{ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } زمراً وأرسالاً ، القبيلة بأسرها ، والقوم بأجمعهم ، من غير قتال . قال الحسن : لما فتح الله عز وجل مكة على رسوله قالت العرب بعضها لبعض : إذا ظفر محمد بأهل الحرم -وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل- فليس لكم به يدان ، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً ، بعد أن كانوا يدخلون واحداً واحداً ، واثنين اثنين . وقال عكرمة ومقاتل : أراد بالناس أهل اليمن .
أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري ، حدثنا أحمد بن الكشمهيني ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتاكم أهل اليمن ، هم أضعف قلوباً ، وأرق أفئدة ، الإيمان يمان ، والحكمة يمانية " .
النصر : التغلب على العدو ، والإِعانة على بلوغ الغاية ، ومنه قولهم : قد نصر الغيث الأرض ، أي : أعان على إظهار نباتها .
والمراد به هنا : إعانة الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه ، حتى حقق له النصر عليهم .
والفتح : يطلق على فتح البلاد عَنْوَةً والتغلب على أهلها ، ويطلق على الفصل والحكم بين الناس ، ومنه قوله - تعالى - : { رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين } والمراد به : هنا فتح مكة . وما ترتب عليه من إعزاز الدين ، وإظهار كلمة الحق .
قال الإِمام ابن كثير : والمراد بالفتح هنا فتح مكة قولا واحدا ، فإن أحياء العرب كانت تتلوم - أي : تنتظر - بإسلامها فتح مكة ، يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي ، فلما فتح الله عليه مكة ، دخلوا فى دين الله أفواجا ، فلم تمض سنتان حتى استوسقت - أي : اجتمعت - جزيرة العرب على الإِيمان ، ولم يبق فى سائر قبائل العرب إلا مظهر للإِسلام ، ولله الحمد والمنة .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إذا جاءك نصر الله يا محمد على قومك من قريش ، والفتح -فتح مكة- ، ورأَيْتَ النّاسَ من صنوف العرب وقبائلها -أهل اليمن منهم ، وقبائل نزار- يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أفْوَاجا ، يقول : في دين الله الذي ابتعثك به ، وطاعتك التي دعاهم إليها أفواجا ، يعني : زُمَرا ، فوجا فوجا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ما قلنا في قوله : { إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ } :
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ } : فتح مكة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : }إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ } النصر حين فتح الله عليه ونصره .
حدثني إسماعيل بن موسى ، قال : أخبرنا الحسين بن عيسى الحنفيّ ، عن مَعْمر ، عن الزهريّ ، عن أبي حازم ، عن ابن عباس ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، إذ قال : «اللّهُ أكْبَرُ ، اللّهُ أكْبَرُ ، جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ ، جاءَ أهْلُ اليَمَنِ » ، قيل : يا رسول الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : «قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبِهُمْ ، لَيّنَةٌ طِباعُهُم ، الإيمَانُ يُمَانٍ ، والْفِقْهُ يَمانٍ ، والْحكْمَةُ يَمانِيَةٌ » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه . قالت : فقلت : يا رسول الله ، أراك تُكثر قول : سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه ، فقال : «خَبّرَنِي رَبّي أنّي سأَرَى عَلامَةً فِي أُمّتِي ، فإذَا رأيْتُها أكْثرْتُ مِنْ قَوْلِ سُبْحانَ اللّهِ وبِحَمْدِهِ ، وأسْتَغْفِرُهُ وأتُوبُ إلَيْهِ ، فَقَدْ رأيْتُها { إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ } فتْحُ مَكّة ، { ورأَيْت النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أفْوَاجا فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كانَ تَوّابا } » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة ، قالت : كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يُكثر قبل موته من قول سبحان الله وبحمده ، ثم ذكر نحوه .
حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد ، عن داود ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرِمة قال : لما نزلت : { إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ } قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ ، وَجَاءَ أهْلُ اليَمَنِ » ، قالوا : يا نبيّ الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : «رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ ، لَيّنَةٌ طِباعُهُمْ ، الإيمَانُ يمانِ ، والْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ » .
وأمّا قوله { أفْوَاجا } فقد تقدّم ذكره في معنى أقوال أهل التأويل . وقد :
حدثني الحرث ، قال : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { فِي دِينِ اللّهِ أفْواجا } قال : زُمرا زُمرا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.