المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (72)

72- إن الذين صدَقوا بالحق وأذعنوا لحكمه ، وهاجروا من مكة ، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ، والذين آووهم في غربتهم ، ونصروا رسول اللَّه يقاتلون من قاتله ، ويعادون من عاداه ، بعضهم نصراء بعض في تأييد الحق وإعلاء كلمة اللَّه على الحق . والذين لم يهاجروا ، لا يثبت لهم شيء من ولاية المؤمنين ونصرتهم ، إذ لا سبيل إلى ولايتهم حتى يهاجروا ، وإن طلبوا منكم النصر على من اضطهدوهم في الدين ، فانصروهم . فإن طلبوا النصر على قوم معاهدين لكم لم ينقضوا الميثاق معكم ، فلا تجيبوهم ، واللَّه بما تعملون بصير لا يخفي عليه شيء ، فقفوا عند حدوده لئلا تقعوا في عذابه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (72)

قوله تعالى : { إن الذين آمنوا وهاجروا } ، أي : هجروا قومهم وديارهم ، يعني المهاجرين من مكة .

قوله تعالى :{ وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا } رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه ، أي : أسكنوهم منازلهم .

قوله تعالى : { ونصروا } أي : ونصروهم على أعدائهم ، وهم الأنصار رضي الله عنهم . قوله تعالى : { أولئك بعضهم أولياء بعض } ، دون أقربائهم من الكفار ، قيل : في العون والنصرة . وقال ابن عباس : في الميراث ، وكانوا يتوارثون بالهجرة ، فكان المهاجرون والأنصار يتوارثون دون ذوي الأرحام ، وكان من آمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر حتى كان فتح مكة ، انقطعت الهجرة ، وتوارثوا بالأرحام حيث ما كانوا ، وصار ذلك منسوخاً بقوله عز وجل : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } [ الأحزاب : 6 ] ،

قوله تعالى : { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء } ، يعني في الميراث .

قوله تعالى : { حتى يهاجروا } ، قرأ حمزة : ( ولايتهم ) بكسر الواو ، والباقون بالفتح ، وهما واحد كالدلالة والدلالة .

قوله تعالى : { وإن استنصروكم في الدين } ، أي : استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا .

قوله تعالى : { فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق } ، عهد فلا تنصروهم عليهم .

قوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (72)

ثم ختم الله - تعالى - سورة الأنفال بالحديث عن علاقة المسلمين بعضهم بببعض ، وعن علاقتهم بغيرهم من الكفار عن الأحكام المنظمة لهذه العلاقات فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين آمَنُواْ . . . بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

هذه الآيات الكريمة التي ختم الله - تعالى - بها سورة الأنفال ، وضحت أن المؤمنين في العهد النبوى أقسام ، وذكرت حكم كل قسم منهم .

أما القسم الأول : فهم المهاجرون الأولون أصحاب الهجرة الأولى .

وأما القسم الثانى : فهم الأنصار من أهل المدينة .

والقسم الثالث : المؤمنون الذين لم يهاجروا .

والقسم الرابع : المؤمنون الذين هاجروا بعد صلح الحديبية .

وقد عبر - سبحانه - عن القسمين : الأول والثانى بقوله : { إِنَّ الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله والذين آوَواْ ونصروا } .

أى : { إِنَّ الذين آمَنُواْ } بالله - تعالى - حق الإِيمان { وَهَاجَرُواْ } أي تركوا ديارهم وأوطانهم وكل نفيس من زينة الحياة الدنيا . من أجل الفرار بدينهم من فتنة المشركين ، ومن أجل نشر دبن الله في الأرض { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله } أى : أنهم مع إيمانهم الصادق ، وسبقهم بالهجرة إرضاء الله - تعالى - ، قد بالغوا في إتعاب أنفسهم من أجل نصرة الحق ، فقدموا ما يملكون من أموال ، وقدموا نفوسهم رخيصة لا في سبيل عرض من أعراض الدنيا ، وإنما في سبيل مرضاة الله ونصرة دينه .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هذا القسم الأول من ال مؤمنين وهم الذين سبقوا إلى الهجرة . بأعظم الصفات وأكرمها .

فقد وصفهم بالإِيمان الصادق ، وبالمهاجرة فرار بدينهم من الفتن ، وبالمجاهد بالمال والنفس في سبيل إعلاء كلمة الله .

وقد جاءت هذه الأوصاف الجليلة مرتبة حسب الوقوع ، فإن أول ما حصل منهم هو الإِيمان ، ثم جاءت من بعده الهجرة ، ثم الجهاد .

