المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

41- فكيف يكون حال هؤلاء الباخلين والمُعْرضين عمَّا أمر الله به إذا جئنا يوم القيامة بكل نبي شهيداً على قومه ، وجئنا بك - يا أيها النبي - شهيداً على قومك وفيهم المانعون والمعرضون ؟ .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

قوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد } .

أي : فكيف الحال ، وكيف يصنعون ، إذا جئنا من كل أمة بشهيد ، يعني : بنبيها يشهد عليهم بما عملوا .

قوله تعالى : { وجئنا بك } . ، يا محمد .

قوله تعالى : { على هؤلاء شهيداً } . شاهداً يشهد على جميع الأمة ، على من رآه وعلى من لم يره .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا محمد بن يوسف ، أنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقرأ علي " ، قلت : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : نعم ، فقرأت سورة النساء ، حتى إذا أتيت هذه الآية { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } قال حسبك الآن ، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

ثم نبه - سبحانه - هؤلاء الكافرين إلى ما سيكونون عليه من حال سيئة يوم القيامة إذا استمروا فى كفرهم فقال : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً } .

قال الفخر الرازى : وجه النظم هو أنه - تعالى - بين أن فى الآخرة لا يجرى على أحد ظلم ، وأنه - تعالى - بجازى المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه . فبين فى هذه الآية - وهو قوله - تعالى - { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ } أن ذلك يجرى بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق لتكون الحجة على المسئ أبلغ . والتبكيت له أعظم . وحسرته أشد . ويكون سرور من قبل من الرسول وأظهر الطاعة أعظم . ويكون هذا وعيداً للكفار الذين قال الله فيهم { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } ووعداً للمطيعين الذين قال فيهم { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } .

والفاء فى قوله " فكيف " للإِفصاح عن شرط مقدر نشأ من الكلام السابق وكيف فى محل رفع خبر لمبتدأ محذوف .

والتقدير : إذا أيقنت بما أخبرناك به أيها الرسول الكريم أو أيها السامع من أن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيما فكيف سيكون حال هؤلاء الكفرة إذا ما جئنا من كل أمة من الأمم السابقة بشهيد يشهد عليهم بما ارتكبوه من سوء الصنيع وقبح الأعمال ، وهذا الشهيد هو نبيهم الذى أرسله الله لهدياتهم ، وجئنا بك يا محمد شهيداً على هؤلاء الذين بعثك الله لإِخراجهم من الظلمات إلى النور فكذبوك واستحبوا العمى على الهدى .

لا شك أن حالهم سيكون أسوأ حال ، ومصيرهم سيكون أقبح مصير ، بسبب كفرهم وبخلهم وريائهم واتباعهم للهوى والشيطان .

ومن العلماء من يرى أن المراد بقوله - تعالى - { وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً } أى جئنا بك يا محمد شهيداً على هؤلاء الأنبياء بأنهم قد بلغوا رسالة الله ولم يقصروا فى نصيحة أقوامهم .

والذى نراه أولى هو أن شهادة النبى صلى الله عليه وسلم تشمل كل ذلك أى تشمل شهادته على قومه بأنه قد بلغهم رسالة الله ، وشهادته للأنبياء السابقين بأنهم نصحوا لأقوامهم وبلغوا رسالة ربهم ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قد أعطاه الله تعالى - من المنزلة العالية ما لم يعط أحدا سواه .

روى الشيخان وغيرهما " عن عبد الله بن مسعود قال : قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ على شيئا من القرآن . فقلت يا رسول الله أأقرأ عليك وعليك أنزل قال : نعم . إنى أحب أن اسمعه من غيرى . فقرأت عليه سورة النساء : حتى أتيت إلى هذه الآية : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ } الآية فقال : حسبك الآن فإذا عيناه تذرفان " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

وقوله : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا } يقول تعالى - مخبرًا عن هول يوم القيامة وشدة أمره وشأنه : فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة وحين{[7515]} يجيء من كل أمة بشهيد - يعني الأنبياء عليهم السلام ؟ كما قال تعالى : { وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ [ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ]{[7516]} } [ الزمر : 69 ] وقال تعالى : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ]{[7517]} } [ النحل : 89 ] .

