28- وقال رجل مؤمن من أهل فرعون يخفي إيمانه - مخاطباً قومه - : أتقصدون رجلاً بالقتل لأنه يقول : معبودي الله ، وقد جاءكم بالأدلة الواضحات من مالك أمركم ومربيكم ، وإن يكن كاذباً في دعواه فعليه - وحده - وبال كذبه ، وإن يكن صادقاً يُنزل بكم بعض الذي يخوفكم به من العذاب ، إن الله لا يوفق إلى طريق النجاة من هو مجاوز الحد مبالغ في الكذب .
قوله تعالى : { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه } . واختلفوا في هذا المؤمن : قال مقاتل و السدي : كان قبطياً ابن عم فرعون وهو الذي حكى الله عنه فقال : { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى } ( القصص-20 ) ، وقال قوم : كان إسرائيلياً ، ومجاز الآية : وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون ، وكان اسمه حزبيل عند ابن عباس ، وأكثر العلماء . وقال ابن إسحاق : كان اسمه جبريل ، وقيل : كان اسم الرجل الذي آمن من آل فرعون حبيباً . { أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله } ، لأن يقول ربي الله ، { وقد جاءكم بالبينات من ربكم } ، أي : بما يدل على صدقه ، { وإن يك كاذباً فعليه كذبه } ، لا يضركم ذلك ، { وإن يك صادقاً } ، فكذبتموه ، وهو صادق { يصبكم بعض الذي يعدكم } ، قال أبو عبيد : المراد بالبعض الكل ، أي : إن قتلتموه وهو صادق أصابكم ما وعدكم من العذاب . قال الليث : ( بعض ) ههنا صلة ، يريد : يصبكم الذي يعدكم . وقال أهل المعاني : هذا على الظاهر في الحجاج كأنه قال : أقل ما في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم وفي بعض ذلك هلاككم ، فذكر البعض ليوجب الكل ، { إن الله لا يهدي } ، إلى دينه ، { من هو مسرف } مشرك ، { كذاب } على الله .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثني الأوزاعي ، حدثني يحيى بن أبي كثير ، حدثني محمد بن إبراهيم التيمي ، حدثني عروة بن الزبير قال : قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص : أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولوى ثوبه في عنقه ، فخنفه به خنقاً شديداً ، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ، ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : ( أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ) .
وخلا هذا الوعيد والتهديد من فرعون وملئه لموسى - عليه السلام - ، قيض الله - تعالى - لموسى رجلا مؤمنا من آل فرعون كان يخفى إيمانه . هذا الرجل أخذ يدافع عن موسى دفاعا حكيما مؤثرا ، يحمل الترغيب تارة والترهيب أخرى ، والإِرشاد تارة والتأنيب أخرى . . ويحكى القرآن ذلك بأسلوبه البليغ فيقول :
{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ . . . } .
قال الإِمام الرازى : اعلم أنه - تعالى - لما حكى عن موسى - عليه السلام - أنه ما زاد فى دفع مكر فرعون وشره على الاستعاذة بالله ، بين أنه - تعالى - قيض إنسانا أجنبيا غير موسى حتى ذب عنه على أحسن الوجوه ، وبالغ فى تسكين تلك الفتنة ، واجتهد فى إزالة ذلك الشر .
ثم قال - رحمه الله - يقول مصنف هذا الكتاب : ولقد جريت فى أحوال نفسى أنه كلما قصدنى شرير بشر ولم أتعرض له ، وأكتفى بتفويض ذلك الأمر إلى الله ، فإنه - سبحانه - يقيض أقواما لا أعرفهم ألبتة . يبالغون فى دفع ذلك الشر . .
وظاهر الآية الكريمة يفيد أن هذا الرجل المؤمن كان من حاشية فرعون بدليل قوله - تعالى - : { مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } ولم يكن من بنى إسرائيل .
وقد رجح ابن جرير - رحمه الله - ذلك فقال : وأولى القولين فى ذلك بالصواب عندى : القول الذى قاله السدى من أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون ، ولذا فقد أصغى لكلامه واستمع منه ما قاله ، وتوقف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله . . ولو كان إسرائيليا لكان حريا أن يعاجل هذا القائل له ولملئه بالعقوبة على قوله ، لأنه لم يكن ستنصح بنى إسرائيل لاعتداده إياهم أعداء له . . ولكنه لما كان من ملأ قومه ، استمع إليه ، وكف فرعون عما كان قد هم به من قتل موسى . .
قالوا : وهذا الرجل المؤمن هو الذى نصح موسى - عليه السلام - بقوله : { إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخرج إِنِّي لَكَ مِنَ الناصحين } وكان اسمه " حزقيل " او " حبيب " .
أى : وقال رجل مؤمن من آل فرعون وحاشيته ، وكان يكتم إيمانه عنهم ، حتى لا يصيبه أذى منهم ، فعندما سمع فرعون يقول : { ذروني أَقْتُلْ موسى } قال لهم : { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جَآءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ } .
أى : أتقتلون رجلا لأنه يقول ربى الله وحده ، وقد جاءكم بالحجج البينات ، وبالمعجزات الواضحة من عند ربكم ، كدليل على صدقه فيما يبلغه عنه .
فقوله : { أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله } فى موضع المفعول لأجله . أى : أتقتلونه من أجل قوله هذا . وجملة { وَقَدْ جَآءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ } حالية من فاعل يقول وهو موسى - عليه السلام - .
والمقصود بهذا الاستفهام : الإِنكار عليهم والتبكيت لهم ، حيث قصدوا قتل رجل كل ذنبه أنه عبد الله - تعالى - وحده وقد جاءهم بالمعجزات الواضحات الدالة على صحة فعله وقوله .
قال الإِمام ابن كثير : وقد كان هذا الرجل يكتم إيمانه عن قومه القبط ، فلم يظهر إلا هذا اليوم حين قال فرعون { ذروني أَقْتُلْ موسى }
فأخذت الرجل غضبه لله - تعالى - و " أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر " اللهم إلا ما رواه البخارى فى صحيحه حيث قال :
حدثنا على بن عبد الله ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعى ، حدثنى عروة بن الزبير قال : قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص : أخبرنى بأشد شئ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة ، إذ أقبل عقبة بن أبى معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه فى عنقه ، فخنقه خنقا شديدا . فأقبل أبو بكر - رضى الله عنه - فأخذ بمنكبه ودفع عن النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال : أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم " .
وقال القرطبى : وعن على - رضى الله عنه - قال : اجتمعت قريش بعد وفاة أبى طالب بثلاث : فأرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل هذا يجؤه - أى يضربه - ، وهذا يُتَلْتِلهُ - أى : يحركه تحريكا شديدا - فلم يغثه أحد إلا أبو بكر وله ضفيرتان ، فأقبل يجأ هذا ويتلتل ذا ، ويقول بأعلى صوته : ويلكم : أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله ، والله إنه لرسول الله ، فقطعت إحدى ضفيرتى أبى بكر يومئذ .
ثم يحكى القرآن أن ذلك الرجل المؤمن ، لم يكتف بالإِنكار على قومه قصدهم موسى بالقتل بل أخذ فى محاولة إقناعهم بالعدول عن هذا القصد بشتى الأساليب والحجج فقال : { وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ . . } .
أى : أنه قال لهم : إن كان موسى - على سبيل الفرض - كاذبا فيما يقوله ويفعله فعليه وحده يقع ضرر كذبه ، وليس عليكم منه شئ ، وإن كان صادقا فيما يقوله ويفعله فعليه وحده يقع ضرر كذبه ، وليس عليكم منه شئ ، وإن كان صادقا فيما يقوله ويفعله ، فلا أقل من أن يصيبكم بعض الذى يعدكم به من سوء عاقبة مخالفة ما أتاكم به من عند ربه . .
فأنت ترى أن الرجل كان فى نهاية الحكمة والإِنصاف وحسن المنطق ، فى مخاطبته لقومه ، حيث بين لهم أن الأمر لا يخرج عن فرضين ، وكلاهما لا يوجب قصد موسى - عليه السلام - بالقتل .
ورحم الله صاحب الكشاف : فقد أجاد عند تفسير لهذه الآية فقال ما ملخصه : وقوله : { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله . . . } هذا إنكار عظيم منه ، وتبكيت شديد لهم ، كأنه قال : أترتكبون الفعلة الشنعاء التى هى قتل نفس محرمة ، وما لكم علة قط فى ارتكابها إلا كلمة الحق التى نطق بها وهى قوله { رَبِّيَ الله } . .
ثم أخذ فى الاحتجاج عليهم على طريقة التقسيم فقال : لا يخلو من أن يكون كاذبا أو صادقا ، فإن يك كاذبا فعليه يعود كذبه ولا يتخطاه ضرره ، وإن يك صادقا يصبكم بعض ما يعدكم به إن تعرضتم له .
فإن قلت : لم قال : { بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ } وهو - أى موسى - نبى صادق ، لابد لما يعدهم أن يصيبهم كله لا بعضه ؟
قلت : لأنه احتاج فى مقاولة خصوم موسى ومنا كريه ، إلى أن يلاوصهم - أى يحايلهم - ويداريهم ، ويسلك معهم طريق الإِنصاف فى القول ويأتيهم من جهة المناصحة ، فجاء بما علم أنه أقرب إلى تسليمهم لقوله ، وأدخل فى تصديقهم له وقبولهم منه ، فقال { وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ } وهو كلام المنصف فى مقاله ، غير المشتط فيه ، ليسمعوا منه ولا يردوا عليه ، وذلك أنه حين فرضه صادقا ، فقد أثبت أنه صادق فى جميع ما يعد ، ولكنه أردفه بقوله : { يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ } ليهضمه بعض حقه فى ظاهر الكلام ، فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وافيا ، فضلا عن أن يتعصب له ، وتقديم الكاذب على الصادق أيضا من هذا القبيل .
ثم أرشد الرجل المؤمن الحصيف قومه إلى سنة من سنن الله التى لا تتغير فقال : { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } .
أى : إن سنة الله - تعالى - قد اقتضت أنه - سبحانه - لا يهدى إلى الحق والصواب ، من كان مسرفا فى أموره ، متجاوزا الحدود التى شرعها الله - تعالى - ومن كان كذابا فى إخباره عن الله - تعالى - ، ولو كان موسى مسرفا أو كذابا ، لما أيده الله - تعالى - بالمعجزات الباهرة . وبالحجج الساطعة الدالة على صدقه .
فالجملة الكريمة إرشاد لهم عن طريق خفى إلى صدق موسى فيما يبلغه عن ربه ، وتعريض بما عليه فرعون من ظلم وكذب .
قال الجمل فى حاشيته : فالجملة الكريمة كلام ذو وجهين نظرا لموسى وفرعون .
الوجه الأول : أن هذا إشارة إلى الرمز والتعريض بعلو شأن موسى ، والمعننى : إن الله هدى موسى إلى الإِتيان بالمعجزات الباهرة ، ومن هداه الله إلى ذلك لا يكون مسرفا ولا كذابا .
الوجه الثانى : أن يكون المراد أن فرعون مسرف فى عزمه على قتل موسى . وكاذب فى ادعائه الألوهية ، والله لا يهدى من كان كذلك . . .