ولعل تقديم المجاهدة بالأموال هنا على المجاهدة بالأنفس ، لأن المجاهدة بالأموال أكثر وقوعا ، وأتم دفعا للحاجة ، حيث لا تتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالأموال .

وقوله { فِي سَبِيلِ الله } متعلق بقوله { وَجَاهَدُواْ } لإِبراز أن جهادهم لم يكن لأى غرض دنيوى ، وإنما كان من أجل نصرة الحق وإعلاء كلمته - سبحانه - .

وقوله : { والذين آوَواْ ونصروا } بيان للقسم الثانى من أقسام المؤمنين في العهد النبوى ، وهم الأنصار من أهل المدينة الذين فتحوا للمهاجرين قلوبهم ، واستقبلوهم أحسن استقبال ، حيث أسكنوهم منازلهم ، وبذلوا لهم أموالهم ، وآثروهم على أانفسهم ، ونصروهم على أعدائهم .

فالآية الكريمة قد وصفت الأنصار بوصفين كريمين .

أولهما : الإِيواء الذي يتضمن التأمين من الخوف ، إذا المأوى هو المجلأ والمأمن مما يخشى منه ، ومن ذلك قوله - تعالى - { إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف . . . } وقوله - تعالى - { وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ . . . } ولقد كانت المدينة مأوى وملجأ للمهاجرين ، وكان اهلها مثالا للكرم والإِيثار . .

ثانيهما : النصرة ، لأن أهل المدينة قد نصروا الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين بكل ما يملكون من وسائل التأييد والمؤازرة ، فقد قاتلوا من قاتلهم ، وعادوا من عاداهم ، ولذا جعل الله - تعالى - حكمهم المهاجرين واحدا فقال : { أولئك بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } .

فاسم الإِشارة يعود إلى المهاجرين السابقين ، وإلى الانصار .

وقوله : { أَوْلِيَآءُ } جمع ولى ويطلق على الناصر والمعين والصديق والقريب . .

والمراد بالولاية هنا : الولاية العامة التي تتناول التناصر والتعاون والتوارث . .

أى : أولئك المذكورون الموصوفون بهذه الصفات الفاضلة يتولى بعضهم بعضا في النصرة والمعاونة والتوارث . . . وغير ذلك ، لأن حقوقهم ومصالحهم مشتركة .

قال الالوسى ما ملخصه : " روى عن ابن عباس أن النبى - صلى الله عليه وسلم - آخى بين المهاجرين والأنصار ، فكان المهاجر يرثه أخوه الأنصارى ، إذا لم يكن له بالمدينة ولى مهاجرى وبالعكس ، واستمر أمهرهم على ذلك إلى فتح مكة ثم توارثوا بالنسب بعد إذ لم تكن هجرة . . وعليه فالآية منسوخة بقوله - تعالى - بعد ذلك { وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله . . . } " .

وقال الأصم : الآية محكمة ، والمرد الولاية بالنصرة والمظاهرة .

والذى نراه أن الولاية هنا عامة فهى تشمل كل ما يحتاج إليه المسلمون فيما بينهم من تعاون وتناصر وتكافل وتوارث وغير ذلك . .

وقوله - تعالى - : { والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتى يُهَاجِرُواْ . . . } بيان لحكم القسم الثالث من أقسام المؤمنين في العهد النبوى . .

أى : هذا الذي ذكرته لكم قبل ذلك في الآية هو حكم المهاجرين السابقين والأنصار الذي آووهم ونصروهم أما حكم الذين آمنوا ولم يهاجروا ، وهم المقيمون في أرض الشرك تحت سلطان المشركين وحكمهم . فإنهم ليس بينهم وبين المهاجرين والأنصار ولاية إرث { حتى يُهَاجِرُواْ } إلى المدينة ، كما أنكم - أيها المؤمنون - لا تنتظروا منهم تعاونا أو مناصرة ، لأنهم بسبب إقامتهم في أرض الشرك وتحت سلطانه - أصبحوا لا يملكون وسائل المناصرة لكم .

ثم قال - تعالى - : { وَإِنِ استنصروكم فِي الدين فَعَلَيْكُمُ النصر إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } .

أى : وان طلب منكم هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا النصرة على أعدائكم في الدين ، فيجب عليكم أن تنصروهم ، لأنهم إخوانكم في العقدية ، بشرط ألا يكون بينكم وبين هؤلاء الأعداء عهد ومهادنة ، فإنكم في هذه الحالة يحظر عليكم نصرة هؤلاء المؤمنين الذين لم يهاجروا ، لأن في نصرتهم - على من بينكم وبينهم عند - نقضا لهذا العهد .

