الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

قوله تعالى : { فَكَيْفَ } : فيها ثلاثة أقوال ، أحدها : أنها في محل رفع خبراً لمبتدأ محذوف أي : فكيف حالُهم أو صنعُهم ؟ والعامل في " إذا " هو هذا المقدر . والثاني : أنها في محلِّ نصب بفعل محذوف أي : فيكف تكونون أو تَصْنَعون ؟ ويَجْري فيها الوجهان : النصب على التشبيه بالحالِ كما هو مذهبُ سيبويه ، أو على التشبيه بالظرفية كما هو مذهب الأخفش ، وهو العاملُ في " إذا " أيضاً . والثالث : حكاه ابن عطية عن مكي أنها معمولةٌ ل " جئنا " ، وهذا غلط فاحش .

قوله : { مِن كُلِّ } فيه وجهان ، أحدهما : أنه متعلق ب " جئنا " . والثاني : أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " شهيد " ، وذلك على رأي مَنْ يجوُّزُ تقديمَ حالِ المجرور بالحرف عليه ، وقد تقدم تحريره . والمشهودُ عليه محذوفٌ أي : بشهيد على أمته/ .

والمِثْقال : مِفْعَال من الثِّقَل وهو زِنَةُ كل شيء ، والذَّرَّة : النملة الصغيرة ، وقيل : رأسُها ، وقيل : الخَرْدَلة ، وقيل : جزء الهَباءَة ، وعن ابن عباس : أنه أَدْخَلَ يده في التراب ثم نَفَخَها وقال : " كلُّ واحدةٍ منه ذرةٌ " والأولُ هو المشهور ؛ لأن النملة يُضْرَبُ بها المثل في القلة ، وأصغرُ ما تكون إذا مَرَّ عليها حَوْلٌ ، قالوا لأنها حينئذ تَصْغُر جداً ، قال حسان :

لو يَدِبُّ الحَوْلِيُّ مِنْ وَلَدِ الذَّرْ *** رِ عليها لأنْدَبَتْها الكُلُومُ

وقال امرؤ القيس :

مِن القاصِراتِ الطَرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ *** من الذَرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا

قوله تعالى : { وَجِئْنَا بِكَ } في هذه الجملةِ ثلاثةُ أوجه ، أظهرها : أنها في محل جر عطفاً على " جئنا " الأولى أي : فكيف تصنعون في وقت المجيئين ؟ . والثاني : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال ، و " قد " مرادةٌ معها ، والعامل فيها " جئنا " الأولى أي : جئنا من كل أمة بشهيد وقد جئنا ، وفيه نظر . والثالث : أنها مستأنفة فلا محل لها . قال أبو البقاء : " ويجوزُ أن يكونَ مستأنفاً ، ويكون الماضي بمعنى المستقبل " . انتهى . وإنما احتاج إلى ذلك لأنَّ المجيءَ بعدُ لم يقع ، فادَّعى ذلك ، والله أعلم . و { عَلَى هَؤُلاءِ } متعلق ب " شهيداً " و " على " على بابها وقيل : هي بمعنى اللام وفيه بُعْدٌ ، وأجيز أن تكون " على " متعلقةً بمحذوف على أنها حالٌ من " شهيداً " ، وفيه بُعْدٌ ، و " شهيداً " حالٌ من الكاف في " بك " .