96- أحل الله لكم أن تصيدوا حيوان البحار ، وأن تأكلوا منه ، وينتفع به المقيمون منكم والمسافرون ، وحرَّم عليكم أن تصيدوا حيوان البر غير المستأنس ، مما جرت العادة بعدم تربيته في المنازل والبيوت ، مدة قيامكم بأعمال الحج أو العمرة بالحرم ، وراقبوا الله وخافوا عقابه ، فلا تخالفوه ، فإنكم إليه ترجعون يوم القيامة ، فيجازيكم على ما تعملون .
قوله تعالى : { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة } ، والمراد بالبحر جميع المياه ، قال عمر رضي الله عنه : ( صيده ما اصطيد ، وطعامه ما رمي به ) . وعن ابن عباس وابن عمر ، وأبي هريرة : طعامه ما قذفه الماء إلى الساحل ميتاً . وقال قوم : هو المالح منه ، وهو قول ابن جبير ، وعكرمة ، وسعيد بن المسيب ، وقتادة ، والنخعي . وقال مجاهد : صيده طريه ، وطعامه مالحه ، ( متاعاً لكم ) أي : منفعة لكم ، ( وللسيارة ) يعني : المارة ، وجملة حيوانات الماء على قسمين : سمك وغيره . أما السمك فميتته حلال مع اختلاف أنواعها . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أحلت لنا ميتتان السمك والجراد ) فلا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب ، وعند أبي حنيفة لا يحل إلا أن يموت بسبب من وقوع على حجر ، أو انحسار الماء عنه ونحو ذلك . أما غير السمك فقسمان : قسم يعيش في البر كالضفدع والسرطان ، فلا يحل أكله ، وقسم يعيش في الماء ولا يعيش في البر إلا عيش المذبوح ، فاختلف القول فيه ، فذهب قوم إلى أنه لا يحل شيء منها إلا السمك ، وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه ، وذهب قوم إلى أن ميت الماء كلها حلال ، لأن كلها سمك ، وإن اختلفت صورتها ، كالجريث يقال له حبة الماء ، وهو على شكل الحية ، وأكله مباح بالاتفاق ، وهو قول عمر ، وأبي بسر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وأبي هريرة ، وبه قال شريح ، والحسن ، وعطاء ، وهو قول مالك ، وظاهر مذهب الشافعي ، وذهب قوم إلى أن ما له نظير في البر يؤكل ، فميتته من حيوانات البحر حلال ، مثل بقر الماء ونحوه ، ومالا يؤكل نظيره في البر لا يحل ميتته من حيوانات البحر ، مثل كلب الماء ، والخنزير ، والحمار ، ونحوها . وقال الأوزاعي : كل شيء عيشه في الماء فهو حلال ، قيل : فالتمساح ؟ قال نعم ، وقال الشعبي : لو أن أهلي أكلوا الضفادع لأطعمتهم ، وقال سفيان الثوري : أرجو أن لا يكون بالسرطان بأس ، وظاهر الآية حجة لمن أباح جميع حيوانات البحر ، وكذلك الحديث .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن صفوان بن سليمان ، عن سعيد ابن سلمة من آل بني الأزرق ، أن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أخبره ، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنا نركب في البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا مسدد ، أنا يحيى ، عن ابن جريج ، أخبرني عمر أنه سمع جابراً رضي الله عنه يقول : غزوت جيش الخبط ، وأمر أبو عبيدة ، فجعنا جوعاً شديدا ، فألقى البحر حوتاً ميتاً لم نر مثله ، يقال له العنبر ، فأكلنا منه نصف شهر ، فأخذ أبو عبيدة عظماً من عظامه ، فمر الراكب تحته . وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يقول : قال أبو عبيدة : كلوا ، فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : كلوا رزقا أخرجه الله إليكم ، أطعمونا إن كان معكم ، فأتاه بعضهم بشيء منه فأكله .
قوله تعلى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون } ، صيد البحر حلال للمحرم ، كما هو حلال لغير المحرم . أما صيد البر فحرام على المحرم في الحرم ، والصيد هو الحيوان الوحشي الذي يحل أكله ، أما ما لا يحل أكله فلا يحرم بسبب الإحرام ، ويحرم أخذه وقتله ، ولا جزاء على من قتله إلا المتولد بين ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل ، كالمتولد بين الذئب والظبي ، لا يحل أكله ، ويجب بقتله الجزاء على المحرم ، لأن فيه جزاء من الصيد .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن نافع ، عن عبد لله بن عمر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح : الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ) .
وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يقتل المحرم السبع العادي ) .
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( خمس قتلهن حلال في الحرم : الحية ، والعقرب ، والحدأة ، والفأرة ، والكلب العقور ) .
وقال سفيان بن عيينة : الكلب العقور كل سبع يعقر ، ومثله عن مالك رحمه الله ، وذهب أصحاب الرأي إلى وجوب الجزاء في قتل ما لا يؤكل لحمه كالفهد ، والنمر ، والخنزير ، ونحوها . إلا الأعيان المذكورة في الخبر ، وقاسوا عليها الذئب ، فلم يوجبوا فيه الكفارة ، وقاس الشافعي رحمه الله عليها جميع ما لا يؤكل لحمه ، لأن الحديث يشتمل على أعيان : بعضها سباع ضارية ، وبعضها هوام قاتلة ، وبعضها طير لا يدخل في معنى السباع ولا هي من جملة الهوام ، وإنما هي حيوان مستخبث اللحم ، وتحريم الأكل يجمع الكل ، فاعتبره ورتب الحكم عليه .
ثم بين - سبحانه - ما أحله للمحرم وما حرمه عليه مما يتلعق بالصيد فقال - تعالى - :
{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ . . . }
المراد بصيد البحر : ما توالده ومثواه في الماء . والمراد بالبحر : ما يشمل جميع المياه العذبة والملحة سواء أكانت أنهارا أم غدرانا أم غيرهما .
والمراد بالصيد : الاصطياد أو ما يصاد منه .
والمراد بطعامه : ما يطعم من صيده . وهو عطف على { صيد } من عطف الخاص على العام ، ويكون الحل الواقع على الصيد المقصود به حل الانتفاع مطلقا ثم عطف عليه ما يفيد حل الأكل خاصة من باب إظهار الامتنان بالإِنعام بما هو قوام الحياة وهو الأكل ؛ فإن صيد البحر قد يقصد لمنافع أخرى غير الأكل ، كالانتفاع بزيت بعض أنواع المصيد منه .
ويرى ابن أبي ليلى أن المراد بالصيد والطعام المعنى المصدري ، وقدر مضافا في صيد الحبر ، وجعل الضمير في { طعامه } يعود إليه لا إلى البحر ، فيكون المعنى :
أحل لكم صيد حيوان البحر كما أحل لكم أن تأكلوا ما صدتموه منه . فهو يرى حل الأكل من جميع حيوانات البحر .
وقيل : بل المراد بصيد البحر ما أخذ بحيلة ، وبطعامه ما ألقاه البحر من حيواناته أو انحسر عنه الماء وأخذه الآخذ من غير حيلة أو معالجة .
وقوله : { متاعا } مفعول لأجله .
وقوله : { وللسيارة } متعلق بأحل . وهو جمع سيار باعتبار الجماعة .
والمراد بالسيارة : القوم المسافرون .
