المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (83)

83- تلك الدار التي سمعت خبرها - أيها الرسول - وبلغك وصفها - وهي الجنة - نخص بها المؤمنين الطائعين الذين لا يطلبون الغلبة والتسلط في الدنيا ، ولا ينحرفون إلى الفساد بالمعاصي ، والعاقبة الحميدة إنما هي للذين تمتلئ قلوبهم خشية من الله فيعملون ما يرضيه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (83)

قوله تعالى :{ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض } قال الكلبي ، ومقاتل : استكباراً عن الإيمان ، وقال عطاء : علواً واستطالة على الناس وتهاوناً بهم . وقال الحسن : لم يطلبوا الشرف والعز عند ذي سلطانها . وعن علي رضي الله عنه : أنها نزلت في أهل التواضع من الولاة وأهل القدرة ، { ولا فساداً } قال الكلبي : هو الدعاء إلى عبادة غير الله . وقال عكرمة : أخذ أموال الناس بغير حق . وقال ابن جريج ومقاتل : العمل بالمعاصي . { والعاقبة للمتقين } أي : العاقبة المحمودة لمن اتقى عقاب الله بأداء أوامره واجتناب معاصيه . قال قتادة : الجنة للمتقين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (83)

ثم ختم - سبحانه - قصة قارون ببيان سنة من سننه التى لا تتخلف فقال : { تِلْكَ الدار الآخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرض وَلاَ فَسَاداً } .

واسم الإشارة { تِلْكَ } مبتدأ ، والدار الآخرة صفة له ، ونجعلها . . . خبره ، وجاءت الإشارة بهذه الصيغة المفيدة للبعد ، للإشعار بعظم هذه الدار وعلو شأنها .

أى : تلك الدار الآخرة وما فيها من جنات ونعيم ، نجعلها خالصة لعبادنا الذين لا يريدون بأقوالهم ولا بأفعالهم ظ { عُلُوّاً فِي الأرض } أى : تطاولا وتعاليا فيها { وَلاَ فَسَاداً } أى : ظلما أو بغيا أو عدوانا على أحد .

{ والعاقبة } الطيبة الحسنة ، إنما هى { لِلْمُتَّقِينَ } الذين صانوا أنفسهم عن كل سوء وقبيح .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (83)

76

ثم يأخذ في التعقيب في أنسب أوان :

( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا . والعاقبة للمتقين ) . .

تلك الآخرة التي تحدث عنها الذين أوتوا العلم . العلم الحق الذي يقوم الأشياء قيمتها الحقيقية . تلك الدار الآخرة العالية الرتبة البعيدة الآفاق . تلك الدار الآخرة ( نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ) . . فلا يقوم في نفوسهم خاطر الاستعلاء بأنفسهم لأنفسهم ؛ ولا يهجس في قلوبهم الاعتزاز بذواتهم والاعتزاز بأشخاصهم وما يتعلق بها . إنما يتوارى شعورهم بأنفسهم ليملأها الشعور بالله ، ومنهجه في الحياة . أولئك الذين لا يقيمون لهذه الأرض وأشيائها وأعراضها وقيمها وموازينها حسابا . ولا يبغون فيها كذلك فسادا . أولئك هم الذين جعل الله لهم الدار الآخرة . تلك الدار العالية السامية .

( والعاقبة للمتقين )الذين يخشون الله ويراقبونه ويتحرجون من غضبه ويبتغون رضاه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (83)

{ تلك الدار الآخرة } إشارة تعظيم كأنه قال : تلك التي سمعت خبرها وبلغك وصفها ، و { الدار } صفة والخبر : { نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض } غلبة وقهرا . { ولا فسادا } ظلما على الناس كما أراد فرعون وقارون . { والعاقبة } المحمودة . { للمتقين } ما لا يرضاه الله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (83)

هذا إخبار مستأنف من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يراد به إخبار جميع العالم وحضهم على السعي بحسب ما تضمنته الآية ، وهذا الحض يتضمن الإنحاء على حال قارون ونظرائه ، والمعنى أن الآخرة ليست في شيء من أمر قارون إنما هي لمن صفته كذا وكذا ، و «العلو » المذموم هو بالظلم والانتحاء والتجبر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم «وذلك أن تريد أن يكون شراك نعلك أفضل من شراك نعل أخيك »{[9194]} ، و «الفساد » يعم وجوه الشر ، ومما قال العلماء هو أخذ المال بغير حق { والعاقبة للمتقين } ، خير منفصل جزم معناه إما في الدنيا وإلا ففي الآخرة ولا بد .