{ وقال رجل مؤمن من آل فرعون } من أقاربه . وقيل { من } متعلق بقوله : { يكتم إيمانه } والرجل إسرائيلي أو غريب موحد كان ينافقهم . { أتقتلون رجلا } أتقصدون قتله . { أن يقول } لأن يقول ، أو وقت أن يقول من غير روية وتأمل في أمره . { ربي الله } وحده وهو في الدلالة على الحصر مثل صديقي زيد . { وقد جاءكم بالبينات } المتكثرة الدالة على صدقه من المعجزات والاستدلالات . { من ربكم } أضافه إليهم بعد ذكر البينات احتجاجا عليهم واستدراجا لهم إلى الاعتراف به ، ثم أخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال : { وإن يك كاذبا فعليه كذبه } لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله . { وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم } فلا أقل من أن يصيبكم بعضه ، وفيه مبالغة في التحذير وإظهار للإنصاف وعدم التعصب ، ولذلك قدم كونه كاذبا أو يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض مواعيده ، كأنه خوفهم بما هو أظهر احتمالا عندهم وتفسير ال{ بعض } بالكل كقول لبيد :
تراك أمكنة إذا لم أرضها *** أو يرتبط بعض النفوس حمامها
مردود لأنه أراد بال { بعض } نفسه . { إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } احتجاج ثالث ذو وجهين :
أحدهما : أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله إلى البينات ولما عضده بتلك المعجزات .
وثانيهما : أن من خذله الله أهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله . ولعله أراد به المعنى الأول وخيل إليهم الثاني لتلين شكيمتهم ، وعرض به لفرعون بأنه { مسرف كذاب } لا يهديه الله سبيل الصواب وطريق النجاة .
عطف قول هذا الرجل يقتضي أنه قال قوله هذا في غير مجلس شورى فرعون ، لأنه لو كان قوله جارياً مجرى المحاورة مع فرعون في مجلس استشارته ، أو كان أجاب به عن قول فرعون : { ذَرُوني أقتُل موسى } [ غافر : 26 ] لكانت حكاية قوله بدون عطف على طريقة المُحاورات . والذي يظهر أن الله ألهم هذا الرجل بأن يقول مقالته إلهاماً كان أولَ مظهر من تحقيق الله لاستعاذة موسى بالله ، فلما شاع توعد فرعون بقتل موسى عليه السلام جاء هذا الرجل إلى فرعون ناصحاً ولم يكن يتهمه فرعون لأنه من آله .
وخطابه بقوله : { أتقتلون } موجَّه إلى فرعون لأن فرعون هو الذي يسند إليه القتل لأنه الآمر به ، ولحكاية كلام فرعون عقب كلام مؤمن آل فرعون بدون عطف بالواو في قوله : { قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى } [ غافر : 29 ] .
ووصفُه بأنه من آل فرعون صريح في أنه من القبط ولم يكن من بني إسرائيل خلافاً لبعض المفسرين ألا ترى إلى قوله تعالى بعده : { يا قوم لكم المُلْك اليومَ ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا } [ غافر : 29 ] فإن بني إسرائيل لم يكن لهم مُلك هنالك .
والأظهر أنه كان من قرابة فرعون وخاصته لما يقتضيه لفظ آل من ذلك حقيقةً أو مجازاً . والمراد أنه مؤمن بالله ومؤمن بصدق موسى ، وما كان إيمانه هذا إلا لأنه كان رجلاً صالحاً اهتدى إلى توحيد الله إما بالنظر في الأدلة فصدَّق موسى عندما سمع دعوته كما اهتدى أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى تصديق النبي في حين سماع دعوته فقال له : صَدَقتَ . وكان كتمه الإِيمان متجدداً مستمراً تقيةً من فرعون وقومه إذ علم أن إظهاره الإِيمان يُضره ولا ينفع غيره كما كان ( سقراط ) يكتم إيمانه بالله في بلاد اليونان خشية أن يقتلوه انتصاراً لآلهتهم .
وأراد بقوله : { أتَقْتُلُونَ رَجُلاً } إلى آخره أن يسعى لحفظ موسى من القتل بفتح باب المجادلة في شأنه لتشكيك فرعون في تكذيبه بموسى ، وهذا الرجل هو غير الرجل المذكور في سورة [ القصص : 20 ] في قوله تعالى : { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى } فإن تلك القصة كانت قُبَيْل خروج موسى من مصر ، وهذه القصة في مبدأ دخوله مصر . ولم يوصف هنالك بأنه مؤمن ولا بأنه من آل فرعون بل كان من بني إسرائيل كما هو صريح سفر الخروج . والظاهر أن الرجل المذكور هنا كان رجلاً صالحاً نظَّاراً في أدلة التوحيد ولم يستقر الإِيمان في قلبه على وجهه إلا بعد أن سمع دعوة موسى ، وإن الله يقيض لعباده الصالحين حُماة عند الشدائد .
قيل اسم هذا الرجل حبيب النجّار وقيل سمعان ، وقد تقدم في سورة ( يس ) أن حبيباً النجار من رسل عيسى عليه السلام .
وقصة هذا الرجل المؤمن من آل فرعون غير مذكورة في « التوراة » بالصريح ولكنها مذكورة إجمالاً في الفقرة السابعة من الإصحاح العاشر « فقال عبيد فرعون إلى متَى يكون لنا هذا ( أي موسى ) فخًّا أَطْلِق الرجال ليعبدوا الرب إلههم » .
والاستفهام في { أتقتلون } استفهام إنكار ، أي يقبح بكم أن تقتلوا نفساً لأنه يقول ربي الله ، أي ولم يجبركم على أن تؤمنوا به ولكنه قال لكم قولاً فاقبلوه أو ارفضوه ، فهذا محمل قوله : { أنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله } وهو الذي يمكن الجمع بينه وبين كون هذا الرجل يكتم إيمانه .
و { أنَّ يَقُولَ } . مجرور بلام التعليل المقدرة لأنها تحذف مع ( أَن ) كثيراً . وذكر اسممِ الله لأنه الذي ذكره موسى ولم يكن من أسماء آلهة القبط .
وأما قوله : { وقد جاءَكُم بالبينات من رَبِّكُم } فهو ارتقاء في الحِجاج بعد أن استأنس في خطاب قومه بالكلام الموجَّه فارتقى إلى التصريح بتصديق موسى بعلة أنه جاء بالبينات ، أي الحجج الواضحة بصدقه ، وإلى التصريح بأن الذي سماه الله في قوله : { أن يقول ربي الله } هو رب المخاطبين فقال : { من ربكم } . فجملة { وقد جاءكم بالبينات من ربكم } في موضع الحال من قوله : { رجلاً } والباء في { بالبينات } للمصاحبة .
