الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

قوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا }

فتحت الفاء لالتقاء الساكنين " وإذا " ظرف زمان والعامل فيه " جئنا " ذكر أبو الليث السمرقندي : حدثنا الخليل بن أحمد{[4411]} قال : حدثنا ابن منيع قال : حدثنا أبو{[4412]} كامل قال : حدثنا فضيل عن يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني ظفر{[4413]} فجلس على الصخرة التي في بني ظفر ومعه ابن مسعود ومعاذ وناس من أصحابه فأمر قارئا يقرأ حتى إذا أتى على هذه الآية " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اخضلت وجنتاه ، فقال : ( يا رب هذا على من أنا بين ظهرانيهم فكيف من لم أرهم ){[4414]} . وروى البخاري عن عبدالله قال . قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اقرأ علي ) قلت : اقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : ( إني أحب أن أسمعه من غيري ) فقرأت عليه سورة " النساء " حتى بلغت " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " قال : ( أمسك ) فإذا عيناه تذرفان . وأخرجه مسلم وقال بدل قوله ( أمسك ) : فرفعت رأسي - أو غمزني رجل إلى جنبي - فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل . قال علماؤنا : بكاء النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لعظيم ما تضمنته هذه الآية من هول المطلع وشدة الأمر ؛ إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب ، ويؤتى به صلى الله عليه وسلم يوم القيامة شهيدا . والإشارة بقوله " على هؤلاء " إلى كفار قريش وغيرهم من الكفار ، وإنما خص كفار قريش بالذكر ؛ لأن وظيفة العذاب أشد عليهم منها على غيرهم ؛ لعنادهم عند رؤية المعجزات ، وما أظهره الله على يديه من خوارق العادات . والمعنى فكيف يكون حال هؤلاء الكفار يوم القيامة " إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " أمعذبين أم منعمين ؟ وهذا استفهام معناه التوبيخ . وقيل : الإشارة إلى جميع أمته . ذكر ابن المبارك أخبرنا رجل من الأنصار عن المنهال بن عمر وحدثه أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : ليس من يوم إلا تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم . يقول الله تبارك وتعالى " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد " يعني بنبيها " وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " . وموضع " كيف " نصب بفعل مضمر ، التقدير فكيف يكون حالهم ، كما ذكرنا . والفعل المضمر قد يسد مسد " إذا " ، والعامل في " إذا " " جئنا " . و " شهيدا " حال . وفي الحديث من الفقه جواز قراءة الطالب على الشيخ والعرض عليه ، ويجوز عكسه . وسيأتي بيانه في حديث أبي في سورة " لم يكن " {[4415]} ، إن شاء الله تعالى . و " شهيدا " نصب على الحال{[4416]} .


[4411]:الخليل بن أحمد لعله الأصبهاني.
[4412]:من ز و ط و ي. وفي غيرها: ابن كامل.
[4413]:بنو ظفر (محركة) بطن في الأنصار، وبطن في بني سليم.
[4414]:في ابن كثير: هذا شهدت على من أنا بين ظهرانيهم فكيف بمن لم أرهم".
[4415]:راجع ج 20 ص 142 ولم يأت بشيء.
[4416]:هذه الزيادة من ج و د و ي.