الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (72)

وقوله سبحانه : { إِنَّ الذين آمَنُوا وَهَاجَرُوا وجاهدوا بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ الله والذين ءاوَوا وَّنَصَرُوا أولئك بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [ الأنفال : 72 ] .

مَقْصِدُ هذه الآية وما بعدها : تبيينُ منازل المهاجرين والأنصار ، والمؤمنين الذين لم يُهَاجِرُوا ، وذكر المهاجرين بَعْد الحديبية ، فقدَّم أوَّلاً ذِكْرَ المهاجرين ، وهُمْ أصل الإِسلام ، وتأمَّل تقديمَ عُمَرَ لهم في الاستشارةِ ، وَهَاجَرَ : معناه : هَجَرَ أهله وقرابته ، وهَجَرُوهُ ، { والذين ءَاوَوا وَّنَصَرُوا } : هم الأنصارُ ، فحكَمَ سبحانه على هاتَيْنِ الطائفتين ؛ بأن بَعْضَهُم أولياءُ بَعْضٍ ، فقال كثيرٌ من المفسِّرين : هذه الموالاةُ : هي المؤازرة ، والمعاونة ، واتصال الأيدي ، وعليه فَسَّر الطبريُّ الآية ، وهذا الذي قالوه لازم من دلالة لفظ الآية ، وقال ابن عبَّاسٍ وغيره : هذه الموالاةُ هي في المواريث ؛ وذلك أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم آخَى بين المهاجرين والأنصار ، فكان المهاجريُّ إذا ماتَ ، ولم يكُنْ له بالمدينةِ وليٌّ مهاجريٌّ ، ورثه أخوه الأنْصَارِيُّ ، وكان المسلم الذي لم يُهَاجِرْ لا ولايَةَ بينه ، وبَيْنَ قريبه المهاجريِّ ، ولا يرثه ، ثم نُسِخَ ذلك بقوله سبحانه : { وَأُوْلُوا الأرحام } [ الأنفال : 75 ] ؛ وعلى التأويلين ، ففي الآية حضٌّ على الهجرة ، قال أبو عُبَيْدَة : الوِلاَيَةُ بالكسر من وَليتُ الأَمْرَ إِليه ، فهي في السلطان ، وبالفَتْحِ هي من المَوْلَى ؛ يقال : مَوْلَى بَيِّنَ الوَلاَيَةِ بفتح الواو .

وقوله سبحانه : { وَإِنِ استنصروكم } [ الأنفال : 72 ] يعني : إِن استدعى هؤلاء المؤمنون الذين لم يُهَاجِروا نَصْرَكُمْ { فَعَلَيْكُمُ النصر إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ } ؛ فلا تنصروهم عليهم ؛ لأَنَّ ذلك غَدْرٌ ونقْضٌ للميثاق .