وقوله : { وإن يَكُ كاذبا فَعلَيهِ كَذِبُهُ } رجوع إلى ضرب من إيهام الشك في صدق موسى ليكون كلامه مشتملاً على احتمالَيْ تصديق وتكذيب يتداولهما في كلامه فلا يؤخذ عليه أنه مصدق لموسى بل يُخيل إليهم أنه في حالة نظر وتأمل ليسوق فرعون وملأَه إلى أدلة صدق موسى بوجه لا يثير نفورهم ، فالجملة عطف على جملة { وقد جاءكم بالبينات } فتكون حالاً .
وقَدم احتمال كذبه على احتمال صدقه زيادةً في التباعد عن ظنهم به الانتصار لموسى فأراد أن يَظهَر في مظهر المهتَم بأمر قومه ابتداء .
ومعنى : { وإن يَكُ كَاذِباً فَعلَيه كَذِبُهُ } استنزالهم للنظر ، أي فعليكم بالنظر في آياته ولا تعجلوا بقتله ولا باتباعه فإن تبين لكم كذبه فيما تحداكم به وما أنذركم به من مصائب فلم يقع شيء من ذلك لم يضركم ذلك شيئاً وعاد كذبه عليه بأن يوسم بالكاذب ، وإن تبين لكم صدقه يصبكم بعضُ ما تَوَعَّدكم به ، أي تصبكم بوارقه فتعلموا صدقه فتتبَعوه ، وهذا وجه التعبير ب { بعض } دون أن يقول : يصبكم الذي يعدكم به . والمراد بالوعْد هنا الوعد بالسوء وهو المسمى بالوعيد . أي فإن استمررتم على العناد يصبكم جميع ما توعَّدكم به بطريق الأوْلى .
وقد شابَه مقامُ أبي بكر الصديققِ مقامَ مؤمن آل فرعون إذ آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم حين سمع دعوته ولم يكن من آله ، ويومَ جاء عقبة بن أبي مُعيط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( والنبي صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة ) يخنقه بثوبه فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكب عقبة ودفَعه وقال : { أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم } .
قال علي بن أبي طالب : « والله لَيَومُ أبي بكر خيرٌ من مؤمن آل فرعون ، إنَّ مؤمن آل فرعون رجل يكتم إيمانه وإن أبا بكر كان يُظهر إيمانه وبذل ماله ودمه »
وأقول : كان أبو بكر أقوى يقيناً من مؤمن آل فرعون لأن مؤمن آل فرعون كتم إيمانه وأبو بكر أظهر إيمانه .
وجملة { إنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن هُو مُسْرفٌ كَذَّابٌ } يجوز أنها من قول مؤمن آل فرعون ، فالمقصود منها تعليل قوله : { وَإن يَكُ كاذبا فعليه كَذِبُهُ وإن يَكُ صادقاً يُصِبكم بعْض الذي يَعِدُكُم } أي لأن الله لا يقره على كذبه فإن كان كاذباً على الله فلا يلبث أن يفتضح أمره أو يهلكه ، كما قال تعالى : { ولو تقوَّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين } [ الحاقة : 44 46 ] لأن الله لا يمهل الكاذب عليه ، ولأنه إذا جاءكم بخوارق العادات فقد تبين صدقه لأن الله لا يَخرق العادة بعد تحدي المتحدّي بها إلاّ ليجعلها أمارة على أنه مرسَل منه لأن تصديق الكاذب محال على الله تعالى .
ومعنى : { يصيبكم بعض الذي يعدكم } أي مما تَوعدكم بوقوعه في الدنيا ، أو في الآخرة وكيف إذا كانت البينة نفسُها مصائب تحلّ بهم مثل الطوفان والجراد وبقية التسع الآيات .
والمسرف : متجاوز المعروف في شيء ، فالمراد هنا مسرف في الكذب لأن أعظم الكذب أن يكون على الله ، قال تعالى : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } [ الأنعام : 93 ] .
وإذا كان المراد الإِسراف في الكذب تعين أن قوله : { كذاب } عطف بيان وليس خبراً ثانياً إذ ليس ثمة إسراف هنا غير إسراف الكذب ، وفي هذا اعتراف من هذا المؤمن بالله الذي أنكره فرعون ، رمَاه بين ظهرانَيْهم . ويجوز أن تكون جملة { إنَّ الله لاَ يَهْدِي } إلى آخرها جملة معترضة بين كلامي مؤمن آل فرعون ليست من حكاية كلامه وإنما هي قول من جانب الله في قُرآنه يقصد منها تزكية هذا الرجل المؤمن إذ هداه الله للحق ، وأنه تقيّ صادق ، فيكون نفي الهداية عن المسرف الكذاب كناية عن تقوى هذا الرجل وصدقه لأنه نطق عن هدىً والله لا يعطي الهدى من هو مسرف كذاب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فقال المؤمن: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} يعني اليد والعصا...
{وإن يك} موسى {كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا} في قوله وكذبتموه {يصبكم بعض الذي يعدكم} من العذاب.
{إن الله لا يهدي} إلى دينه {من هو مسرف كذاب} يعني مشرك مفتن.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَقَالَ رَجُلٌ مُوءْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمَانَهُ" اختلف أهل العلم في هذا الرجل المؤمن؛ فقال بعضهم: كان من قوم فرعون، غير أنه كان قد آمن بموسى، وكان يُسِرّ إيمانه من فرعون وقومه خوفا على نفسه...
وقال آخرون: بل كان الرجل إسرائيليا، ولكنه كان يكتم إيمانه من آل فرعون...
وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي... أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون، قد أصغى لكلامه، واستمع منه ما قاله، وتوقّف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله، وقيله ما قال، وقال له: ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، ولو كان إسرائيليا لكان حريا أن يعاجل هذا القائل له ولملئه ما قال بالعقوبة على قوله، لأنه لم يكن يستنصح بني إسرائيل، لاعتداده إياهم أعداء له، فكيف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلاً؟ ولكنه لما كان من ملأ قومه، استمع قوله، وكفّ عما كان همّ به في موسى.
وقوله: "أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبّي اللّهُ "يقول: أتقتلون أيها القوم موسى لأن يقول ربي الله؟... "وَقَدْ جاءَكُمْ بالبَيّناتِ" يقول: وقد جاءكم بالآيات الواضحات على حقيقة ما يقول من ذلك، وتلك البينات من الآيات يده وعصاه...
وقوله: "وَإنْ يَكُ كاذِبا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ" يقول: وإن يك موسى كاذبا في قيله: إن الله أرسله إليكم يأمركم بعبادته، وترك دينكم الذي أنتم عليه، فإنما إثم كذبه عليه دونكم. "وَإنْ يَكُ صَادِقا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الّذِي يَعدُكُمْ" يقول: وإن يك صادقا في قيله ذلك، أصابكم الذي وعدكم من العقوبة على مقامكم على الدين الذي أنتم عليه مقيمون، فلا حاجة بكم إلى قتله، فتزيدوا ربكم بذلك إلى سخطه عليكم بكفركم سخطا. "إنّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هو مُسْرِفٌ كَذّابٌ" يقول: إن الله لا يوفّق للحقّ من هو متعدّ إلى فعل ما ليس له فعله، كذّاب عليه يكذب، ويقول عليه الباطل وغير الحقّ.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى الإسراف الذي ذكره المؤمن في هذا الموضع؛ فقال بعضهم: عُني به الشرك، وأراد: إن الله لا يهدي من هو مشرك به مفتر عليه...
وقال آخرون: عني به من هو قتال سفّاك للدماء بغير حقّ...
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن هذا المؤمن أنه عمّ بقوله: "إنّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هو مُسْرِفٌ كَذّابٌ" والشرك من الإسراف، وسفك الدم بغير حقّ من الإسراف، وقد كان مجتمعا في فرعون الأمران كلاهما، فالحقّ أن يعمّ ذلك كما أخبر جلّ ثناؤه عن قائله، أنه عمّ القول بذلك.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ثم الإشكال أنه قال: {يصبكم بعض الذي يعدكم} ذكر أنه يصيبهم بعض الذي يعد الرسل؛ إذا وعدوا شيئا يصيبهم بكماله، لا يجوز أن يكون خلاف ما أخبروا أو دون ما ذكروا، لكن يخرّج على وجوه:
أحدها: أنه كان وعده إياهم أن يصيبهم العذاب في الدنيا والآخرة، فيقول: {يصبكم بعض الذي يعدكم} وهو ما وعد لهم أن يصيبهم في الدنيا. وأما ما وعد لهم في الآخرة [فهو] يصيبهم في وقت آخر، وهو في الآخرة. فما أصابهم في الدنيا فهو ما جرى الوعيد منه لهم؛ لأن الوعيد كان منه في الدنيا والآخرة.
والثاني: يحتمل أنه كان عليه السلام وعدهم بأنواع من العذاب، وقد أصابهم بعض ذلك من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ونحو ذلك. وفي بعض ما وعدهم، هو هلاكهم، فكأنه يقول لهم: إنكم قد أصابكم كثير من ذلك، فيصيبكم بعض ما يعدكم الذي فيه هلاككم، مبالغة في الزجر لما أصابهم ما وعد لهم من أنواع العذاب، ولم يكن وعده كذبا.
الثالث: يراد بالبعض الكل؛ لأنه أراد بهذا البعض الهلاك، وهو البعض الأقصى، فيدخل العالي فيه؛ لأنه إذا أوعد بأنواع من العذاب، منها الهلاك، وهو البعض الأقصى، إذ لا عذاب في الدنيا بعد الهلاك.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{أَن يَقُولَ} لأن يقول، وهذا إنكار منه عظيم وتبكيت شديد، كأنه قال: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة، وما لكم علة قط في ارتكابها إلاّ كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله: {رَبّيَ الله} مع أنه لم يحضر لتصحيح قوله بينة واحدة، ولكن بينات عدّة من عند من نسب إليه الربوبية، وهو ربكم لا ربه وحده وهو استدراج لهم إلى الاعتراف به، وليلين بذلك جماحهم ويكسر من سورتهم.
فإن قلت: لم قال: بعض {الذى يَعِدُكُمْ} وهو نبيّ صادق، لا بد لما يعدهم أن يصيبهم كله لا بعضه قلت: لأنه احتاج في مقاولة خصوم موسى ومناكريه إلى أن يلاوصهم ويداريهم، ويسلك معهم طريق الإنصاف في القول، ويأتيهم من وجهة المناصحة، فجاء بما علم أنه أقرب إلى تسليمهم لقوله، وأدخل في تصديقهم له وقبولهم منه، فقال: {وَإِن يَكُ صادقا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذى يَعِدُكُمْ} وهو كلام المنصف في مقاله غير المشتط فيه، ليسمعوا منه ولا يردّوا عليه، وذلك أنه حين فرضه صادقاً فقد أثبت أنه صادق في جميع ما يعد، ولكنه أردفه {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذى يَعِدُكُمْ} ليهضمه بعض حقه في ظاهر الكلام، فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وافياً، فضلاً أن يتعصب له، أو يرمي بالحصا من ورائه، وتقديم الكاذب على الصادق أيضاً من هذا القبيل، وكذلك قوله: {إِنَّ الله يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} فيه: إشارة إلى علو شأن موسى، عليه السلام، وأن من اصطفاه الله للنبوة لا يمكن أن يقع منه إسراف ولا كذب، وفيه تعريض بفرعون، إذ هو غاية الإسراف على نفسه بقتل أبناء المؤمنين، وفي غاية الكذب، إذ ادّعى الإلهية والربوبية، ومن هذا شأنه لا يهديه الله...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
هكذا أخبر الله [تعالى] عن موسى عليه السلام، أنه طلب من فرعون وقومه الموادعة في قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ. أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ. وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} [الدخان: 17 -21] وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش أن يتركوه يدعو إلى الله [تعالى] عباد الله، ولا يمسوه بسوء، وأن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة في ترك أذيته قال الله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] أي: إلا ألا تؤذوني فيما بيني وبينكم من القرابة، فلا تؤذوني وتتركوا بيني وبين الناس. وعلى هذا وقعت الهدنة يوم الحديبية، وكان فتحًا مبينًا.
{إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} أي: لو كان هذا الذي يزعم أن الله أرسله إليكم كاذبا كما تزعمون، لكان أمره بينا، يظهر لكل أحد في أقواله وأفعاله، كانت تكون في غاية الاختلاف والاضطراب، وهذا نرى أمره سديدا ومنهجه مستقيما، ولو كان من المسرفين الكذابين لما هداه الله، وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وقال رجل} أي كامل في رجوليته {مؤمن} أي راسخ الإيمان فيما جاء به موسى عليه السلام.
ولما كان للإنسان، إذا عم الطغيان، أن يسكن بين أهل العدوان، إذا نصح بحسب الإمكان، أفاد ذلك بقوله: {من آل فرعون} أي وجوههم ورؤسائهم.
{يكتم إيمانه} أي يخفيه إخفاء شديداً خوفاً على نفسه؛ لأن الواحد إذا شذ عن قبيلة يطمع فيه ما لا يطمع إذا كان واحداً من جماعة مختلفة، مخيلاً لهم بما يوقفهم عن الإقدام على قتله من غير تصريح بالإيمان.
ولما رآهم قد عزموا على القتل عزماً قوياً أوقع عليه اسم القتل، فقال منكراً له غاية الإنكار: {أتقتلون رجلاً} أي هو عظيم في الرجال حساً ومعنى، ثم علل قتلهم له بما ينافيه فقال: {أن} أي لأجل أن {يقول} ولو على سبيل التكرير: {ربي} أي المربي لي والمحسن إليّ {الله} أي الجامع لصفات الكمال.
{وقد} أي والحال أنه قد {جاءكم بالبينات} أي الآيات الظاهرات من غير لبس.
{من ربكم} أي الذي لا إحسان عندكم إلا منه، وكما أن ربوبيته له اقتضت عنه الاعتراف له بها، فكذلك ينبغي أن تكون ربوبيته لكم داعية لكم إلى اعترافكم له بها. ولما كان كلامه هذا يكاد أن يصرح بإيمانه، وصله بما يشككهم في أمره ويوقفهم عن ضره، فقال مشيراً إلى أنه لا يخلو حاله من أن يكون صادقاً أو كاذباً، مقدماً القسم الذي هو أنفى للتهمة عنه وأدعى للقبول منه: {وإن} أي والحال أنه إن.
ولما كان المقام لضيقه غاية الضيق بالكون بين شرور ثلاثة عظيمة: قتلهم خير الناس إذ ذاك، وإتيانهم بالعذاب، واطلاعهم على إيمانه، فأقل ما يدعوهم ذلك إلى اتهامه إن لم يحملهم على إعدامه داعية للإيجاز في الوعظ والمسارعة إلى الإتيان بأقل ما يمكن، حذف النون فقال: {يك كاذباً فعليه} أي خاصة {كذبه} يضره ذلك وليس عليكم منه ضرر، ولم يقل: أو صادقاً، وإن كان الحال مقتضياً لغاية الإيجاز لئلا يكون قد نقص الجانب المقصود بالذات حقه، فيكون قد أخل ببعض الأدب، فقال مظهراً لفعل الكون عادلاً عما له إلى ما عليهم معادلاً لما ذكره عليه ونقصه عنه إظهاراً للنصفة ودفعاً للتهمة عن نفسه: {وإن يك} حذف نونه لمثل ما مضى {صادقاً يصبكم} أي على وجه العقوبة من الله وله صدقه ينفعه ولا ينفعكم شيئاً.
وقال: {يعدكم} دون "يوعدكم "إشارة إلى أنهم إن وافوه أصابهم جميع ما وعدهموه من الخير، وإلا دهاهم ما توعدهم من الشر، والآية من الاحتباك: ذكر اختصاصه بضر الكذب أولاً دليلاً على ضده وهو اختصاصه بنفع الصدق ثانياً، وإصابتهم ثانياً دليلاً على إصابته أولاً، وسره أنه ذكر الضار في الموضعين؛ لأنه أنفع في الوعظ لأن من شأن النفس الإسراع في الهرب منه.
ولما كان فرعون قد نسب موسى عليه الصلاة والسلام بما زعمه من إرادته إظهار الفساد إلى الإسراف بعد ما نسبه إليه من الكذب، علل هذا المؤمن قوله هذا الحسن في شقي التقسيم بما ينطبق إلى فرعون منفراً منه مع صلاحيته لإرادة موسى عليه الصلاة والسلام على ما زعمه فيه فرعون فقال: {إن الله} أي الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز.
{لا يهدي} أي إلى ارتكاب ما ينفع واجتناب ما يضر.
