الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

قوله جلَّت قدرته : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً }[ النساء :41 ] .

لما تقدَّم في التي قَبْلَها الإِعلامُ بتَحْقيق الأحكام يوم القيامة ، حَسُنَ بعد ذلك التَّنْبِيهُ على الحالَةِ الَّتي يُحْضَرُ ذلك فيها ، ويُجَاءُ فيها بالشُّهَدَاءِ على الأُمَمِ ، ومعنى الآيةِ : أنَّ اللَّه سبحانه يأتي بالأنبياءِ شُهَدَاءَ عَلَى أُمَمِهِمْ بالتَّصْديق والتَّكْذيب ، ومعنى الأُمَّة ، في هذه الآية : جميعُ مَنْ بُعِثَ إِلَيْه ، مَنْ آمَنَ منهم ، ومَنْ كَفَر ، وكذَلِكَ قال المتأوِّلون : إِن الإِشَارةَ بهؤلاء إِلَى كفار قُرَيْشٍ وغيرِهِم ، رُوِيَ أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ ، فَاضَتْ عَيْنَاهُ ، وكذلك ذَرِفَتْ عَيْنَاهُ -عليه السلام- حِينَ قَرَأَهَا عليه ابْنُ مَسْعُودٍ حَسْبَما هو مذكورٌ في الحديثِ الصَّحِيح ، وفي «صحيحِ البخاريِّ » ، " عن عُقْبَةَ بنِ عامرٍ ، قَالَ صلى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى المَيِّتِ بَعد ثمان سنين ، كالمُوَدِّع للأحياء والأموات ، ثم طلع المنبر ، فقال : إنِّي بَيْنَ أَيْدِيِكُمْ فَرَطٌ ، وأَنا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ ، وإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ ، وإِنَّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هذا ، وإِنِّي لست أخشى عليكم أن تشركوا ، ولكني أخشى عليكُمُ الدنيا أن تنافسوها ، قال : فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، انتهى .