قوله تعالى : { اُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } يخاطب الله المؤمنين ليبين لهم تحليل صيد البحر ، وهو المصيد . أي ما صيد من الماء سواء كان بحراً أو نهراً أو غديراً أو نحو ذلك من أشكال المياه التي تتوالد فيها الأحياء المائية .
قوله : { وَطَعَامُهُ } أي ما يطعم من صيده . وهو عطف على { صَيْدُ } وهو من عطف الخاص على العام . أي أحل لكم جميع ما يصاد في المياه والانتفاع به وكل ما يؤكل منه .
وجملة ما يصاد من البحر ثلاثة أنواع : الأسماك بكل أنواعها ، فهي حلال . والضفادع بكل أنواعها فهي حرام . وما سوى هذين النوعين .
وفيه خلاف بين العلماء . فهو عند الحنفية حرام أكله . فإنما يحل عندهم أكل الأسماك دون غيرها مما حواه البحر من حيوان . خلافاً لابن أبي ليلى من الحنفية إذ يحل عنده أكل جميع حيوانات البحر . فقد جعل الضمير في قوله : { وَطَعَامُهُ } راجعاً إلى صيد البحر وليس البحر . أي يحل لكم صيد حيوان البحر وأن تطعموه وتأكلوه . وهو قول المالكية والشافعية والأوزاعي والثوري . فقد ذهب هؤلاء إلى أنه يؤكل كل ما في البحر من السمك والدواب وسائر ما في البحر من الحيوان ، وسواء اصطيد أو وجد ميتاً . واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وفي الحوت أخرج الصحيحان عن جابر قال : لما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال : " هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا " فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله .
أما السمك الطافي في البحر فهو حلال أكله عند الشافعية . وهو مروي عن أبي بكر وعمر وابن عباس ، وذلك لعموم قوله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ } وكذا عموم الخبر " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " .
وعند الحنفية : لا يؤكل السمك الطافي ، ويؤكل ما سواه من السمك دون غيره من سائر الحيوان . وكرهه كثير من أهل العلم لعموم قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ } ولما رواه أبو داود والدارقطني عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كلوا ما حسر عنه البحر . وما ألقاه وما وجدتموه ميتاً أو طافياً فوق الماء فلا تأكلوه " .
قوله : { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } متاعاً منصوب على المصدر . وقيل : مفعول لأجله . أي أحل لكم تمتيعاً لكم( {[1076]} ) أي أحل الله لكم صيد البحر منفعة لمن كان منكم مقيماً أو حاضراً في بلده فيستمتع بأكله . وكذلك منفعة ومتعة للسيارة وهم السائرون المسافرون من بلد إلى بلد ومن أرض إلى أرض . إذ يتزودونه في سفرهم . والسيارة جمع سيار . أي يستمتع به المقيمون فيأكلونه طريّاً ويستمتع به المسافرون إذ يتزودونه قديداً مالحاً .
قوله : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } فقد حرم الله بهذه الآية على المحرم كل معاني صيد البر من اصطياد وأكل وقتل وبيع وشراء وإمساك وتملك . وصيد البر ما صيد فيه مما يتوالد فيه . وإن كان يعيش في البر تارة وفي الماء تارة أخرى فذلك كله صيد البر . وذلك كالسلحفاة والسرطان والضفدع وطير الماء . ويجب على قاتله الجزاء .
أما الصيد الذي يصيده الحلال هل يحل للمحرم ؟ ثمة أقوال في ذلك :
القول الأول : عدم جواز أكل الصيد للمحرم بالكلية والمنع من ذلك مطلقاً وذلك لعموم الآية { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } وقد ذهب إلى ذلك علي وابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير وطاووس والثوري . فقد قالوا : صيد البر يدخل فيه ما اصطاده المحرم وما اصطاده الحلال . وكل ذلك صيد البر .
القول الثاني : إباحته للمحرم مطلقاً ، أي على كل حال ، إذا اصطاده الحلال سواء صيد من أجله أو لا . وقد روي هذا القول عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة والزبير بن العوام وكعب الأحبار ومجاهد وسعيد بن جبير . وهو قول الحنفية . وذلك لظاهر قوله : { لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } فحرم صيده وقتله على المحرمين دون ما صاده غيرهم .
القول الثالث : إن كان الحلال قد قصد المحرم بذلك الصيد فإنه لا يجوز أكله للمحرم . وهو قول المالكية والشافعية والحنبلية وآخرين . ودليلهم ما أخرجه الصحيحان عن الصعب بن جثامة أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشيّاً وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال : " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرام " أما إذا لم يقصده بالاصطياد فإنه يجوز له الأكل منه . وذلك لحديث أبي قتادة حين صاد حماراً وحشيّاً وكان حلالاً لم يحرم وكان أصحابه محرمين فتوقفوا في أكله ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هل كان منكم أحد أشار إليها وأعان في قتلها " قالوا : لا . قال : " فكلوا " وأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولو أحرم وبيده صيد بر أو كان في بيته عند أهله ، فإن كان في يده لزمه إرساله . وإن كان في أهله فليس عليه إرساله . وهو قول الحنفية والحنبلية والمالكية . وعند الشافعي في أحد قوليه ليس عليه إرساله سواء كان في يده أو في بيته . وهو مروي عن مالك . وقيل : عليه أن يرسله سواء كان في بيته أو في يده ، فإن لم يرسله ضمن . وهو قول ابن أبي ليلى والثوري . والقول الثاني للشافعي . وذلك لقوله : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } وهذا عام في الملك والتصرف .
ولو دل المحرم محرماً آخر على الصيد فقتله فقد وجب على كل واحد منهما جزاء وهو قول الحنفية وأشهب من المالكية . وقيل : الجزاء على المحرم القاتل . وهو قول المالكية والشافعية لظاهر قوله تعالى : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُم مُّتَعَمِّداً } فعلق وجوب الجزاء بالقتل فانتفى بغيره .
قوله : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي احذروا واجتنبوا ما نهاكم الله عنه من الصيد والمعاصي كشرب الخمر والمقامرة واعتقاد الأنصاب والأزلام . فإنكم صائرون إلى الله فيعذب من يعصيه ويستنكف عن طاعته وعبادته( {[1077]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.