الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَالَ رَجُلٞ مُّؤۡمِنٞ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَكۡتُمُ إِيمَٰنَهُۥٓ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَآءَكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ وَإِن يَكُ كَٰذِبٗا فَعَلَيۡهِ كَذِبُهُۥۖ وَإِن يَكُ صَادِقٗا يُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ كَذَّابٞ} (28)

ثم حكَى اللَّهُ سبحانه مقالةَ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ؛ شرَّفَه بالذكْرِ وخلَّدَ ثَنَاءَه في الأُمَمِ غَابِرَ الدَّهْرِ ، قال ( ع ) : سمعتُ أبي رحمه اللَّه يقول : سمعتُ أَبا الفَضْلِ ابْنَ الجَوْهَرِيِّ على المنبر يقول ؛ وَقَدْ سُئِلَ أن يتكلَّمَ في شيءٍ من فضَائِل الصحابةِ ، فأَطْرَقَ قليلاً ، ثُمَّ رَفَع رأْسَهُ ، وأنشد :

عَنِ المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِه *** فَكُلُّ قَرِينٍ بِالمُقَارَنِ مُقْتَدِ

مَاذَا تُرِيدُ من قومٍ قَرَنَهُمُ اللَّهُ بنبيِّه ، وخصَّهم بمشاهدةِ وَحْيِهِ ، وقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تعالى على رَجُلٍ مُؤْمِنٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ، كَتَمَ إيمانَهُ وأَسَرَّهُ ، فجعلَه تعالى في كتابهِ ، وأثْبَتَ ذِكْرَهُ في المصاحِفِ ، لكلامٍ قَالَه في مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْكُفْرِ ، وأَيْنَ هُوَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي اللَّه عنه ؛ إذْ جَرَّدَ سَيْفَهُ بمكَّةَ ، وقال : واللَّهِ ، لاَ أَعْبُدُ اللَّهَ سِرًّا بَعْدَ اليَوْمِ ، قال مقاتل : كان هذا المؤمنُ ابْنَ عَمِّ فِرْعَوْنَ ، قال الفَخْرُ : قيل : إنَّه كانَ ابْنَ عَمٍّ لِفِرْعَوْنَ ، وكانَ جَارِياً مجرى وَلِيِّ العهدِ له ، ومجرى صاحبِ [ السِّرِّ لَه ] ، وقيلَ : كانَ قِبْطِيًّا مِنْ قومِ فرعونَ ، وقيل : إنه كانَ من بني إسرائيل ، والقولُ الأولُ أَقْرَبُ ؛ لأن لَفْظَ الآلِ يقعُ على القَرَابَةِ والعشيرةِ ، انتهى .

قال الثعلبيُّ : قال ابنُ عباس وأكْثَرُ العُلَمَاءِ : كانَ اسمُهُ حَزْقِيلَ ، وقيل : حَزِيقَال ، وقيل : غير هذا ، انتهى .

وقوله : { يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ } قال أبو عُبَيْدَةَ وغَيْره : { بَعْضُ } هنا بمعنى : كل ، وقال الزَّجَّاج : هو إلْزَامُ الحُجَّةِ بِأَيْسَرِ ما في الأمرِ ، وليسَ فيه نَفْيُ إصَابَةِ الكُلِّ ، قال ( ع ) : ويظهرُ لي أنَّ المعنى : يُصِبْكُمُ القَسْمُ الواحدُ مما يَعِدُ بِهِ ، لأنَّه عليه السلام وَعَدَهُمْ إنْ آمَنُوا بالنَّعِيمِ ، وإنْ كَفَرُوا بالعذابِ الأَلِيمِ ، فإن كانَ صادِقاً ، فالعذابُ بَعْضُ مَا وَعَدَ بِهِ .