قال البخاري : حدثنا محمد بن يُوسُفَ ، حدثنا سفيانُ ، عن الأعْمَشِ ، عن إبراهيمَ ، عن عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " اقرأ علي " قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أُنزلَ ؟ قال : " نعم ، إني أحب أن أسمعه من غيري " فقرأت سورة النساء ، حتى أتيت إلى هذه الآية : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا } قال : " حسبك الآن " فإذا عيناه تَذْرِفَان .

ورواه هو ومسلم أيضًا من حديث الأعمش ، به{[7518]} وقد رُوي من طرق متعددة عن ابن مسعود ، فهو مقطوع به عنه . ورواه أحمد من طريق أبي حيان ، وأبي رَزِين ، عنه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو{[7519]} بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا الصَّلْتُ بنُ مَسْعُود الجَحْدَري ، حدثنا فُضَيْلُ بن سُلَيْمَانَ ، حدثنا يونُس بنُ محمد بن فضَالَة الأنصاري ، عن أبيه قال - وكان أبي ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظَفَر ، فجلس على الصخرة التي في بني ظفر اليوم ، ومعه ابن مسعود ومعاذ بن جبل وناس من أصحابه ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم قارئا فقرأ ، فأتى على هذه الآية : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا } فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اضطرب{[7520]} لحياه وجنباه ، فقال : " يا رب هذا شهدتُ على من أنا بين ظهريه ، فكيف بمن لم أره ؟ " {[7521]} .

وقال ابن جرير : حدثني عبد الله بن محمد الزهري ، حدثنا سفيان ، عن المسعودي ، عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه عن عبد الله - هو ابن مسعود - { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ } قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شهيد عليهم ما دمت فيهم ، فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم " .

وأما ما ذكره أبو عبد الله القُرْطُبي في " التذكرة " {[7522]} حيث قال : باب{[7523]} ما جاء في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته : قال : أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا رجل من الأنصار ، عن المِنْهَال بنِ عمرٍو ، حدثه أنه سمع سعيد بن المُسَيَّبِ يقول : ليس من يوم إلا تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غُدْوة وعَشيّة ، فيعرفهم بأسمائهم{[7524]} وأعمالهم ، فلذلك يشهد عليهم ، يقول الله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا } فإنه أثر ، وفيه انقطاع ، فإن فيه رجلا مبهما لم يسم ، وهو من كلام سعيد بن المسيب لم يرفعه . وقد قبله القرطبي فقال بعد إيراده : [ قد تقدم ]{[7525]} أن الأعمال تعرض على الله كل يوم اثنين وخميس ، وعلى الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجُمُعة . قال : ولا تعارض ، فإنه يحتمل أن يخص نبينا بما يعرض عليه كل يوم ، ويوم الجمعة مع الأنبياء ، عليهم السلام .


[7515]:في ر: "حين".
[7516]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية"
[7517]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[7518]:صحيح البخاري برقم (5050) وصحيح مسلم برقم (800).
[7519]:في ر: "أبي" وهو خطأ.
[7520]:في ر: "ضرب".
[7521]:ورواه البغوي في معجمه ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (19/243) من طريق الصلت بن مسعود الجحدري به. قال الهيثمي في المجمع (7/4): "رجاله ثقات".
[7522]:التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص294).
[7523]:في أ: "يارب".
[7524]:في أ: "بسيماهم".
[7525]:زيادة من ر، أ، والتذكرة.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىَ هََؤُلآءِ شَهِيداً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : إن الله لا يظلم عباده مثقال ذرّة ، فكيف بهم { إذا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بَشِهيدٍ } يعني : بمن يشهد عليها بأعمالها ، وتصديقها رسلها ، أو تكذيبها ، { وجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيدا } يقول : وَجِئْنَا بك يا محمد على هؤلاء : أي على أمتك شهيدا ، يقول : شاهدا . كما :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّي : { فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيدا } قال : إن النبيين يأتون يوم القيامة ، منهم من أسلم معه من قومه الواحد والاثنان والعشرة وأقلّ وأكثر من ذلك ، حتى يؤتى بقوم لوط صلى الله عليه وسلم لم يؤمن معه إلا ابنتاه ، فيقال لهم : هل بلغتم ما أرسلتم به ؟ فيقولون : نعم ، فيقال : من يشهد ؟ فيقولون : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقال لهم : أتشهدون أن الرسل أوْدَعوا عندكم شهادة ، فبم تشهدون ؟ فيقولون : ربنا نشهد أنهم قد بلغوا كما شهدوا في الدنيا بالتبليغ ! فيقال : من يشهد على ذلك ؟ فيقولون : محمد صلى الله عليه وسلم . فيدعى محمد عليه الصلاة والسلام ، فيشهد أن أمته قد صدقوا ، وأن الرسل قد بلّغوا . فذلك قوله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : قوله : { فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ } قال : رسولها ، فيشهد عليها أن قد أبلغهم ما أرسله الله به إليهم¹ { وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيدا } قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أتى عليها فاضت عيناه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسن ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، في قوله : { وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قال : الشاهد محمد ، والمشهود : يوم الجمعة . فذلك قوله : { فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيدا } .

