محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا41 ) .

( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) قال الرازي : وجه النظم هو أنه تعالى بين أن في الآخرة لا يجري على أحد ظلم وأنه تعالى يجازي المحسن على احسانه ويزيده على قدر حقه . فبين تعالى في هذه الآية أن ذلك يجري بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق لتكون الحجة على المسيء أبلغ . والتبكيت له أعظم . وحسرته أشد . ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول وأظهر الطاعة أعظم . ويكون هذا وعيدا للكفار الذين قال الله فيهم : ( ان الله لا يظلم مثقال ذرة ) ووعدا للمطيعين الذين قال الله فيهم ( وان تك حسنة يضاعفها ) .

ثم قال : من عادة العرب أنهم يقولون في الشيء الذي يتوقعونه : كيف بك إذا كان كذا وكذا ، وإذا فعل فلان كذا ، أو إذا جاء وقت كذا ؟ فمعنى هذا الكلام : كيف ترون يوم القيامة إذا استشهد الله على كل أمة برسولها . واستشهدك على هؤلاء . يعني قومه المخاطبين بالقرآن الذين شاهدهم وعرف أحوالهم . ثم ان أهل كل عصر يشهدون على غيرهم ممن شاهدوا أحوالهم . وعلى هذا الوجه قال عيسى عليه السلام : ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) {[1731]} . ونظير هذه الآية قوله تعالى : ( ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم ) {[1732]} . الخ .

/ وروى الشيخان{[1733]} وغيرهما عن عبد الله بن مسعود قال : " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأ علي . فقلت : يا رسول الله ؟ أقرأ عليك وعليك انزل ؟ قال : نعم . اني أحب أن أسمعه من غيري . فقرأت عليه سورة النساء . حتى أتيت إلى هذه الآية : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) . فقال : حسبك الآن . فاذا عيناه تذرفان " .

زاد مسلم : " شهيدا ما دمت فيهم . أو قال ما كنت فيهم " . شك أحد رواته .

وروى ابن جرير عن ابن مسعود في هذه الآية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شهيد عليهم ما دمت فيهم . فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم " .


[1731]:|5/ المائدة/ 117| ونصها: (ما قلت لهم الا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد117).
[1732]:|16/ النحل/ 89| ونصها: (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين89).
[1733]:أخرجه البخاري في: 65 –كتاب التفسير، 4 –سورة النساء، 9 –باب (فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد)، حديث 1990. أخرجه مسلم في: 6 –كتاب صلاة المسافرين وقصرها، حديث 247 -249 (طبعتنا).