{من هو مسرف} أي بإظهار الفساد متجاوز للحد، وكأنه رضي الله عنه جوز أن يتأخر شيء مما توعد به فيسموه كذباً، ولذا قال {يصبكم بعض الذي يعدكم} فعلق الأمر بالمبالغة فقال: {كذاب} لأن أول خذلانه وضلاله تعمقه في الكذب، ويهدي من هو مقتصد صادق، فإن كان كاذباً كما زعمتم ضره كذبه، ولم يهتد لوجه يخلصه، وإن كان صادقاً أصابتكم العقوبة ولم تهتدوا لما ينجيكم، لاتصافكم بالوصفين...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هنا انتدب رجل من آل فرعون، وقع الحق في قلبه، ولكنه كتم إيمانه. انتدب يدفع عن موسى، ويحتال لدفع القوم عنه، ويسلك في خطابه لفرعون وملئه مسالك شتى، ويتدسس إلى قلوبهم بالنصيحة ويثير حساسيتها بالتخويف والإقناع:
وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه: أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ وإن يك كاذباً فعليه كذبه، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم، إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب. يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا؟ قال فرعون: ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد. وقال الذي آمن: يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلماً للعباد. ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد. يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم، ومن يضلل الله فما له من هاد. ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات؛ فما زلتم في شك مما جاءكم به، حتى إذا هلك قلتم: لن يبعث الله من بعده رسولاً. كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب. الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار..
إنها جولة ضخمة هذه التي جالها الرجل المؤمن مع المتآمرين من فرعون وملئه. وإنه منطق الفطرة المؤمنة في حذر ومهارة وقوة كذلك.
إنه يبدأ بتفظيع ما هم مقدمون عليه: (أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله).. فهل هذه الكلمة البريئة المتعلقة باعتقاد قلب، واقتناع نفس، تستحق القتل، ويرد عليها بإزهاق روح؟ إنها في هذه الصورة فعلة منكرة بشعة ظاهرة القبح والبشاعة.
ثم يخطو بهم خطوة أخرى. فالذي يقول هذه الكلمة البريئة: ربي الله.. يقولها ومعه حجته، وفي يده برهانه: (وقد جاءكم بالبينات من ربكم).. يشير إلى تلك الآيات التي عرضها موسى -عليه السلام- ورأوها، وهم -فيما بينهم وبعيداً عن الجماهير- يصعب أن يماروا فيها!
ثم يفرض لهم أسوأ الفروض؛ ويقف معهم موقف المنصف أمام القضية؛ تمشياً مع أقصى فرض يمكن أن يتخذوه: (وإن يك كاذباً فعليه كذبه).. وهو يحمل تبعة عمله، ويلقى جزاءه، ويحتمل جريرته. وليس هذا بمسوغ لهم أن يقتلوه على أية حال!
وهناك الاحتمال الآخر، وهو أن يكون صادقاً. فيحسن الاحتياط لهذا الاحتمال، وعدم التعرض لنتائجه: (وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم).. وإصابتهم ببعض الذي يعدهم هو كذلك أقل احتمال في القضية، فهو لا يطلب إليهم أكثر منه. وهذا منتهى الإنصاف في الجدل والإفحام.
ثم يهددهم من طرف خفي، وهو يقول كلاماً ينطبق على موسى كما ينطبق عليهم: (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب).. فإذا كان موسى فإن الله لا يهديه ولا يوفقه، فدعوه له يلاقي منه جزاءه. واحذروا أن تكونوا أنتم الذين تكذبون على موسى وربه وتسرفون، فيصيبكم هذا المآل!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف قول هذا الرجل يقتضي أنه قال قوله هذا في غير مجلس شورى فرعون، لأنه لو كان قوله جارياً مجرى المحاورة مع فرعون في مجلس استشارته، أو كان أجاب به عن قول فرعون: {ذَرُوني أقتُل موسى} لكانت حكاية قوله بدون عطف على طريقة المُحاورات، والذي يظهر أن الله ألهم هذا الرجل بأن يقول مقالته إلهاماً كان أولَ مظهر من تحقيق الله لاستعاذة موسى بالله، فلما شاع توعد فرعون بقتل موسى عليه السلام جاء هذا الرجل إلى فرعون ناصحاً ولم يكن يتهمه فرعون لأنه من آله. وخطابه بقوله: {أتقتلون} موجَّه إلى فرعون لأن فرعون هو الذي يسند إليه القتل لأنه الآمر به، ولحكاية كلام فرعون عقب كلام مؤمن آل فرعون بدون عطف بالواو في قوله: {قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى}...
وأراد بقوله: {أتَقْتُلُونَ رَجُلاً} إلى آخره أن يسعى لحفظ موسى من القتل بفتح باب المجادلة في شأنه لتشكيك فرعون في تكذيبه بموسى، وهذا الرجل هو غير الرجل المذكور في سورة [القصص: 20] في قوله تعالى: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} فإن تلك القصة كانت قُبَيْل خروج موسى من مصر، وهذه القصة في مبدأ دخوله مصر. ولم يوصف هنالك بأنه مؤمن ولا بأنه من آل فرعون بل كان من بني إسرائيل، والظاهر أن الرجل المذكور هنا كان رجلاً صالحاً نظَّاراً في أدلة التوحيد ولم يستقر الإِيمان في قلبه على وجهه إلا بعد أن سمع دعوة موسى، وإن الله يقيض لعباده الصالحين حُماة عند الشدائد...
والاستفهام في {أتقتلون} استفهام إنكار، أي يقبح بكم أن تقتلوا نفساً لأنه يقول ربي الله، أي ولم يجبركم على أن تؤمنوا به ولكنه قال لكم قولاً فاقبلوه أو ارفضوه فهذا محمل قوله: {أنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله} وهو الذي يمكن الجمع بينه وبين كون هذا الرجل يكتم إيمانه.
و {أنَّ يَقُولَ} مجرور بلام التعليل المقدرة لأنها تحذف مع (أَن) كثيراً، وذكر اسمِ الله؛ لأنه الذي ذكره موسى ولم يكن من أسماء آلهة القبط.
جملة {وقد جاءكم بالبينات من ربكم} في موضع الحال من قوله: {رجلاً} والباء في {بالبينات} للمصاحبة.
ومعنى: {وإن يَكُ كَاذِباً فَعلَيه كَذِبُهُ} استنزالهم للنظر، أي فعليكم بالنظر في آياته ولا تعجلوا بقتله ولا باتباعه.
والمراد بالوعْد هنا الوعد بالسوء وهو المسمى بالوعيد. أي فإن استمررتم على العناد يصبكم جميع ما توعَّدكم به بطريق الأوْلى...