أى : إن نصرتكم لهم إنما تكون على الكفار الحربين لا على الكفار المعاهدين وهذا يدل على رعاية الإِسلام للعهود ، واحترامه للشروط والعقود .

قال الجمل : أثبت الله - تعالى - للقسمين الأولين النصرة والإِرث ، ونفى عن هذا القسم الإِرث وأثبت لها النصرة .

وقوله : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } تذييل قصد به الترغيب في طاعة الله ، والتحذير عن مصعيته .

أى : والله - تعالى - مطلع على كل أعمالكم فأطيعوه ، ولا تخالفوا أمره .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (72)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آوَواْ وّنَصَرُوَاْ أُوْلََئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مّن وَلاَيَتِهِم مّن شَيْءٍ حَتّىَ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدّينِ فَعَلَيْكُمُ النّصْرُ إِلاّ عَلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : إن الذين صدقوا الله ورسوله . وَهاجَرُوا يعني : هجروا قومهم وعشيرتهم ودورهم ، يعني : تركوهم وخرجوا عنهم ، وهجرهم قومُهم وعشيرتهم . وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ يقول : بالغوا في إتعاب نفوسهم وإنصابها في حرب أعداء الله من الكفار في سبيل الله ، يقول في دين الله الذي جعله طريقا إلى رحمته والنجاة من عذابه . وَالّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا يقول : والذين آووا رسول الله والمهاجرين معه يعني أنهم جعلوا لهم مأوى يأوون إليه ، وهو المثوى والمسكن ، يقول : أسكنوهم وجعلوا لهم من منازلهم مساكن ، إذ أخرجهم قومهم من منازلهم ونَصَرُوا يقول : ونصروهم على أعدائهم وأعداء الله من المشركين . أُولئكَ بعضُهمْ أوْلياءُ بَعْضٍ يقول : هاتان الفرقتان ، يعني المهاجرين والأنصار ، بعضهم أنصار بعض ، وأعوان على من سواهم من المشركين ، وأيديهم واحدة على من كفر بالله ، وبعضهم إخوان لبعض دون أقربائهم الكفار . وقد قيل : إنما عنى بذلك أن بعضهم أولى بميراث بعض ، وأن الله ورّث بعضهم من بعض بالهجرة والنصرة دون القرابة والأرحام ، وأن الله نسخ ذلك بعد بقوله : وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بأمْوَالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آووْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ يعني في الميراث . جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام ، قال الله : وَالّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا يقول : ما لكم من ميراثهم من شيء ، وكانوا يعملون بذلك ، حتى أنزل الله هذه الاَية : وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ في الميراث ، فنسخت التي قلبها ، وصار الميراث لذوي الأرحام .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بأمْوَالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يقول : لا هجرة بعد الفتح ، إنما هو الشهادة بعد ذلك وَالّذِينَ آووْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ . . . إلى قوله : حتى يُهاجِرُوا وذلك أن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث منازل . منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة ، خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم ، وآوَوْا وَنَصَرُوا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة ، وشهروا السيوف على من كذب وجحد ، فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض ، فكانوا يتوارثون بينهم إذا توفي المؤمن المهاجر ورثه الأنصاريّ بالولاية في الدين ، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر . فبرأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم ، وهي الولاية التي قال الله : ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا وكان حقّا على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قاتلوا إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم ميثاق ، فلا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذين لا ميثاق لهم . ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين هاجروا والذين آمنوا ولم يهاجروا ، فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبا مفروضا بقوله : وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ إنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، وبقوله : وَالمُؤمِنُونَ والمُؤمِناتُ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الثلاث الاَيات خواتيم الأنفال فيهنّ ذكر ما كان من ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مهاجري المسلمين وبين الأنصار في الميراث ، ثم نسخ ذلك آخرها : وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ إنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، قوله : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا . . . إلى قوله : بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قال : بلغنا أنها كانت في الميراث لا يتوارث المؤمنون الذين هاجروا والمؤمنون الذين لم يهاجروا ، قال : ثم نزل بعد : وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ إنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فتوارثوا ولم يهاجروا . قال ابن جريج ، قال مجاهد : خواتيم الأنفال الثلاث الاَيات فيهنّ ذكر ما كان والي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين المسلمين وبين الأنصار في الميراث ، ثم نسخ ذلك آخرها : وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بأمْوَالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آووْا وَنَصَرُوا . . . إلى قوله : ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا قال : لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة ، والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئا ، فنسخ ذلك بعد ذلك قول الله : وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُهاجِرِينَ إلاّ أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفا أي من أهل الشرك . فأجيزت الوصية ، ولا ميراث لهم ، وصارت المواريث بالملل ، والمسلمون يرث بعضهم بعضا من المهاجرين والمؤمنين ، ولا يرث أهل ملتين .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسن ، عن يزيد ، عن عكرمة والحسن ، قالا : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ . . . إلى قوله : ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا كان الأعرابي لا يرث المهاجر ولا يرثه المهاجر ، فنسخها فقال : وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ إنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بأمْوَالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ آووْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ فِي الميراث ، وَالّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يُهاجِرُوا وهؤلاء الأعراب ، ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ في الميراث ، وَإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّينِ يقول بأنهم مسلمون ، فَعَلَيْكُمُ النّصْرُ إلاّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ . وَالّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوْلِيَاءُ بَعْضٍ في الميراث ، وَالّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ الذين توارثوا على الهجرة في كتاب الله ، ثم نسختها الفرائض والمواريث ، فتوارث الأعراب والمهاجرون .

