مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

قوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا } .

وجه النظم هو أنه تعالى بين أن في الآخرة لا يجري على أحد ظلم ، وأنه تعالى يجازي المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه ، فبين تعالى في هذه الآية أن ذلك يجري بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق ، لتكون الحجة على المسيء أبلغ ، والتبكيت له أعظم وحسرته أشد ، ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول وأظهر الطاعة أعظم ، ويكون هذا وعيدا للكفار الذين قال الله فيهم : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } ووعدا للمطيعين الذين قال الله فيهم : { وإن تك حسنة يضاعفها } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود : «إقرأ القرآن علي » قال : فقلت يا رسول الله أنت الذي علمتنيه فقال : «أحب أن أسمعه من غيري » قال ابن مسعود : فافتتحت سورة النساء ، فلما انتهيت إلى هذه الآية بكى الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال ابن مسعود فأمسكت عن القراءة . وذكر السدي أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون للرسل بالبلاغ ، والرسول صلى الله عليه وسلم يشهد لأمته بالتصديق ، فلهذا قال : { جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } وحكي عن عيسى عليه السلام أنه قال : { وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم } .

المسألة الثانية : من عادة العرب أنهم يقولون في الشيء الذي يتوقعونه : كيف بك إذا كان كذا وكذا ، وإذا فعل فلان كذا ، وإذا جاء وقت كذا ، فمعنى هذا الكلام : كيف ترون يوم القيامة إذا استشهد الله على كل أمة برسولها ، واستشهدك على هؤلاء ، يعني قومه المخاطبين بالقرآن الذين شاهدهم وعرف أحوالهم . ثم إن أهل كل عصر يشهدون على غيرهم ممن شاهدوا أحوالهم ، وعلى هذا الوجه قال عيسى عليه السلام : «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم » .