البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا} (2)

وقرأ الجمهور : { يدخلون } مبنياً للفاعل ؛ وابن كثير في رواية : مبنياً للمفعول .

{ في دين الله } : في ملة الإسلام الذي لا دين له يضاف غيرها .

{ أفواجاً } أي جماعات كثيرة ، كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعدما كانوا يدخلون فيه واحداً بعد واحد ، واثنين اثنين .

قال الحسن : لما فتح عليه الصلاة والسلام مكة ، أقبلت العرب بعضها على بعض فقالوا : أما الظفر بأهل الحرم فليس به يدان ، وقد كان الله تعالى أجارهم من أصحاب الفيل .

وقال أبو عمر بن عبد البر : لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي العرب رجل كافر ، بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين .

منهم من قدم ، ومنهم من قدّم وافده .

قال ابن عطية : والمراد ، والله أعلم ، العرب عبدة الأوثان .

وأما نصارى بني ثعلب فما أراهم أسلموا قط في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن أعطوا الجزية .

وقال مقاتل وعكرمة : المراد بالناس أهل اليمن ، وفد منهم سبعمائة رجل .

وقال الجمهور : وفود العرب ، وكان دخولهم بين فتح مكة وموته صلى الله عليه وسلم .

و { أفواجاً } : جمع فوج .

قال الحوفي : وقياس جمعه أفوج ، ولكن استثقلت الضمة على الواو فعدّل إلى أفواج ، كأنه يعني أنه كان ينبغي أن يكون معتل العين كالصحيح .

فكما أن قياس فعل صحيحها أن يجمع على أفعل لا على أفعال ، فكذلك هذا ؛ والأمر في هذا المعتل بالعكس .

القياس فيه أفعال ، كحوض وأحواض ، وشذ فيه أفعل ، كثوب وأثوب ، وهو حال .

ويدخلون حال أو مفعول ثان إن كان { أرأيت } بمعنى علمت المتعدية لاثنين .

وقال الزمخشري : إما على الحال على أن أرأيت بمعنى أبصرت أو عرفت ، انتهى .

ولا نعلم رأيت جاءت بمعنى عرفت ، فنحتاج في ذلك إلى استثبات .