القول في تأويل قوله تعالى : وَالّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا وَإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّينِ فَعَلَيْكُمُ النّصْرُ إلاّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .

يعني بقوله تعالى ذكره : والّذِينَ آمَنُوا الذين صدقوا بالله ورسوله ، ولَمْ يُهاجِرُوا قومهم الكفار ، ولم يفارقوا دار الكفر إلى دار الإسلام . ما لَكُمْ أيها المؤمنون بالله ورسوله المهاجرون قومهم المشركين وأرضَ الحرب ، مِنْ وَلايَتِهِمْ يعني : من نصرتهم وميراثهم . وقد ذكرت قول بعض من قال : معنى الولاية ههنا الميراث ، وسأذكر إن شاء الله من حضرني ذكره بعد . مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا قومهم ودورهم من دار الحرب إلى دار الإسلام . وَإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّينِ يقول : إن استنصركم هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا في الدين ، يعني بأنهم من أهل دينكم على أعدائكم وأعدائهم من المشركين ، فعليكم أيها المؤمنون من المهاجرين والأنصار النصر ، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم ميثاق ، يعني عهد قد وثق به بعضكم على بعض أن لا يحاربه . وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يقول : والله بما تعملون فيما أمركم ونهاكم من ولاية بعضكم بعضا أيها المهاجرون والأنصار ، وترك ولاية من آمن ولم يهاجر ، ونصرتكم إياهم عند استنصاركم في الدين ، وغير ذلك من فرائض الله التي فرضها عليكم . بَصِيرٌ يراه ويبصره ، فلا يخفى عليه من ذلك ولا من غيره شيء .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى يُهاجِرُوا قال : كان المسلمون يتوارثون بالهجرة ، وآخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بينهم ، فكانوا يتوارثون بالإسلام والهجرة ، وكان الرجل يسلم ولا يهاجر لا يرث أخاه ، فنسخ ذلك قوله : وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُهاجِرِينَ .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أخذ على رجل دخل في الإسلام ، فقال : «تُقيمُ الصّلاةَ ، وتُؤْتي الزّكَاةَ ، وتَحجّ البَيْتَ ، وتَصُومُ رَمَضَانَ ، وأنّكَ لا ترى نَارَ مُشْرِكٍ إلاّ وأنْتَ حَرْبٌ » .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّينِ يعني : إن استنصركم الأعراب المسلمون أيها المهاجرون والأنصار على عدوّهم فعليكم أن تنصروهم . إلاّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ترك النبيّ صلى الله عليه وسلم الناس يوم توفي على أربع منازل : مؤمن مهاجر ، والأنصار ، وأعرابي مؤمن لم يهاجر إن استنصره النبيّ صلى الله عليه وسلم نصره وإن تركه فهو إذن له وإن استنصر النبيّ صلى الله عليه وسلم في الدين كان حقّا عليه أن ينصره ، فذلك قوله : وَإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدّينِ فَعَلَيْكُمُ النّصْرُ . والرابعة : التابعون بإحسان .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا . . . إلى آخر السورة ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وترك الناس على أربع منازل : مؤمن مهاجر ، ومسلم أعرابي ، والذين آووا ونصروا ، والتابعون بإحسان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (72)