حدثني عبد الله بن محمد الزهري ، قال : حدثنا سفيان ، عن المسعودي ، عن جعفر بن عمرو بن حريث ، عن أبيه ، عن عبد الله : { فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيدا } قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «شَهِيدا عَلَيْهِمْ ما دُمْتُ فِيهِمْ ، فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنْتَ أنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأنْتَ على كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ » .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن المسعودي ، عن القاسم : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود : «اقْرأْ عَليّ ! » قال : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : «أنّي أُحِبّ أنْ أسَمعه مِنْ غيرِي » . قال : فقرأ ابن مسعود النساء ، حتى بلغ : { فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيدا } قال : قال استعبر النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكفّ ابن مسعود . قال المسعودي : فحدثني جعفر بن عمرو بن حريث ، عن أبيه : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «شَهِيدا عَلَيْهِمْ ما دُمْتُ فِيهِمْ ، فإذَا تَوَفّيْتَنِي كُنْتَ أنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأنْتَ على كُلْ شَيْءٍ شَهِيدٌ » .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

{ فكيف } أي فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى وغيرهم ؟ { إذا جئنا من كل أمة بشهيد } يعني نبيهم يشهد على فساد عقائدهم وقبح أعمالهم ، والعامل في الظرف مضمون المبتدأ والخبر من هول الأمر وتعظيم الشأن . { وجئنا بك } يا محمد . { على هؤلاء شهيدا } تشهد على صدق هؤلاء الشهداء لعلمك بعقائدهم ، واستجماع شرعك مجامع قواعدهم . وقيل هؤلاء إشارة إلى الكفرة المستفهم عن حالهم . وقيل إلى المؤمنين كقوله تعالى : { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

الفاء يجوز أن تكون فاء فصيحة تدلّ على شرط مقدّر نشأ عن الوعيد في قوله : { وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً } [ النساء : 37 ] وقوله : { فساء قريناً } [ النساء : 38 ] ؛ وعن التوبيخ في قوله : { وماذا عليهم } [ النساء : 39 ] وعن الوعد في قوله : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } [ النساء : 40 ] الآية ، والتقدير : إذا أيقنت بذلك فكيفَ حال كلّ أولئك إذا جاء الشهداء وظهر موجَب الشهادة على العمل الصالِح وعلى العمل السيّىء ، وعلى هذا فليس ضميرُ ( بكَ ) إضماراً في مقام الإظهار ، ويجوز أن تكون الفاء للتفريع على قوله : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها } [ النساء : 40 ] ، أي يتفرّع عن ذلك سؤال عن حال الناس إذا جئنا من كلّ أمة بشهيد ؛ فالناسُ بين مستبشر ومتحسّر ، وعلى هذا فضمير { بك } واقع موقع الاسم الظاهر لأنّ مقتضَى هذا أن يكون الكلام مسوقاً لجميع الأمّة ، فيقتضي أن يقال : وجئنا بالرَّسُول عليهم شهيداً ، فعُدل إلى الخطاب تشريفاً للرسول صلى الله عليه وسلم بعزّ الحُضور والإقبال عليه .

