البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

{ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } هو نبيهم يشهد عليهم بما فعلوا كما قال تعالى : { وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم } والأمة هنا من بعث إليهم النبي من مؤمن به وكافر .

لمّا أعلم تعالى بعدله وإيتاء فضله أتبع ذلك بأن نبه على الحالة التي يحضرونها للجزاء ويشهد عليهم فيها .

وكيف في موضع رفع إن كان المحذوف مبتدأ التقدير : فكيف حال هؤلاء السابق ذكرهم ، أو كيف صنعهم .

وهذا المبتدأ هو العامل في إذا ، أو في موضع نصب إن كان المحذوف فعلاً أي : فكيف يصنعون ، أو كيف يكونون .

والفعل أيضاً هو العامل في إذا .

ونقل ابن عطية عن مكيّ : أن العامل في كيف جئنا .

قال : وهو خطأ ، والاستفهام هنا للتوبيخ ، والتقريع ، والإشارة بهؤلاء إلى أمة الرسول .

وقال مقاتل : إلى الكفار .

وقيل : إلى اليهود والنصارى .

وقيل : إلى كفار قريش .

وقيل : إلى المكذبين وشهادته بالتبليغ لأمته قاله : ابن مسعود ، وابن جريج ، والسدي ، ومقاتل .

أو بإيمانهم قاله أبو العالية ، أو بأعمالهم قاله : مجاهد وقتادة .

والظاهر أن الشهادة تكون على المشهود عليهم .

وقيل : على بمعنى اللام ، أي : وجئنا بك لهؤلاء ، وهذا فيه بعد .

وقال الزجاجي : يشهد لهم وعليهم ، وحذف المشهود عليهم في قوله : إذا جئنا من كل أمة بشهيد لجريان ذكره في الجار والمجرور فاختصر ، والتقدير : من كل أمة بشهيد على أمته .

وظاهر المقابلة يقتضي أن تكون الشهادة عليهم لا لهم ، ولا يكون عليهم إلا والمشهود عليهم كانوا منكرين مكذبين بما شهد عليهم به .

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه ، وكذلك حين قرأ عليه ابن مسعود ذرفت عيناه وبكاؤه والله أعلم هو إشفاق على أمته ورحمة لهم من هول ذلك اليوم .

وظاهر قوله : وجئنا بك ، أنه معطوف على قوله : جئنا من كل أمة .

وقيل : حال على تقدير قد أي وقد جئنا .

/خ46