[9194]:أثبت الإمام السيوطي في الدر المنثور هذا القول للإمام علي رضي الله عنه، قال: أخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "إن الرجل ليحب أن يكون شسع نعله أفضل من شسع نعل صاحبه فيدخل في هذه الآية: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا}". ولم نجده بهذا اللفظ مرفوعا. أما الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو ما رواه الإمام أحمد في مسنه (1-399) عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر)، فقال رجل: إني ليعجبني أن يكون ثوبي غسيلا، ورأسي دهينا، وشراك نعلي جديدا، وذكر أشياء حتى ذكر علاقة سوطه – فمن الكبر ذاك يا رسول الله؟ قال: (لا، ذاك الجمال، إن الله يحب الجمال. ولكن الكبر من سفه الحق وازدرى الناس).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ} (83)

انتهت قصة قارون بما فيها من العبر من خير وشر ، فأعقبت باستئناف كلام عن الجزاء على الخير وضده في الحياة الأبدية وأنها معدة للذين حالهم بضد حال قارون ، مع مناسبة ذكر الجنة بعنوان الدار لذكر الخسف بدار قارون للمقابلة بين دار زائلة ودار خالدة .

وابتدىء الكلام بابتداء مشوق وهو اسم الإشارة إلى غير مذكور من قبل ليَسْتَشْرِف السامع إلى معرفة المشار إليه فيعقبه بيانه بالاسم المعرف باللام الواقع بياناً أو بدلاً من اسم الإشارة كما في قول عبيدة بن الأبرص :

تلك عِرسي غَضْبَى تريد زِيالي *** ألِبَيْنٍ تريدُ أم لدَلالِ . .

الأبيات .

وجملة { نجعلها } هو خبر المبتدأ وكاف الخطاف الذي في اسم الإشارة غير مراد به مخاطب معيّن موجّه إلى كل سامع من قراء القرآن . ويجوز أن يكون خطاباً للنبيء صلى الله عليه وسلم والمقصود تبليغه إلى الأمة شأن جميع آي القرآن .

و { الدار } : محل السكنى ، كقوله تعالى { لهم دار السلام عند ربهم } في الأنعام ( 127 ) . وأما إطلاق الدار على جهنم في قوله تعالى { وأحَلُّوا قومَهم دارَ البَوَار } [ إبراهيم : 28 ] فهو تهكّم كقول أبي الغُول الطَهَوي :

ولا يَرْعَوْن أكناف الهُوَيْنَا *** إذا نزلوا ولا روضَ الهُدون

فاستعمال الروض للهدون تهكُّم لأن المقام مقام تعريض .

و { الآخرة } : مراد به الدائمة ، أي التي لا دار بعدها ، فاللفظ مستعمل في صريح معناه وكنايته .

ومعنى جعلها لهم أنها محضرة لأجلهم ليس لهم غيرها . وأما من عداهم فلهم أحوال ذات مراتب أفصحت عنها آيات أخرى وأخبار نبوية فإن أحكام الدين لا يقتصر في استنباطها على لوك كلمة واحدة .

وعن الفضيل بن عياض أنه قرأ هذه الآية ثم قال : ذهبتْ الأماني ههنا ، أي أماني الذين يزعمون أنه لا يضر مع الإيمان شيء وأن المؤمنين كلهم ناجون من العقاب ، وهذا قول المرجئة قال قائلهم :

كُن مسلماً ومن الذنوب فلا تخف *** حاشا المهيمن أن يُري تنكيدا

لو شاء أن يُصليك نار جهنم *** ما كان ألْهَم قلبَك التوحيدا

ومعنى { لا يريدون } كناية عن : لا يفعلون ، لأن من لا يريد الفعل لا يفعله إلا مكرهاً . وهذا من باب { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } كما تقدم في أول هذه السورة ( 5 ) .

والعُلوّ : التكبر عن الحق وعلى الخلق ، والطغيان في الأعمال ، والفساد : ضد الصلاح ، وهو كل فعل مذموم في الشريعة أو لدى أهل العقول الراجحة .

وقوله { والعاقبة للمتقين } تذييل وهو معطوف على جملة { تلك الدار } وبه صارت جملة { تلك الدار } كلها تذييلاً لما اشتملت عليه من إثبات الحكم للعام بالموصول من قوله { للذين لا يريدون علواً في الأرض } والمعرف بلام الاستغراق .

و { العاقبة } : وصف عومل معاملة الأسماء لكثرة الوصف به وهي الحالة الآخرة بعد حالة سابقة وغلب إطلاقها على عاقبة الخير . وتقدم عند قوله تعالى { ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } في [ الأنعام : 11 ]