{ رب اغفر لي ولوالدي } واسم أبيه : لمك بن متوشلخ ، واسم أمه : سمحاء بنت أنوش ، وكانا مؤمنين ، { ولمن دخل بيتي } داري ، { مؤمنا } ، وقال الضحاك والكلبي : مسجدي . وقيل سفينتي ، { وللمؤمنين والمؤمنات } هذا عام في كل من آمن بالله وملائكته وصدق الرسل ، { ولا تزد الظالمين إلا تبارا } هلاكاً ودماراً ، فاستجاب الله دعاءه فأهلكهم .
وإلى جانب دعاء نوح - عليه السلام - على الكافرين بالهلاك الساحق . . نراه يختتتم دعاءه بالمغفرة والرحمة للمؤمنين ، فيقول : { رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ } .
أى : يا رب أسألك أن تغفر لى ذنوبى ، وأن تغفر لوالدى - أيضا - ذنوبهما ، ويفهم من هذا الدعاء أنهما كانا مؤمنين ، وإلا لما دعا لهما بهذا الدعاء .
{ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً } واغفر يا إلهى لكل من دخل بيتى وهو متصف بصفة الإِيمان ، فيخرج بذلك من دخله وهو كافر كامرأته وابنه الذى غرق مع المغرقين .
{ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات } أى : واغفر يا رب ذنوب المؤمنين والمؤمنات بك إلى يوم القيامة .
{ وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً } أى : ولا تزد الظالمين إلا هلاكا وخسارا ودمارا . يقال تبره يتبره ، إذا أهلكه . ويتعدى بالتضعيف فيقال : تبره الله تتبيرا ، ومنه قوله - تعالى - : { إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ } وهكذا اختتمت السورة الكريمة بهذا الدعاء الذى فيه طلب المغفرة للمؤمنين ، والهلاك للكافرين .
ثم قال : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا } قال الضحاك : يعني : مسجدي ، ولا مانع من حمل الآية على ظاهرها ، وهو أنه دعا لكل من دخل منزله وهو مؤمن ، وقد قال الإمام أحمد :
حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حَيْوَة ، أنبأنا سالم بن غيلان : أن الوليد بن قيس التُّجِيبِيّ أخبره : أنه سمع أبا سعيد الخدري - أو : عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد : - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تصحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي " .
ورواه أبو داود والترمذي ، من حديث عبد الله بن المبارك ، عن حيوة بن شريح ، به{[29364]} ثم قال الترمذي : إنما نعرفه من هذا الوجه .
وقوله : { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } دعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات ، وذلك يَعُم الأحياءَ منهم والأموات ؛ ولهذا يستحب مثل هذا الدعاء ، اقتداء بنوح ، عليه السلام ، وبما جاء في الآثار ، والأدعية [ المشهورة ]{[29365]} المشروعة .
وقوله : { وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا } قال السدي : إلا هلاكا . وقال مجاهد : إلا خسارا ، أي : في الدنيا والآخرة .
آخر تفسير سورة " نوح " [ عليه السلام ولله الحمد والمنة ]{[29366]} .
وقوله : رَبّ اغْفِرْ لي وَلِوَالِدَيّ يقول : ربّ اعف عني ، واستر عليّ ذنوبي وعلى والديّ ولِمَنْ دَخَلَ بَيِتيَ مُؤْمِنا يقول : ولمن دخل مسجدي ومصلايَ مصلّيا مؤمنا ، يقول : مصدّقا بواجب فرضك عليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن آدم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن الضحاك ولِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنا قال : مسجدي .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي سلمة ، عن أبي سنان سعيد ، عن الضحاك مثله .
وقوله : وللْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ يقول : وللمصدّقين بتوحيدك والمصدّقات .
وقوله : وَلا تَزِدِ الظَالِمِينَ إلاّ تَبارا يقول : ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم إلا خسارا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : إلاّ تَبارا قال : خسارا .
وقد بينت معنى قول القائل : تبرت ، فيما مضى بشواهده ، وذكرت أقوال أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، قال : قال معمر : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد ، قال : كانوا يضربون نوحا حتى يُغْشَى عليه ، فإذا أفاق قال : ربّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
وقرأ جمهور الناس : «ولوالدَي » وقرأ أبي بن كعب «ولأبوي » ، وقرأ سعيد بن جبير «ولوالدِي » بكسر الدال يخص أباه بالدعوة . وقال ابن عباس : لم يكفر بنوح ما بينه وبين آدم عليه السلام ، وقرأ يحيى بن يعمر والجحدري : «ولولَديَّ » بفتح اللام وشد الياء المفتوحة وهي قراءة النخعي يخص بالدعاء ابنيه ، وبيته : المسجد فيما قال ابن عباس وجمهور المفسرين . وقال ابن عباس أيضاً : بيته : شريعته ودينه استعار لها بيتاً كما يقال : قبة الإسلام ، وفسطاط الدين . وقيل أراد سفينته ، وقيل داره . وقوله : { للمؤمنين والمؤمنات } تعميم بالدعاء لمؤمني كل أمة ، وقال بعض العلماء : إن الذي استجاب لنوح عليه السلام فأغرق بدعوته أهل الأرض الكفار لجدير أن يستجيب له فيرحم بدعوته المؤمنين . و : «التبار » الهلاك وذهاب الرسم ، وقرأ حفص عن عاصم وهشام وأبو قرة عن نافع : «بيتيَ » بتحريك الياء ، وقرأ الباقون بسكونها .