والحالة التي دلّ عليها الاستفهام المستعمل في التعجيب تؤذن بحالة مهولة للمشركين وتنادي على حيرتهم ومحاولتهم التملّص من العقاب بسلوك طريق إنكار أن يكونوا أنذروا ممّا دلّ عليه مجيء شهيد عليهم ، ولذلك حذف المبتدأ المستفهم عنه ويقدّر بنحو : كيف أولئك ، أو كيف المَشْهَد ، ولا يقدّر بكيف حالهم خاصّة ، إذ هي أحوال كثيرة ما منها إلاّ يزيده حالُ ضدّه وضوحاً ، فالناجي يزداد سروراً بمشاهدة حال ضدّه ، والموبق يزداد تحسّرا بمشاهدة حال ضدّه ، والكلّ يقوى يقينه بما حصل له بشهادة الصادقين له أو عليه ، ولذلك لمّا ذكر الشهيد لم يذكر معه مُتعلِّقه بعلَى أو اللام : ليعمّ الأمرين . والاستفهام مستعمل في لازم معناه من التعجيب ، وقد تقدّم نظيره عند قوله تعالى : { فكيف إذا جمعناهم } في سورة آل عمران ( 25 ) .

( وإذا ) ظرف للمستقبل مضاف إلى جملة { جئنا } أي زمان إتياننا بشهيد . ومضمون الجملة معلوم من آيات أخرى تقدّم نزولها مثلُ آية سورة النحل ( 89 ) { ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء } فلذلك صلحت لأن يتعرّف اسم الزَّمان بإضافته إلى تلك الجملة ، والظرف معمول ل ( كيف ) لما فيها من معنى الفعل وهو معنى التعجيب ، كما انتصب بمعنى التلهّف في قول أبي الطمْحان :

وقبْل غدٍ يَا لهفَ قلبي من غَدٍ *** إذا رَاح أصحابي ولستُ برائح

والمجروران في قوله : { من كل أمة } وقوله : { بشهيد } يتعلّقان ب ( جئنا ) . وقد تقدّم الكلام مختصراً على نظيره في قوله تعالى : { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه } [ آل عمران : 25 ] .

وشهيد كلّ أمّة هو رسولها ، بقرينة قوله : { وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } .

و { هؤلاء } إشارة إلى الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم لحضورهم في ذهن السامع عند سماعه اسم الإشارة ، وأصل الإشارة يكون إلى مشاهد في الوجود أو منزّل منزلتَه ، وقد اصطلح القرآن على إطلاق إشارة ( هؤلاء ) مراداً بها المشركون ، وهذا معنى ألهمنا إليه ، استقريْناه فكان مطابقاً .

ويجوز أن تكون الإشارة إلى { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل } [ النساء : 37 ] وهم المشركون والمنافقون ، لأنّ تقدّم ذكرهم يجعلهم كالحاضرين فيشار إليهم ، لأنّهم لكثرة توبيخهم ومجادلتهم صاروا كالمعيّنين عند المسلمين . ومن أضعف الاحتمالات أن يكون { هؤلاء } إشارة إلى الشهداء ، الدالّ عليهم قوله : { كل أمةٍ بشهيد } وأن ورد في « الصحيح » حديث يناسبه في شهادة نوح على قومه وأنّهم يكذّبونه فَيشهد محمّد صلى الله عليه وسلم بصِدقه ، إذ ليس يلزم أن يكون ذلك المقصودَ من هذه الآية .

وذُكر متعلّق ( شهيدا ) الثاني مجروراً بعلى لتهديد الكافرين بأنّ الشهادة تكون عليهم ، لأنّهم المقصود من اسم الإشارة .

وفي « صحيح البخاري » : أنّ عبد الله بن مسعود قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " اقرأ عليّ القرآن ، قلت : أقْرَأهُ عليك وعليكَ أنْزِل ، قال : إني أحِبّ أنْ أسْمَعه من غيري " فقرأت عليه سورة النساء ، حتّى إذا بلغتُ { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } ، قال : { أمسِك } فإذا عينَاه تذرفان . وكما قلت : إنه أوجز في التعبير عن تلك الحال في لفظ كيف فكذلك أقول هنا : لا فِعل أجمع دلالة على مجموع الشعور عند هذه الحالة من بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّه دلالة على شعور مجتمععٍ فيه دلائلُ عظيمة : وهي المسرّة بتشريف الله إيّاه في ذلك المشهد العظيم ، وتصديقِ المؤمنين إيّاه في التبليغ ، ورؤيةِ الخيرات التي أنجزت لهم بواسطته ، والأسفِ على ما لحق بقية أمّته من العذاب على تكذيبه ، ومشاهدةِ ندمهم على معصيته ، والبكاء ترجمانُ رحمةٍ ومسرّة وأسف وبهجة .