والمعنى : أحل الله لكم أيها المحرومون صيد البحر كما أحل لكم أكل ما يؤكل منه ، لأجل تمتعكم وانتفاعكم بذلك في حال إقامتكم وفي حال سفركم فأنتم تتمتعون بهذه النعم مقيمين ومسافرين ، وذلك يقتضي منكم الشكر لله لكي يزيديكم من هذه النعم .
قال ابن كثير ما ملخصه : وقد استدل الجمهور على حل ميتة البحر بهذه الآية وبما أخرجه الشيخان عن جابر قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل ، فأمر عليهم أبا عبيدة وهم ثلاثمائة - قال : وأنا فيهم - قال فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد . قال : ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت كبير . فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة . فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال : هو رزق أخرجه الله لكم . هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ؟ قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله " .
وأخرج الإِمام أحمد وأهل السنن ومالك والشافعي عن أبي هريرة : " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! ! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء . فإن توضأنا به عطشنا أنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " " .
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أحلت لنا ميتتان ودمان ؛ فأما الميتتن : فالحوت والجراد ، وأما الدمان : فالكبد والطحال " .
رواه الشافعي وأحمد وابن ماجه والدراقطني والبيهقي وله شواهد .
وقد احتج بهذه الآية أيضاً من ذهب من الفقهاء إلى أنه تؤكل دواب البحر ولم يستثن من ذلك شيئا . وقد استثنى بعضهم الضفادع وأباح ما سواها .
وقال أبو حنيفة : لا يؤكل ما مات في البحر كما لا يؤكل ما مات في البر لعموم قوله - تعالى - : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة } ثم أكد - سبحانه - حرمة صيد البر للمحرمين فقال : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر مَا دُمْتُمْ حُرُماً } والمراد بصيد البر : ما كان توالده ومأواه في البر مما هو متوحش بأصل خلقته .
وبعض الفقهاء يرى أن التحريم هنا منصب على الفعل ، وعليه فالآية إنما تدل على حرمة الاصطياد فقط ، وأما الأكل منه - أي من المصيد - بأن يصيده حلال فلا تدل عليه الآية .
وبعضهم يرى أن التحريم هنا منصب على ذلك الصيد . وعليه فتكون الآية تقتضي تحريم جميع وجوه الانتفاع بالصيد إلا ما يخرجه الدليل .
أو يكون الصيد بمعنى المصيد وهو الأظهر لإِجماع العلماء أنه لا يجوز للمحرم قبول صيد وهب له ، ولا يجوز له شراؤه ، ولا اصطياده ، ولا ستحدث ملكه بوجه من الوجوه .
وقد اختلف العلماء فيما يأكله المحرم من الصيد ، فقال مالك والشافعي وأحمد . إنه لا بأس بأكل المحرم الصيد إذا لم يصد له ولا من أجله ، لما رواه الترمذي والنسائي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لصيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم " .
وقال أبو حنيفة : أكل الصيد للمحرم جائز على كل حال إذ اصطاده الحلال - سواء صيد من أجله أو لم يصد لظاهر قوله - تعالى - { لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } فحرم صيده وقتله على المحرمين دون ما صاده غيرهم .
وروى عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر أنه لا يجوز للمحرم كل صيد على حال من الأحوال سواء صيد من أجله أو لم يصد . لحديث الصعب بن جثامة الليثي ، " أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواه فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلما أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي قال : " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم " خرجه الأئمة واللفظ لمالك .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بالدعوة إلى خشيته وتقواه وبالتذكير بالحشر وما فيه من حساب وعقاب فقال : { واتقوا الله الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } .
أي : واتقوا الله في كل أحوالكم ، وقفوا عند حدوده فلا تتجاوزوها ، واعلموا أن مرجعكم وحشركم إليه وحده ، وسيجازيكم على أعمالكم التي عملتموها في دنياكم .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أحلت للمحرم صيد البحر - فضلا من الله ورحمة - ؛ لأن البحر بعيد عن الحرم ، والمحرم قد يحرم في منطقة قد تكون فيها بحار فتحريم صيد البحر عليه قد يؤدي إلى تعبه وإجهاده دون أن تكون هناك فائدة تعود على سكان الحرم .
أما الحكمة من وراء تحريم الصيد البري على المحرمين فمنها : أن البيت الحرام بواد غير زرع ، وسكان هذه المنطقة من وسائل حياتهم الصيد ، فلو أبيح الصيد للمحرمين القادمين لزيارة البيت من كل فج عميق . . لأدى ذلك إلى قتل الكثير من الصيد البري الذي هو مصدر انتفاع للقاطنين في تلك المناطق . وفضلا عن كل ذلك ففي تحريم الصيد البري الذي يعيش في مناطق الحرم ، تكريم لهذه المناطق ، وتشريف لها ، وإعلاء لشأنها ومكانتها . فهي أماكن الأمان والاطمئنان والسلام . لا للبشر وحدهم ، بل للبشر ولغير البشر من مخلوقات الله التي نهت شريعته عن التعرض لها بسوء .
وبعد هذا النهي الشديد للمحرمين عن صيد البر وهم على هذه الحالة بين - سبحانه - المنزلة السامية للكعبة التي هي أشرف مكان ، وأصلحه لأمان الناس واطمئنانهم كما بين - سبحانه - مكانة الأشهر الحرم وما يقدم فيها من خيرات لسكان الحرم - فقال - تعالى - :
ذلك شأن صيد البر . فأما صيد البحر فهو حلال في الحل والإحرام :
( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ) . .
فحيوان البحر حلال صيده وحلال أكله للمحرم ولغير المحرم سواء . . ولما ذكر حل صيد البحر وطعامة ، عاد فذكر حرمة صيد البر للمحرم :
( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا ) . .
والذي عليه الإجماع هو حرمة صيد البر للمحرم . ولكن هناك خلاف حول تناول المحرم له إذا صاده غير المحرم . كما أن هناك خلافا حول المعنى بالصيد . وهل هو خاص بالحيوان الذي يصاد عادة . أم النهي شامل لكل حيوان ، ولو لم يكن مما يصاد ومما لا يطلق عليه لفظ الصيد .
ويختم هذا التحليل وهذا التحريم باستجاشة مشاعر التقوى في الضمير ؛ والتذكير بالحشر إلى الله والحساب : ( واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) . . وبعد . ففيم هذه الحرمات ؟
القول في تأويل قوله تعالى : { أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لّكُمْ وَلِلسّيّارَةِ وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : أُحِلّ لَكُمْ أيها المؤمنون صَيْدُ البَحْرِ وهو ما صيد طريّاً . كما :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال عمر بن الخطاب في قوله : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال : صَيْدُه : ما صِيدَ منه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك ، قال : حُدثت ، عن ابن عباس ، قال : خطب أبو بكر الناس ، فقال : أحلّ لكم صيد البحر . قال : فَصْيدُه : ما أخذ .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال : صيده : ما صيد منه .
حدثنا سليمان بن عمر بن خالد البرقي ، قال : حدثنا محمد بن سلمة الحراني ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال : صَيْدهُ الطريّ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الهذيل بن بلال ، قال : حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس ، في قوله : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال : صَيْدُه : ما صِيدَ .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال : الطريّ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا الحسن بن عليّ الجعفي أو الحسين ، شكّ أبو جعفر عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : كان ابن عباس يقول : صيد البحر : ما اصطاده .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال : الطري .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن الحجاج ، عن العلاء بن بدر ، عن أبي سلمة ، قال : صيد البحر : ما صيد .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال : الطريّ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال : السمك الطريّ .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ أما صيد البحر : فهو السمك الطريّ ، هي الحيتان .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال : صيده : ما اصطدته طريّا . قال معمر : وقال قتادة : صيده : ما اصطدته .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال : حيتانه .
حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا عمر بن أبي سلمة ، قال : سئل سعيد عن صيد البحر ، فقال : قال مكحول : قال زيد بن ثابت : صَيْدُه : ما اصطدتَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال : يصطاد المحرم والمحلّ من البحر ، ويأكل من صيده .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة ، قال : قال أبو بكر : طعام البحر : كلّ ما فيه . وقال جابر بن عبد الله : ما حصر عنه فكُلْ . وقال : كل ما فيه يعني : جميع ما صيد .
حدثنا سعيد بن الربيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، سمع عكرمة يقول : قال أبو بكر : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال : هو كل ما فيه .
وعنى بالبحر في هذا الموضع : الأنهار كلها والعرب تسمي الأنهار بحارا ، كما قال تعالى ذكره : " ظَهَرَ الفَسادُ في البَرّ والبَحْر " .
فتأويل الكلام : أحلّ لكم أيها المؤمنون طريّ سمك الأنهار الذي صدتموه في حال حلكم وحرمكم ، وما لم تصيدوه من طعامه الذي قتله ثم رمي به إلى ساحله .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : وَطَعامُهُ فقال بعضهم : عُني بذلك : ما قذف به إلى ساحله ميتا ، نحو الذي قلنا في ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك ، قال : حدثت ، عن ابن عباس ، قال : خطب أبو بكر الناس ، فقال : أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ، وطعامُه : ما قذف .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : كنت بالبحرين ، فسألوني عما قذف البحر ، قال : فأفتيتهم أن يأكلوا . فلما قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ذكرت ذلك له ، فقال لي : بم أفتيتهم ؟ قال : قلت : أفتيتهم أن يأكلوا ، قال : لو أفتيتهم بغير ذلك لعلوتك بالدرّة . قال : ثم قال : إن الله تعالى قال في كتابه : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ " فصيده : ما صيد منه ، وطعامه : ما قذف .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وطَعَامُهُ مَتَاعا لَكُمْ قال : طعامه : ما قذف .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس ، في قوله : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ قال : طعامه : ما قذف .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حسين بن عليّ ، عن زائدة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : طعامه : كلّ ما ألقاه البحر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا الحسن بن عليّ أو الحسين بن عليّ الجعفي ، شكّ أبو جعفر عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : طعامه : ما لفظ من ميتته .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الهذيل بن بلال ، قال : حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ قال : طعامه : ما وجد على الساحل ميتا .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس ، قال : طعامه : ما قذف به .
حدثنا سعيد بن الربيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، سمع عكرمة يقول : قال أبو بكر رضي الله عنه : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال : طعامه : هو كلّ ما فيه .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار عن عكرمة مولى ابن عباس ، قال : قال أبو بكر : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال : طعامه : ميتته . قال عمرو : وسمع أبا الشعثاء يقول : ما كنت أحسب طعامه إلا مالحه .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني الضحاك بن مخلد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال : طعامه : ميتته .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن عثمان ، عن عكرمة : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال : طعامه : ما قذف .
حدثنا بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معمر بن سليمان ، قال : سمعت عبيد الله ، عن نافع ، قال : جاء عبد الرحمن إلى عبد الله ، فقال : البحر قد ألقى حيتانا كثيرة ؟ قال : فنهاه عن أكلها ، ثم قال : يا نافع هات المصحف فأتيته به ، فقرأ هذه الاية : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ " قال : قلت : طعامه : هو الذي ألقاه . قال : فألحقه ، فمره بأكله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا أيوب ، عن نافع أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر ، فقال : إن البحر قذف حيتانا كثيرة ميتة أفنأكلها ؟ قال : لا تأكلوها فلما رجع عبد الله إلى أهله ، أخذ المصحف ، فقرأ سورة المائدة ، فأتى على هذه الاية : " وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ " قال : اذهب ، فقل له : فليأكله ، فإنه طعامه .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، بنحوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، مولى ابن عباس ، قال : قال أبو بكر رضي الله عنه : " وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ " قال : ميتته ، قال عمرو : سمعت أبا الشعثاء يقول : ما كنت أحسب طعامه : إلا مالحه .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنا نافع أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر عن حيتان كثيرة ألقاها البحر ، أميتة هي ؟ قال : نعم فنهاه عنها . ثم دخل البيت ، فدعا بالمصحف ، فقرأ تلك الاية : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ " قال : طعامه : كل شيء أخرج منه فكُلْه فليس به بأس ، وكل شيء فيه يؤكل ميتا أو بساحله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، قال قتادة : طعامه : ما قذف منه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد ، عن ليث ، عن شهر ، عن أبي أيوب ، قال : ما لفظ البحر فهو طعامه ، وإن كان ميتا .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن ليث ، عن شهر ، قال : سئل أبو أيوب عن قول الله تعالى : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لكم " قال : هو ما لفظ البحر .
وقال آخرون : عني بقوله : وَطَعامُهُ : المليح من السمك . فيكون تأويل الكلام على ذلك من تأويلهم : أحلّ لكم سمك البحر ومليحه في كلّ حال ، إحلالكم وإحرامكم .
حدثنا سليمان عمرو بن خالد البرقي ، قال : حدثنا محمد بن سلمة ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : وَطَعامُهُ قال : طعامه المالح منه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ يعني بطعامه : مالحه ، وما قذف البحر من مالحه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وهو المالح .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن مجمع التيمي ، عن عكرمة ، في قوله : مَتاعا لَكُمْ قال : المليح .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن سالم الأفطس وأبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، قال : المليح .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال : المليح وما لفظ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال : يأتي الرجل أهل البحر فيقول : «أطعموني » ، فإن قال : «غريضا » ، ألقوا شبكتهم فصادوا له ، وإن قال : «أطعموني من طعامكم » ، أطعموه من سمكهم المالح .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل : عن عطاء ، عن سعيد : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ " قال : المنبوذ ، السمك المالح .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : " وَطَعَامُهُ " قال : المالح .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : " وطَعَامُهُ " قال : هو مالحه . ثم قال : ما قذف .
حدثنا ابن معاذ ، قال : حدثنا جامع بن حماد ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وَطَعامُهُ " قال : مملوح السمك .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرني الثوري ، عن منصور ، قال : كان إبراهيم يقول : طعامه : السمك المليح . ثم قال بعدُ : ما قذف به .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، قال : طَعَامُهُ : المليح .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد ، قال : " طَعَامُه " : السمك المليح .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الاية : " وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ " قال : الصير . قال شعبة : فقلت لأبي بشر : ما الصيّر ؟ قال : المالح .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا هشام بن الوليد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير ، قوله : " وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ " قال : الصّير . قال : قلت : ما الصير ؟ قال : المالح .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ " قال : أما طعامه فهو المالح .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : " وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ " قال : طعامه : ما تزوّدت مملوحا في سفرك .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد وسعيد بن الربيع الرازي ، قالا : حدثنا سفيان عن عمرو ، قال : قال جابر بن زيد : كنا نتحدّث أن طعامه مليحه ، ونكره الطافي منه .
وقال آخرون : " طَعَامُهُ " : ما فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة ، قال : طعام البحر : ما فيه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن حريث ، عن عكرمة : " وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ " قال : ما جاء به البحر بوجه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن حسن بن صالح ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : طعامه : كلّ ما صيد منه .
