فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (72)

ختم الله سبحانه هذه السورة بذكر الموالاة ليعلم كل فريق وليه الذي يستعين به ، وسمى سبحانه المهاجرين إلى المدينة بهذا الاسم ، لأنهم هجروا أوطانهم وفارقوها طلباً لما عند الله ، وإجابة لداعيه { والذين آوَواْ وَّنَصَرُواْ } هم الأنصار ، والإشارة بقوله : { أولئك } إشارة إلى الموصول الأوّل والآخر ، وهو مبتدأ وخبره الجملة المذكورة بعده ، ويجوز أن يكون { بَعْضُهُمْ } بدلاً من اسم الإشارة ، والخبر { أَوْلِيَاء بَعْضٍ } أي : بعضهم أولياء بعض في النصرة والمعونة ، وقيل المعنى : إن بعضهم أولياء بعض في الميراث . وقد كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة ، ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه : { وَأُوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ } .

قوله : { والذين آمَنُواْ } مبتدأ ، وخبره { مَا لَكُم مّن ولايتهم مّن شَيْء } . قرأ يحيى بن وثاب والأعمش ، وحمزة { من ولايتهم } بكسر الواو . وقرأ الباقون بفتحها ، أي ما لكم من نصرتهم وإعانتهم ، أو من ميراثهم ، ولو كانوا من قراباتكم لعدم وقوع الهجرة منهم { حتى يُهَاجِرُواْ } فيكون لهم ما كان للطائفة الأولى الجامعين بين الإيمان والهجرة { وَإِنِ استنصروكم } أي : هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا ، إذا طلبوا منكم النصرة لهم على المشركين { فَعَلَيْكُمُ النصر } أي : فواجب عليكم النصر { إِلا } أن يستنصروكم { على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مّيثَاقٌ } فلا تنصروهم ولا تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم ، حتى تنقضي مدته . قال الزجاج : ويجوز فعليكم النصر بالنصب على الإغراء .

/خ75