الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا} (2)

قوله تعالى : { ورأيت الناس } أي العرب وغيرهم . { يدخلون في دين الله أفواجا } أي جماعات : فوجا بعد فوج . وذلك لما فتحت مكة قالت العرب : أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم ، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل ، فليس لكم به يدان{[16516]} . فكانوا يسلمون أفواجا : أمة أمة . قال الضحاك : والأمة : أربعون رجلا . وقال عكرمة ومقاتل : أراد بالناس أهل اليمن . وذلك أنه ورد من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين طائعين ، بعضهم يؤذنون ، وبعضهم يقرؤون القرآن ، وبعضهم يهللون ، فُسِّرَ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وبكى عمر وابن عباس . وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : " { إذا جاء نصر الله والفتح } وجاء أهل اليمن رقيقة أفئدتهم ، لينة طباعهم ، سخية قلوبهم ، عظيمة خشيتهم ، فدخلوا في دين الله أفواجا " . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاكم أهل اليمن ، هم أضعف قلوبا ، وأرق أفئدة ، الفقه يمان ، والحكمة يمانية " . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : " إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمين " ، وفيه تأويلان : أحدهما : أنه الفرج ، لتتابع إسلامهم أفواجا . والثاني : معناه أن الله تعالى نفس{[16517]} الكرب عن نبيه صلى الله عليه وسلم بأهل اليمن ، وهم الأنصار . وروى جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، وسيخرجون منه أفواجا " ذكره الماوردي ، ولفظ الثعلبي : وقال أبو عمار : حدثني جابر لجابر ، قال : سألني جابر ، عن حال الناس ، فأخبرته عن حال اختلافهم وفرقتهم ، فجعل يبكي ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، وسيخرجون من دين الله أفواجا " .


[16516]:أي طاقة.
[16517]:قال ابن الأثير: "هو مستعار من نفس الهواء الذي يرده التنفس إلى الجوف، فيبرد من حرارته ويعدلها. أو من نفس الريح الذي يتنسمه، فيستروح إليه. أو من نفس الروضة وهو طيب روائحها، فيتفرج به عنه. يقال: أنت في نفس من أمرك، واعمل وأنت في نفس من عمرك، أي في سعة وفسحة، قبل المرض والهرم ونحوهما,