والمسرف: متجاوز المعروف في شيء، فالمراد هنا مسرف في الكذب؛ لأن أعظم الكذب أن يكون على الله، قال تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء} [الأنعام: 93]. وإذا كان المراد الإِسراف في الكذب تعين أن قوله: {كذاب} عطف بيان وليس خبراً ثانياً إذ ليس ثمة إسراف هنا غير إسراف الكذب، وفي هذا اعتراف من هذا المؤمن بالله الذي أنكره فرعون، رمَاه بين ظهرانَيْهم.
ويجوز أن تكون جملة {إنَّ الله لاَ يَهْدِي} إلى آخرها جملة معترضة بين كلامي مؤمن آل فرعون ليست من حكاية كلامه وإنما هي قول من جانب الله في قُرآنه يقصد منها تزكية هذا الرجل المؤمن إذ هداه الله للحق، وأنه تقيّ صادق، فيكون نفي الهداية عن المسرف الكذاب كناية عن تقوى هذا الرجل وصدقه؛ لأنه نطق عن هدىً والله لا يعطي الهدى من هو مسرف كذاب...
لما جاء موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فقال: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي..} استجاب الله له وأعاذه، لا برسول ولا ملك ولا بأحد من أتباعه المؤمنين، إنما برجل مؤمن من آل فرعون كان يكتم إيمانه خوفاً من بطش فرعون قام مدافعاً عن موسى، وهذا أوضح في الحجة وأبلغ.
لكن لماذا {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ..} ما دام مؤمناً؟ قالوا: كانوا يغلفون إيمانهم ويسترونه لأنه ليس لديهم القوة التي يَدْفعون بها الطغيان، فالإيمان في النفس حتى يجد الفرصة فيظهر ويجاهر، وها هو يظهر على لسان هذا الرجل المؤمن الذي يعلن أمام فرعون وجبروته أنه مؤمن، ويدعو بدعوة هي أشبه بدعوة الرسل، ويخبر بمنهج كأنه رسول.
وكلمة {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ..} لها في الإسلام ملحظ وتاريخ، ومعنى كَتْم الإيمان أن الإيمان يحاول أن يبرز في تصرفات الرجل لكنه يكتم إيمانه، فهو حريص على أنْ يجعل إيمانه سراً بينه وبين ربه فقط ليستطيع أن يقول كلمة الحق ويجهر بها أمام القوم وهو غير مؤمن حتى لا يَؤْذَى.
إذن: فالإيمان عمل وجداني له نضج على جميع جوارح النفس الإنسانية، فالمؤمن تجده متواضعاً منكسراً يستجيب للحق ويخضع له، المؤمن عطوف كريم حليم رحيم، تلحظ إيمانه من تصرفاته، ولكنه يحاول أن يكتم هذا حتى يقف الموقف الذي يمكنه من الجهر بالإسلام جهراً قوياً عنيفاً.
لذلك يقولون: إن الإيمان عملية قلبية وهو سِرٌّ بين العبد وربه، ثم له أمر ظاهري بين المؤمن والناس، وقد يلتحم الأمران السر والجهر بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس، فقد يكون مؤمناً بينه وبين الله أما بينه وبين الناس فهو مؤمن أو غير مؤمن، لأن العملية الإيمانية يُبدي فيها فوق ما يظهر إيمانه...
قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} تأمل جرأة الحق من هذا المؤمن، فهو يجهر بهذا الاستفهام الإنكاري {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً} يجهر به أمام فرعون. {أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} أي: بسبب قوله ربي الله فلا جريرةَ له غير هذا، يقولها الرجل المؤمن علانية أمام فرعون، وما أدراك ما فرعون، إنه الوحيد الذي ادعى الألوهية وقال لقومه {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] فلا شكَّ أن كلمة الرجل المؤمن تغيظه وتهدم أركان ألوهيته المدَّعاة.
وقوله: {وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ} أي: بالآيات الواضحات فكيف يُقتل؟ ولنفرض أنه كذاب فلا يضيركم كذبه، لأنه كذب على الله وسوف يتحمل عاقبة هذا الكذب {وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} يعني: وإنْ كان صادقاً لم تُحرموا خيره وأصابكم بعض هذا الخير. إذن: لماذا تقتلونه؟ فالاحتياط ألاَّ يُقتل.
لكن، هل معنى ذلك أن نترك كلَّ ملحد يقول ما يحلو له ويخوض في أمور الدين ولا نمنعه اعتماداً على {وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} قالوا: لا بل يجب أنْ نُقدِّر هنا جملة: امنعوه أن يقول لكن لا تقتلوه. كثيراً ما نسمع عن الزنادقة الذين يخوضون في دين الله الآن، فماذا نفعل. أنتركهم ونقول: عليهم كذبهم؟
لا إنما يجب أنْ نتصدَّى لهم ونمنعهم من هذا الهراء، ونأخذ على أيديهم حتى لا يُحدثوا ما يضر بدين الله. كذلك قال الرجل المؤمن من آل فرعون يدافع عن سيدنا موسى عليه السلام كأنه يريد أن يستبقي حجة الحق لعله توجَد آذان فيما بعد تنصره.
ثم يقرر الحق سبحانه هذه الحقيقة: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} هذا الكلام يُعَد تعريضاً وطَعْناً في فرعون، فالحق سبحانه لا يترك أحداً يكذب عليه دون أنْ يفضح كذبه، لماذا؟ لأن سَتْر هذا الكذب يُعتبر تدليساً في منهج السماء، وحاشا لله تعالى ذلك، لذلك نرى كلَّما ادَّعى أحدٌ النبوةَ افتُضِح أمره وعلم الناس كذبه، لأنه لا يصح أنْ يدَّعي كذابٌ النبوة، ولا يظهر الله للناس كذبه، وهذا مُتضمَّنٌ في قوله تعالى وفي وعده: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [غافر: 51]. وفي قوله: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].