مقصد هذه الآية وما بعدها تبيين منازل المهاجرين والأنصار والمؤمنين الذين لم يهاجروا ، والكفار والمهاجرين بعد الحديبية ، وذكر نسب بعضهم من بعض ، فقدم أولاً ذكر المهاجرين وهم أصل الإسلام ، وانظر تقديم عمر لهم في الاستشارة و «هاجر » معناه أهله وقرابته وهجروه ، { وجاهدوا } معناه أجهدوا أنفسهم في حرب من أجهد نفسه في حربهم ، { والذين آووا ونصروا } هم الأنصار ، وآوى معناه هيأ مأوى وهوالملجأ والحرز ، فحكم الله على هاتين الطائفتين بأن { بعضهم أولياء بعض } ، فقال كثير من المفسرين : هذه الموالاة هي المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي ، وعليه فسر الطبري الآية ، وهذا الذي قالوا لازم من دلالة اللفظ ، وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد وكثير منهم إن هذه الموالاة هي في الميراث ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار ، وكانت بين الأنصار أخوة النسب وكانت أيضاً بين بعض المهاجرين فكان المهاجريّ إذا مات ولم يكن له بالمدينة ولي مهاجريّ وورثه أخوه الأنصاري ، وإن كان له ولي مسلم لم يهاجر ، وكان المسلم الذي لم يهاجر لا ولاية بينه وبين قريبه المهاجري لا يرثه ، قال ابن زيد : واستمر أمرهم كذلك إلى فتح مكة ، ثم توارثوا بعد ذلك لما لم تكن هجرة .

قال القاضي أبو محمد : فذهبت هذه الفرقة إلى أن هذا هو مقصد الآية ، ومن ذهب إلى أنها في التآزر والتعاون فإنما يحمل نفي الله تعالى ولايتهم عن المسلمين على أنها صفة الحال لا أن الله حكم بأن لا ولاية بين المهاجرين وبينهم جملة ، وذلك أن حالهم إذا كانوا متباعدي الأقطار تقتضي أن بعضهم إن حزبه حازب لا يجد الآخر ولا ينتفع به فعلى هذه الجهة نفي الولاية ، وعلى التأويلن ففي الآية حض للأعراب على الهجرة ، قاله الحسن بن أبي الحسن ، ومن رأى الولاية في الموارثة فهو حكم من الله ينفي الولاية في الموارثة ، قالوا : ونسخ ذلك قوله تعالى { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض }{[5487]} ، وقرأ جمهور السبعة والناس «وَلايتهم » بفتح الواو والوَلاية أيضاً بفتح الواو{[5488]} ، وقرأ الكسائي «وَلايتهم » بفتح الواو والوِلاية بكسر الواو ، وقرأ الأعمش وابن وثاب «وِلايتهم » والوِلاية بكسر الواو وهي قراءة حمزة ، قال أبو علي والفتح أجود لأنها في الدين ، قال أبو الحسن الأخفش والكسر فيها لغة وليست بذلك ولحن الأصمعي والأعمش{[5489]} وأخطأ عليه لأنها إذا كانت لغة فلم يلحن .

قال القاضي أبو محمد : لا سيما ولا يظن به إلا أنه رواها ، قال أبو عبيدة : الوِلاية بالكسر هي من وليت الأمر إليه فهي من السلطان ، والولاية هي من المولى ، يقال مولى بين الوَلاية بفتح الواو ، وقوله { وإن استنصروكم } يعني إن استدعى هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا نصركم على قوم من الكفرة فواجب عليكم نصرهم إلا إن استنصروكم على قوم كفار قد عاهدتموهم أنتم وواثقتموهم على ترك الحرب فلا تنصروهم عليهم لأن ذلك عذر ونقض للميثاق وترك لحفظ العهد والوفاء به ، والقراءة «فعليكم النصرُ » برفع الراء ، ويجوز «فعليكم النصر » على الإغراء ، ولا أحفظه قراءة ، وقرأ جمهور الناس «والله بما تعملون » على مخاطبة المؤمنين ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والأعرج «بما يعملون » بالياء على ذكر الغائب .


[5487]:- ستأتي بعد ثلاث آيات، فهي الآية (75) من هذه السورة.
[5488]:- يريد [الولاية] في قوله تعالى في الآية (44) من سورة (الكهف): {هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا}.
[5489]:- هكذا في جميع النسخ المخطوطة، ولكن من الواضح أنها "الأخفش" فالكلام عنه، ويؤيد ذلك ما قاله في "البحر" ونصه: "ولحن الأصمعي الأخفش في قراءته بالكسر وأخطأ في ذلك لأنها قراءة متواترة"، وكلام ابن عطية يؤيد هذا حين يقول: "لأنها إذا كانت لغة فلم يلحن"، والذي قال إنها لغة هو الأخفش.