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا ، قول من قال : " طعامه " : ما قذفه البحر أو حسر عنه فوجد ميتا على ساحله . وذلك أن الله تعالى ذكر قبله صيد الذي يصاد ، فقال : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ " فالذي يجب أن يعطف عليه في المفهوم ما لم يصد منه ، فقال : أحلّ لكم صيدُ ما صدتموه من البحر وما لم تصيدوه منه . وأما المليح ، فإنه ما كان منه ملّح بعد الاصطياد ، فقد دخل في جملة قوله : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ " فلا وجه لتكريره ، إذ لا فائدة فيه . وقد أعلم عباده تعالى إحلاله ما صيد من البحر بقوله " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ " فلا فائدة أن يقال لهم بعد ذلك : ومليحه الذي صيد حلال لكم ، لأن ما صيد منه فقد بين تحليله طريا كان أو مليحا بقوله : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ " والله يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة .
وقد رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا خبر ، وإن كان بعض نقلته يقف به على ناقله عنه من الصحابة ، وذلك ما :
حدثنا به هناد بن السريّ ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ " قال : «طَعَامُهُ : ما لَفَظَهُ مَيْتا فَهُوَ طَعَامُهُ » .
وقد وقف هذا الحديث بعضهم على أبي هريرة .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة في قوله : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ " قال : طعامه : ما لفظه ميتا .
القول في تأويل قوله تعالى : مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ .
يعني تعالى ذكره بقوله : مَتاعا لَكُمْ منفعة لمن كان منكم مقيما أو حاضرا في بلده يستمتع بأكله وينتفع به . وللسّيّارة يقول : ومنفعة أيضا ومتعة للسائرين من أرض إلى أرض ، ومسافرين يتزوّدونه في سفرهم مليحا . والسيّارة : جمع سيّار .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرني أبو إسحاق ، عن عكرمة ، أنه قال في قوله : مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال : لمن كان بحضرة البحر ، وللسيّارَةِ السفر .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، في قوله : " وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسيّارَةِ " ما قذف البحر ، وما يتزوّدون في أسفارهم من هذا المالح . يتأوّلها على هذا .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا جامع بن حماد ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَة " : مملوح السمك ما يتزوّدون في أسفارهم .
حدثنا سليمان بن عمرو بن خالد البرقي ، قال : حدثنا مسكين بن بكير ، قال : حدثنا عبد السلام بن حبيب النجاري ، عن الحسن في قوله : وللسّيّارَةِ قال : هم المحرمون .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَة " أما طعامه : فهو المالح منه ، بلاغ يأكل منه السيّارة في الأسفار .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ " قال : طعامه : مالحه وما قذف البحر منه يتزوّده المسافر . وقال مرّة أخرى : مالحه وما قذفه البحر ، فمالحه يتزوّده المسافر .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ يعني المالح فيتزوّده .
حدثني محمد بن عمر ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال : أهل القرى ، وللسيّارة : أهل الأمصار .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : مَتاعا لَكُمْ قال لأهل القرى ، وللسّيّارَةِ : قال : أهل الأمصار وأجناس الناس كلهم .
وهذا الذي قاله مجاهد من أن السيارة هم أهل الأمصار لا وجه له مفهوم ، إلا أن يكون أراد بقوله هم أهل الأمصار : هم المسافرون من أهل الأمصار ، فيجب أن يدخل في ذلك كلّ سيارة من أهل الأمصار كانوا أو من أهل القُرى ، فأما السيّارة فلا يشمل المقيمين في أمصارهم .
القول في تأويل قوله تعالى : " وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما " .
يعني تعالى ذكره : وحرّم عليكم أيها المؤمنون صيد البرّ ما دمتم حرما ، يقول : ما كنتم محرمين لم تحلوا من إحرامكم .
ثم اختلف أهل العلم في المعنى الذي عنى الله تعالى ذكره بقوله : " وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ " فقال بعضهم : عنى بذلك : أنه حرّم علينا كلّ معاني صيد البرّ من اصطياد وأكل وقتل وبيع وشراء وإمساك وتملك .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحرث ، عن نوفل ، عن أبيه ، قال : حجّ عثمان بن عفان ، فحجّ عليّ معه . قال : فأُتِي بلحم صيد صاده حلال ، فأكل منه ولم يأكل عليّ ، فقال عثمان : والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا ، فقال عليّ : " وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما " .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن سماك ، عن صبيح بن عبيد الله العبسي ، قال : بعث عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحرث على العَرُوض ، فنزل قديدا ، فمرّ به رجل من أهل الشام معه باز وصقر ، فاستعاره منه ، فاصطاد به من اليعاقيب ، فجعلهنّ في حظيرة . فلما مرّ به عثمان طبخهنّ ، ثم قدمهنّ إليه ، فقال عثمان : كلوا ، فقال بعضهم : حتى يجيئ عليّ بن أبي طالب . فلما جاء فرأى ما بين أيديهم ، قال عليّ : إنا لن نأكل منه فقال عثمان : مالك لا تأكل ؟ فقال : هو صيد ، ولا يحلّ أكله وأنا محرم . فقال عثمان : بيّن لنا فقال عليّ : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لاتَقْتُلُوا الصّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ " فقال عثمان : أو نحن قتلناه ؟ فقرأ عليه : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما " .
حدثنا تميم بن المنتصر وعبد الحميد بن بيان القناد ، قالا : أخبرنا أبو إسحاق الأزرق ، عن شريك ، عن سماك بن حرب ، عن صبيح بن عبيد الله العبسي ، قال : استعمل عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحرث على العَرُوض . ثم ذكر نحوه ، وزاد فيه : قال : فمكث عثمان ما شاء الله أن يمكث ، ثم أتى فقيل له بمكة : هل لك في ابن أبي طالب أهدي له صفيف حمار فهو يأكل منه فأرسل إليه عثمان وسأله عن أكل الصفيف ، فقال : أما أنت فتأكل ، وأما نحن فتنهانا ؟ فقال : إنه صيد عام أوّل ، وأنا حلال ، فليس عليّ بأكله بأس ، وصِيدَ ذلك يعني اليعاقيب وأنا محرم ، وذُبحن وأنا حرام .
حدثنا عمران بن موسى القزّاز ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن : أن عمر بن الخطاب لم يكن يرى بأسا بلحم الصيد للمحرم ، وكرهه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن عليّا كره لحم الصيد للمحرم على كلّ حال .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحرث : أنه شهد عثمان وعليّا أُتيا بلحم ، فأكل عثمان ولم يأكل عليّ ، فقال عثمان : أنحن صدنا أو صيد لنا ؟ فقرأ عليّ هذه الاية : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمُتمْ حُرُما " .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، قال : حجّ عثمان بن عفان ، فحجّ معه عليّ ، فأُتي بلحم صيد صاده حلال ، فأكل منه وهو محرم ، ولم يأكل منه عليّ ، فقال عثمان : إنه صيد قبل أن نحرم . فقال له عليّ : ونحن قد بدا لنا وأهالينا لنا حلال ، أفيحللن لنا اليوم ؟
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن الحرث بن نوفل : أن عليّا أُتي بشقّ عَجُز حمار وهو محرم ، فقال : إني محرم .
