غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَالَ رَجُلٞ مُّؤۡمِنٞ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَكۡتُمُ إِيمَٰنَهُۥٓ أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدۡ جَآءَكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ مِن رَّبِّكُمۡۖ وَإِن يَكُ كَٰذِبٗا فَعَلَيۡهِ كَذِبُهُۥۖ وَإِن يَكُ صَادِقٗا يُصِبۡكُم بَعۡضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ كَذَّابٞ} (28)

23

ثم شرع في قصة مؤمن آل فرعون . والأصح أنه كان قبطياً ابن عم لفرعون آمن بموسى سراً واسمه سمعان أبو حبيب أو خربيل . وقيل : كان إسرائيلياً . وزيف بأن المؤمنين من بني إسرائيل لو يعتلوا ولم يعزوا لقوله { اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه } فما الوجه في تخصيصه ؟ ولقائل أن يقول : الوجه تخصيصه بالوعظ والنصيحة إلا أن قوله : { فمن ينصرنا من بأس الله } وقوله { يا قوم } على رأس كل نصيحة يغلب على الظن أن يتنصح لقومه . ومعنى { أن يقول } لأجل قوله أو وقت أن يقول كأنه قال منكراً عليهم أترتكبون الفعلة الشنعاء وهي قتل نفس محرمة أي نفس كانت لأجل كلمة حقة وهي قوله { ربى الله } والدليل على حقيتها إظهار الخوارق والمعجزات . وفي قوله { من ربكم } استدراج لهم إلى الاعتراف بالله . ثم احتج عليهم بالتقسيم العقلي أنه لا يخلو من أن يكون كاذباً أو صادقاً . على الأول يعود وبال كذبه عليه ، وعلى الثاني أصابكم ما يتوعدكم به من العقاب . واعترض على الشق الأوّل بأن الكاذب يجب دفع شره بإمالته إلى الحق أو بقتله ، ولهذا أجمع العلماء على أن الزنديق الذي يدعو الناس إلى دينه يجب قتله . وعلى الشق الثاني بأنه أوعدهم بأشياء والنبي صادق في مقالته لا محالة فلم قال { يصبكم بعض الذي يعدكم } ولم يقل " كل الذي " ؟ والجواب عن الأوّل أنه إنما ردّد بين الأمرين بناء على أن أمره مشكوك فيما بينهم ، والزمان زمان الفترة والحيرة ، فأين هذا من زماننا الذي وضح الحق فيه وضوح الفجر الصادق بل ظهور الشمس في ضحوة النهار ؟ وعن الثاني أنه من كلام المنصف كأنه قال : إن لم يصبكم كل ما أوعد فلا أقل من أن يصيبكم بعضه ، أو أراد عذاب الدنيا وكان موسى أوعدهم عذاب الدنيا والآخرة جميعاً . وعن أبي عبيدة : أن البعض هاهنا بمعنى الكل وأنشد قول لبيد :

ترّاك أمكنه إذا لم أرضها *** أو يرتبط بعض النفوس حمامها

وخطأه جار الله وكثير من أهل العربية وقالوا : إنه أراد ببعض النفوس فقط . ثم أكد حقية أمر موسى بقوله { إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب } وقد هداه الله إلى المعجزات الباهرة فهو إذن ليس بمتجاوز عن حدّ الاعتدال ولا بكذاب . وقيل : إنه كلام مستأنف من الله عز وجل ، وفيه تعريض بأن فرعون مسرف في عزمه على قاتل موسى كذاب في ادّعاء الإلهية فلا يهديه الله إلى شيء من خيرات الدارين ويزيل ملكه ويدفع شره ، وقد يلوح من هذه النصيحة وما يتلوها من المواعظ أن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه إلى أن قصدوا قتل موسى وعند ذلك أظهر الإيمان وترك التقية مجاهداً في سبيل الله بلسانه .

/خ50