غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِلسَّيَّارَةِۖ وَحُرِّمَ عَلَيۡكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَرِّ مَا دُمۡتُمۡ حُرُمٗاۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (96)

87

{ أحل لكم صيد البحر } أي مصيداته . ويعني بالبحر جميع هذه المياه والأنهار ، وجملة ما يصاد منه ثلاث أجناس : الحيتان وجميع أنواعها حلال ، والضفادع وجميع أنواعها حرام ، وفيما سوى هذين خلاف . فقال أبو حنيفة : حرام . وقال ابن أبي ليلى والأكثرون : حلال . قوله { وطعامه } العطف يقتضي المغايرة وفيه وجوه : يروى عن أبي بكر الصديق أن الصيد ما صيد بالحيلة حال حياته ، والطعام ما يوجد مما لفظه البحر أو نضب عنه الماء من غير معالجة في أخذه . وقال جمع من العلماء : الاصطياد قد يكون للأكل وقد يكون لغيره كاصطياد الصدف لأجل اللؤلؤ واصطياد بعض الحيوانات البحرية لأجل عظامها وأسنانها . فالمعنى أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصطاد في البحر ، وأحل لكم أكل المأكول منه . وعن سعيد بن جبير أن الصيد هو الطري ، والطعام هو القديد منه وفي الفرق ضعف . قال الشافعي : السمكة الطافية في البحر محللة لأنه طعام البحر وقد قال تعالى { أحل لكم صيد البحر وطعامه } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته » { متاعاً لكم } في الحضر طرياً و{ للسيارة } في السفر مالحاً . وانتصب { متاعاً } على أنه مفعول له ولكنه مختص بالطعام . وقال الزجاج : انه مصدر مؤكد لأن قوله { أحل لكم } في معنى التمتيع { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً } قال العلماء : صيد البحر هو الذي لا يعيش إلا في الماء ، أما الذي لا يعيش إلا في البر والذي يمكنه أن يعيش في البر تارة وفي البحر أخرى فذاك كله صيد البر ، والسلحفاة والسرطان والضفدع وطير الماء كل ذلك من صيد البر ، ويجب على قاتله الجزاء . واتفق المسلمون على أن المحرم يحرم عليه الصيد الذي صاده أما الذي صاده الحلال فعن علي وابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير وطاوس والثوري واسحاق أن الحكم كذلك لإطلاق الآية ، ولما روي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدي إليه حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله . وقال مالك والشافعي وأحمد : إن لحم الصيد مباح للمحرم بشرط أن لا يصطاده المحرم ولا يصطاد له لما روى أبو داود في سننه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم » وعن أبي هريرة وعطاء ومجاهد أنهم أجازوا للمحرم ما صاده الحلال وإن صاده لأجله إذا لم يدل لم يشر ، وكذلك ما ذبحه قبل إحرامه وهو مذهب أبي حنيفه وأصحابه لما روي عن أبي قتادة أنه اصطاد حمار وحش وهو حلال في أصحاب محرمين له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هل أشرتم ؟ هل أعنتم ؟ فقالوا : هل بقي من لحمه شيء ؟ قالوا معنا رجله . فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فأكلها » . وهذان القولان مفرعان على تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد . وقال في الكشاف . أخذ أبو حنيفة بالمفهوم فكأنه قيل : وحرم عليكم أيها المحرمون ما صدتم في البر ، فيخرج عنه مصيد غيرهم . ويرد عليه أن المفهوم ليس بحجة . ثم حث على الطاعة والاجتناب عن المعاصي بقوله { واتقوا الله الذي إليه تحشرون } وهو كلام جامع للوعد والوعيد .

/خ100