حدثنا ابن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا سعيد ، عن يعلى بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه كان يكرهه على كلّ حال ما كان محرما .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرنا نافع أن ابن عمر كان يكره كل شيء من الصيد وهو حرام ، أُخذ له أو لم يؤخذ له ، وَشيقَة وغيرها .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن عبد الله ، قال : أخبرني نافع : أن ابن عمر كان لا يأكل الصيد وهو محرم وإن صاده الحلال .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني الحسن بن مسلم بن يناق : أن طاوسا كان ينهى الحرام عن أكل الصيد وَشيقَة وغيرها صيد له أو لم يصد له .
حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا خالد بن الحرث ، قال : حدثنا الأشعث ، قال : قال الحسن : إذا صاد الصيد ثم أحرم لم يأكل من لحمه حتى يحلّ . فإن أكل منه وهو محرم لم ير الحسن عليه شيئا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام وهارون عن عنبسة ، عن سالم ، قال : سألت سعيد بن جبير ، عن الصيد يصيده الحلال ، أيأكل منه المحرم ؟ فقال : سأذكر لك من ذلك ، إن الله تعالى قال : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ " فنهي عن قتله ، ثم قال : " وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ " ثم قال تعالى : " أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ " قال : يأتي الرجل أهل البحر فيقول : أطعموني فإن قال : «غريضا » ، ألقوا شبكتهم فصادوا له ، وإن قال : أطعموني من طعامكم أطعموه من سمكهم المالح . ثم قال : " وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما " وهو عليك حرام ، صدته أو صاده حلال .
وقال آخرون : إنما عنى الله تعالى بقوله : " وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما " ما استحدث المحرم صيده في حال إحرامه أو ذبحه ، أو أستحدث له ذلك في تلك الحال . فأما ما ذبحه حلال وللحلال فلا بأس بأكله للمحرم ، وكذلك ما كان في ملكه قبل حال إحرامه فغير محرّم عليه إمساكه .
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا قتادة ، أن سعيد بن المسيب حدثه ، عن أبي هريرة ، أنه سئل عن صيد صاده حلال أيأكله المحرم ؟ قال : فأفتاه هو بأكله ، ثم لقي عمر بن الخطاب فأخبره بما كان من أمره ، فقال : لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك .
حدثنا أحمد بن عبدة الضبيّ ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، قال : نزل عثمان بن عفان العَرْج وهو محرم ، فأهدى صاحب العَرْج له قَطا ، قال : فقال لأصحابه : كلوا فإنه إنما اصطيد على اسمي قال : فأكلوا ولم يأكل .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة كان بالربذة ، فسألوه عن لحم صيد صاده حلال . ثم ذكر نحو حديث ابن بزيع عن بشر .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن عمر ، نحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الشعثاء ، قال : سألت ابن عمر عن لحم صيد يُهديه الحلال إلى الحرام ، فقال : أكله عمر ، وكان لا يرى به بأسا . قال : قلت : تأكله ؟ قال : عمر خير مني .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن أبي الشعثاء ، قال : سألت ابن عمر عن صيد صاده حلال يأكل منه حرام ؟ قال : كان عمر يأكله . قال : قلت : فأنت ؟ قال : كان عمر خيرا مني .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن هشام ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : استفتاني رجل من أهل الشام في لحم صيد أصابه وهو محرم ، فأمرته أن يأكله . فأتيت عمر بن الخطاب فقلت له : إن رجلاً من أهل الشام استفتاني في لحم صيد أصابه وهو محرم . قال : فما أفتيته ؟ قال : قلت أفتيته أن يأكله . قال : فوالذي نفسي بيده لو أفتيته بغير ذلك لعلوتك بالدرّة ، وقال عمر : إنما نهيت أن تصطاده .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مصعب بن المقدام ، قال : حدثنا خارجة عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، عن كعب ، قال : أقبلت في أناس محرمين ، فأصبنا لحم حمار وحش ، فسألني الناس عن أكله ، فأفتيتهم بأكله وهم محرمون . فقدمنا على عمر ، فأخبروه أني أفتيتهم بأكل حمار الوحش وهم محرمون ، فقال عمر : قد أمّرته عليكم حتى ترجعوا .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : مررت بالربذة ، فسألني أهلها عن المحرم يأكل ما صاده الحلال ، فأفتيتهم أن يأكلوه . فلقيت عمر بن الخطاب ، فذكرت ذلك له ، قال : فبم أفتيتهم ؟ قال : أفتيتهم أن يأكلوا . قال : لو أفتيتهم بغير ذلك لخالفتك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن يونس ، عن أبي الشعثاء الكندي ، قال : قلت لابن عمر : كيف ترى في قوم حرام لقوا قوما حلالاً ومعهم لحم صيد ، فإما باعوهم وإما أطعموهم ؟ فقال : حلال .
حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، قال : حدثنا محمد بن سعيد ، قال : حدثنا هشام ، يعني ابن عروة ، قال : حدثنا عروة ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، أن عبد الرحمن حدثه : أنه اعتمر مع عثمان بن عفان في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى نزلوا بالروحاء ، فقُرّب إليهم طير وهم محرمون ، فقال لهم عثمان : كلوا فإني غير آكله ، فقال عمرو بن العاص : أتأمرنا بما لست آكلاً ؟ فقال عثمان : إني لولا أظنّ أنه صيد من أجلي لأكلت . فأكل القوم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن الزبير كان يتزوّد لحوم الوحش وهو محرم .
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ما صيد أو ذبح وأنت حلال فهو لك حلال ، وما صيد أو ذبح وأنت حرام فهو عليك حرام .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ما صيد من شيء وأنت حرام فهو عليك حرام ، وما صيد من شيء وأنت حلال فهو لك حلال .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما " فجعل الصيد حراما على المحرم صيده وأكله ما دام حراما ، وإن كان الصيد صيد قبل أن يحرم الرجل فهو حلال ، وإن صاده حرام لحلال فلا يحلّ له أكله .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : سألت أبا بشر عن المحرم يأكل مما صاده الحلال ، قال : كان سعيد بن جبير ومجاهد يقولان : ما صيد قبل أن يحرم أكل منه ، وما صيد بعد ما أحرم لم يأكل منه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : كان عطاء يقول إذا سئل في العلانية أيأكل الحرام الوشيقة والشيء اليابس ؟ يقول بيني وبينه : لا أستطيع أن أبين لك في مجلس ، إن ذبح قبل أن يحرم فكل ، وإلاّ فلا تبع لحمه ولا تبتع .
وقال آخرون : إنما عنى الله تعالى بقوله : " وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما " وحرّمَ عليكم اصطياده . قالوا : فأما شراؤه من مالك يملكه وذبحه وأكله بعد أن يكون ملكه إياه على غير وجه الاصطياد له وبيعه وشراؤه جائز . قالوا : والنهي من الله تعالى عن صيده في حال الإحرام دون سائر المعاني .
حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، قال : أخبرني يحيى ، أن أبا سلمة اشترى قَطا وهو بالعرج وهو محرم ومعه محمد بن المنكدر ، فأكله . فعاب عليه ذلك الناس .
