{ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ( 1 ) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ( 2 ) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ( 3 ) } ( 1 – 3 ) .
عبارة الآيات واضحة . والخطاب فيها موجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما عليه الجمهور بدون خلاف . وقد ذكرنا ما ورد في صدد نزولها في المقدمة فلا ضرورة للإعادة .
وواجب التسبيح لله وحمده واستغفاره أصلي غير منوط بوقت . وليس الذي هنا بسبيل ذلك كما هو المتبادر ، وإنما هو على سبيل تلقين توكيد وجوبه إذا ما أتم الله على نبيه نعمته ، ويسر له الفتح والنصر ، وأقبل الناس على دين الله أفواجا .
وكل هذا خطير يستوجب مضاعفة ذلك الواجب من دون ريب ، والآيات بهذا الاعتبار تنطوي على تلقين مستمر المدى للمسلمين كجماعات بمقابلة نعم الله عز وجل بالشكر والحمد والاستغفار ، وبخاصة إذا كانت عامة متصلة بمصلحة المسلمين ونصرهم وتوطد أمرهم وانتشار دين الله وكلمته . ثم لكل مسلم إذا ما صار في ظرف من الظروف موضع رعاية الله وعنايته في تحقيق أمر خطير في دينه ودنياه .
وأسلوب الآيات توقيتي إذا صح التعبير ، أي أنه يوجب التسبيح والاستغفار حينما يجيء نصر الله ، ويدخل الناس في دين الله أفواجا . غير أن روحها يلهم أن ذلك الواجب قد وجب ، وأن ذلك المجيء قد جاء . والروايات والأحاديث التي أوردناها في صدد نزولها تؤيد ذلك كما هو المتبادر .
ومعظم المفسرين على أن الفتح المذكور في السورة هو فتح مكة ، حتى إنهم جعلوا تفسيرها وسيلة لإيراد قصة هذا الفتح . ولقد تم هذا الفتح في رمضان في السنة الثامنة للهجرة على ما شرحناه في سياق تفسير سورة الحديد ، في حين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتقل إلى الرفيق الأعلى في أوائل السنة الحادية عشرة .
والروايات التي أوردناها في المقدمة ذكر فيها أن السورة قد نزلت قبل وفاته بمدة قصيرة ، أقل من ثلاثة أشهر ، وهذا يجعلنا نرجح أن يكون ما عنته الآيات ليس فتح مكة وحسب ؛ بل مجموعة الانتصارات والفتوحات الضخمة التي يسرها الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى قبيل وفاته ، والتي بلغت ذروتها بفتح مكة الذي شرحنا قصته في سورة الحديد ، وبغزوة تبوك الكبرى التي شرحنا قصتها في سورة التوبة ، وبفتح الطائف التي ظلت مستعصية إلى السنة الهجرية التاسعة ، والتي لم تقتض حكمة التنزيل أن يشار إليها في القرآن ، ثم بسبيل الوفود التي أخذت تتدفق من جميع أنحاء جزيرة العرب على المدينة المنورة خلال السنتين التاسعة والعاشرة لمبايعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والدخول في دين الله أفواجا ، واستمر تدفقها إلى قبيل وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم بتوطد سلطان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام في جميع أنحاء الجزيرة العربية يمنها وتهامتها وحجازها وشرقها وشمالها مما ذكرنا بعض فصوله في سياق تفسير سورة التوبة ، ومما أطنبت به كتب السيرة والتاريخ القديمة ( 1 ){[2564]} ، وإعلان كون المشركين نجسا وحظر دخولهم المسجد الحرام ، وحج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رأس حشد عظيم من المسلمين ، روي أنه بلغ أربعين ألفا أو أكثر – وهذا رقم عظيم في ذلك الوقت – حتى هتف الله تعالى بالمؤمنين ، أو هتف النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرددا هتاف الله – الذي نزل قبل هذا اليوم على ما محصناه في سياق أوائل سورة المائدة – { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } ( 3 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.