غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا} (2)

قوله { ورأيت } ظاهره أنها رؤية القلب ، وجوز أن تكون رؤية البصر ، فيكون { يدخلون } حالاً . وظاهر لفظ الناس يقتضي العموم ، فيجيب أن يقدر غيرهم كالنسناس ، بدليل قوله { أولئك كالأنعام } [ الأعراف :179 ] . وسئل الحسن بن عليّ فقال : نحن الناس ، وأشياعنا أشباه الناس ، وأعداؤنا النسناس ، فقبّله عليّ بين عينيه وقال{ الله أعلم حيث يجعل رسالته } [ الأنعام :124 ] . قيل : إنهم لما دخلوا في الإسلام بعد مدة طويلة وتقصير كثير فكيف استحقوا المدح بأنهم الناس ؟ وأجيب بأنه إشارة إلى سعة رحمة الله ، فإن العبد بعد أن أتى بالكفر والمعصية سبعين سنة ، فإذا أتى بالإيمان في آخر عمره قبل إيمانه ، كأن الرب تعالى يقول : ربيته سبعين سنة مات على كفره ، وقع في النار وضاع إحساني إليه في سبعين سنة . ويروى أن الملائكة تقول لمثل هذا الإنسان : أتيت ، وإن كنت قد أبيت . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أفرح بتوبة أحدكم من الضال الواجد ، والظمآن الوارد " ، ويجوز أن يكون المراد بالناس أهل اليمن ، على ما روي عن أبي هريرة أنه لما نزلت السورة قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر ، جاء نصر الله والفتح " . وجاء " أهل اليمن ، قوم رقيقة قلوبهم ، الإيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية " ، وقال : " إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن " . قال جمهور الفقهاء وكثير من المتكلمين : إن إيمان المقلد صحيح ؛ لأنه تعالى حكم بصحة إيمان أولئك الأفواج ، وجعله من أعظم المنن على نبيه . ثم إنا نعلم قطعاً أنهم ما كانوا يعرفون حدوث الأجسام بالدلائل ، ولا صفات الكمال ونعوت الجلال ، وكونه سبحانه متصفاً بها منزهاً عن غيرها ، ولا ثبوت المعجز التام على يد محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا وجه دلالة المعجزة على النبوة . وعن الحسن : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت العرب : لا يدين لنا به ، فقد ظفر بأهل مكة ، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل ، وكل من أرادهم بسوء ، فأخذوا يدخلون في الإسلام أفواجاً من غير قتال . ولا شك أن هذا القدر مما يفيد غلبة الظن فقط . والفوج الجماعة الكثيرة كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها ، بعدما كانوا يدخلون فيه واحداً واحداً ، واثنين اثنين . وروي أن جابر بن عبد الله بكى ذات يوم فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " دخل الناس في دين الله أفواجاً ، وسيخرجون منه أفواجاً " .

/خ3