والصواب في ذلك من القول عندنا أن يقال : إن الله تعالى عمّ تحريم كلّ معاني صيد البرّ على المحرم في حال إحرامه من غير أن يخصّ من ذلك شيئا دون شيء ، فكل معاني الصيد حرام على المحرم ما دام حراما بيعه وشراؤه واصطياده وقتله وغير ذلك من معانيه ، إلاّ أن يجده مذبوحا قد ذبحه حلال لحلال ، فيحلّ له حينئذٍ أكله ، للثابت من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي :
حدثناه يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج . وحدثني عبد الله بن أبي زياد ، قال : حدثنا مكي بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الملك بن جريج ، قال : أخبرني محمد بن المنكدر ، عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان ، عن أبيه عبد الرحمن بن عثمان ، قال : كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن حُرُم ، فأهدي لنا طائر ، فمنا من أكل ومنا من تورّع فلم يأكل . فلما استيقظ طلحة وافق من أكل ، وقال : أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما رُوي عن الصعب بن جثامة : أنه أَهْدَى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رِجْلَ حمار وحش يقطر دما ، فردّه فقال : «إنّا حُرُمٌ » . وفيما رُوِي عن عائشة : «أن وشيقة ظبي أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ، فردّها » ، وما أشبه ذلك من الأخبار ؟ قيل : إنه ليس في واحد من هذه الأخبار التي جاءت بهذا المعنى بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ من ذلك ما ردّ وقد ذبحه الذابح إذ ذبحه ، وهو حلال لحلال ، ثم أهداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام فردّه ، وقال : إنه لا يحلّ لنا لأنا حرم وإنما ذكر فيه أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم صيد فردّه ، وقد يجوز أن يكون ردّه ذلك من أجل أن ذابحه ذبحه أو صائده صاده من أجله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ، وقد بين خبر جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله : «لَحْمُ صَيْدِ البَرّ للمُحْرِمِ حَلاَلٌ ، إلاّ ما صَادَهُ أوْ صِيدَ لَهُ » . معنى ذلك كله . فإذْ كان كلا الخبرين صحيحا مخرجهما ، فواجب التصديق بهما وتوجيه كل واحد منهما إلى الصحيح من وجه ، وأن يقال ردّه ما ردّ من ذلك من أجل أنه كان صيد من أجله ، وإذنه في كل ما أذن في أكله منه من أجل أنه لم يكن صيد لمحرم ولا صاده محرم ، فيصحّ معنى الخبرين كليهما .
واختلفوا في صفة الصيد الذي عنى الله تعالى بالتحريم في قوله : " وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما " فقال بعضهم : صيد البرّ : كلّ ما كان يعيش في البرّ والبحر وإنما صيد البحر ما كان يعيش في الماء دون البرّ ويأوي إليه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن عمران بن حُدَير ، عن أبي مجلز : " وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما " قال : ما كان يعيش في البرّ والبحر لا يصيده ، وما كان حياته في الماء فذاك .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا الحجاج ، عن عطاء ، قال : ما كان يعيش في البرّ فأصابه المحرم فعليه جزاؤه ، نحو السلحفاة والسرطان والضفادع .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن الحجاج ، عن عطاء ، قال : كلّ شيء عاش في البرّ والبحر ، فأصابه المحرم فعليه الكفّارة .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الملك ، عن سعيد بن جبير ، قال : خرجنا حجاجا معنا رجل من أهل السواد معه شصوص طير ماء ، فقال له أبي حين أحرمنا : اعزل هذا عنا
وحدثنا به أبو كريب مرّة أخرى ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت يزيد بن أبي زياد ، قال : حدثنا حجاج ، عن عطاء : أنه كره للمحرم أن يذبح الدجاج الزنجي ، لأن له أصلاً في البرّ .
وقال بعضهم : صيد البرّ ما كان كونه في البرّ أكثر من كونه في البحر .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال ابن جريج : أخبرناه ، قال : سألت عطاء عن ابن الماء ، أصيد برّ ، أم بحر ؟ وعن أشباهه ، فقال : حيث يكون أكثر فهو صيده .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني وكيع ، عن سفيان ، عن رجل ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : أكثر ما يكون حيث يُفرِخ ، فهو منه .
القول في تأويل قوله تعالى : " وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ " .
وهذا تقدّم من الله تعالى ذكره إلى خلقه بالحذر من عقابه على معاصيه ، يقول تعالى : واخشوا الله أيها الناس ، واحذروه بطاعته فيما أمركم به من فرائضه وفيما نهاكم عنه في هذه الايات التي أنزلها على نبيكم صلى الله عليه وسلم من النهي عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام ، وعن إصابة صيد البرّ وقتله في حال إحرامكم ، وفي غيرها ، فإن الله مصيركم ومرجعكم فيعاقبكم بمعصيتكم إياه ، ومجازيكم فمثيبكم على طاعتكم له .
{ أحل لكم صيد البحر } ما صيد منه مما لا يعيش إلا في الماء وهو حلال كله لقوله عليه الصلاة والسلام في البحر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " . وقال أبو حنيفة لا يحل منه إلا السمك . وقيل يحل السمك وما يؤكل نظيره في البر . { وطعامه } ما قذفه أو نضب عنه . وقيل الضمير للصيد وطعامه أكله . { متاعا لكم } تمتيعا لكم نصب على الغرض . { وللسيارة } أي ولسيارتكم يتزودونه قديدا . { وحرم عليكم صيد البر } أي ما صيد فيه ، أو الصيد فيه فعلى الأول يحرم على المحرم أيضا ما صاده الحلال وإن لم يكن له فيه مدخل ، والجمهور على حله لقوله عليه الصلاة والسلام " لحم الصيد حلال لكم ، ما لم تصطادوه أو يصد لكم " { ما دمتم حرما } أي محرمين وقرئ بكسر الدال من دام يدام . { واتقوا الله الذي إليه تحشرون } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
(أُحلَّ لكم صيدُ البحر): السمك الطري، وشيءٌ يفرخ في الماء، لا يفرخ في غيره، فهو للمُحرِم حلال، ثم قال: (وطعامه): مليح السمك، (متاعا لكم): منافع لكم، يعني للمقيم، (وللسَّيَّارة): للمسافر، (وحُرِّم عليكم صيدُ البر ما دمتم حرما): ما دمتم مُحرِمين، (واتقوا الله)، ولا تستحلوا الصيد في الإحرام، ثم حذَّرهم قتل الصيد، فقال سبحانه: (الذي إليه تحشرون) في الآخرة، فيجزيكم بأعمالكم...
صيده: ما اصطيد، وطعامه: ما لفظ...
وإذا أكل ذلك ميتا، فلا يضره من صاده.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: أُحِلّ لَكُمْ أيها المؤمنون صَيْدُ البَحْرِ وهو ما صيد طريّاً... وعنى بالبحر في هذا الموضع: الأنهار كلها والعرب تسمي الأنهار بحارا، كما قال تعالى ذكره:"ظَهَرَ الفَسادُ في البَرّ والبَحْر".
فتأويل الكلام: أحلّ لكم أيها المؤمنون طريّ سمك الأنهار الذي صدتموه في حال حلكم وحرمكم، وما لم تصيدوه من طعامه الذي قتله ثم رمي به إلى ساحله.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: "وَطَعامُهُ"؛
فقال بعضهم: عُني بذلك: ما قذف به إلى ساحله ميتا... وقال آخرون: عني بقوله: "وَطَعامُهُ": المليح من السمك. فيكون تأويل الكلام على ذلك من تأويلهم: أحلّ لكم سمك البحر ومليحه في كلّ حال، إحلالكم وإحرامكم.
عن سعيد بن المسيب:"وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ "قال: طعامه: ما تزوّدت مملوحا في سفرك.
وقال آخرون:"طَعَامُهُ ": ما فيه. عن عكرمة: "وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ "قال: ما جاء به البحر بوجه.
