدر الفم لا يفضلون شيئا ولا يشتهون بعدها شيئا ، وعنه قال : قدرتها السقاة .