وقوله : { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } تأكيد لخسرانهم ، ولوقوع العذاب بهم ، وتسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه منهم و " إن " شرطية . و " ما " مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، وجملة { فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } جواب للشرط وما عطف عليه .
والمعنى : إن هؤلاء المشركين الذين ناصبوك العداوة أيها الرسول الكريم لا يخفى علينا أمرهم ونحن إما نرينك ببصرك بعض الذي نعدهم به من العذاب الدنيوي ، وإما نتوفينك ، قبل ذلك ، وفى كلتا الحالتين فإن مرجعهم إلينا وحدنا في الآخرة ، فنعاقبهم العقوبة التي يستحقونها .
وقال - سبحانه - { بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ } للإِشارة إلى أن ما سينزل بهم من عذاب دنيوي ، هو جزء من العذاب المدخر لهم في الآخرة .
وقد أنجز الله - تعالى - وعده لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فسلط عليهم القحط والمجاعة ، حتى كانوا لشدة جوعهم يرون كأن بينهم وبين السماء دخانا . ونصر المسلمين عليهم في غزوتي بدر والفتح ، وكل ذلك حدث في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم .
وقال - سبحانه - { بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ } ولم يقل بعض الذي وعدناهم ، لاستحضار صورة العذاب ، والدلالة على تجدده واستمراره .
أى : نعدهم وعدا متجددا على حسب ما تقتضيه حكمتا ومشيئتنا ، من إنذار عقب إنذار ، ومن وعيد بعد وعيد .
والمراد من الشهادة في قول { ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ } لازمها وهو المعاقبة والمجازاة ، فكأنه - سبحانه - يقول : ثم الله - تعالى - بعد ذلك معاقب لهم على ما فعلوه من سيئات ، وما يرتكبونه من منكرات .
قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : الله شهيد على ما يفعلون في الدارين فما معنى ثم ؟
قلت : ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب ، فكأنه قال : ثم الله معاقبهم على ما يفعلون . ويجوز أن يراد الله أن الله مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حين ينطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم فتكون شاهدة عليهم " .
هذا ، وفى معنى هذه الآية وردت آيات أخرى منها قوله - تعالى - : { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب }
وقوله - تعالى - { فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }
يقول تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم : { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ } أي : ننتقم{[14254]} منهم في حياتك لتقرّ عينُك منهم ، { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } أي : مصيرهم ومتقَلَّبهم ، والله شهيد على أفعالهم بعدك .
وقد قال الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا داود بن الجارود ، عن أبي الطفيل{[14255]} عن حذيفة بن أسيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عُرضت عليّ أمتي البارحة لدى هذه الحجرة ، أولها وآخرها . فقال رجل : يا رسول الله ، عرض عليك من خُلِق ، فكيف من لم يخلق ؟ فقال : " صُوِّروا لي في الطين ، حتى إني لأعْرَفُ بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه " . {[14256]}
ورواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن عقبة بن مكرم ، عن يونس بن بُكَيْر ، عن زياد بن المنذر ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد ، به نحوه . {[14257]}
{ وإما نُرينّك } نبصرنك . { بعض الذي نعدهم } من العذاب في حياتك كما أراه يوم بدر . { أو نتوفّينّك } قبل أن نريك . { فإلينا مرجعهم } فنريكه في الآخرة وهو جواب { نتوفينك } وجواب { نرينك } محذوف مثل فذاك . { ثم الله شهيد على ما يفعلون } مجاز عليه ذكر الشهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها ولذلك رتبها على الرجوع ب { ثم } ، أو مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.