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا، قول من قال: "طعامه ": ما قذفه البحر أو حسر عنه فوجد ميتا على ساحله. وذلك أن الله تعالى ذكر قبله صيد الذي يصاد، فقال:"أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ "فالذي يجب أن يعطف عليه في المفهوم ما لم يصد منه، فقال: أحلّ لكم صيدُ ما صدتموه من البحر وما لم تصيدوه منه. وأما المليح، فإنه ما كان منه ملّح بعد الاصطياد، فقد دخل في جملة قوله:"أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ "فلا وجه لتكريره، إذ لا فائدة فيه. وقد أعلم عباده تعالى إحلاله ما صيد من البحر بقوله" أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ "فلا فائدة أن يقال لهم بعد ذلك: ومليحه الذي صيد حلال لكم، لأن ما صيد منه فقد بين تحليله طريا كان أو مليحا بقوله:"أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ "والله يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة.
"مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ": مَتاعا لَكُمْ: منفعة لمن كان منكم مقيما أو حاضرا في بلده يستمتع بأكله وينتفع به. "وللسّيّارة": ومنفعة أيضا ومتعة للسائرين من أرض إلى أرض، ومسافرين يتزوّدونه في سفرهم مليحا. والسيّارة: جمع سيّار.
" وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما ": وحرّم عليكم أيها المؤمنون صيد البرّ ما دمتم حرما، يقول: ما كنتم محرمين لم تحلوا من إحرامكم.
ثم اختلف أهل العلم في المعنى الذي عنى الله تعالى ذكره بقوله:"وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ"؛
فقال بعضهم: عنى بذلك: أنه حرّم علينا كلّ معاني صيد البرّ من اصطياد وأكل وقتل وبيع وشراء وإمساك وتملك.
وقال آخرون: إنما عنى الله تعالى بقوله:"وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما "ما استحدث المحرم صيده في حال إحرامه أو ذبحه، أو أستحدث له ذلك في تلك الحال. فأما ما ذبحه حلال وللحلال فلا بأس بأكله للمحرم، وكذلك ما كان في ملكه قبل حال إحرامه فغير محرّم عليه إمساكه.
وقال آخرون: إنما عنى الله تعالى بقوله:"وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما "وحرّمَ عليكم اصطياده. قالوا: فأما شراؤه من مالك يملكه وذبحه وأكله بعد أن يكون ملكه إياه على غير وجه الاصطياد له وبيعه وشراؤه جائز. قالوا: والنهي من الله تعالى عن صيده في حال الإحرام دون سائر المعاني.
والصواب في ذلك من القول عندنا أن يقال: إن الله تعالى عمّ تحريم كلّ معاني صيد البرّ على المحرم في حال إحرامه من غير أن يخصّ من ذلك شيئا دون شيء، فكل معاني الصيد حرام على المحرم ما دام حراما: بيعه وشراؤه واصطياده وقتله وغير ذلك من معانيه، إلاّ أن يجده مذبوحا قد ذبحه حلال لحلال، فيحلّ له حينئذٍ أكله، للثابت من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:
حدثناه يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج. وحدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: حدثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الملك بن جريج، قال: أخبرني محمد بن المنكدر، عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان، عن أبيه عبد الرحمن بن عثمان، قال: كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن حُرُم، فأهدي لنا طائر، فمنا من أكل ومنا من تورّع فلم يأكل. فلما استيقظ طلحة وافق من أكل، وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما رُوي عن الصعب بن جثامة: أنه أَهْدَى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رِجْلَ حمار وحش يقطر دما، فردّه فقال: «إنّا حُرُمٌ». وفيما رُوِي عن عائشة: «أن وشيقة ظبي أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فردّها»، وما أشبه ذلك من الأخبار؟ قيل: إنه ليس في واحد من هذه الأخبار التي جاءت بهذا المعنى بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ من ذلك ما ردّ وقد ذبحه الذابح إذ ذبحه، وهو حلال لحلال، ثم أهداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام فردّه، وقال: إنه لا يحلّ لنا لأنا حرم وإنما ذكر فيه أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم صيد فردّه، وقد يجوز أن يكون ردّه ذلك من أجل أن ذابحه ذبحه أو صائده صاده من أجله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، وقد بين خبر جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «لَحْمُ صَيْدِ البَرّ للمُحْرِمِ حَلاَلٌ، إلاّ ما صَادَهُ أوْ صِيدَ لَهُ». معنى ذلك كله. فإذْ كان كلا الخبرين صحيحا مخرجهما، فواجب التصديق بهما وتوجيه كل واحد منهما إلى الصحيح من وجه، وأن يقال ردّه ما ردّ من ذلك من أجل أنه كان صيد من أجله، وإذنه في كل ما أذن في أكله منه من أجل أنه لم يكن صيد لمحرم ولا صاده محرم، فيصحّ معنى الخبرين كليهما.
واختلفوا في صفة الصيد الذي عنى الله تعالى بالتحريم في قوله:"وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُمْ حُرُما"؛
فقال بعضهم: صيد البرّ: كلّ ما كان يعيش في البرّ والبحر وإنما صيد البحر ما كان يعيش في الماء دون البرّ ويأوي إليه. وقال بعضهم: صيد البرّ ما كان كونه في البرّ أكثر من كونه في البحر.
" وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ ": وهذا تقدّم من الله تعالى ذكره إلى خلقه بالحذر من عقابه على معاصيه، يقول تعالى: واخشوا الله أيها الناس، واحذروه بطاعته فيما أمركم به من فرائضه وفيما نهاكم عنه في هذه الآيات التي أنزلها على نبيكم صلى الله عليه وسلم من النهي عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وعن إصابة صيد البرّ وقتله في حال إحرامكم، وفي غيرها، فإن الله مصيركم ومرجعكم فيعاقبكم بمعصيتكم إياه، ومجازيكم فمثيبكم على طاعتكم له.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{صَيْدُ البحر} مصيدات البحر مما يؤكل وما لا يؤكل {وَطَعَامُهُ} وما يطعم من صيده والمعنى: أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر، وأحل لكم أكل المأكول منه وهو السمك وحده عند أبي حنيفة. وعند ابن أبي ليلى جميع ما يصاد منه، على أن تفسير الآية عنده أحل لكم صيد حيوان البحر وأن تطعموه {متاعا لَّكُمْ} مفعول له، أي أحل لكم تمتيعاً لكم وهو في المفعول له...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{واتقوا الله الذي إليه تحشرون} هذا فيه تنبيه وتهديد وجاء عقيب تحليل وتحريم وذكر الحشر إذ فيه يظهر من أطاع وعصى.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} ويؤخذ من لفظ "الصيد "أنه لا بد أن يكون وحشيا، لأن الإنسي ليس بصيد. ومأكولا، فإن غير المأكول لا يصاد ولا يطلق عليه اسم الصيد...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف بياني نشأ عن قوله: {يأيّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 95] فإنّه اقتضى تحريم قتل الصيد على المحرم وجعل جزاء فعله هدي مثل ما قتَل من النعم، فكان السامع بحيث يسأل عن صيد البحر لأنّ أخذه لا يسمّى في العرف قتلاً، وليس لما يصاد منه مثل من النعم ولكنّه قد يشكّ لعلّ الله أراد القتل بمعنى التسبّب في الموت، وأراد بالمثل من النعم المقاربَ في الحجم والمقدار، فبيّن الله للناس حكم صيد البحر وأبقاه على الإباحة، لأنّ صيد البحر ليس من حيوان الحرم، إذ ليس في شيء من أرض الحرم بحر. وقد بينّا عند قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 95] أنّ أصل الحكمة في حرمة الصيد على المحرم هي حفظ حرمة الكعبة وحرمها.
