اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

" فكيف " فيها ثلاثة أقْوَال :

أحدها : أنَّها في مَحَلِّ رفْع خَبَراً لمبْتَدأ مَحْذُوف ، أي : فكيف [ تكُون ]{[7945]} حالهم أو صُنْعُهم ، والعَامِل في " إذَا " هو هَذَا المُقَدَّر .

والثاني : أنها في مَحَلِّ نَصْب بِفْعِل مَحْذُوف ، أي : فكيف تكُونونُ أو تَصْنَعُون ، ويَجْرِي فيها الوَجْهَان : النَّصْب على التَّشْبِيه بالحَالِ ؛ كما هو مَذْهَب سَيبويْه ، أو على التَّشْبِيه بالظَّرفيّة ؛ كما هو مذهب الأخْفَش ، وهو العَامِل في " إذَا " أيْضَاً .

والثالث : حكاه ابن عَطيّة{[7946]} عن مَكِّي أنها معمولة ل { جِئْنَا } ، وهذا غَلَطٌ فاحِشٌ .

قوله { مِن كُلِّ } فيه وجْهَان : أحدهما : أنه مُتعلِّق ب { جِئْنَا } .

والثاني : [ أنه متعلِّقٌ ]{[7947]} بمحذوفٍ على أنَّه حَالٌ من { شَهِيداً } ، وذلك على رَأي من يُجَوِّزُ تقديم حالِ المجرُور بالحَرْفِ عليْهِ ، كما تقدَّم ، والمشهود مَحْذُوف ، أي : شهيد على أمَّتِه .

فصل : معنى { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا }

من عَادَة العرب أنَّهم يقُولُون في الشَّيء الذي يتوقَّعُونَهُ : كيف بك إذا كان كَذَا وكَذَا ، ومعنى الكلام : كيْفَ يرون [ يَوْمَ ]{[7948]} القيامة : إذا اسْتَشْهَد الله على كُلِّ أمَّة برسُولِهَا يشهد عليهم{[7949]} بما عَمِلُوا ، { وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً } أي : شاهداً على جميع الأمَمِ .

روى أبو مَسْعُود ؛ " قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " اقْرَأ عَلَيَّ " . فقلت : يا رسُول الله ، أَقْرَأ عَلَيْكَ ، وعَلَيْكَ أنْزِلَ ؟ قال : " نَعَم ، أحِبُّ أن أسْمَعَهُ من غَيْرِي " ، فقرأت سُورة النِّسَاء حتى أتيْتُ إلى هذه الآيةِ ، قال : حَسْبُك الآن ، فالتَفَتُّ إلَيْه فإذا عَيْنَاهُ تَذْرِفان " {[7950]} .

قوله { وَجِئْنَا بِكَ } في هذه الجُمْلَة ثلاثة أوجه :

أظهرها{[7951]} : أنها في مَحَلِّ جرِّ عطفاً على { جِئْنَا } الأولى{[7952]} ، أي : فكيف تصنعون في وَقْتِ المجيئين .

والثاني : أنها في مَحَلِّ نصب على الحَالِ و " قَدْ " مُرَادةٌ معها ، والعَامِلُ فيها { جِئْنَا } [ الأولى ، أي : جئنا ]{[7953]} من كُلِّ أمَّة بشهيدٍ وقد جِئْنَا ؛ وفيه نَظَر .

الثالث : أنها مُسْتأنَفَة فلا مَحَل لها قال أبُو البَقَاء{[7954]} ويجوز أن تكون مُسْتأنفَة ، ويكون المَاضِي بمعنى المُسْتَقْبَل انتهى .

وإنما احْتَاج [ إلى ذلك ]{[7955]} ؛ لأن المَجِيءَ بعد لَمْ{[7956]} يَقَع فادّعى ذلك ، والله أعْلَم .

قوله : { عَلَى هَؤُلاءِ } متعلِّق ب { شَهِيداً }{[7957]} و " عَلَى " على بابها ، وقيل : بمعْنَى اللام ، وفيه بُعْدٌ [ وأجيز أن يكُونَ " عَلَى " متعلِّقَة بمحذُوفٍ على أنَّها حالٌ من { شَهِيداً } وفيه بُعْدٌ ]{[7958]} ، و { شَهِيداً } حالٌ من الكَافِ في " بِكَ " .


[7945]:سقط في أ.
[7946]:ينظر: المحرر الوجيز 2/55.
[7947]:سقط في أ.
[7948]:سقط في أ.
[7949]:في ب: عليهم.
[7950]:أخرجه البخاري (8/250) كتاب التفسير (4582) وفضائل القرآن (5049، 5050) ومسلم كتاب صلاة المسافرين (247 ـ 800)، (248/800) عن عبد الله بن مسعود. وأخرجه الحاكم (3/319) عن عمرو بن حريث مطولا. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
[7951]:في أ: أحدهما.
[7952]:في أ: الأول.
[7953]:سقط في أ.
[7954]:ينظر: الإملاء 1/181.
[7955]:سقط في أ.
[7956]:في أ: بعده.
[7957]:في أ: بشهيد.
[7958]:سقط في ب.