بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا} (41)

وقوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ } أي فكيف يصنعون ؟ وكيف يكون حالهم ؟ إذا جئنا من كل أمة بشهيد ، يعني بنبيها هو شاهد بتبليغ الرسالة من ربهم { وَجِئْنَا بِكَ } يا محمد { على هَؤُلاء شَهِيداً } يعني على أمتك شهيداً بالتصديق لهم ، لأن أمته يشهدون على الأمم المكذبة للرسالة ، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى للأمم الخالية : هل بلغتكم الرسل رسالاتي ؟ فيقولون : لا . فقالت الرسل : قد بلغنا ولنا شهود ، فيقول عز وجل : ومن شهودكم ؟ فيقولون : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون بتبليغ الرسالة ، بما أوحي إليهم من ربهم في كتابهم في قصة الأمم الخالية .

فتقول الأمم الماضية : إن فيهم زواني وشارب الخمر ، فلا يقبل شهادتهم ، فيزكيهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول المشركون : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ سورة الأنعام : 23 ] فيختم على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون ، فذلك قوله تعالى { يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض } أي تخسف بهم الأرض . ويقال : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ } الرسل يشهدون على قومهم بتبليغ الرسالة ، ويشهد النبي صلى الله عليه وسلم على أمته بتبليغ الرسالة من قبل ومن لم يقبل .

حدّثنا الخليل بن أحمد ، قال : حدّثنا أبو منيع ، قال : حدّثنا أبو كامل ، قال : حدّثنا فضيل عن يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم من بني ظفر ، فجلس على الصخرة التي في بني ظفر ، ومعه ابن مسعود ، ومعاذ وناس من الصحابة ، فأمر قارئاً فقرأ حتى إذا أتى على هذه الآية { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً } بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اخضلت وجنتاه فقال : « يَا رَبّ هذا عِلْمِي بِمَنْ أَنَا بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ أَرَهُمْ ؟ »