ومعنى {أحلّ لكم صيد البحر} إبقاء حلّيّته لأنّه حلال من قبلِ الإحرام. والخطاب في {لكم} للذين آمنوا. والصيد هنا بمعنى المصيد ليجري اللفظ على سنن واحد في مواقعه في هذه الآيات، أي أحلّ لكم قتله، أي إمساكه من البحر.
والبحر يشمل الأنهار والأودية لأنّ جميعها يسمّى بحراً في لسان العرب. وقد قال الله تعالى: {وما يستوي البحران هذا عذب فرات} الآية. وليس العذب إلاّ الأنهار كدجلة والفرات. وصيد البحر: كلّ دوابّ الماء التي تصاد فيه، فيكون إخراجها منه سبب موتها قريباً أو بعيداً. فأمّا ما يعيش في البرّ وفي الماء فليس من صيد البحر كالضفدع والسلحفاة، ولا خلاف في هذا. أمّا الخلاف فيما يؤكل من صيد البحر وما لا يؤكل منه، عند من يرى أنّ منه ما لا يؤكل، فليس هذا موضع ذكره، لأنّ الآية ليست بمثبتة لتحليل أكل صيد البحر ولكنّها منّبهة على عدم تحريمه في حال الإحرام.
... والسيّارة: الجماعة السائرة في الأرض للسفر والتجارة، مؤنث سيّار، والتأنيث باعتبار الجماعة. قال تعالى: {وجاءت سيّارة} [يوسف: 19]. والمعنى أحلّ لكم صيد البحر تتمتّعون بأكله ويتمتّع به المسافرون، أي تبيعونه لمن يتّجرون ويجلبونه إلى الأمصار.
وقوله: {وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً} زيادة تأكيد لتحريم الصيد، تصريحاً بمفهوم قوله {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 95]، ولبيان أنّ مدّة التحريم مدّة كونهم حُرُماً، أي محرمين أو مارّين بحرم مكة. وهذا إيماء لتقليل مدّة التحريم استئناساً بتخفيف، وإيماء إلى نعمة اقتصار تحريمه على تلك المدّة، ولو شاء الله لحرّمه أبداً. وفي « الموطأ»: أنّ عائشة قالت لعروة بن الزبير: يا بن أختي إنّما هي عشر ليال (أي مدّة الإحرام) فإن تخلَّجَ في نفسك شيء فدعه. تعني أكل لحم الصيد.
وذيّل ذلك بقوله: {واتّقوا الله الذي إليه تحشرون}. وفي إجراء الوصف بالموصول وتلك الصلة تذكير بأنّ المرجع إلى الله ليعدّ الناس ما استطاعوا من الطاعة لذلك اللقاء.
والحشر: جمع الناس في مكان. والصيد مراد به المصيد، كما تقدّم.
والتحريم متعلّق بقتله لقوله قبله {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 95] فلا يقتضي قوله: {وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً} تحريم أكل صيد البرّ على المحرم إذا اشتراه من بائع أو ناوله رجل حلال إيّاه، لأنّه قد علم أنّ التحريم متعلّق بمباشرة المحرم قتله في حال الإصابة. وقد أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحمار الذي صاده أبو قتادة، كما في حديث « الموطأ» عن زيد بن أسلم. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقسمة الحمار الذي صاده زيد البهزي بين الرفاق وهم محرمون. وعلى ذلك مضى عمل الصحابة، وهو قول.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
"واتقوا الله الذي اليه تحشرون" وفي هذا تذكير بتقوى الله، حتى يعلموا أن الدنيا مهما يكن متاعها لها نهاية، وأن الإنسان محاسب على ما يتناول يوم الحشر أي يوم الجمع من غير تفرقة، والله وحده، هو العالم القادر المنتقم الجبار الرؤوف الرحيم.
وبعد أن تكلم الحق عن صيد البر وحكمه، أراد أن يوضح لنا أن ذلك الحكم لا ينسحب على كل صيد. فسبحانه حرم صيد البر إن كنا حرما، أو في دائرة الحرم. ويجيء قول الحق: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون (96)}. وهذا قول دقيق يبين تحليل صيد البحر وطعامه، وتحريم صيد البر على المحرم كما حرم الصيد في دائرة الحرم على المحرم وغير المحرم؛ لأن المسألة ليست رتابة حل، ولا رتابة حرمة، إنما هي خروج عن مراد النفس إلى مراد الله. وصيد البحر هو ما نأخذه بالحيل ونأكله طريا، وطعام البحر هو ما يعد ليكون طعاما بأن نملحه ولذلك قال: {متاع لكم وللسيارة}. ولهذا جاء الحق بطعام البحر معطوفا على صيد البحر. والشيء لا يعطف على نفسه، فإذا ما جاء العطف فهو عطف شيء على شيء آخر، فالعطف يقتضي المغايرة. إذن فالمقيم يأكل السمك الطري والذي في سيارة ورحلة فليأخذ السمك ويجففه ويملحه طعاما له، مثلما فعل سيدنا موسى مع الحوت...
ويذيل الحق الآية بقوله: {واتقوا الله الذي إليه تحشرون} أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية؛ لأنكم لستم بقادرين على تحمل عذاب النار، فالحق – كما قلنا من قبل – له صفات جمال، وهي التي تأتي بما ييسر وينفع كالبسط، والمغفرة والرحمة، وله سبحانه وتعالى صفات القهر مثل: الجبار وشديد العقاب وغيرها. وكل صفة من صفات الحق لها مطلوب. فعندما يذنب الإنسان فالتجلي في صفات الله يكون لصفات الجلال، ومن جنود صفات الجلال النار. إذن فإياكم أن تظنوا أنكم انفلتم من الله، فمساحة الحرية الممنوحة لكل إنسان تقع في المسافة بين قوسين قوس الميلاد، وقوس الموت، فلا أحد يتحكم في ميلاده أو وفاته. إياك – إذن – أيها الإنسان أن تقع أسير الغرور؛ لأنك مختار فيهم بين القوسين. ومحكوم بقهرين، قهر أنه قد خلقك بدءا، وقهر أنك ستعود إليه – سبحانه وتعالى – نهاية...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} فقد حرّم الله صيد البر للمُحْرِمين، أمّا صيد البحر وطعامه، فقد أحلّه الله متاعاً للمؤمنين المحرمين وللقافلة، ولعلَّ ذلك جاء لأنَّ الله يُريد للإحرام أن يكون حالةً من حالات السلام في ما يعيش فيه الإنسان من الأرض، ليكون ذلك سبيلاً من سُبل تركيز روح السلام في نفس المؤمن فيمن حوله، وفي ما حوله من مخلوقات الله.
أمَّا البحر فهو منطقة استثنائيّة، لا يتمثَّل فيها العدوان في الصيد، أو لا تتمثَّل فيها صورة السلام والحرب، كما تتمثَّل في مجتمع الأرض. والله العالم. التقوى عمق روحي للإنسان {وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فكانت تقوى الله هي الإيحاء الروحي الَّذي أراد الله إثارته في أعماق الإنسان في إثارة الشعور بالحشر أمامه في يوم القيامة، ليكون ذلك أساساً للانضباط أمام حدود الله في حلاله وحرامه.